الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثَلٌ قريبٌ، وقريبٌ جدّاً؛ لقد جهَّزَ اللهُ سبحانه وتعالى المَعِدةَ بِحمْضٍ من أشدِّ الحموض تأثيراً، إنَّه حمضُ كلورِ الماءِ، إذا تناولْتَ لَحماً مِن أقسى اللّحوم، فإنّ هذا الحمضَ الذي في المعِدَةِ كفيلٌ بأنْ يجعلهُ سائلاً كالحليبِ، وهناك تجارِبُ أُجْرِيَتْ، إذْ وُضِعَتْ قطعةٌ من اللّحم القاسي في كُرةٍ مثقّبةٍ، وأُطْعِمَتْ لبعضِ الحيواناتِ، وبعدَ أنْ ذُبِحَ الحيوانُ، والْتُقِطَت الكرةُ لم يَجِدِ العلماءُ اللّحمَ الذي كان فيها، فقد نفذتِ العُصاراتُ الهاضمةُ إلى الكرةِ الحديديّةِ، وأذابَتِ اللّحمَ، يا تُرَى عمليّةُ الهضْمِ أساسُها حركةٌ ميكانيكيّة، أم أساسُها عصاراتٌ كيماويّةٌ؟ كلاهما، ولكنْ إذا اسْتعَصَى طعامٌ على الهضمِ الميكانيكيِّ تأتي العصاراتُ الكيمياويّةُ فتجعلهُ كَيلوساً، والكَيْلوسُ هو السائلُ، فكلُّ الأطعمةِ التي تأكلُها مهما تكن صلبةً، بِفِعل هذه الخمائرِ، وهذه الأحماضِ، فإنها تغْدو سائلاً سهلاً صالحاً للامتِصاصِ، ومع ذلك فإنّ أنواعاً كثيرةً مِنَ البذورِ تأكلُها مع الفواكهِ تخرجُ كما دخَلَتْ، ولا تستطيعُ العواملُ الميكانيكيّةُ في المعدةِ، ولا العواملُ الكيماويّةُ أنْ تؤثّرَ فيها، وهذه آيةٌ من آياتِ الله عز وجل؛ فإنّ اللهَ عز وجل زوَّدَ البُذورَ بِحَصانةٍ تجعلُها في منجاةٍ من أيِّ تأثيرٍ ميكانيكيٍّ، وأيِّ تأثيرٍ كيماويٍّ، هذه آيةٌ من آياتِ الله عز وجل، ولا تنْسَوا أنَّه قد اسْتَخرجَ العلماءُ من الأهراماتِ المصريّةِ قمحاً خُزِّنَ فيها قبلَ سِتَّة آلافِ عامٍ! وزُرِعَ القمحُ ونبتَ! فهذا الرُّشَيْم الصغيرُ الحسّاسُ الذي أوْدَعَ اللهُ فيه الحياةَ، وزوَّدَهُ بِقِشْرةٍ رقيقةٍ، وفي هذه القشْرة غذاؤُه، وزوَّدَهُ بِسُوَيقٍ وجُذَيرٍ، هذه الحياةُ الدقيقةُ اللطيفةُ التي أوْدَعَهَا اللهُ في الرُّشَيمِ بقِيَتْ سِتَّة آلاف عامٍ دون أن تُمسَّ بأذى، قال تعالى:{هاذا خَلْقُ الله فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ بَلِ الظالمون فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان: 11] .
قشرة القمح (النخالة) وفائدتها الصحية
إنّ اللهَ تعالى جعلَ القمحَ لبني البشرِ غذاءً كاملاً، ولكنّ عنايةَ الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى أنّها جَعَلَتْ هذا القمحَ ينبتُ في كل بقاعِ الأرضِ، ينبتُ في السهولِ، وينبتُ في الجبالِ، وينبتُ في الأغوارِ، وينبتُ في الأجواءِ الباردةِ، وينبتُ في الأجواءِ الحارّةِ، وينبتُ في الأجواءِ المعتدلةِ، وفي كلِّ لحظةٍ من لحظاتِ الزمنِ هناك قمحٌ على وجهِ الأرضِ ينبتُ، ولكنَّ الإبداعَ الإلهيَّ لهذه الثمرةِ أنه جَعَلَها كاملةَ الغذاءِ، ففيها غلافٌ خارجيٌّ يزن تسعةً في المئةِ من مجموعِ وزنِها، يُسمَّى عند الناس النُّخالة، وفيها قشرةٌ رقيقةٌ تنطوِي على مادةٍ آزوتيةٍ لا تزيدُ على ثلاثةٍ في المئة من وزنِها، وفيها الرُّشَيْمُ الكائنُ الحيُّ الذي ينبتُ إذا توافرت له شروطُ الإنباتِ، ووزنُه لا يزيدُ على أربعةٍ في المئة من وزنِ حبَّةِ القمحِ، والأربعةُ والثمانون في المئة نَشاءٌ خالصٌ، ماذا نفعل نحن؟ ننزعُ عن القمحةِ غلافَها، وغشاءَها، ولا يبقى لنا إلا النّشاءُ الخالصُ، أمّا هذا الغلافُ الذي يسمِّيه الناس نُخالةً ففيه ستةُ فيتامينات، فيتامين ب1، ب2
…
ب6، وفيتامينات أخرى في هذا الغلافِ، وفي هذا الغلافِ مادةٌ فسفوريةٌ هي غذاءٌ للدماغِ والأعصابِ، وفي هذا الغلافِ حديدٌ يَهَبُ الدمَ قوةً، وحيويةً، ويُعِينُ على اكتسابِ الأوكسجين مِنَ الرئتينِ، وفي هذا الغلافِ الكالسيوم، الذي يبني العظامَ، ويقوِّي الأسنانَ، وفي هذا الغلافِ السيليكون، الذي يقوِّي الشعرَ، ويزيدُه قوةً ولمعاناً، وفي هذا الغلافِ اليودُ الذي ينشط عملَ الغدّةِ الدَّرَقِيَّةِ، ويُضفِي على آكلِه السكينةَ والهدوءَ، وفيه البوتاسيوم، والصوديوم، والمغنزيوم، تدخلُ هذه المعادنُ كلُّها في تكوينِ الأنسجةِ، والعصاراتِ الهاضمةِ، أما نحن فننزعُ عن حبَّةِ القمحِ قشرَها، ونرمِيه للبهائمِ، ونأكلُ هذا النشاءَ الصافيَ، الذي هو كما وَصَفَه بعضُ الأطباءِ بأنّه غراءٌ جيدٌ للمعدةِ، وهو يذمُّه بهذا الوصف، لكنّ الإبداعِ الإلهيَّ في خَلقِ هذه القشرة بما فيها من الفوائدِ هو من أجلِ أنْ نأكلَ القمحَ بقشرِه، حتى نستفيدَ مِن هذه الموادِّ التي أودَعَهَا اللهُ في قشرةِ القمحِ.
إذا غُلِيَتْ هذه القشورُ بالماءِ الساخنِ كانتْ مهدئةً للسعالِ، والزكامِ، وإذا شُرِبَ هذا المغليُّ كان قابضاً للأمعاءِ، وكان دواءً لتقرُّحاتِ المعدةِ، وللزحار، وهو غذاءٌ للجلدِ، ووقايةٌ له من أمراضِه، وعلى رأسها الإكزيما.
لذلك حينمَا نأكلُ كما أرادَ اللهُ لنا أنْ نأكلَ، وحينما نطبِّقُ سنَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم في الأكلِ نضمنُ لأنفسِنا الصحّةَ، والبُعدَ عن الأمراض.