الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنَّ اللهَ سبحانه وتعالى هو الرزاقُ، ذو القوةِ المتينُ، فِمن ستة عشر مليونَ طنٍّ من الماء في الثانية الواحدة، إلى أمطارٍ أغنَتْ عن دفعِ عشرة آلاف مليون ليرة ثمناً للأعلاف، فهذه الأرقامُ لها دَلالاتٌ عند المؤمنين، هذا عطاءُ الله، قال سبحانه وتعالى:{كُلاًّ نُّمِدُّ هاؤلاء وهاؤلاء مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء: 20]، وقال سبحانه:{فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَآئِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 24-32] .
فائدة:
قال ابن كثير في تفسيره: " {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} ، أيْ وهُمْ يُشاهدُونَ المخلوقاتِ تَحْدُثُ شيئاً فشيئاً عَيَاناً، وذلك كلُّه دليلٌ على وجودِ الصانعِ، الفاعلِ المختارِ، القادرِ على ما يشاءُ:
ففِي كلِّ شيءٍ له آيةٌ
…
تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدُ"
وفي تفسير الجلاليْنِ: "وجعلْنَا مِن الماءِ النازلِ مِن السماءِ والنابعِ من الأرض كلَّ شيءٍ حيٍّ، مِن نباتٍ وغيرِه، أي فالماءُ سببٌ لحياتِه، أفلا يؤمنون".
العلاقة بين الماء والهواء
لنذكرْ نعمةَ الهواءِ، ونعمةَ الماءِ، لنذكرِ العلاقةَ بينهما، إذ لولا هذه العلاقةُ لَمَا كان بَشَرٌ على وجهِ الأرضِ.
إنّ العلاقةَ بين الماءِ والهواءِ هي أنّ الهواءَ يتحمَّلُ بخارَ الماءِ، والآيةُ العُظمَى أنّ الهواءَ يتحمَّلُ بخارَ الماءِ بِنِسبٍ متفاوِتَةٍ مع درجاتِ الحرارةِ، فإنَّ متراً مكعباً مثلاً مِن الهواءِ في درجةِ الصفر يتحمَّلُ خمسةَ غراماتٍ مِن بخارِ الماءِ، مع أنه إذا سُخِّنَ هذا الهواءُ إلى درجةِ عشرين، أو ثلاثين فقد يتحمَّلُ مئةً وثلاثينَ غراماً مِن بخارِ الماءِ.
إنَّ تفاوُتَ نِسَبِ تحمُّلِ الهواءِ لِبُخارِ الماءِ بحسبِ درجاتِ الحرارةِ هو سببُ هطولِ الأمطار، وإذا لم تَكُنِ الأمطارُ لم تَكُنِ النباتاتُ، وإذا لم تكنِ النباتاتُ لم يكن الحيوانُ، وإذا لم يكنِ الحيوانُ لم يكنِ الإنسانُ، لأنّ الماءَ أساسُ الحياةِ، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30] .
أمَّا كيف يسوقُ اللهُ سبحانه وتعالى الماءَ مِن البِحارِ إلى كلِّ القارَّاتِ عن طريقِ الأمطارِ؟ فبفضلِ خاصّةِ تحمُّلِ الهواءِ لبخارِ الماءِ، بِنِسَبٍ تتفاوتُ مع درجاتِ الحرارةِ، فإذا حمَّلتَ متراً مكعباً مِنَ الهواءِ مئةً وثلاثينَ غراماً مِنْ بخارِ الماءِ، عَن طريقِ التسخينِ والتبخيرِ، ثم نَقلتَ هذا الهواءَ المشْبعَ ببخارِ الماءِ إلى مكانٍ باردٍ، فإنه يتخلَّى فوراً عن بخارِ الماءِ، ويطرحُ هذا البخارَ الذي يزيدُ على حاجتِه بفعلِ انخفاضِ درجاتِ الحرارةِ، يطرحُه قطراتِ ماءٍ، وهذا هو مبدأُ الأمطارِ.
تُسلَّط أشعةُ الشمسِ على مساحاتٍ واسعةٍ جداً مِن الكرةِ الأرضيةِ، وهي البحارُ، لأنَّ البحرَ يشملُ 72% من مساحتها، هذا الماءُ يتبخَّر، والهواءُ يحملُ البخارَ، واختلافُ درجاتِ الحرارةِ بين الصحارى والمناطقِ الساحليةِ، وبين خطِّ الاستواءِ والقطبِ، هذا التفاوتُ الكبيرُ في درجاتِ الحرارةِ يسوقُ الرياحَ، والرياحُ تحملُ معها بخارَ الماءِ، فإذا واجهَ الهواءُ المشبعُ ببخارِ الماءِ جبهاتٍ باردةً طرَحَ الماءَ الذي يزيدُ على حاجتِه، فتهطلُ الأمطارُ.
مَن قَنَّنَ هذا القانونَ؟ مَن أعطى الماءَ هذه الخاصةَ، خاصةَ التبخُّرِ؟ مَن أعطى الهواءَ هذه الخاصيّة، خاصيّةَ تحمُّلِ بخارِ الماءِ؟ مَن جعلَ لكلِّ درجةِ حرارةٍ كميةَ بخارِ ماءٍ محددَّةً لا تزيدُ عليها يحملها الهواءُ؟ في درجةِ الصفرِ خمسةُ غرامات، وفي عشرين درجة مئة وثلاثون غراماً، فإذا خَفَّضْنا الحرارةَ إلى الصفرِ طَرَحَ الهواءُ كميةَ بخارِ الماءِ التي تزيدُ على الكميةِ التي يتحمَّلُها بخارُ الماءِ في درجةِ الصفرِ فكانت الأمطارُ.