الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا قرأتُم القرآنَ الكريمَ لا تقرؤوه سرداً، توقَّفوا عند آياته، تأمَّلوا فيه، {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض مهادا} ، كيف هيَّأها لك؟ وهيَّأك لها؟ كيف جَعلَها بِحَجمٍ، وبِسُرعةٍ، وباستقرارٍ مع الهواءِ، والماءِ، والشّمسِ، والنباتِ، والحيوانِ، والتضاريسِ، والليلِ، والنهارِ، والحركةِ، والجاذبيّةِ، على نحْوٍ يوافق حاجاتك؟ وجعل لك قدَمَين، ويَدَيْنِ، وعينين، ورئتين، وأُذنين، وقوّةً مدركةً، وأخرى محاكِمةً، ولساناً طليقاً يتحدّثُ ويبيّنُ، وأذناً مصغيةً تدرِكُ بها ما عندَ الآخرِين.
القرآنُ كونٌ ناطقٌ، والكونُ قرآنٌ صامِتٌ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم قرآنٌ يمشي، فتأمَّلْ في صُنْعِ الله عز وجل، مِن أجلِ أن تعرفَ اللهَ عز وجل من خلال كونه، قال تعالى:
{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} [فاطر: 28] .
سرعة الأرض
في القرآنِ الكريمِ آيتانِ على سبيلِ الحصرِ تشيران إلى سرعةِ الأرضِ، الأُولى قولُه سبحانه:{أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً أإلاه مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61]، والثانيةُ قولُه تعالى:{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً والسمآء بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} [غافر: 64] .
إنّ سرعةَ الأرضِ آيةٌ عظيمةٌ غَفَل عنها كثيرٌ منَ الناسِ، وأعرضوا عن التأمُّلِ فيها، فهذه الأرضُ تدورُ حولَ نفسِها بسرعةٍ تبلغُ في خطِّ الاستواءِ 1600 كيلومتر في الساعةِ، وهذه الأرضُ تدورُ حولَ الشمسِ بسرعةٍ قَدَّرها العلماءُ بثلاثينَ كيلومتراً في الثانيةِ الواحدةِ، فلها حركةٌ حول نفسِها، وحركةٌ حول الشمسِ، ومع ذلك فإنّ الأرضَ مستقرةٌ استقراراً تاماً، بدليلِ أنه لو اهتزَّتْ قيدَ أَنْمُلَةٍ لتصدَّعتِ الأبنيةُ، ولانهارت، {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، مَن الذي يَملكُ أنْ يجعلَها مستقرةً؟ أتملكون أنتم أيها العبادُ الضعفاءُ أنْ تجعلوها مستقرةً؟ حينما اهتزتْ في بعضِ البلادِ أصبحتْ مدينةٌ مِن مدُنِها قاعاً صفصفاً، فلِمَ لمْ تقدروا على دفعها؟ أو تُبقُوا على استقرارها؟ {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر: 74] .
ماذا فعلتم؟ هل تملكون دفْعَ اهتزازِها؟ أو جَلْبَ استقرارِها؟ {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، فهذا البيتُ الذي تدفعُ ثمنَه عشراتِ الملايين في بعضِ الأحياء الراقيةِ، ما قيمتُه لو اهتزَّتِ الأرضُ قليلاً، وتصدَّع البناءُ، وهذه الثروةُ التي تملكُها، لو اشتريتَ بها بيوتاً، واهتزَّتِ الأرضُ هزاً يسيراً فتصدَّعتْ، ماذا تفعل؟ {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، اركبْ طائرةً، وانظرْ إلى طرَفِ الجناحيْنِ، إنهما يهتزان يمنةً ويسرةً، فهل يستطيعُ الإنسانُ أنْ يصنعَ مركبةً لا تهتز أبداً، إنه استقرارٌ تامٌّ، يمضي على البناءِ مئةُ عامٍ، ومئتان، بل القرونُ، ويبقى كما هوَ، لا تجدُ له تحويلاً، ولا تغييراً، وهذا دليلٌ على أنّ الأرضَ مستقرةٌ.
يقولُ ربُّنا سبحانه وتعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] .
