الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الإمامُ الطبريُّ في تفسيره: "القولُ في تأويلِ قولِه تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرياح}
…
وتصريفُ الله إياها أنْ يرسلها مرةً لواقحَ، ومرة يجعلُها عقيماً، ويبعثُها عذاباً تدمِّر كلَّ شيءٍ بأمرِ ربِّها
…
وعن قتادة قوله: {وَتَصْرِيفِ الرياح والسحاب المسخر} [البقرة: 164] قال: قادرٌ واللهِ ربُّنا على ذلك، إذا شاء جَعَلَها عذاباً، ريحاً عقيماً، لا تلقح، إنما هي عذابٌ على مَن أُرْسِلَتْ عليه
…
وزعم بعضُ أهلِ العربيةِ أنّ معنى قوله: {وَتَصْرِيفِ الرياح} أنّها تأتي مرةً جنوباً، وشمالاً، وقبولاً، ودبوراً، ثم قال: وذلك تصريفُها، وهذه الصفةُ التي وَصَفَ الرياحَ بها صفةُ تَصَرُّفِها لا صفةُ تَصرِيفِها، لأنّ تصريفَها تصريفُ اللهِ لها، وتصرُّفُها اختلافُ هبوبِها".
تلوث الهواء والبيئة
872631> الصفحة غير موجودة
القوانين الفيزيائية والكيميائية
إنّ المؤمنَ إذا قرأَ العلومَ يربطُها بخالقِ الكونِ، ويكشفُ الحكمةَ البالغةَ مِن هذه القوانينِ التي قنَّنها اللهُ عز وجل.
كلُّنا يعلمُ أنّ هناك ظاهرةً مِن خصائصِ المعادنِ، هي الانصهارُ، فالموادُّ الصلبةُ تتحوَّلُ إلى حالةٍ سائلةٍ بالانصهارِ، كيف يمكنُ أنْ نستخرجَ المعادنَ مِن مظانِّها لولا اختلاطُها بالتربة، وكيف يمكنُ أنْ نعيدَ تشكيلَها لولا انصهارُها وتجمُّدُها، فالانصهارُ والتجمُّدُ بهما نأخذُ المعادنَ مِن أعماقِ الأرضِ، وبهما نشكِّلُ المعادنَ كما نريدُ، هذا قانونٌ أرادهُ اللهُ عز وجل.
شيءٌ آخرُ: التبخُّر والتكثيفُ، لولا هذانِ القانونانِ هل مِن الممكنِ أنْ تنزلَ الأمطارُ؟ البحرُ مِلْحٌ أُجَاجٌ، أشعةُ الشمسِ تبخِّرُه، فمَن الذي قنّنَ؟ أنّ الموادَّ المنحلَّة في السائلِ حيث لا تتبخَّرُ، بل تبقَى في السائلِ، ويتبخَّرُ الماءُ الصرفُ؟ ومَن قنَّن قانونَ التكثيفِ؟ يتحولُ الماءُ إلى بخارٍ، والبخارُ إلى ماءٍ دون أنْ تَعْلَقَ الموادُّ الرَّاسبةُ في السائلِ في البخارِ، لولا قانونُ التبخُّرِ والتكثيفِ لَمَا كانت أمطارٌ، ولَمَا كانت مياهٌ عذبةٌ نشربُها، ونرتوي بها.
شيءٌ آخرُ: ظاهرةُ الترسبِ، الإنسانُ خُلِقَ مِن ماءٍ مهينٍ، لهُ عظامٌ، عظمُ عُنُقِ الفخذِ يتحمَّلُ مِن الوزنِ ما يزيدُ على مئتين وخمسين كيلو غراماً، فالإنسانُ العتيدُ الشديدُ يمكنُ أنْ يتحمَّلَ خمسمئة كيلو فوقَه، هذه الصلابةُ التي اكتسبَتْها العظامُ أنَّى لها أنْ تكونُ لولا ظاهرةُ الترسُّبِ؟ حيثُ إنّ الموادَّ الذائبةَ في سائلٍ تنفصلُ عنه، وتترسَّبُ، وتشكِّلُ هذا العظمَ.
يقولُ الأطباءُ: إنّ ميناءَ الأسنانِ يأتي بعد الماسِ في صلابتِه، لولا الترسُّبُ لَمَا كانت الأسنانُ بهذا القوام، ولَما كانت العظامُ، ولما كنَّا نحن.
وظاهرةٌ أخرى هي الذوبانُ، لولا ذوبانُ أملاحِ المعادنِ في الماءِ لَمَا أمكنَ للنباتِ أنْ يأخذَ كلَّ المعادنِ مِن التربةِ، كلُّ أملاحِ المعادنِ تذوبُ في الماءِ، ويصعدُ الماءُ مع أملاحِ المعادنِ المذابةِ، فتأخذ الأوراقُ حاجتَها، ولولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا ذابتِ الأطعمةُ على شكلِ سائلٍ، وينتقل هذا السائلُ إلى الدمِ، والدّمُ ينقلُ كلَّ هذه الموادِّ إلى الخلايا.
فإذا وَقَفْنَا عند قانونِ الانصهارِ، وقانونِ التجمدِ، وقانونِ الذوبانِ، وقانونِ الترسبِ، وقانونِ التبخُّرِ، وقانونِ التكثيفِ اكتشفْنَا قدرةَ اللهِ وحكمتَه.
إنّ المؤمنَ إذا أرادَ أنْ يعرفَ اللهَ دلَّه كلُّ شيءٍ عليه، كلُّ قانونٍ يقرؤه المرءُ حتى في الكتبِ العلميةِ المحضةِ، يجد أنّ هذا القانونَ يشيرُ إلى عظمةِ اللهِ عز وجل، لولا تحوُّلُ المعادنِ إلى أملاحٍ، ولولا ذوبانُ الأملاحِ في الماءِ لَمَا كنا في هذا المكان، كيف أنك تمشي على قَدَمَيْنِ؟ هناك هيكلٌ عظميٌّ يحمِي هذه العضلاتِ، لولا ظاهرةُ الترسُّب لَمَا كان هناك إنسانٌ يمشي على قَدَمَيْن، ولولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا أمكنك أنْ تأخذَ كلَّ الغذاءِ، إنّك تأكلُ مركباتِ الحديدِ، وأنت لا تشعرُ، أملاحُ المعادنِ كلُّها ذائبةٌ في دَمِكَ، لولا ظاهرةُ الذوبانِ لَمَا أمكنَ أنْ تستفيدَ مِن المعادنِ، ولَمَا أمكنَ أنْ تستفيدَ من الغذاءِ.