المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هذا هو مجتمع النمل - موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - جـ ٢

[محمد راتب النابلسي]

فهرس الكتاب

- ‌الكون

- ‌والسماء ذات الرجع

- ‌الذي خلق سبع سماوات طباقا

- ‌إخبار الله تعالى عن الظلام في الفضاء الخارجي

- ‌القوى الجاذبة في الكون

- ‌المرصد العملاق، وأبعد المجرات عنا

- ‌المجرات والنجوم وسرعتنا

- ‌مواقع النجوم

- ‌أعداد النجوم في السماوات

- ‌{فَإِذَا ?نشَقَّتِ ?لسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَ?لدِّهَانِ}

- ‌النجم الثاقب

- ‌مدارات الكواكب ومذنب هالي

- ‌سرعة الضوء

- ‌القمر

- ‌معجزة الإسراء والمعراج ليست مستحيلة عقلاً

- ‌الشمس

- ‌شموس الكون

- ‌البعد بين كواكب المجموعة الشمسية

- ‌الشمس والأرض

- ‌التفكر في المسافة بيننا وبين الشمس

- ‌شمس الأرض

- ‌السنة الشمسية، والسنة القمرية

- ‌الأرض

- ‌الخسوف والكسوف

- ‌الضغط الجوي وآثاره

- ‌كروية الأرض، وكلمة "عميق

- ‌{أَلَمْ نَجْعَلِ ?لأَرْضَ كِفَاتاً}

- ‌استقرار الأرض

- ‌لَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ?لأَرْضَ مَهْداً}

- ‌سرعة الأرض

- ‌من الإعجاز اللغوي في القرآن {فِي? أَدْنَى ?لأَرْضِ}

- ‌الجبال

- ‌معدن الفضة

- ‌{وَأَنزَلْنَا ?لْحَدِيدَ}

- ‌التربة وما تحتويه من كائنات

- ‌تصريف الرياح

- ‌تلوث الهواء والبيئة

- ‌القوانين الفيزيائية والكيميائية

- ‌زلازل الدنيا وزلزلة الساعة

- ‌زلزال القاهرة

- ‌الكعبة مركز العالمين القديم والحديث

- ‌أرض العرب كانت وستعود مروجاً وأنهاراً

- ‌الماء

- ‌{وَجَعَلْنَا مِنَ ?لْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}

- ‌العلاقة بين الماء والهواء

- ‌الماء وخصيصة التمدد والانكماش

- ‌{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَاّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ}

- ‌قانون الدفع نحو الأعلى

- ‌علاقة الماء بلون الصخور

- ‌البحر المسجور

- ‌{هَـ?ذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـ?ذَا مِلْحٌ}

- ‌البرزخ بين البحرين والحجر المحجور

- ‌التوافق العددي في القرآن الكريم (البر والبحر)

- ‌تيار الخليج البحري

- ‌ماء زمزم طعام طُعْمٍ وَشِفَاءُ سُقْمٍ

- ‌النبات

- ‌أثر القرآن في تقويم سلوك النبات

- ‌النباتات مهمتها تخزين الماء

- ‌انجذاب النبات

- ‌معامل الورق الأخضر

- ‌اليخضور في النبات

- ‌البذور وأنواعها

- ‌البذور وتحملها لعوامل التعرية

- ‌قشرة القمح (النخالة) وفائدتها الصحية

- ‌الحبة السوداء

- ‌منافع الزنجبيل

- ‌التمر أهميته وتركيباته

- ‌ألياف التمر فوائدها وعناصرها المعدنية

- ‌التمر أساس الولادة الميسرة

- ‌زيت الزيتون

- ‌زيت الزيتون وقود للجسم البشري

- ‌اليقطين

- ‌اللفت غذاء ودواء

- ‌نبات الفجل

- ‌نبات الملفوف

- ‌الشاي الأخضر وعلاقته بالأورام الخبيثة

- ‌الحمضيات وعلاقتها بفصل الشتاء

- ‌الموز

- ‌المقدونس وفوائده الصحية

- ‌الخل

- ‌السواك وأثره في الجراثيم

- ‌الحيوان

- ‌قلب الأم في الكائنات الحية

- ‌فوائد البيض

- ‌مرض جنون البقر (الاعتلال الدماغي)

