الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد عُقِدَ مؤتمرٌ عامَ (1910) ، لِيَبحثَ في شؤونِ المعادنِ التي في خبايَا الأرضِ، وكان هناك قلقٌ يساورُ المؤتمرِين مِن أنَّ الحديدَ سوف ينتهي مخزونُه في الأرضِ في عام (1970) ! وأصدروا التقاريرَ حولَ وُجودِ هذا الفلزِّ العظيمِ، على أنّه متوافرٌ في الأرضِ بِكَميّاتٍ كبيرةٍ، بل إنّ أحْدثَ الإحصاءاتِ هو أنّ مادّةَ الحديدِ موجودةٌ في القشرةِ الأرضيّةِ بِمُعدّلِ خمسة بالمئة مِن وزنِ القشرةِ الأرضيةِ، بعضُهم قدّرَ فلزاتِ الحديدِ الموجودةَ على سطحِ الأرضِ بسبْعمئة وخمسين ألفَ مليونِ مليُونِ طنّ! هذا شيءٌ لا يعنينا، ولكنّ الذي يعنينا أنْ تكونَ حياتُنا نحنُ بني البشر، وحياةُ كلِّ كائنٍ حيٍّ، وحياةُ كلِّ نباتٍ متوقّفةً على الحديدِ! هذا شيءٌ ربما لا يُصدَّقُ.
إنّ الحديدَ يدخلُ في تركيبِ الدّمِ، وإذا افتقرَ الإنسانُ إلى ثلاثةِ غرامات فقط مِنَ الحديدِ تُهدَّدُ حياتُه بالموتِ، ووزْنُ الحديدِ الذي في تركيبِ الإنسانِ لا يزيدُ على هذه الغراماتِ الثلاثةِ، لأنّه داخلٌ في هيموغلوبين الدمِ، والحديدُ هو الذي يجعلُ الدّمَ أحمرَ قانياً في الإنسانِ، وفي كلّ كائنٍ حيٍّ.
التربة وما تحتويه من كائنات
ثَمَّةَ شيءٌ لا يكاد يُصدَّق، إنّ متراً مكعَّباً مِن التربةِ التي نستخدمُها للزراعةِ فيه ما يزيدُ على مئتي ألف من الدِيدانِ العنكبيةِ، وعلى مئة ألفٍ من الحشراتِ، وعلى ثلاثمئة مِن ديدانِ التربةِ العاديةِ، وعلى آلاف الملايينِ من الجراثيمِ، والكائناتِ المتناهيةِ في الدقّة، وإنَّ غراماً واحداً مِن هذه التربةِ يحتوي على عدَّةِ ملياراتٍ مِن البكتيريا، مخلوقاتٍ متناهيةٍ في الدقةِ، على شكلِ عُصيَّاتٍ، وعلى شكلِ كريَّاتٍ، وعلى شكلِ لوالبَ، بعضُها يحتاجُ إلى الأوكسجينِ، وبعضُها لا يحتاجُ، بعضها عارٍ، وبعضُها له أهدابٌ تمكِّنه من الحركةِ، إنّ هذا المصنعَ ذو حركةٍ دائمةٍ، يقوم بمهماتٍ هي مِن أكثرِ المهماتِ غموضاً واستغلاقاً حتى اليوم، هذه الكائناتُ ما وظيفتها؟ يعرف العلماءُ بعضَ الوظائفِ، أما وظيفتُها بالضبط فلا يزال هذا سرّاً، وهذا المصنعُ ذو الحركةِ الدائمةِ يقومُ بمهماتٍ مِن أكثرِ المهماتِ أهميةً، ونَفْعاً للإنسانِ، فلو أنّ الجنسَ البشريَّ كلَّه أُبيدَ على بكرةِ أبيه لبقيتِ الحياةُ مستمرةً، أما هذه الكائناتُ فإنها لو أُبِيدَتْ لانتهتِ الحياةُ مِن سطح الأرضِ كليّاً، فربما كان وجودُ هذه الكائناتِ أخطرَ مِن وجودِ الإنسانِ، فكلُّ شيءٍ نأكله على نحوٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، إنما أصْلُه مِن النباتِ الأخضرِ، فإذا أكلتَ اللحمَ، فاللحمُ نَبَتَ من العشبِ، فهذا الخروفُ أكَلَ العشبَ فَنَمَا جسمُه، فأكلتَ أنتَ لحمَه، فغذاؤُك على نحو مباشر وغير مباشر أساسُه النباتُ الأخضرُ، قال تعالى:{الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} [يس: 80] .
لقد حار العلماءُ في كلمةِ {الأخضر} هنا، كيف يكونُ الشجرُ أخضرَ، وكيف يُجْعَل وقوداً؟ ولا يكون الشجرُ وقوداً إلا إذا كان يابساً، فلماذا قال تعالى:{مِّنَ الشجر الأخضر} ؟
قال بعض العلماء: إن كلمةَ {الأخضر} إشارةٌ علميةٌ إلى أنَّ هذا الشجرَ ما كان له أنْ يكونَ شجراً لولا أوراقُه الخضراءُ، فالأوراقُ الخضراءُ أساسُ وجودِه، بل إنَّ نموَّ النباتِ يعتمدُ على حادثةٍ اسمُها التحليلُ والتمثيلُ الضوئيُّ، فلا نباتَ بلا ضوءٍ، ولا نباتَ بلا شمسٍ، ولا نباتَ بلا ماءٍ، فالماءُ، والشمسُ، وغازُ الفحمِ الذي أودعه اللهُ في الجوِّ هو سببُ نموِّ النباتِ، وما أوراقُ الأشجارِ إلا معاملُ تصنعُ موادَّ النباتِ الأساسيةَ، والموادَّ العضويةَ.
تتساقطُ الأوراقُ، فتأتي الرياحُ، وتوزِّع هذه الأوراقَ المتساقطةَ على أنحاءِ التربةِ كلِّها، وتأتي ملياراتُ الكائناتِ المجهريةِ فتلتهمُها، فإذا التهمَتْهَا أصبحت غذاءً صالحاً للكائناتِ الأكبرِ منها، هي وحيدةُ الخَلِيَّةِ، فإذا التهمَتْهَا أصبحت غذاءً صالحاً لكائناتٍ أرقى منها، هي البكتريا، يتمُّ هذا على ثلاثِ مراحلَ؛ وهذه العملياتُ الحيويةُ تحتاجُ إلى الهواءِ، فمِن أينَ يأتي الهواءُ داخلَ التربةِ؟ وظيفةُ الديدانِ أنْ تفتحَ أنفاقاً في التربةِ، فالديدانُ، والقوارضُ، والأفاعِي، وكلُّ الكائناتِ التي تعيشُ تحتَ التربةِ وظيفتُها تهويةُ التربةِ، فلو أُلغيتْ لانعدمَ الإنباتُ على سطحِ الأرضِ.
هذه الديدانُ تلتهمُ الترابَ، وتفرزُ السمادَ، ولا يعلمُ - إلاّ اللهُ - كم مِن الأطنانِ التي تنتجها الديدانُ في الهكتارِ الواحدِ، وكم مِن الأطنانِ مِن الأسمدةِ التي تنتجهَا الديدانُ في الكيلومتر المربعِ الواحدِ.
إنّه كونٌ عظيمٌ، وخالقٌ عظيمٌ، وشرعٌ حكيمٌ، فأينَ نذهبُ؟ وما الذي يصرفنا عن اللهِ سبحانه وتعالى، وعن تطبيق أمره؟ هذه بعض الحقائق المهِمَّة، {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ العلم إِلَاّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85] ، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَآءَ} [البقرة: 255] .