الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا بدّ له مِن ذَنَبٍ مِن ريشٍ قاسٍ ومتينٍ يستندُ به إلى جِذعِ الشّجرةِ، ويُعِينُه على هذه الضرباتِ الإيقاعيّةِ كي يوصِلَ مِنقارَه إلى لبِّ الشّجرةِ.
ولا بدّ له مِن قائمتين قصيرتين قويتين، ومِن أربع كمّاشاتٍ على لحاء الشجرة.
قال تعالى: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] .
كأنّ هذا الطائرَ آلةٌ معقدةٌ جدّاً، آلةٌ فيها كلُّ إمكاناتِ المِثْقَبِ، استنادٌ قويٌّ، ومُخَمِّدٌ للضرباتِ والاهتزازاتِ، منقارٌ متينٌ قويٌّ، لسانٌ بِطُولِ المنقارِ، ذو سطحٍ خشنٍ، وعليه مادّةٌ لَزِجَةٌ.
قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50] .
يعني: أعطاه كمالَ خَلْقِه.
وقال سبحانه: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى * الذي خَلَقَ فسوى} [الأعلى: 1-2]، أيْ: سوَّى هذه الأجهزةَ والأعضاءَ ملائِمةً للطائرِ، فهذا وظيفته أنْ يصلَ إلى لُبِّ الشجرةِ، لِيَأكلَ من الحشراتِ التي تؤذِي الشجرةَ، فجُهِّزَ بهذه الإمكاناتِ، وهي لا تقِلُّ عن أَعْقَدِ آلات الثقب.
الحمام الزاجل أو وكالة أنباء في التاريخ
إنّ الأميرَ نورَ الدين الشهيدَ استخدمَ البريدَ الجوِّيَّ حينما كان أميراً على بلادِ الشامِ ومصرَ.
وقد قالَ العلماءُ: إنّ مِنَ حَمامِ الزاجلِ أو حمامَ الرسائلِ ما يزيد على خمسمئةِ نوعٍ، وهو يمتازُ بحدَّةِ الذكاءِ، والقدرةِ الفائقةِ على الطيرانِ، والغريزةِ القويةِ التي يهتدي بها إلى هدفِه وموطنِه، وهو حيوانٌ مستأنَسٌ أليفٌ، قال تعالى:{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} [يس: 72] .
مَن ذَلَّلَ هذا الطيرَ؟ مَن جَعَله حادَّ الذكاءِ، ذا قدرةٍ فائقةٍ على الطيرانِ، ذا غريزةٍ قويّةٍ يهتدي بها إلى عدفِه؟ مَن جَعَلَه مستأنساً يألفُ الإنسانَ ويخدمُه، وهو مسخَّرٌ له؟.
إنّ هذا الطيرَ، حمامَ الزاجلِ، أو حمامَ الرسائلِ - كما يُسَمَّى - يقطعُ مسافةَ ألفِ كيلومترٍ دونَ توقُّفٍ، في طيرانٍ مستمرٍّ، يقطعها بسرعةِ كيلومترٍ واحدٍ في الدقيقةِ، وفي الساعةِ يقطعُ ستينَ كيلومتراً، ويعطي هذا الحمامُ الزاجلُ سنوياً تسعةَ أزواجٍ من الزغاليلِ كلَّ عامٍ، ويُعِينُك على نقلِ رسائلِك عبرَ الآفاقِ، ويهتدي إلى إيصالِها بسرعةٍ فائقةٍ بالقياسِ إلى ذلك الزمانِ.
على كلٍّ فَقَدِ استخدمَ السلطانُ نورُ الدين الحمامَ لنقلِ رسائِلِه بين دمشقَ والقاهرة، حيث كان البريدُ يُنقَل عن طريقِ الحمامِ، وكان اسمُ السلطانِ يُنقَشُ على المنقارِ الأحمر لهذا الحمامِ، وكان له وَرَقٌ خاصٌّ يحملُه لينقلَ به الرسائلَ ذات الوزنِ الخفيفِ نسبياً، وكانَ يَستخدِمُ هذا السلطانُ ألفين من الحمامِ لنقلِ الرسائلِ بينه وبين عمّالِه في الأمصارِ.