- ‌حليب الأبقار

- ‌الجمل

- ‌الخيل

- ‌الزرافة

- ‌الخنزير وحكمة تحريم أكله

- ‌حيوان يعيش في الصحاري شبيه بالكنغر

- ‌الكلاب وما ينتج عنها من أمراض

- ‌حاسة الشم عند الكلاب

- ‌العقرب والانفجار النووي

- ‌تحريم الدم

- ‌الدم المسفوح وعلاقته بالجراثيم

- ‌الحكمة من تذكية الذبيحة

- ‌الأسماك

- ‌الحوت

- ‌السمك زعانفه ومقياس الضغط عنده

- ‌سمك السلمون

- ‌السمك الهلامي

- ‌السمكة الطبيبة

- ‌جروح الأسماك وسرعة التئامها

- ‌أسماك البحر الكهربائية

- ‌ثعبان الماء الكهربائي

- ‌الطيور

- ‌الطيور وإمكاناتها التي تفوق الطائرات والإنسان

- ‌صقر البحر (خطاف البحر)

- ‌أخلاق الصقر

- ‌نقار الخشب

- ‌الحمام الزاجل أو وكالة أنباء في التاريخ

- ‌هجرة الطيور

- ‌الحشرات

- ‌دودة القز والحرير

- ‌النحل آية عظمى

- ‌العسل وفوائده

- ‌هذا هو مجتمع النمل

- ‌البعوضة

- ‌الذبابة

- ‌أسراب الجراد

- ‌بيت العنكبوت

- ‌قرون الاستشعار في الحشرات

الفصل: ‌هذا هو مجتمع النمل

أجْريَتْ بحوثٌ، ودراساتٌ، وتجارِبُ دقيقةٌ جدّاً على آثارِ العسلِ في الجهازِ الهضميِّ، والجهازِ العصبيِّ، والجلدِ، والكبدِ، والأمعاءِ، وبُحِث عن علاقتِه بمرضى السكرِ، وعلاقتِه بالتوتّرِ العصبيِّ، وبالأرقِ، وبأمراضِ الحساسيّةِ، وبالجهازِ التنفّسيِّ، وجهازِ القلبِ والدورانِ، بل إنّ كلَّ أجهزةِ الجسمِ دونَ استثناءٍ تتأَثَّرُ تأثُراً إيجابيّاً وسريعاً بالعسلِ الحقيقيِّ الذي يؤخذُ من رحيقِ الأزهارِ.

ومن باب التقريبِ فإنّ اللهَ يشفي بالعسلِ من الْتهاباتِ الأمعاءِ الحادَّةِ، ويُحسّنُ بالعسلِ نموُّ العظامِ، لأنَّه سريعُ الامتصاصِ، ويمنعُ التَّعفّنَ في الأمعاءِ، وله دورٌ إيجابيٌ في التَّحكَمِ بعضلاتِ المثانةِ البوليّةِ، وهو علاجٌ ممتازٌ للمصابين بتقرّحاتِ المعدةِ والأمعاءِ، ومعظمِ أمراضِ الجهازِ الهضميِّ.

والعسلُ لا يؤذِي مرضى السكري، لأنَّه سكّرٌ أحاديٌّ سهلُ الهضمِ، والتوتّرُ العصبيُّ يتأثَّر إيجابيّاً بِتَناولِ العسلِ، والأرقُ يزولُ بتناولِ العسلِ، وكذلك أعراضُ الحساسيّةِ، وأمراضُ الجلدِ، حتى إنَّ الأطبّاءَ الآن يضعون على الجروحِ العسلَ قبلَ أن تلتئِم؛ لأنّ سرعةَ التئامِ الجروحِ عن طريقِ العسلِ ثلاثةُ أضعافِ سرعةِ التئامها العاديِّ.

والإنسانُ بدلَ أنْ يأخذَ الأدويةَ الغاليةَ الثمنِ عليه أنْ يستعينَ بهذا الشرابِ الصافي الذي أوْدَعَ اللهُ فيه هذه الخصائصَ العجيبةِ، وقد قال العلماءُ في العسلِ:"إنه سبعون مادَّةً دوائيَّةً"، وتكادُ تكونُ شربةُ العسلِ صيدليّةً كاملةً! أنزيمات، معادن، فيتامينات، اثنا عشر نوعاً من السكرِ، وكلُّ نوعٍ له فوائدُ خاصَّةٌ، وما يزالُ هذا الموضوعُ قيْدَ البحثِ، والعلماءُ قدَّموا شيئاً، وغابَتْ عنهم أشياءُ.