إذا كانت الجبالُ تمرُّ مرَّ السحابِ، فإنّ الأرضَ تدورُ، وهذه إشارةٌ لطيفةٌ في كتابِ اللهِ عز وجل إلى دورةِ الأرضِ حَوْلَ نفسِها.
تقطعُ الأرضُ حولَ نفسِها في الثانيةِ الواحدةِ نصفَ كيلو مترٍ، لأنّ محيطَها أربعونَ ألفَ كيلو مترٍ، فالنقطةُ في المحيطِ تعودُ إلى مكانِها السابقِ بعد أربعٍ وعشرين ساعةً، فإذا قسَّمتَ أربعينَ ألفَ كيلو مترٍ على أربعٍ وعشرينَ ساعةً كانت النتيجةُ ألفاً وستمئة كيلو مترٍ في الساعة، أي نصفَ كيلو متر في الثانية، هذه سرعةُ الأرضِ في دورتِها حولَ نفسِها.
{أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، مَن جعَلها مستقرةً استقراراً ثابتاً؟ وهي تدورُ حول نفسها، وحول الشمس، ومع الشمسِ، والشمسُ مع المجرةِ، قال تعالى:{لَا الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلَا اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] .
المعنى الثاني: لو أنّ إنساناً ركبَ مركبةً فضائيةً، وتخطَّى بها نطاقَ الجاذبيةِ الأرضيةِ، حيث ينعدم الوزنُ هناك، ولا تُطَاقُ الحياةُ، لأن المركبةَ بلا وزنٍ، فإذا أُفِلتَ منها شيءٌ طارَ في السماءِ، واستقرَّ في السقفِ، فمَن جعَلَ الأشياءَ ترتبطُ بالأرضِ؟ إنه اللهُ {خالق كُلِّ شَيْءٍ فاعبدوه} [الأنعام: 102] ، ولو أنّ الأرضَ أسرعتْ في دورانِها لطارَ مَنْ عليها، ولو تضاعفتْ سرعتُها سبعةَ عشرَ ضعفاً لطار جميعُ من عليها، فمَن جعلنا مستقرِّين عليها؟ إذا أمسكتَ كأسَ الماءَ، ووضعتَه على الطاولةِ، لماذا يبقى عليها؟ إنها قوّةُ الجاذبيةِ، حيث ينجذبُ كلُّ شيءٍ إلى مركزِ الأرضِ، ومَن الذي جعلَ البحارَ في قسمِ الكرةِ الجنوبيِّ مرتبطةً بالأرض؟ فلو ذهبَ إنسانٌ إلى نصفِ الكرةِ الجنوبيِّ، إلى استراليا، إلى الأرجنتين، ماذا يرى؟ يرى الأرضَ أرضاً، والسماء سماءً، انظرْ إلى أستراليا على الكرةِ الأرضيةِ، فإنك تراها في القسم الجنوبي، ما تعريفُ السماءِ إذاً؟ هي الجهةُ المقابلةُ لمركزِ الأرضِ، ولو ذهبتَ إلى القسمِ الجنوبيِّ منها، {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، مَن جعل البحارَ ترتبطُ بالأرضِ في قِسْمِها الشماليِّ، وقِسْمِها الجنوبيِّ؟ مَن جَعَلَ كتلةَ الهواءِ ترتبطُ بالأرضِ؟ فلو أنّ الهواءَ لم يرتبطْ بالأرض لنشأتْ عواصفُ وأعاصيرُ تدمِّر كلَّ شيءٍ، ولكنَّ الغلافَ الهوائيَّ مرتبطٌ بالأرضِ، {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً} ، إذَا وضعتَ شيئاً على الأرضَ يبقى في مكانِه، بقدرةِ قادرٍ، عن طريقِ نظامِ الجاذبيةِ، إذْ إنّ كلَّ شيءٍ ينجذبُ إلى الأرضِ.
إنهما آيتان في القرآن الكريمِ على سبيلِ الحصرِ، الأولى قولُه تعالى:{أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزاً أإلاه مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61]، والثانيةُ قولُه:{الله الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض قَرَاراً والسمآء بِنَآءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} [غافر: 64] .