الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال تعالى: {إِنَّ الله يُمْسِكُ السماوات والأرض أَن تَزُولَا} [فاطر: 41] ، ما معنى أن تزولا؟ لا أن تفنى، بل أنْ تخرجَ عن مسارها، فالأرضُ إذا اقتربتْ من الشمسِ زادتْ من سرعتِها، لئلا تنجَذِب إلى الشمس، وهذه السرعةُ الزائدةُ تعطيها قوةً نابِذةً تكافئ القوةَ الجاذبةَ، فتبقى في مكانها، {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} ، فكِّروا في هذه الآيةِ، دقِّقوا، ابحثوا، تعرَّفوا إلى الله، {وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20] ، {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] .
إنّ في السماواتِ والأرضِ آياتٍ لا تنتهي، ولا تقفُ عند حدٍّ، وفي السماواتِ والأرضِ أدلّةٌ ليست مقنعةً فحسب، ولكنها قاطعةٌ، والدليلُ القاطعُ أبلغُ من الدليلِ المقنِعِ.
أعداد النجوم في السماوات
كان علماءُ الفَلَكِ فيما مَضَى يعدُّون النّجومَ بالألوف، وبعد حقبةٍ من الزّمنِ أصبحوا يعدّونها بالملايين، وقبل سنواتٍ عدَّةٍ أصبحَ العلماءُ يعدّونها بالملياراتِ، وفي تقديرٍ مبدئيٍّ لعددِ نجومِ مجرّتنا، وهي مجرَّةٌ متوسّطةُ، دربُ التبابنة، عدَّ العلماءُ فيها ثلاثين مليون نجمٍ، والمجموعة الشمسية إحدى نجومها، وفي مجرّة أخرى بدأ العلماءُ يَصِلون في عدّهم لهذه النجومِ إلى رقمٍ خياليٍّ، مليُون مليون نجم، فالتقديرُ الحديثُ أنّه تمَّ اكتشافُ مليون مليُون مجرّة، وفي كلّ مجرّةٍ رقمٌ تقديريٌّ قد يصل إلى مليُون مليون نجم، {والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47] ، وصار العددُ الأخيرُ مليونَ ملْيونٍ، فما أعظمَ ما في السماءِ، والله سبحانه يقول:{قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض} [يونس: 101] .
إلى أمدٍ قريب كان يُظنّ أنّ في السماءِ نجوماً متحرّكةً، ونجوماً ثابتةً، ومعنى أنها ثابتة، أيْ لها مواقعُ ثابتةٌ لا تتغيَّرُ، ولا تتبدَّل مع مرِّ الدهورِ والعصورِ، وكانوا يعدّون الشمسَ مِن هذه النجوم الثابتةِ، مع أنّ الله تعالى يقول:{والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم} [يس: 38] ، ثمّ اكْتُشف أخيراً أنّ الشمسَ ومجموعتَها تدور حولَ كوكبٍ في الفضاءِ بسُرعةٍ تزيدُ على مئتي كيلو مترٍ في الثانيةِ الواحدةِ وتستغرق رحلتها ملايين السنين، والأرضُ سرعة دورانها حول الشمسِ ثلاثون كيلو متراً في الثانيةِ.
وصلَ العلماءُ إلى أرقامٍ خياليّةٍ في سرعةِ بعضِ المجرات، إنّ بعضَ المجراتِ تقطعُ في الثانيةِ الواحدةِ مئتين وأربعين ألفَ كيلو مترٍ، أي بسُرعةٍ قريبةٍ مِن سرعةِ الضّوءِ، فما هو هذا الكونُ الواسعُ المُتَرَامِي؟ إنّ اللهَ سبحانه وتعالى خالقُ كلّ شيءٍ، وهو على كلّ شيءٍ وكيلٌ.
يقول ربُّنا سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33]، أيْ: أيُّ نجْمٍ مهما صَغُرَ، ومهما كَبُرَ فَلَهُ فَلَكٌ يسبَحُ فيه، قال تعالى:{لَا الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلَا اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] .
القرآنُ الكريمُ كلامُ ربِّ العالمين، وهذا الكونُ خَلْقهُ، ولا بدّ مِن توافُقٍ تامٍّ بين خَلْقِهِ وهذا الكتابِ، يقول تعالى:{الحمد للَّهِ الذي خَلَقَ السماوات والأرض} [الأنعام: 1]، ويقول سبحانه:{الحمد لِلَّهِ الذي أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب} [الكهف: 1] .
الشمسُ، هذه التي نعرفها، حرارتُها في سطحِها ستّةُ آلافِ درجةٍ، وفي مركزها عشرون مليون درجةٍ، ولها قوّةُ إضاءةٍ تقدَّر بوحداتٍ إضائيّةٍ، لكنّ الذي يحيِّرُ العقولَ أنّ هناك شُموساً تزيدُ في إضاءتِها على الشّمس سِتّاً وعشرين مرّة، وهناك نُجومٌ تزيدُ إضاءتُها على إضاءةِ الشّمسِ مِئةَ مرّة، وهناك نجومٌ تزيدُ إضاءتُها على إضاءةِ الشّمسِ خمسمئة ألفِ مرّةٍ، فما شمسُنا إلا شمسٌ متواضعةٌ، ومتوسّطةٌ بين شُموسٍ كثيرةٍ.