‌هذا هو مجتمع النمل

ص: 220

النملةُ حشرةٌ اجتماعيةٌ راقيةٌ، موجودةٌ في كلِّ مكانٍ، وفي كلِّ وقتٍ، بل إنَّ أنواعَ النملِ تزيدُ على تسعةِ آلافِ نوعٍ، وبعضُ النَّملِ يحيا حياةً مستقرةً في مساكنَ مُحكمَةٍ، وبعضُ النملِ يحيا حياةَ التَّرحالِ كالبدوِ تماماً، وبعضُه يكسبُ رزقَه بجِدِّه وسعيِه، وبعضُه يكسبُ رزقَه بالغدرِ والسيطرةِ، والنملُ حشرةٌ ذات طبعٍ اجتماعيٍّ، فإذا عُزِلَتْ عن أخواتِها ماتتْ، ولو تهيَّأَ لها غذاءٌ جيِّدٌ، ومكانٌ جيدٌ، وظروفٌ جيدةٌ، فهي كالإنسانِ، إذا عَزَلْتَه في مكانٍ بعيدٍ عن الضوءِ، والصوتِ، والساعةِ، والزمنِ، والليلِ، والنهارِ عشرين يوماً فَقَدَ توازنَه.

وتعلِّمُ النملةُ الإنسانَ درساً بليغاً في التعاونِ، فإذا التقتْ نملةٌ جائعةٌ بأخرى شبعى، تُعطي النملةُ الشَّبعى الجائعةَ خلاصاتٍ غذائيةً مِن جسمِها، ففي جهازِها الهضميِّ جهازُ ضَخٍّ تُطعمُ به غيرِها، دقِّقوا في حديثِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم:"لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَبِيتُ شَبْعَانَ، وَجَارُهُ جَائِعٌ".

لقد رصَدَ العلماءُ طرقَ معيشةِ النملِ، وأدهشَهم عملَها الجادَّ الدؤوبَ في تحصيلِ أرزاقِها، والتعاون وتوزيع الوظائفَ فيما بينها بكلِّ دقَّةٍ وجدِّيَّةٍ.

ص: 221

فِللنَّملِ مَلِكَةٌ كبيرةُ الحجمِ، مهمَّتُها وضعُ البيضِ، وإعطاءُ التوجيهاتِ، ولها مكانٌ أمينٌ في مساكنِ النملِ، وهي على اتّصالٍ دائمٍ بكلِّ أفرادِ المَملكةِ، والإناث العاملاتُ لها مهماتٌ متنوعةٌ، من هذه المهماتِ تربيةُ الصغارِ، وهذا يشبهُ قطاعَ التعليمِ، وفي النملِ عساكرُ لها حجمٌ أكبرُ، ولها رأسٌ صلبٌ، كأنَّ عليه خوذةً، وهذا يشبهُ قطاعَ الجيشِ في حراسةِ الملِكةِ، وحفظِ الأمنِ، ورَدِّ العدوانِ، ومن مهماتِ العاملاتِ تنظيفُ المساكنِ والممرّاتِ، وهذا يشبه قطاعَ البلدياتِ، ومن مهماتِ العاملاتِ سحْبُ جثثِ الموتى من المساكنِ، ودفنُها في الأرض، وهذا يشبهُ مكاتبَ دفنِ الموتى، ومِن مهماتِ العاملاتِ جلبُ الغذاءِ من خارجِ المملكةِ، وهذا يشبهُ قطاعِ المستوردين، ومن مهماتِ العاملاتِ زَرْعُ الفطرياتِ، وهذا يشبهُ قطاعَ الزراعةِ، ومن مهماتِ العاملاتِ تربيةُ حشراتٍ يعيشُ النملُ على رَحيقِها، وهذا يشبهُ قطاعَ مربِّي الماشيةِ.

إنّ للنملِ نظاماً دقيقاً في معاشِه، فله قائدٌ يوجِّهه، ويأمره، وله مساكنُ يعيش فيها، وهذه المساكنُ مقسَّمةٌ إلى غرفِ معيشةٍ، ومستودَعاتٍ لتخزينِ المؤنِ، ولها دهاليزُ معقَّدةٌ، عليها حراسةٌ مشدَّدةٌ على مدارِ الساعةِ، ويجتمع من تلك المساكنِ قُرًى كاملةٌ، كأنّها مستعمراتٌ تصل بينها طرقٌ ومسالكُ، حيث تهتدي بها إلى أعلى الأرضِ.

