الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا الكونُ فيه كلُّ شيءٍ، وأفضلُ دواءٍ ما كان نباتياً، ليس له تأثيراتٌ جانبيةٌ، وأكثرُ الأدويةِ التي نأخذُها أدويةٌ كيماويَّةٌ، تنفعُ مِن جهةٍ، وتُفسدُ من جهةٍ أخرى، ولو درستَ الأعشابَ دراسةً مستفيضةً علميَّةً لوجدتَ أنّ فيها نفعاً من غيرِ تأثيراتٍ جانبيةٍ.
التمر أهميته وتركيباته
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ " فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "هِيَ النَّخْلَةُ".
عُقِدَ مؤتمرٌ في بلدٍ يصدِّرُ التمورَ، وأُلْقِيَ فيه بحثٌ تَعلَّقَ بمشابهةِ النخلةِ للإنسانِ، فقيل: جذعُها منتصِبٌ كالإنسانِ، ومنها الذَّكرُ والأنثى، ولا تثمِرُ إلا إذا لُقِّحَتْ، وإذا قُطِعَ رأسُها ماتتْ، وإذا تعرَّضَ قلبُها لصدمةٍ هَلَكَتْ، وإذا قُطِعَ سَعَفُهَا لا تستطيعُ تعويضَه، كالإنسانِ تماماً، وهي مغشَّاةٌ بالليفِ الشبيهِ بالشَّعرِ في الإنسانِ، في العالَمِ ما يزيد على تسعين مليونَ نخلةٍ، تقدِّمُ الغذاءَ لبني البشرِ، ولا سيّما للصائمين في رمضانَ حيثُ فائدتُه أعظمُ.
قال بعضُ العلماءِ: إنَّ الصيامَ يخفِّفُ العبءَ عن جهازِ الدورانِ، القلبِ والأوعيةِ، حيث تهبطُ نِسَبُ الدسمِ والحمضِ في الدمِ إلى أدنى مستوى، الأمرُ الذي يَقِي مِن تصلُّبِ الشرايينِ، وآلامِ المفاصلِ.
ويريحُ الصيامُ الكليتين، وجهازَ الإبرازِ، حيث تَقِلُّ نواتجُ استقلابِ الأغذيةِ، ويتحرَّكُ سكرُ الكبدِ، ويحرِّكُ معه الدهنَ المخزونَ تحت الجلدِ، ويحرِّكُ معه بروتين العضلاتِ، إذاً فصيامُ رمضانَ يُعدُّ دورةً وقائيةً سنويةً، تَقِي من كثيرٍ من الأمراضِ، ودورةً علاجيةً أيضاً بالنسبةِ لبعضِ الأمراضِ، إضافةً إلى أنه يَقِي من أمراضِ الشيخوخةِ، التي تنجُمُ عن الإفراطِ في إرهاقِ العضويةِ، وقد رُوِي عن رسول الله عليه الصلاة والسلام:"صُومُوا تَصِحُّوا".
لذلك كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يفطرُ في رمضانَ على التمرِ، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:"كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ".
وعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْراً فالمَاءُ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ".
فالتمرُ الذي يتناولهُ الصّائمُ مع الماءِ فيه خمسةٌ وسبعون بالمئة مِن جزئه المأكولِ موادُّ سُكّريةٌ أُحاديةٌ، سهلةُ الهضمِ، سريعةُ التمثُّلِ، إلى درجةِ أنّ السُّكرَ ينتقلُ من الفمِ إلى الدمِ في أقلَّ مِن عشرِ دقائقَ، وفي الحالِ يتنبَّهُ مركزُ الإحساسِ بالشَّبَعِ في الجملةِ العصبيّةِ، فيشعرُ الصائمُ بالاكتفاءِ، فإذا أقبلَ على الطعامِ أقبلَ عليه باعتدالٍ، وكأنه في أيامِ الإفطارِ، أمّا الموادُّ الدسمةُ فيستغرقُ هضمُها وامتصاصُها أكثرَ مِن ثلاثِ ساعاتٍ.
