الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دقِّقوا في هذه القوانينِ الستةِ: الذوبانِ، والترسيبِ، والتبخُّرِ، والتكثيفِ، والانصهارِ، والتجمُّدِ، هذه ستةُ قوانينَ لولاها لَمَا قامتِ الحياةُ على سطحِ الأرضِ، قال سبحانه وتعالى:{قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] .
قال الطبري في تفسير هذه الآية: "يقول تعالى ذكْرُه: قل يا محمّدُ لهؤلاء المشركين من قومِك السائلينَ الآياتِ على صحةِ ما تدعوهم إليه من توحيد الله، وخلْعِ الأندادِ والأوثان: انظروا أيّها القومُ ماذا في السماواتِ من الآياتِ الدالةِ على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله؛ من شمسِها، وقمرِها، واختلافِ ليلِها ونهارِها، ونزولِ الغيثِ بأرزاقِ العبادِ من سحابِها، وفي الأرضِ من جبالِها، وتصدُّعِها بنباتِها، وأقواتِ أهلِها، وسائرِ صنوفِ عجائبِها، فإنّ في ذلك لكم إنْ عقلتُم وتدبّرْتُم موعظةً ومُعتبراً، ودلالةً على أنّ ذلك مِن فِعْلِ مَن لا يجوزُ أن يكونَ له في مُلكه شريكٌ، ولا له على تدبيرِه وحِفْظِه ظهيرٌ، يغنيكم عما سواه مِن الآياتِ.
زلازل الدنيا وزلزلة الساعة
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ، حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ".
ففي كلِّ حينٍ نسمعُ في الأخبارِ أنَّ زلزالاً وقعَ في بلدٍ، وزلزالاً في بلدٍ آخرَ، وتتعاظمُ درجاتُ هذه الزلازلِ، وتودِي بحياةِ كثيرٍ منَ الناسِ، بيْدَ أنّ كثرتَها وشدَّتها مصداقُ حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، إنَّ هذه الزلازل من وظائفها أنها تعطينا معنى الزلزلة الكبرى، التي أوعد الله بها، قال تعالى:
{ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] .
إنّ الأرضَ مِن أكثرِ الكواكبِ في المجموعةِ الشمسيةِ كثافةً، فكثافةُ الأرضِ تزيدُ على كثافةِ الماءِ خمسةَ أضعافٍ، ويفسِّرُ العلماءُ الزلزلةَ بأنّها حركةٌ في باطنِ الأرضِ، حيثُ ينشأُ عنها ضغطٌ هائلٌ، لا تحتمِلُه قشرةُ الأرضِ، عندئذٍ تتصدَّعُ هذه القشرةُ، وهذا التصدُّعُ في قشرةِ الأرضِ هو الزلزالُ الذي نستمعُ إلى أخبارهِ مِن حينٍ إلى آخرَ، عِلْماً أنَّ هذه القشرةَ يزيدُ سَمكُها على تسعينَ كيلو متراً، وهي مِن صخورِ البازلت، وهذه الصخورُ مِن أقْسَى أنواعِ الصخورِ، ومع ذلك تتصدّعُ، فهذا الضغطُ من باطنِ الأرض الذي يصدِّعُ قشرةً من البازلت يزيدُ سمكُها على تسعينَ كيلو متراً، وهذا طرفٌ من معنى: إن اللهَ قويٌّّ، قال تعالى:{إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين} [الذاريات: 58] .
ويقول بعضُ علماءِ الزلازلِ: هناك زلزالٌ حَدَثَ في الصينِ في عامِ (1556) ، أودَى بحياةِ ثمانمئة وثلاثين ألفاً في ثوانٍ، وفي عام (1737) حدثَ زلزالٌ في الهند، أودَى بحياةِ مئة وثمانين ألفاً، وفي عام (1923) حدث زلزال في اليابان أودى بحياةِ مئة ألف، وفي عام (1976) حدث زلزالٌ في الصينِ أودَى بحياة مئة ألف، وحدث زلزالٌ في إيطاليا أودى بحياة خمسة وثلاثين ألفاً، في ثوانٍ معدودة، قال عز وجل:{ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] .
سألوا عالماً كبيراً من علماءِ الزلازلِ: "هل يمكنُ بما أُوتِينا من عِلمٍ متقدِّم أنْ نتّنبأَ بالزلزالِ قَبْلَ وقوعه، ولو بدقيقة؟ فقال: لا، إلاّ أنّ حيواناتٍ كثيرةً في مقدّمتِها مَن يُضْرَب المثلُ بغبائِه - الحمار - يشعرُ بالزلزالِ قبل وقوعه بربعِ ساعةٍ"، ذلك لأنّ هذه الحيواناتِ ليست مكلفةً كالإنسانِ، وليست مقصودةً بالزلزالِ، قال تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السماوات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72] .
قال عز وجل: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1]، زلزلت: أيْ تحرَّكتْ تحرُّكاً شديداً، واضطربتْ، وزُلزِلتْ زلزالَها العظيمَ، والكبيرَ، والأخيرَ، الذي ليس بعدَهُ زلزالٌ، وذلك عند قيامِ الساعةِ، وما هذه الزلازلُ إلا نماذجُ مصغرةٌ ومحدودةٌ.
{وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا} [الزلزلة: 2] ، وهو الإنسانُ، المخلوقُ المكلَّفُ الذي خُلِقَ لجنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ، لأنه قَبِلَ حملَ الأمانةِ، سخَّر اللهُ له ما في السَّماواتِ وما في الأرضِ جميعاً منه، وجعلَه مُسْتَخْلَفاً في الأرضِ، فإنْ سَمَا عقلُه على شهوتِه كان فوقَ الملائكةِ، وإنْ سَمَتْ شهوتُه على عقلِه كان دونَ الحيوانِ.
{وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا} [الزلزلة: 3] ، تعجباً وخوفاً، {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [الزلزلة: 4] ، ما عمِلَه الإنسانُ على وجهِ الأرضِ مِن خيرٍ أو شرٍّ.
{بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] ، أقْدَرَها على الكلام، وأذِن لها فيه، وأَمَرَهَا به.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً} [الزلزلة: 6] ، فُرادَى، متفرِّقين، فلا تجمُّعات، ولا تكتلات، ولا تناصرَ على باطل، ولا هيمنة، ولا غطرسة، قال تعالى:{اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يس: 65] .
قال تعالى: {لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [الزلزلة: 6-7] ، أيْ مقدارَ ذَرَّةٍ، وهي الجزءُ الذي لا يتجزأ، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: الآية 7-8] ، أيْ سيجدُ جزاءَه وعاقبتَه.