الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأرضُ طبقاتٌ، أَمْسِك بيْضةً، هناك القِشرةُ الكِلسيّةُ، والقِشْرةُ الرقيقةُ، وبياضُ البيضةِ، وصفارُها، غيرَ أنّ أقسى هذه الطبقاتِ الطبقاتُ الخارجيّةُ، وكلّما نَزَلْنا إلى أعماقِ الأرضِ تصبحُ هذه الطبقاتُ أقلَّ صلابةً، إلى أنْ تصبحَ لَزِجةً، إلى أنْ تصبحَ مائعةً مضطربةً، وهذه النظريّةُ أصبحَتْ حقيقةً، فكلّما اتَّجَهنا نحو بطنِ الأرضِ ضَعُفَتِ الصلابةُ، وارتفعَتِ الحرارةُ، أمّا حول مركزِ الأرضِ فثمّةَ اضْطرابٌ عجيبٌ لِمَائِعٍ ناريٍّ، وقد أشارَ القرآنُ إلى ذلك، قال تعالى:{أَءَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [المُلك: 16] .
ومعنى تمورُ، أيْ تضطرِبُ اضْطرابَ المائع، إنّنا ننْعم بالاستِقرارٍ على ظهرها، بِصَلابتِها، بِقُوَّتها، نبني بناءً شامخاً على أساسٍ متينٍ، ولو أنّ هذه الأرضَ خُسِفَتْ بنا ووصلنا إلى أعماقها لأصبحْنا على مائعٍ ناريٍّ مضطرب يمورُ، قال تعالى:{أَءَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} .
فمَنْ أخْبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو النبيُّ الأُميُّ بأنّ في باطنِ هذه الأرضِ مائعاً ناريّاً مضطرباً؟ أليس هذا القرآنُ كلامَ الله عز وجل؟.
إذا وقفْتَ عند الآياتِ الكونيّةِ في القرآنِ وجدْتَ أنَّه كلّما تقدَّمَتْ بك الدراساتُ التقيت مع وصْفِ اللهِ الموجزِ، ومع وصفِ الله المُعجِزِ، ومع وصْفِ اللهِ البليغِ.
الذي خلق سبع سماوات طباقا
يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى، في سورة تبارك:
سنقفُ عندَ قوله تعالى: {الذي خَلَقَ سَبْعَ سماوات طِبَاقاً} .
يقولُ علماءُ الفضاءِ: "إنّ الطبقةَ الأولى هي طبقةُ الهواءِ السفلى، التي تعيشُ فيها الأحياءُ، مِن طيورٍ وكائناتٍ، وما شاكل ذلك، وهذه الطبقةُ أيضاً مؤلفةٌ من عِدّة طبقاتٍ، وهي متقلِّبةٌ من حالٍ إلى حالٍ، ومتحوِّلةٌ من مكانٍ إلى مكانٍ، مِن حالةِ الحَرِّ، إلى حالةِ البردِ، إلى حالةِ الغُيُومِ، إلى حالةِ الأمطارِ، إلى حالةِ العواصفِ، إلى حالةِ الزَّعازعِ، تنتقل فيها هذه المنخفضاتُ، وهذه المرتفعاتُ من مكانٍ إلى مكانٍ، وانتقالُها أساسُ التنبُّؤاتِ الجويةِ".
فهذه الطبقةُ السفلى لا يزيدُ ارتفاعُها أولَ الأمر على ستة عشر كيلو متراً.
والطبقة الثانية، هي طبقةٌ فيها جزيئاتٌ غازيةٌ كبريتيةٌ، هذه الجزيئاتُ الغازيةُ الكبريتيةُ، تلقِّحُ السحابَ، وتسهِّلُ عمليةَ الأمطارِ، ولولا هذه الطبقةُ الكبريتيةُ لمَا هَطَلَتِ الأمطارُ، ولما كانتِ الحياةُ على سطحِ الأرضِ، وفي هذه الثانية أيضاً طبقةُ الأوزون، وهي غلافٌ مِن الأُكسِجين الثلاثي، الذي يمتصُّ الأشعةَ فوقَ البنفسجيةِ القَاتِلةَ، لأنّ هناك في الشمسِ أشعةً فوقَ البنفسجيةِ، تمتصُّها طبقةُ الأوزون، ولا تسمح طبقةُ الأوزونِ بمرورِ هذه الأشعةِ القاتلةِ إلا بجزءٍ يسيرٍ يسِيرٍ يقتل الجراثيمَ الضارَّةَ في الكائناتِ الحيةِ، فالتعرُّضُ للشمسِ مفيد ومطهِّر، ولكن قد أصابَ طبقةَ الأوزونِ بعضُ الخللِ مِن كثرة رحلاتِ الفضاءِ، والأقمار الصناعيةِ، وبعض الصناعات الغازية، وبدأ سرطانُ الجلدِ ينتشرُ بأعدادٍ وبائيةٍ كبيرةٍ في بعض الدول المتقدمة، حيث إنّ طبقةَ الأوزونِ في تلك الأماكنِ قد أصابَها بعضُ الخللِ.
