الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آيةٌ خامسة: {والفلك التي تَجْرِي فِي البحر بِمَا يَنفَعُ الناس} [البقرة: 164] .
آيةٌ سادسة: {وَمَا يَسْتَوِي البحران هاذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهاذا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12]، أي إنّ هذا اللؤلؤَ خُلِقَ خِصِّيصي لكم أيها البشر.. {وَتَرَى الفلك فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [فاطر: 12] .
هذه مِن آياتِ الله عز وجل، أي إنّك إذا استعملتَ شيئاً قد جُلِب واستُورِدَ مِن بلادٍ بعيدة فاذكرْ هذه الآياتِ، ولولا أنّ اللهَ سبحانه وتعالى جَعلَ هذا القانونَ - قانونَ الدفع نحو الأعلى - لَمَا أَمْكَنَ لسفينةٍ أنْ تنقلَ لك هذه البضاعةَ التي تستعملُها، إذاً هذه آيةٌ من آيات الله الدالة على عظمته، {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 25] .
علاقة الماء بلون الصخور
إنْ مِن آياتِ الإعجازِ العلميِّ المتعلقةِ بالماءِ قولَ اللهِ جل جلاله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27-28] .
وَرَدَ اختلافُ الألوانِ في ثلاثِ فقراتٍ في هذه الآيةِ.
قد يعجبُ الإنسانُ مِن علاقةِ إنزالِ الماءِ من السماءِ باختلافِ ألوانِ الجبالِ، ففي بحثٍ مطوَّلٍ ومعقَّدٍ جداً ملخَّصُه أنّ الماءَ، هذا العنصرَ الحيويَّ، والذي يُعَدُّ مِن أعلى العناصرِ المُذيبَةِ والفعَّالةِ، تبيَّن أنه هو العاملُ الحاسمُ في تلوينِ الجبالِ، التي تأخذُ ألوانَها من ألوانِ معادنِها التي تشتركُ في بنيتها، والمعادنُ تتلوَّنُ بِقدْرِ أَكْسَدَتِها، حيث إنّ الماءَ له علاقةٌ بهذه الأكسدةِ، لذلك تجدُ أنّ أحدَ عواملِ تلوينِها، واختلافِ ألوانِها؛ من جبالٍ كالغرابيبِ السودِ، وجبالٍ جُدَدٍ بيضٍ، وحمرٍ مختلفٍ ألوانُها يعودُ إلى الماءِ، لذلك قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} .
فكلما تقدّمَ العلمُ كَشَفَ عن جانبٍ من إعجازِ القرآنِ الكريمِ العلميِّ، مِن أجلِ أن نعلمَ علمَ اليقينِ أنَّ الذي أنزلَ هذا القرآنَ هو الذي خَلَقَ الأكوانَ، وأنّ هذا التوافقَ بين معطياتِ العلمِ، ومعطياتِ الوحيِ هو منطقيٌّ إلى درجةٍ قطعيةٍ، لأنّ الوحيَ كلامُ اللهِ، ولأنّ الكونَ خَلْقُ الله، واتِّحادُ المصدرِ يعني اتِّحادَ الفروعِ، فلا بدَّ مِن تطابقِ العلمِ الحقيقيِّ مَع النقلِ الصحيح، لذلك كنتُ أقول دائماً: إن الحقَّ دائرةٌ لا بدَّ أنْ تتقاطعَ فيها خطوطُ النقلِ الصحيحِ مع التأويل الصحيحِ، وخطوطُ العقلِ الصريحِ غيرِ التبريريِّ مع خطوطِ الفطرةِ السليمةِ غيرِ المشوَّهةِ، وخطوطِ الواقعِ الموضوعيِّ غير المزوَّر، فلا بد أنْ نعلمَ عِلْمَ اليقينِ أنّ الذي خَلَقَ الأكوانَ هو الذي أنزلَ هذا القرآنَ، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [الحج: 63] ، هنا عطفٌ، قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 27-28] .
{إِنَّمَا} تفيدُ القَصْرَ والحصرَ، أيْ: ما لمْ تطلبِ العلمَ فلا سبيلَ إلى أنْ تخشى اللهَ، فإنْ أردتَ أنْ تخشى اللهَ الخشيةَ الحقيقيةَ فلا بد مِن طلبِ العلمِ، لأن الله عز وجل يقول:{إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} ، أي العلماءُ وَحْدَهُم هم الذينَ يخشونَ اللهَ، ولا أَحَدَ سِواهُم.
قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هاتين الآيتين: "يقولُ تعالى منبِّهاً على كمالِ قدرتِه في خَلْقِهِ الأشياءَ المتنوِّعةَ المختلفةَ مِن الشيءِ الواحدِ، وهو الماءُ الذي ينزِّله من السماءِ، يُخرِجُ به ثمراتٍ مختلفاً ألوانُها، من أصْفرَ وأحمرَ وأخضرَ وأبيضَ، وغيرِ ذلك من ألوانِ الثمارِ كما هو مشاهَدٌ من تنوُّعِ ألوانِها، وطعومِها، وروائحِها، كما قال تعالى في الآيةِ الأخرى:{وَفِي الأرض قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يسقى بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا على بَعْضٍ فِي الأكل إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: 4]، وقولُه تبارك وتعالى:{وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} ، أي: وَخَلَقَ الجبالَ كذلك مختلفةَ الألوانِ كما هو المشاهَدُ أيضاً، من بيضٍ وحمرٍ، وفي بعضها طرائقُ، وهي الجُدَدُ، جمع جُدَّة، مختلفةُ الألوانِ أيضاً، قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: الجُدَد: الطرائقُ
…
والغرابيبُ: الجبالُ الطوالُ السودُ، قال ابن جريرٍ: والعربُ إذا وصفوا الأسودَ بكثرة السواد قالوا: أسودُ غِربِيب
…
وقوله تعالى {وَمِنَ الناس والدوآب والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} ، أي: كذلك الحيواناتُ مِن الأناسِيّ والدوابِّ، وهو كلُّ ما دَبَّ على القوائمِ، {والأنعام} من بابِ عطْفِ الخاصِّ على العامِّ، كذلك هي مختلفةٌ أيضاً، فالناسُ منهم بَربَر، وحبوشٌ، وطماطم في غاية السواد، وصقالبة، وروم في غايةِ البياضِ، والعربُ بين ذلك، والهنودُ دون ذلك، ولهذا قال تعالى في الآية الأخرى:{واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ} [الروم: 22] ، وكذلك الدوابُّ والأنعامُ مختلفةُ الألوانِ، حتى في الجنسِ الواحدِ، بل النوعُ الواحدُ منها مختلفُ الألوانِ، بل الحيوانُ الواحدُ يكونُ أبلق، فيه من هذا اللونِ، وهذا اللونِ، فتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين
…