الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظلمه بملء فيه؛ وربما يعجّل له العقوبة فى دنياه، ويضاعف عليه العذاب فى أخراه، ويريه عاقبة بغيه فى يوم ينظر المرء ما قدّمت يداه. نسأل الله تعالى أن يحمينا أن نظلم أو نظلم، وأن يجعلنا ممن فوّض أمره إليه وسلّم، ولا يمتحننا بمكروه، فهو بضعفنا عن حمله أدرى، وبعجزنا أعلم، بمنّه وكرمه.
ذكر ما قيل فى حسن السّيرة والرّفق بالرعيّة
قال الله تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أعطى حظّه من الرفق فقد أعطى حظّه من الخير كلّه، ومن حرم حظّه من الرّفق فقد حرم حظّه من الخير كلّه»
. ولما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب فقال لهما: أشيرا علىّ؛ فقال له سالم: اجعل الناس أبا وأخا وابنا، فبرّ أباك، واحفظ أخاك، وارحم ابنك. وقال محمد بن كعب: أحبب للناس ما تحبّ لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، واعلم أنك أوّل خليفة يموت.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدىّ بن أرطاة: أما بعد، فإذا أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك، واعلم أن مالك عند الله مثل ما للرعيّة عندك.
وقال المنصور لابنه المهدىّ: يا بنىّ لا تبرم أمرا حتى تفكّر فيه، فإن فكرة العاقل مرآته تريه حسناته وسيئاته؛ واعلم أن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية [1] لا يصلحها إلا العدل؛ وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
[1] كذا فى العقد الفريد (ج 1 ص 17) وفى الأصل: «والطاعة» .
وقال خالد بن عبد الله القسرىّ [1] لبلال بن أبى بردة: لا يحملنّك فضل المقدرة على شدّة السّطوة، ولا تطلب من رعيّتك إلا ما تبذله لها، ف إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
وقيل: لما انصرف مروان بن الحكم من مصر إلى الشام، استعمل ابنه عبد العزيز على مصر، وقال له حين ودّعه: أرسل حكيما ولا توصه؛ انظر أى بنىّ [2] إلى أهل عملك؛ فإن كان لهم عندك حقّ غدوة فلا تؤخّره إلى عشيّة، وإن كان لهم عشيّة فلا تؤخّره إلى غدوة، وأعطهم حقوقهم عند محلّها تستوجب بذلك الطاعة منهم. وإيّاك أن يظهر لرعيّتك منك كذب، فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدّقوك فى الحق. واستشر جلساءك وأهل العلم، فإن لم يستبن لك فاكتب إلىّ يأتك رأيى فيه إن شاء الله. وإن كان بك غضب على أحد من رعيّتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب، واحبس عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب مطفأ الجمرة، فإنّ أوّل من جعل السجن كان حليما ذا أناة؛ ثم انظر إلى أهل الحسب والدّين والمروءة، فليكونوا أصحابك وجلساءك، ثم ارفع منازلهم منك على غيرهم على غير استرسال ولا انقباض. أقول هذا وأستخلف الله عليك.
[1] فى الأصل: «خالد البصرى» والتصويب عن العقد الفريد.
[2]
كذا فى العقد الفريد (ج ص 17)، وفى الأصل:«أى شىء» وهو تحريف.