يعمل النمل في قراهُ بموجبِ انضباطٍ مدهِشٍ وصارمٍ للغايةِ، وبإشرافِ النملِ الذي كبرتْ رؤوسُه، وعظمتْ خراطيمُه.

يبني النملُ المدنَ، ويشقُّ الطرقاتِ، ويحفرُ الأنفاقَ، ويخزِّن الطعامَ في مخازنَ وصوامعَ، وبعضُ أنواعِ النملِ يقيمُ الحدائقَ، ويزرعُ النباتاتِ، وبعضُ أنواعِه يقيمُ حروباً على قبائلَ أخرى، قال عز وجل:{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ ثُمَّ إلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام: 38] .

ص: 222

وهناك نوعٌ آخرُ مِنَ النملِ يبني بيوتَه فوق الأرضِ مِن أوراقِ الأشجار وأغصانِها، ويكثرُ هذا تحت شجرِ الصنوبرِ، أو ينحتُ هذه البيوتَ في الأشجارِ العتيقةِ، كما يتَّخذُ الإنسانُ من الجبالِ بيوتاً، ومع أنّ النملَ لا يملكُ الآلاتِ والعُدَدَ فإنه يبني أبراجاً في غايةِ الدِّقَّةِ والإحكامِ، مستعِيناً بمقصِّ فمِه الحادِّ، حيث يمضغُ ما يقصُّه حتى يصبحَ كالعجينِ، ولعلّ ما بناه قدماءُ المصريِّينَ في مساكنهم وأهراماتِهم كان تقليداً للنملِ.

ويبقى صغارُ النمل في الديار، فتحفرُ الحجراتِ، وتبنيِ السراديبَ، وتنمو وهي فيها، بالإضافةِ إلى وجودِ المربياتِ، وبعض النملِ مسؤولٌ عن الحراسةِ، والتنظيفِ، وحفظِ وترتِيبِ المُؤنِ التي يُحضِرُها النملُ العاملُ، وهو يأبى كلَّ الإباءِ أنْ يطَّلعَ أحدٌ على أسرارِه، أو يتطفَّلَ عليه لمعرفةِ نظامِه العجيبِ في الحياة.

وقد وجدَ العلماءُ أن النملَ حين يغادرُ قريتَه يرسلُ في كلِّ مسافةٍ معيَّنةٍ مادّةً كيميائيةٍ لها رائحةٌ حتى يستطيعَ تعرف طريقِ عودتِه، وأنه عندما قام أحدُهم بإزالةِ آثارِ هذه المادةِ لم يستطِع النملُ الاهتداءَ إلى طريق عودتِه، وإذا رأت النملةُ شيئاً مفيداً لا تقوى على حمْلِه نشَرَتْ حوله بعضَ الرائحةِ، وأخذتْ منه قدراً يسيراً، وكرَّتْ راجعةً إلى أخواتِها، وكلما رأتْ واحدةً منهن أعطتها شيئاً ممَّا معها لتدلَّها على ذلك، حتى يجتمعَ على ذلك الشيءِ جماعاتٌ منها، يحملونه، ويجرُّونه بجهدٍ وعناءٍ، متعاونين في نقلِه، علماً بأنّ للنملِ قُوًى عضليةً بالنسبةِ إلى حجمِه تزري بقوّةِ أعظمِ المصارِعين والرياضيِّين، حيث تستطيع النملةُ الواحدةُ أنْ تحملَ بين فكَّيْها حِملاً أثقلَ مِن وزنِها بثلاثةِ آلافِ مرّةٍ مِن غيرِ عناءٍ.

كما وجد العلماءُ أن النملَ ينشرُ عند موتِه رائحةً خاصةً تنبِّهُ بقيَّةَ الأفرادِ على ضرورةِ الإسراعِ بدفنِه قبل انجذابِ الحشراتِ الغريبةِ إليه، وعندما قام أحدُ العلماءِ بوضعِ نقطةٍ من هذه المادةِ على جسم نملةٍ حيَّةٍ سارعَ باقي النملِ إليها، ودفنوها وهي حيَّةٌ.

