الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتاسع- أنّ له اجتهاد رأيه فيما تعلّق بالعرف دون الشّرع، كالمقاعد فى الأسواق وإخراج الأجنحة، فيقرّ وينكر من ذلك ما أدّاه اليه اجتهاده؛ وليس هذا للمتطوّع.
فهذا هو الفرق بين متولّى الحسبة وبين المتطوّعة، وإن اتّفقا على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
ذكر أوضاع الحسبة وموافقتها للقضاء وقصورها عنه وزيادتها عليه، وموافقتها لنظر المظالم وقصورها عنه
قال: واعلم أنّ الحسبة واسطة بين أحكام القضاء وأحكام المظالم. فأمّا ما بينها وبين القضاء، فهى موافقة للقضاء من وجهين، ومقصّرة عنه من وجهين، وزائدة عليه من وجهين.
أما الوجهان فى موافقتها أحكام القضاء- فأحدهما جواز الاستعداء اليه. وسماعه دعوى المستعدى على المستعدى عليه [1] من حقوق الآدميين، وليس فى عموم الدعاوى. وإنما يختصّ بثلاثة أنواع من الدعوى:
أحدها: أن يكون فيما تعلّق ببخس وتطفيف فى كيل أو وزن.
والثانى: فيما تعلّق بغشّ أو تدليس فى مبيع أو ثمن.
والثالث: فيما تعلّق بمطل وتأخير لدين مستحقّ مع المكنة. وإنما جاز نظره فى هذه الأنواع الثلاثة من الدعاوى دون ما عداها، لتعلّقها بمنكر ظاهر هو منصوب لإزالته، واختصاصها بمعروف بيّن هو مندوب الى إقامته. وليس له أن يتجاوز ذلك الى الحكم الناجز والفصل الباتّ. فهذا أحد وجهى الموافقة.
[1] كذا فى الأحكام السلطانية. وفى الأصل: «وسماعه دعوى المستعدى عليه على المستعدى» وهو تحريف.
والوجه الثانى- أنّ له إلزام المدّعى عليه الخروج من الحقّ الذى عليه.
وليس هذا على العموم فى كل الحقوق، وإنما هو خاصّ فى الحقوق التى جاز له سماع الدعوى فيها اذا وجبت باعتراف وإقرار مع الإمكان واليسار، فيلزم المقرّ الموسر الخروج منها ودفعها الى مستحقّها، لأنّ فى تأخيره لها منكرا هو منصوب لإزالته.
وأما الوجهان فى قصورها عن أحكامه:
فأحدهما- قصورها عن سماع الدعاوى الخارجة عن ظواهر المنكرات من الدعاوى فى العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، فلا يجوز أن ينتدب لسماع الدعوى ولا أن يتعرّض للحكم فيها لا فى كثير الحقوق ولا قليلها من درهم فما دونه، إلا أن يردّ ذلك اليه بنصّ صريح [يزيد على إطلاق الحسبة [1]] فيجوز له.
ويصير بهذه الزيادة جامعا بين القضاء والحسبة، فيراعى فيه أن يكون من أهل الاجتهاد. وإن اقتصر به على مطلق الحسبة، فالقضاة والحكّام أحقّ بالنظر فى قليل ذلك وكثيره.
والوجه الثانى- أنها مقصورة على الحقوق المعترف بها. فأمّا ما تداخله جحد وإنكار، فلا يجوز له النظر فيها، لأن الحكم فيها يقف على سماع بيّنة وإحلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أن يسمع بيّنة على إثبات حقّ، ولا أن يحلف يمينا على نفيه؛ والقضاة والحكّام لسماع البينات وإحلاف الخصوم أحقّ.
وأما الوجهان فى زيادتها على أحكام القضاء- فأحدهما: أنه يجوز للناظر فيها أن يتعرّض لتصفّح ما يأمر به من المعروف وينهى عنه من المنكر، وإن لم يحضره خصم مستعد؛ وليس للقاضى أن يتعرّض لذلك إلا بعد حضور خصم
[1] التكملة من الأحكام السلطانية.