وأمّا الطبقةُ الثالثةُ فهي تشبِهُ فُرناً ذريّاً شديدَ اللهب، ولولا هذه الطبقةُ لكانتِ الأحجارُ الكونيةُ، والكوَيْكباتُ المتساقطةُ قد دَمَّرتْ كلَّ شيء على الأرض، ولكنَّ هذه الطبقةَ تصهرُ كلَّ شيءٍ؛ من نيازكَ، من معادنَ، من كويكباتٍ، من أحجارٍ، تصلُ إلى الأرضِ بفعلِ الجاذبيةِ، إنها تحترقُ في هذه المنطقةِ على الأرض، وتتشهَّبُ، وتصبحُ رماداً، لا يُرَى إلا بالمَجاهِر.
والطبقةُ الرابعةُ من طبقاتِ الغلافِ الجوّيِّ هي طبقةُ "الأيونوسفير"، أي الطبقةُ المتأيّنةُ بأرجائِها الغامضة، وبارتفاعٍ قَدْرُه ثمانون كيلو متراً فوقَ طبقة "الأيونوسفير"، وتتعرّض الطبقةُ المتأيّنةُ لإشعاعاتِ الشمسِ، ولا سيما فوق البنفسجيةِ التي تعملُ على تحطيمِ ذرّاتِ غازِ الأوكسجين والنيتروجين بها، فتفقدُها إحدى إلكتروناتِها فتصبحُ متأيِّنةً، أي مشحونةً كهربيّاً، وتُدعَى هذه الذراتُ عند ذلك بالأيوناتِ المشحونةِ، حيث تقومُ مقامَ الملايين من المرائي في الجوِّ، فتعكسُ الموجاتِ اللاسلكيةَ عن الأرضِ، وترسلها حولها، وهذه هي الطريقةُ التي تُستعملُ في إرسالِ الرسائلِ اللاسلكيةِ من قارةٍ إلى أخرى، وحول العالَمِ في جميع الاتجاهاتِ.
وأمّا الطبقةُ الخامسةُ فهي تمتدُّ مِن ألف كيلو مترٍ، إلى خمسةٍ وستين ألفَ كيلو مترٍ، يقلُّ الهواءُ تدريجياً في هذه الطبقةِ، إلى أن ينعدمَ، فطبقةُ الهواءِ المحيطةُ بالأرضِ يزيدُ سمْكُها على خمسةٍ وستين ألفَ كيلو مترٍ نحوَ الأعلى، أمّا الشيءُ المعجِزُ فهو أنّ اللهَ سبحانه وتعالى يقول:{وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 32] .
{سَقْفاً مَّحْفُوظاً} ، أي: به تُحْفَظُ الأرضُ، وقال بعضُ العلماءِ الأجانبِ بالحرفِ الواحدِ:"إنّ الجوَّ الأرضيَّ حاجزٌ حقيقيٌّ، هو حقاً قليلُ الكثافةِ، ولكنه سميكٌ جداً، فهو يُوقِفُ الأشعةَ، ويحرقُ الشُّهُبَ، إنّه يحمِي حياتَنا الدنيويةَ، ويحافظُ عليها، لأنّه لا يسمحُ إلا لكلِّ ما هو نافعٌ لنا بالوصولِ إلى سطحِ الأرضِ"، وهذا مصداق قول الله تعالى:{وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} .
لا يَسمحُ جوُّ الهواءِ للنيازكِ، ولا للشُّهُبِ، ولا للمعادنِ، ولا للأحجارِ، ولا للكُوَيْكِبَاتِ، ولا للأشعةِ القاتلةِ، ولا لكلِّ ما يؤذي الأرضَ بالاختراقِ، فالهواءُ إمّا أنْ يحرِقَه، وإما أنْ يمنعَه، فالأوزونُ يمنعُ الأشعةَ القاتلةَ، ويمتصُّها، والطبقةُ الرابعةُ الحارَّة تَصْهَرُ كلَّ شيءٍ.