ص: 223

والنملُ مِنَ الحيواناتِ والحشراتِ القليلةِ التي أودعَ اللهُ فيها غريزةَ ادِّخارِ الغذاءِ، فهو يحتفظُ بالحبوبٍ في مسكَنِه الرطبِ الدافِئ تحت الأرضِ دون أنْ يصيبَها تَلَفٌ، ويتفنَّنُ النملُ في طرقِ الادِّخارِ بحسبِ أنواعِه، فهو يقطع حبَّةَ القمحِ نصفينِ، ويقشِّرُ البقولَ لئلاّ تنبتَ من جديدٍ، أو يترُكها عدَّةَ أسابيعَ في تهويةٍ وحرارةٍ معينةٍ، ويسمحُ لها بعدّها بالإنباتِ، فتنمو، ويظهرُ لها جذرٌ وساقٌ صغيرانِ، حيث تقومُ بقطعِها وتجفيفِها، لتصبحَ مادَّةً جاهزةً يتغذَّى عليها طوالَ مدةِ الشتاءِ، كما أنه يقومُ بتسميدِ أوراقِ الأشجارِ المقطَّعةِ ببرازِ نوعٍ معيَّنٍ من الفراشاتِ، وعندها ينمو عليها نوعٌ من الفطرياتِ يُسمَّى خبزَ الغرابِ، يقومُ النملُ بالتغذِّي عليه، كما أنّ بعضَ أنواعِ النملِ يجلبُ بيوضَ المنِّ إلى عشِّهِ، وعندما يفقسُ يحملُه إلى الخارجِ، ويضعه على النباتاتِ التي تفرز الندوةَ العسليةَ، ثمّ يعيدُه إلى عشِّه في الليلِ، ويحلبُ منه هذه الندوةَ العسليةَ، حيث تُعطِي كلُّ حشرةٍ ما يقاربُ ثمانٍ وأربعينَ نقطةً من هذه الندوة خلالَ أربع وعشرين ساعةً، علماً بأنه يبنى لهذه الحشراتِ حُجُراتٌ خاصَّةٌ لتسكنَ فيها، قال تعالى:{حتى إِذَآ أَتَوْا على وَادِ النمل قَالَتْ نَمْلَةٌ ياأيها النمل ادخلوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] .

لقد أثبتَ اللهُ جل جلاله مِنْ خلالِ هذه الآيةِ اللغةَ والكلامَ للنملِ، وهذه معانٍ في هذه الآيةِ نقلَتْها ملكةُ النملِ إلى رعيَّتها، فهل كشفَ العلماءُ لغةَ النملِ؟ نعم، قال العلماءُ:"إنّ في النملِ غُدداً كيميائيةً في البطنِ والرأسِ، تقومُ بإرسالِ المادةِ الكيميائيةِ؛ التي هي اللغةُ التي تتخاطبُ بها جماعةُ النملِ".

ص: 224

في لغةِ النملِ هناك لغةٌ صوتيةٌ، وهناك لغةٌ إشاريةٌ - حركات - لغةٌ مسموعةٌ، ولغةٌ مشاهدَةٌ، لغةُ الحركاتِ، ولغةُ الأصواتِ، ولغةُ الشمِّ، اللغةُ التي تجرِي بين النَّملِ هي لغةٌ كيميائَّةٌ، النمل تستقبلُ بأعضاءِ حاسّةِ الشمِّ الموزَّعةِ على قرنيّ الاستشعارِ هذه الإشاراتِ الكيميائيَّةَ، فإذَا أرادَ النملُ الانتقالَ الجماعي إلى مكانِ الغذاء خرجتْ نملةٌ تبحثُ عن الغذاءِ، وأفرزتْ مادَّةً كيميائيّةً على طريقِ سيرِها، وهذه لغةٌ من لغاتِ النملِ.

كما أثبتَ اللهُ جل جلاله مِنْ خلالِ هذه الآيةِ نوعاً من المعرفة، كما أثبتَ له الروحَ الجماعيةَ، فلم تفكِّرِ النملةُ في إنقاذِ نفسِها على نحوٍ أنانيٍّ، بل حذَّرتْ أصحابَها من سليمانَ وجنودِه، ممّا يدلُّ على روحِ الجماعةِ، والتعاونِ، والتفاني المفطورةِ عليها.

للنملةِ مخٌّ صغيرٌ، وخلايا عصبيةٌ، وأعصابٌ لتقديرِ المعلوماتِ، وخرائطُ كي تهتديَ بها إلى مواقعِ الغذاءِ، وإلى مساكنِها.