إنّ ثمّةَ لُغْزاً كبيراً جدّاً ما زالَ إلى اليوم يُحيّرُ الباحثين، كيفَ يهتدي هذا الحمامُ الذي خَلَقَه اللهُ سبحانه وتعالى إلى هدفِه؟ وما الطريقةُ التي يستخدمُها؟ ويسألُ العلماءُ: كيف يستدلُّ الحمامُ على طريقِه الطويلِ في السّفرِ؟ ولا تَنْسَوْا أنّ الحمامَ يُعَدُّ أوّلَ وكالةِ أنباءٍ في التاريخِ، فقد كان يُستخدَمُ عندَ الشّعوب كلِّها؛ الإغريقِ، واليونانِ، والرومانِ، وعند العربِ، وفي كلّ العصورِ، فقد كان يُستخدَمُ لِنَقلِ الرسائلِ، وإيصالِ الأنباءِ، وقد استخدَمَتْهُ بعضُ الدُّوَلِ الغربيّةِ كهولندة لإبلاغِ الأوامرِ إلى جزيرة سُومطرة في أندونيسة، (جنوبيّ شرقيّ آسية) ، يقطعُ مسافاتٍ تزيدُ على سبعةَ عشر ألف كيلو متر تقريباً، لكن السؤالُ الذي يحيِّرُ العقولَ: كيف يهتدِي هذا الطائرُ عبْرَ هذه المسافاتِ الطويلةِ، التي يعجز عن الاهتداءِ إليها أذكَى طيّارٍ على وجهِ الأرضِ بالنَّظَر؟ فلا بدّ مِن إشاراتٍ، ولا بدّ مِن إحداثياتٍ، وخرائطَ، وبثٍّ مستمرٍّ يحدّدُ له في أيِّ موقعٍ هو على سطحِ الأرضِ؟ إنها رحلةٌ طويلةٌ مِن غربيّ أوربة إلى جنوبيّ شرقيّ آسية، فكيف يوصِلُ طائرٌ صغيرٌ رسالةً إلى أبعدِ مكانٍ؟ وكيف تعملُ الحاسّةُ التي توجّهُ الطائرَ نحو طريقِهِ؟ قالَ العلماءُ:"إنّ شيئاً مَا يوجِّهُ هذه الطّيورَ إلى أهدافِها لا نعرفهُ".
وقد توقَّعَ بعضُ العلماءِ أنّ معالمَ الأرضِ تنطبعُ في ذاكرةِ هذا الطّيْرِ، فهو يعرفُها، ويهتدي بها، وهذه فرضيّةٌ، فجاءَ عالمٌ آخرُ، ونَقَضَ هذه الفرضيّةَ، بأنْ جاء بِحمامٍ زاجلٍ، وعَصَبَ عينيه، وأطلقَه فانطلقَ إلى هدفِه، فأينَ تلك المعالمُ؟ وأين الذاكرةُ؟ مع أنّه قد عُصِبَتْ عيناه فقد انطلقَ إلى هدفِه.
فرضيّةٌ ثانيةٌ: أنّه يشكِّلُ مع الشّمسِ زاويةً يهتدي بها إلى موطنِه، فلما قيل: يطيرُ في الليلِ؟ وكيف يهتدي إلى هدفِه، وهو يطيرُ ليلاً؟ نُقِضَتْ هذه النظريّةُ.
نظريةٌ ثالثةٌ: أنّهم توقّعوا وجودَ جهازِ رادارٍ في دماغِه يهديه إلى الهدفِ، فوضَعوا على رأسِه جهازاً صغيراً كهربائيّاً يصدرُ إشاراتٍ كهربائيّةً من أجلِ أنْ تشوّشَ عليه، ومع ذلك وصلَ إلى هدفِه.