الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقلتْ إحدى محطات الأخبار العالمية الخبر التالي: "أُرسِلَتْ مركبةٌ فضائيةٌ تحمِلُ مرصداً عملاقاً، قُطْرُ عدستِه ثمانيةُ أمتارٍ، أُرْسِلَتْ قبل أربعِ سنواتٍ، ويغلبُ على الظن أنّ سرعتَها تزيدُ على أربعين ألفَ مِيلٍ في الساعة، مضى على انطلاقِها مِن الأرض أربعُ سنواتٍ، مِن أجْلِ أنْ يكتشفَ خبايا الكونِ وأسرارَه، ولعلّه اقتَربَ مِن المشتري، وقد الْتَقَطَ قبلَ يومين صورةَ مَجَرَّةٍ جديدةٍ اكْتُشِفَتْ حديثاً".
كان يُظَنُّ أنّ أَبْعَدَ مجرةٍ اكْتُشِفَتْ بُعْدُها عنَا عشرون ألفَ مليونِ سنةٍ ضوئيةٍ، وممَّا يُعلمُ أنّ أقْرَبَ نجمٍ مُلْتَهِبٍ يبعدُ عن الأرض أربعَ سنواتٍ ضوئيةٍ، ولو أردتَ أنْ تعرفَ ماذا تعني أربعُ سنواتٍ ضوئيةٍ، فإني أمثل لك ذلك بأنك لو أردتَ أنْ تَصِلَ إلى هذا النجمِ الذي يبعدُ عنّا أربعَ سنواتٍ ضوئيةٍ في مركبةٍ أرضيةٍ لاحْتَجْتَ إلى قريبٍ من خمسينَ مليون عامٍ.
نجمُ القطْبِ بُعْده أربعةُ آلاف، والمرأةُ المسلسلةُ مليونانِ، أحْدَثُ مجرةٍ تبعُدُ عنّا عشرين ألفَ مليون سنة ضوئية.
الخبرُ الذي أَذَاعَتْه إحدى محطاتِ الأخبارِ العالميةِ عن تلك المركبة الفضائية التي انطلقت قبل أربعِ سنواتٍ بسرعة أربعينَ ألفَ ميلِ في الساعةِ، والتي يُظَنُّ أنها قُرْبَ المشتري، أرسَلَتْ قبل أيام صورة لمجرةٍ تبعد عنا - ودققوا في هذا الرقم - مئات البلايين من السنوات الضوئية، والبليونُ ألفُ مليون، وهذه المجرةُ كانت في هذا الموقعِ قبل هذه السنين، ثم تحوَّلَتْ إلى موقعٍ آخرَ؛ لأنّ سرْعتَها تزيد على مئتين وأربعين ألف كيلو مترٍ في الثانية، أين هي الآن؟..
الآن تفكَّرْ في قوله سبحانه وتعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76] .
هذا الإلهُ العظيمُ الذي خَلَقَ هذا الكونَ العظيمَ أيُعْصَى؟ أيَنصرِفُ الإنسانُ عن أمْرِه ونهْيِه؟ ولا يعبأُ بوَعْدِه ووَعِيدِه، يرجُو غيْرَه، ويخافُ غيرَه، ويسعَى لإرضاءِ غيرِه:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} .
المجرات والنجوم وسرعتنا
إنّ كلمةَ المجرّاتِ نسمعُها كثيراً، ونقرأُ عنها الشيءَ الكثيرَ، ولكنّ الحقائقَ التي اكتُشِفَتْ حديثاً تكادُ لِعَظَمَتِها لا تُصَدَّقُ.
إنّ المجرّاتِ جُزُرٌ كونيّةٌ هائلةٌ، تكوِّن وحداتِ الكونِ الأساسيّةَ، فالمجرّاتُ غبارٌ كونيٌّ، وسُدمٌ، ونجومٌ، وكواكبُ، ومذنّباتٌ، ونيازكُ، وشُهبٌ، ومجالاتٌ مغناطيسيّةٌ كهربيّةٌ عنيفةٌ، كلُّ هذا في المجرّةِ الواحدةِ، والشيءُ الغريبُ أنَّ أكبرَ مرْصدٍ على وجهِ الأرضِ رصَدَ ألفَ مليونِ مجرّةٍ، غيرَ أنّنا لا نرى بالعينِ المجرَّدةِ إلا ثلاثَ مجرّاتٍ، إذا نَظَرْنا إلى قبّةِ السماءِ نرى درْب التَّبَّابنةِ، ومجرّة مَاجِلَاّن الصغرى، والكبرى، أمّا المراصدُ الكبيرةُ فقد رصَدَتْ ما يزيدُ على ألف مليون مجرّة، بل إنّ تقديراتِ العلماءِ أنّ في السماءِ مليونَ مَليون مجرّةٍ، وإنّ عدد النجوم في كل منها يقترب من مليون نجم، لذلك قال تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75-76] .
لنأخذ على ذلك درْبَ التَّبَّابنةِ، وهي مجرّتنا، التي نحن جزءٌ صغيرٌ منها، طولُها يزيد على مئة وخمسين ألفَ سنةٍ ضوئيّةٍ، على حين أننا نبعدُ عن القمرِ ثانيةً ضوئيّةً واحدةً، ونبعدُ عن الشّمسِ ثماني دقائقَ، المجموعةُ الشّمسيّةُ مِن أقصاها إلى أقصاها لا تزيدُ على ثلاث عشرةَ ساعةً ضوئيّةً، أمّا مجرّتُنا فطولُها يزيدُ على مئة وخمسين ألفَ سنةٍ ضوئيةٍ، وشكْلُها كالمغزلِ.
الشيءُ الغريبُ والجديدُ أنّ هذه المجرّاتِ تدور حولَ نقطةٍ موهومةٍ في الفضاءِ الخارجيِّ، تدور حولَ هذه النّقطةِ بسُرعةٍ لا تكاد تُصَدَّق، إنّها تدور بسُرعةٍ تعادِلُ ثمانيةَ أعشارِ سرعةِ الضّوءِ، والضّوءُ يقطعُ في الثانيةِ الواحدةِ ثلاثمئة ألف كيلو متر، إنّ هذه المجرّاتِ تسيرُ بِسُرعةٍ بَيْنَ سبعةٍ وثمانيةِ أعشارٍ مِن سُرعةِ الضّوءِ.
المجموعةُ الشّمسيّةُ على سبيلِ المثالِ، تدورُ حولَ نقطةٍ في مجرّتنا، تستغرقُ دورتُها حول هذه النّقطةِ مئتين وخمسين مليون سنةٍ، وسرعتُها تزيدُ على سبعةِ أعشارِ سرعةِ الضّوءِ.