وللنملةِ رأسٌ، ووسطٌ، وذنَبٌ أسطوانيٌّ، ولها ستُّ أرجُلٍ تقدِرُ بها على الجريِ السريعِ، ولبعضِها أجنحةٌ للوثوبِ، ولها خمسُ أعينٍ، عينانِ مركَّبتانِ على جانبَي الرأسِ، مكوَّنتانِ من أعينٍ بسيطةٍ تعدُّ بالمئاتِ، وهي ملتئمةُ الوضعِ والتركيبِ والترتيبِ، حيث تُرى وكأنّ لها عيناً واحدةً، والعيونُ الثلاثُ الباقيةُ موضوعةٌ على هيئةِ مثلَّثٍ، يعلو العينين المركبتين، وهي أعينٌ بسيطةٌ لا تركيبَ فيها، غيرَ أنّ عيونَ الذَّكَرِ أكبرُ مِن عيونِ الأنثى، ومتقاربٌ بعضُها من بعضٍ بسببِ قوَّةِ المهامِّ المنوطةِ به.

ولكلِّ نملةٍ قرنانِ طويلان كالشعرتين، بهما تحسُّ الأشياءَ، ويقومان مقامَ اليدين والرِّجلينِ والأصابعِ في الحملِ، ويسمَّيانِ الحاسَّتَيْنِ.

ص: 225

وإنَّ النملةَ تملكُ نوعاً من التصرُّفِ العقلانيِّ، وهي مِن أذكى الحشراتِ، وهي ترى بموجاتٍ ضوئيةٍ لا يراها الإنسانُ، ولغةُ النملِ كيماويةٌ، لها وظيفتان؛ التواصلُ والإنذارُ، فلو سَحَقْتَ نملةً فإنَّ رائحةً تصدرُ عنها، تستغيثُ بها النملاتُ، أو تحذِّرُها من الاقترابِ مِن المجزرةِ، ولا تستطيعُ نملةٌ دخولَ مسكنِها إلا إذا بيِّنتْ كلمةَ السِّرِّ.

وللنملِ جهازُ هضمٍ مدهشٌ، فيه فمٌ ومريءٌ، ومعدةٌ وأمعاءٌ، وجهازُ مصٍّ وضَخٍّ.

وتضعُ إناثُ النملِ بيوضَها في أماكنَ تقربُ من مساكنِ الكبارِ، وتخصِّصُ لها مربِّياتِ يلاحظنَهنَّ ليلاً ونهاراً، مع توفيرِ الحرارةِ المناسبةِ لها حتى تتفتَّح البيوضُ، وتخرج دوداً صغيراً لا جناحَ له ولا أرجلَ، تلاحظُه المربِّياتُ وتطعمهُ، حيث يأكل بشراهةٍ لعدَّةِ أسابيعَ، ثمّ يغزلُ بفمِه، وينسجُ على نفسِه كُرةً من الحريرِ وينامُ، فإذَا مضتْ أيامٌ نهضَ مِن رقدتِه، وقطعَ خيوطَ الكُرةِ، وقرَضَ حريرَها المحيطَ به، تساعدُه في ذلك المربِّياتُ، وتقومُ بتنظيفِه، حيث تظهرُ أرجلُه وأجنحتُه، والنملُ يحبُّ النظافةَ حبّا مفرطاً.

ويعرفُ النملُ غيره من النمل بغيرِ علامةٍ، والتواددُ موجودٌ بين أهلِ القريةِ الواحدةِ فقط، ما عدا ذلك فعداءٌ مُستَحْكَمٌ، حيث يمكنُ أن تنشَبَ الحربُ بين عدةِ قرًى من النملِ، فينتظِمُ في صفوفٍ قتاليةٍ، وتحدثُ المعاركُ، ويقعُ القتلى والجرحى، ويأخذُ النملُ المنتصِرُ الأسرى ليجعلهم خدماً في قُراه، ويقومُ بدفنِ موتاه في مقابرَ خاصَّةٍ به، كما ينظِّف أرضَه من جثثِ أعدائِه، حتى قيل: إنّ النملَ أقربُ الحشرات إلى الإنسانِ في أفعالِه، وقد يصبحُ النملُ قوةً مزعجَةً مهلِكةً، شديدةَ الخطرِ على الإنسانِ نفسِه، حيث يمكنُ أن يقوِّضَ دعائمَ المساكنِ الخشبيةِ، حتى تتداعى عروشُها، أو يكوِّنَ مستعمراتٍ في دورِ الكتبِ، حيث يقومُ بإتلاف الورق أكلاً وتمزيقاً.

ص: 226