الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّ بعضَ النباتاتِ في الصّحراءِ مهمّتُها الأساسيّةُ تخزينُ الماءِ، فالمسافرُ في الصّحراءِ يحتاجُ إلى الماءِ بالدرجةِ الأولى، ولذلك فإنّ بعضَ النباتاتِ في الأراضي القاحلةِ، وفي الأراضي الجافّةِ تستطيعُ أنْ تختزِنَ في جَوْفِها الماء، ويستطيعُ الإنسانُ أو الحيوانُ أنْ يأخذَ حاجتهُ مِنَ الماءِ حينما يقْطَعُ بعضَ أطرافِ أغصانِها، عندئذٍ ينسابُ إليه الماءُ العذبُ الزلالُ مِن هذا النباتِ الذي خُلِقَ لِيَكون مُستوْدعاً لك - أيُّها الإنسانُ - في طريقِك، هذه النباتاتُ تختزنُ كمِّياتٍ كبيرةً من الماءِ في نُسجٍ خاصّةٍ تُدعى هذه النّسجُ النسيجَ المُدَّخِرَ للماءِ، وهذا النسيجُ في قلبِ أعضاءِ النباتِ، وهو كالإسفنجِ، ويصلُ هذا المخزونُ في بعضِ الأحيانِ إلى ثلاثةِ آلافِ لترٍ في فصْلِ الجفافِ، هذا خلْقُ اللهِ، خلقٌ تامٌّ، وخلقٌ كامِلٌ، كلُّ حاجاتِ الإنسانِ مَوْفورةٌ، أمّا الفسادُ فيظهرُ حينما نقطعُ الغاباتِ، ونفسِدُ الصحراءَ، وحينما نلوّثُ المياهَ، وحينما نلوّثُ الجوِّ تظهرُ الأمراضُ، وتظهرُ الحالاتُ غيرُ الصحيحةِ.
إنّ موضوعَ التلوُّثِ موضوعٌ خطيرٌ، يندرجُ تحت قولِه تعالى:{وَإِذَا تولى سعى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الحرث والنسل والله لَا يُحِبُّ الفساد} [البقرة: 205] .
انجذاب النبات
إنّ النباتَ ينجذبُ إلى الضوءِ، فلو وضعتَ نباتاً في غرفةٍ، ولهذه الغرفةِ نافذةٌ واحدةٌ، ترى أنّ أغصانَ النباتِ، وأوراقَ النباتِ تتّجهُ إلى تلك النافذةِ التي يأتي منها الضوءُ، ولكنّ الأدقَّ مِن ذلك أنّ أوراقَ الشجرِ تنتظمُ بشكلٍ رائعٍ، حيثُ تواجِه كلُّها أشعةَ الشمسِ، فقلَّما تتداخلُ أوراقُ الأشجارِ فيما بينها، وإذا تداخلتْ فإلى حدٍّ أدنى مِن التداخلِ، لا بد مِن أنْ تتّجهَ أوراقُ الأشجارِ جميعُها إلى أشعةِ الشمسِ، فمَن أَوْدَعَ في هذا النباتِ هذه الخاصَّةَ؟ {أإلاه مَّعَ الله} [النمل: 63] .
شيءٌ آخرُ: جاؤوا بنباتٍ، ووضعوهُ بشكلٍ أُفُقِيٍّ في أنبوبٍ، فإذا بالجذرِ يتّجهُ نحو الأسفلِ، وبالساقِ يتّجهُ نحو الأعلى، فالجذرُ يتجهُ نحو الرطوبةِ والماءِ، والساقُ يتّجِهُ نحو الشمسِ والهواءِ، فمن الذي جَعَلَ هذا النباتَ يتجهُ جزءٌ منه نحو أشعةِ الشمس، وجزءٌ يتجهُ نحو الأرضِ {أإلاه مَّعَ الله} .
أمْرٌ آخر: هناك أشجارٌ يصلُ طولُ جذورِها إلى ثلاثينَ متراً بحثاً عن الماءِ، فمَن أودعَ في النباتِ هذه الخاصيَّةَ؟ الساقُ يتجهُ نحو الأعلى، والجذرُ يتجهُ نحو الأسفلِ، فلو كان الماءُ في طرفٍ مِنَ التربةِ دون طرفٍ لاتجهتِ الجذورُ نحو الماءِ، وهي في باطنِ الأرضِ، ولو كان الساقُ متجهاً نحو الأعلى، وكان الضوءُ من جهةٍ أخرى لاتجهتِ الأغصانُ نحو الضوءِ، والسؤال: هل المادةُ عاقلةٌ؟
إنّ ظاهرةَ النباتِ وحْدَها تلفتُ النظرَ، فإنّ الانجذابَ نحو الضوءِ، والانجذابَ نحو الماءِ، والانجذابَ نحو الأرضِ للجذورِ، ونحو السماءِ للفروعِ آيةٌ من آياتِ اللهِ الدالَّةِ على عظمتِه.
هناك ظاهرةٌ في النباتِ تؤكِّدُ عظمةَ اللهِ، حيث إنّ النباتَ إذا عطشَ ينبغي أنْ يستهلكَ ماءَ الجذورِ، ومع ذلك فهو لا يستهلكُ إلا ماءَ الأوراق، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الأوراقِ يستهلكُ ماءَ الأغصانِ، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الأغصانِ يستهلكُ ماءَ الفروعِ، وبعد أنْ يستهلكَ ماءَ الفروعِ يستهلكُ ماءَ الجذعِ، وبعدَ أنْ يستهلكَ ماءَ الجذعِ يستهلكُ ماءَ الجذورِ، فآخِرُ ماءٍ يستهلِكُه النباتُ حينما يُمنعُ من الريِّ هو ماءُ الجذور، فقد ينسى الفلاحُ أنْ يسقيَ الشجرةَ أياماً طويلةً، وقد تشحُّ السماءُ بماءِ الأمطارِ، لكنّ هذا النباتَ لا يستهلكُ إلا الماءَ الذي لا يضرُّ عدمُ وجودِه، وآخِرُ ماءٍ يستهلكُه النباتُ هو ماء الجذورِ، فإذا استهلك ماءَ الجذورِ، ويبستِ الجذورُ يبسَ النباتُ، وماتَ.
أَيُّ حكمةٍ وراءَ هذه القاعدةِ؟ {قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] .