فمهما أكثرَ الصائمُ مِنَ الطعامِ الدسمِ فلن يشعرَ بالشَّبَعِ، ولكنه يشعرُ بالامتلاءِ، والفرقُ كبيرٌ بين الشِّبَعِ والامتلاءِ، الشِّبعُ تنبُّهُ مركزِ الجوعِ في الجملةِ العصبيةِ، وإذا تنبَّه هذا المركزُ شَعَرَ الإنسانُ بالشِّبعِ، ولو لم يكن في معدتِه طعامٌ كثيرٌ، أما الإحساسُ بامتلاءِ المعدةِ فشيءٌ آخرُ.
فكان عليه الصلاة والسلام يفطِرُ على تمراتِ، ويصلِّي المغربَ، ثم يجلسُ إلى الطعامِ، ومَن لم يطبِّقْ سنَّةَ النبيّ عليه الصلاة والسلام في إفطارِه فقد فَاتَهُ خيرٌ كثيرٌ في صيامِه، دينيّاً، وصحيّاً، ونفسيّاً.
وهذا مِن دلائلِ نبوةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام، حتى في أيامِ الإفطارِ قال بعضُ الأطباءِ: ينبغي أنْ تُقَدَّمَ الفاكهةُ التي فيها من سُكّريّاتٍ أحاديةٍ على وجباتِ الطعامِ التي تحوِي غالباً الموادَّ الدسمةَ، وهذا استنباطٌ ظنيٌّ من قوله تعالى، وهو يصفِ أهلَ الجنةِ:{وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 20-21] .
قال ابن القيم: "وفي فِطْرِ النبيّ صلى الله عليه وسلم على التمرِ، أو الماءِ تدبيرٌ لطيفٌ جدّاً، فإنّ الصومَ يخلِي المعدةَ من الغذاءِ، فلا تجدُ الكبدُ فيها ما تجذِبُه، وترسِلُه إلى القُوى، والأعضاءِ، والحلوُ أسرعُ شيءٍ وُصولاً إلى الكبدِ، وأَحَبُّه إليها، ولا سّيما إنْ كان رطباً، فيشتدُّ قَبولُها له، فتنتفعُ به هي، والقُوى، فإنْ لم يكنْ فحسواتُ الماءِ تطفئ لهيبَ المعدةِ، وحرارةَ الصومِ، فتنبِّه بَعْدَه للطعامِ، وتأخذُه بشهوةٍ".
وتتركَّبُ هذه التمورُ أيضاً من الموادَّ البروتينيةِ المرمِّمةِ للأنسجةِ، ومِن نِسَبٍ ضئيلةٍ من الدهنِ، ويحوي التمرُ خمسةَ أنواعٍ من الفيتاميناتِ الأساسيةِ، التي يحتاجُها الجسمُ، كما يَحوِي التمرُ ثمانيةِ معادنَ أساسيةٍ، ومئةُ غرامٍ من التمرِ يومياً فيها من نصفٍ إلى خُمسِ حاجةِ الجسمِ من المعادنِ، ويَحوِي التمرُ أيضاً اثني عشر حمضاً أمينياً، وفيه موادُّ مليِّنةٌ، ومهدِّئة، وهناك خمسون مرضاً يسبِّبُها الإمساكُ، والتمرُ يَقِي من الإمساكِ، وله آثارٌ إيجابيةٌ في الوقايةِ من فقرِ الدمِ، ومن ارتفاعِ الضغطِ، ويعينُ على التئامِ الكسورِ، وهو مليّنٌ ومهدئٌ، وقد أثبتتِ الأبحاثُ العلميةُ أنّ التمرَ لا يتلوثُ بالجراثيمِ إطلاقاً، لأنّ تركيزَ السُّكَّرِ العاليَ يمتصُّ ماءَ الجرثومِ، وهذه الخيراتُ كلُّها عَدَّها بعضُ العلماءِ سبعةً وأربعين عنصراً، مُمَثَّلَةً في تمرةٍ تأكلُها، ولا تدري ماذا ينتفعُ الجسمُ بها.