الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو صعدتَ إلى سطحِ القمرِ لهبَطَ وزنُك إلى السدسِ، ولو أنَّ وزنَك في الأرضِ ستون كيلو غراماً لصار وزنُك في القمر عشرة كيلو غرامات، هذا نظامُ الجاذبيةِ.
إنّ اللهَ سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين يَلفِتُ نَظَرَنَا إلى هذه الحقيقةِ، فالسعيدُ مَن تأمل فيهما، وإنّ تفكُّرَ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ ستينَ عاماً، {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُون} [يونس: 101] .
من الإعجاز اللغوي في القرآن {فِي? أَدْنَى ?لأَرْضِ}
مِن دلائلِ إعجازِ القرآنِ الكريمِ أنَّه أنبأَ عنِ المُستقبلِ، وقد وقعَ ما أنبأَ اللهُ به، من هذا قولُه تعالى:{الاما * غُلِبَتِ الروم * في أَدْنَى الأرض وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون} [الروم: 1-4] .
يَعنِينا من هذه الآيةِ كلمةُ: {في أَدْنَى الأرض} ، ماذا يريدُ اللهُ بها؟ وأيُّ مكانٍ هو أدنى الأرضِ؟ الأرضُ كرةٌ، ولأنّها كرةٌ فَخُطوطها متّصلةٌ، ومستمرّةٌ، وهو الشكلُ الهندسيُّ الوحيدُ الذي إذا سرْتَ بِخَطّ عليه امْتدَّ إلى ما لا نهاية، وليس لهذا الشكل حوافٌ، وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ في آيات أخرى إلى كُروِيَّة الأرضِ حيث قال سبحانه:{والأرض مَدَدْنَاهَا} [الحجر: 19] ، أي إنّ الخطوطَ على الأرضِ لا تنقطعُ، ولا تقفُ عند حدٍّ، بل إنّها تتَّصلُ، فلو اتَّجَهْتَ نحو الشّمالِ نظريّاً، ثم وصلْتَ إلى القطبِ، وعُدْتَ بعدها في نصفِ الكرةِ الآخرِ لعدتَ إلى النقطةِ التي بدأتَ منها، هذا معنى:{والأرض مَدَدْنَاهَا} .
إنّ في هذه الآيةِ إشارةً إلى أنّ الأرضَ كرةٌ، ولكن ما معنى {أَدْنَى الأرض} ؟ إنّ كلمة:{أَدْنَى} تعني شيئين؛ تعني أنّه الأسْفلُ، وتعني أنَّه الأقربُ، فإذا اسْتبْعدنا معنى الأقرب لِكَون الأرضِ كرةً، بقيَ المعنى: هو الأسْفل، وقد أجْمَعَ المؤرخون على أنّ المعركة التي انْتصرَ فيها الرُّوم على الفُرْس تحقيقاً لِوَعد الله عز وجل في بضْع سِنين كانت في الأغْوار، في أغوار فلسطين، حيث اتَّجَهَ بعضُ علماءِ المسلمين إلى أكبرِ علماءِ الجيولوجيا في العالمِ الغربيِّ، وسألهُ هذا السُّؤال: أيُّ مكانٍ في الأرضِ هو أشدُّها انْخِفاضاً؟ لو قلنا: أيّ مكانٍ على سطح الأرض بِما فيها البحر، لأجاب هذا العالم: إنَّه خليجُ مريانة، أو إنّه وادي مريانة، إذْ إنّه في أعْمق نقطةٍ في قعْرِ البِحار، هذه النُّقطة يزيدُ انْخِفاضُها على اثني عشر ألفَ مترٍ، ولكنّ أدنى الأرضِ اليابسةِ تقعُ في أرضِ فلسطينَ، ولم يكُن وقتَ نُزولِ هذه الآية بِوُسْعِ الإنسانِ أنْ يمْسحَ القاراتِ الخمْسَ، وأن يعرفَ ارتِفاعَ أعلى نقطةٍ فيها، وأدنى نقطةٍ في انخفاضِها، ولكنّ القرآنَ أشار إلى أنّ الرومَ غُلِبَتْ في أدنى الأرضِ، وهم مِن بعدِ غَلَبِهم سيغْلِبون، وأدنى الأرضِ يعني أخْفض نقطةٍ في الأرض، وقد توافَقَتْ كتبُ التاريخِ مع قوله تعالى في أنّ أخْفضَ نقطةٍ في الأرض هي غوْر فلسطينَ 392م تحت سطح البحر، وهو البحر الميت.
إنّ في القرآنِ آياتٍ - كما قال سيدنا عليٌّ رضي الله عنه لمَّا تُفسَّرْ بَعْدُ، وهذا مِصداقُ قوله تعالى:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وفي أَنفُسِهِمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق} [فصّلت: 53] .
إنَّه كتابُ الله، وإنَّ خالقَ الكونِ يعلم أيَّ نقطةٍ في الأرضِ أخْفَضَ مِن غيرها، بل إنّ هناك آيةً أخرى تؤدِّي بعضَ المعنى الذي نحن بصددِه، قال تعالى:{وَأَذِّن فِي الناس بالحج يَأْتُوكَ رِجَالاً وعلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ} [الحج: 27] .