الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قانون الدفع نحو الأعلى
إنّ هذه الأمطارَ التي يُكرِمُنا اللهُ بها، وهذه الثلوجَ التي يمتنُّ اللهُ بها علينا ما مصدرُها؟ هذا سؤالٌ دقيقٌ، لأن اللهَ سبحانه وتعالى يَحُثُّنا أنْ ننظرَ في مَلكوت السماواتِ والأرضِ، قال سبحانه:{قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض} [يونس: 101] .
إنّ مصدرَ هذه الأمطارِ الأولَ هذا البحرُ، ونسبةُ مساحةِ البحرِ كما تعلمون إلى مساحةِ الأرضِ بكاملِها واحدٌ وسبعون في المئة، فسطحُ الأرضِ واحدٌ وسبعون بالمئة منه بحرٌ، وتسعةٌ وعشرون بالمئة بَرٌّ، سؤالٌ دقيقٌ: مِن أينَ جاءتْ هذه المياهُ الكثيرةُ؟
يزيدُ عمقُ بعضِ النقاطِ في المحيطِ الهادِي على اثني عشرَ ألف مترٍ، أي اثني عشر كيلو متراً، فإذا كانت قارّةُ آسيا، وقارةُ أوروبة، وقارةُ أمريكا، وقارةُ إفريقية، وقارة أوقيانوسيا، والقارةُ السادسةُ، (القطبُ الجنوبيُّ) ، إذا كانت كلُّ هذه القارَّاتِ بما فيها مِن بلادٍ، وعبادٍ، وسهولٍ، وجبالٍ، وصحارى، نسبتها تسعٌ وعشرون بالمئة مِن مساحةِ الأرضِ، وما تبقَّى بحرٌ، وبأعماقٍ متفاوتةٍ، وقد تبلغُ بعضُ أعماقه اثني عشرَ ألف مترٍ، فمِن أينَ جاءتْ هذه المياهُ؟
ومِن أينَ جاءَ هذا المِلحُ؟ لا تزالُ نظريةُ ملوحةِ البحرِ نظريةً تائهةً، لا تهتدي إلى تفسيرٍ صحيحِ.
شيءٌ آخرُ، مَن جَعَلَ هذا البحرَ يمتلئ بالأسماكِ؟ إنه مستودعٌ لأغذيةِ البشرِ، على تعاقُبِ القرونِ والعصورِ، إذْ إنَّ في البحرِ ما يزيدُ عَلى مليونِ نوعٍ من السَّمَكِ، فأنواعُ الأسماكِ لا تعدُّ ولا تُحصَى، وأعدادُها لا تعدُّ ولا تحصى، وقد جَعَلَه اللهُ مخزناً غذائياً لبني البشرِ.
شيءٌ آخرُ، جَعَلَ اللهُ البحرَ وسيلةَ اتصالٍ بين القارَّاتِ، وجَعَلَ سطْحَه موزعاً بين القارَّات، هذا كلُّه فيه أبحاثٌ طويلةٌ، ولكنْ أريدُ هنا أنْ أَقِفَ عند قانونٍ أساسيٍّ في البحرِ.
إنّ هذا القانونَ يقول: إنَّ كلَّ جسمٍ غاطسٍ في الماءِ يتلقَّى مِن الأسفلِ إلى الأعلى دَفْعاً عَمودياً، قائماً، مساوياً لوزنِ الماءِ المزاحِ المُعادِل لحجمِ هذا الجسمِ.
احملْ شيئاً ثقيلاً، واغْمِسْه في الماءِ، تشعر أنّ نصفَ وزنِه قد تَلاشَى، كأنَّ قوةً تَدْفَعُه نحو الأعلى، هذه القوةُ يحكُمُها قانونٌ، إنَّ قوةَ الدفعِ نحو الأعلى تساوِي وزنَ الماءِ المُعَادِلَ لحجمِ هذا الجسمِ، ولولا هذا القاونُ لَمَا أمكنَ أنْ يُرْكَبَ البحرُ، هذا القانونُ بسببه تَسْبَح الأسماكُ، ولولا قانونُ القوةِ الدافعةِ نحو الأعلى لمَا وجدتَ في البحرِ سمكةً واحدةً، فالأسماكُ تَسْبَح في البحرِ لأنّ وزنَها أقلُّ مِن وزنِ الماءِ الذي أَزَاحَتْهُ بانغماسِها في الماءِ، لذلك تجدُ السمكةُ قوةً دافعةً نحوَ الأعلى.
لولا هذا القانونُ لما أَمْكَنَ لسفينةٍ أن تَمْخُرَ عُبَابَ البحرِ، لذلك قال ربُّنا سبحانه وتعالى:
{الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} [الجاثية: 12] .
إنّ أحدثَ رقمٍ اطَّلعتُ عليه: أنّ هناك ناقلاتِ نفطٍ تزيدُ حمولتُها على مليونِ طنٍّ، سَمِعْنا قبل سنواتٍ عن سبعمئة ألف طنٍ، وثمانمئة ألفِ طنٍّ، ونصف مليونِ طنٍّ، أَحْدَثُ ناقلاتِ النفطِ تزيدُ حمولتُها على مليونِ طنٍّ، إنَّها مدينةٌ تَمْخُرُ عُبَابَ الماءِ، بفضل مَنْ؟ بفضلِ هذه القوةِ التي أَوْدَعَهَا اللهُ في الماء، قوةِ الدفعِ نحو الأعلى، وهي تعملُ بأمرِ اللهِ، هذا القانونُ اكتشفه عالمٌ مِن علماءِ الغَربِ وهو أرخميدس.
لقد أشارَ ربُّنا سبحانه وتعالى إلى هذا القانونِ في آياتٍ كثيرةٍ.
الآية الأولى: {الله الذي سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِيَ الفلك فِيهِ بِأَمْرِهِ} ، تنقلون البضائعَ، والحبوبَ، والأغذيةَ، والآلاتِ عَبْرَ المحيطاتِ على ظَهْرِ هذه السفنِ، التي هي في البحرِ كالأعلامِ، أي كالجبالِ، ثم قال سبحانه:{وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الجاثية: 12] .
آيةٌ ثانيةٌ تشير إلى هذا القانونِ قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفلك تَجْرِي فِي البحر بِنِعْمَةِ الله} [لقمان: 31] ، بفضل هذا القانون.
آيةٌ ثالثة: {وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام} [الشورى: 32] .
آيةٌ رابعة: {وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام} [الرحمن: 24] .