الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ما يختص بنظر متولى المظالم وتشتمل عليه ولايته فعشرة أقسام:
الأوّل- النظر فى تعدّى الولاة على الرعيّة وأخذهم بالعسف فى السّيرة، فهذا من لوازم النظر فى المظالم، فيكون لسير الولاة متصفّحا، وعن أحوالهم مستكشفا، ليقوّيهم إن أنصفوا، ويكفّهم إن عسفوا.
والثانى- جور العمال فيما يجبونه من الأموال؛ فيرجع فيه الى القوانين العادلة فى الدواوين، فيحمل الناس عليها ويأخذ العمال بها. وينظر فيما استزادوه، فإن رفعوه الى بيت المال أمر بردّه، وإن أخذوه لأنفسهم استرجعه منهم لأربابه.
والثالث- كتّاب الدواوين، لأنهم أمناء المسلمين على بيوت أموالهم فيما يستوفونه ويوفونه منها؛ فيتصفّح أحوال ما وكل اليهم، فإن عدلوا عن حق فى دخل أو خرج الى زيادة أو نقصان، أعاده الى قوانينه، وقابل على تجاوزه. وهذه الأقسام الثلاثة لا يحتاج والى المظالم فى تصفّحها الى متظلّم.
والرابع- تظلّم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخيرها عنهم وإجحاف النّظّار بهم؛ فيرجع الى ديوانه فى فرض العطاء العادل فيجريهم عليه. وينظر فيما نقصوه أو منعوه، فإن أخذه ولاة أمورهم استرجعه لهم، وإن لم يأخذوه قضاه من بيت المال.
كتب بعض ولاة الأجناد الى المأمون أنّ الجند شغبوا ونهبوا. فكتب اليه:
لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا. وعزله عنهم وأدرّ عليهم أرزاقهم.
والخامس- ردّ الغصوبات. وهى على ضربين: أحدها غصوب سلطانية قد تغلّب عليها ولاة الجور، كالأملاك المقبوضة عن أربابها، إما لرغبة فيها أو غير ذلك.
ويجوز أن يرجع فى ذلك عند تظلّمهم الى ديوان السلطنة، فإذا وجد فيه ذكر قبضها عن مالكها عمل بمقتضاه وأمر بردّها اليه، ولم يحتج فيه الى بيّنة تشهد به، وكان ما وجده فى الديوان كافيا، كالذى حكى عن عمر بن عبد العزيز أنّه خرج ذات يوم الى الصلاة فصادفه رجل ورد من اليمن متظلّما، فقال:
تدعون حيران مظلوما ببابكم
…
فقد أتاكم بعيد الدار مظلوم
فقال له: وما ظلامتك؟ قال: غصبنى الوليد بن عبد الملك ضيعتى؛ فقال يا مزاحم ائتنى بدفتر الصّوافى؛ فوجد فيه: أصفى عبد الله الوليد بن عبد الملك ضيعة فلان؛ فقال: أخرجها من الدفتر، وليكتب بردّ ضيعته اليه ويطلق له ضعف نفقته.
والضرب الثانى، ما تغلّب عليه ذوو الأيدى القويّة وتصرّفوا فيه تصرّف الملّاك بالقهر والغلبة؛ فهذا موقوف على تظلّم أربابه. ولا ينتزع من غصّابه إلا بأحد أربعة أمور: إما باعتراف الغاصب وإقراره؛ وإما بعلم والى المظالم، فيجوز أن يحكم عليه بعلمه؛ وإما ببينة تشهد على الغاصب بغصبه أو تشهد للمغصوب منه بملكه؛ وإما بتظاهر الأخبار التى ينتفى عنها التواطؤ ولا تختلج فيها الشكوك؛ لأنه لمّا جاز للشهود أن يشهدوا فى الأملاك بتظاهر الأخبار، كان حكم ولاة المظالم بذلك أحقّ.
والسادس- مشارفة الوقوف. وهى ضربان: عامة وخاصة. فأما العامة فيبدأ بتصفّحها وإن لم يكن لها متظلّم، ليجريها على سبلها ويمضيها على شروطها واقفها اذا عرفها من أحد ثلاثة أوجه: إمّا من دواوين الحكّام المندوبين لحراستها، وإما من دواوين السّلطنة على ما جرى فيها من معاملة أو ثبت لها من ذكر وتسمية،
وإما من كتب قديمة تقع فى النفس صحّتها وإن لم يشهد الشهوذ بها، لأنه ليس يتعيّن الخصم فيها، فكان الحكم فيها أوسع منه فى الوقوف الخاصّة.
وأما الوقوف الخاصة، فإنّ نظره فيها موقوف على تظلّم أهلها عند التنازع فيها، لوقوفها على خصوم متعيّنين. فيعمل عند التشاجر فيها على ما تثبت به الحقوق عند الحاكم، ولا يجوز أن يرجع فيها الى ديوان السلطنة ولا إلى ما يثبت من ذكرها فى الكتب القديمة إذا لم يشهد بها شهود معدّلون.
والسابع- تنفيذ ما وقف من أحكام القضاة، لضعفهم عن إنفاذه وعجزهم عن المحكوم عليه، لتعزّزه وقوّة يده أو علوّ قدره وعظم خطره، لكون [1] ناظر المظالم أقوى يدا وأنفذ أمرا، فينفّذ الحكم على ما يوجبه عليه الحاكم [2] بانتزاع ما فى يده، أو بإلزامه الخروج مما فى ذمّته.
والثامن- النظر فيما عجز عنه الناظرون فى الحسبة من المصالح العامّة كالمجاهرة بمنكر ضعف عن دفعه، والتعدّى فى طريق عجز عن منعه، [والتّحيفّ فى حقّ لم يقدر على ردّه [3]] ، فيأخذهم بحق الله تعالى فى ذلك، ويأمر بحملهم على موجبه [4] .
والتاسع- مراعاة العبادات الظاهرة كالجمع والأعياد والحجّ والجهاد من تقصير فيها أو إخلال بشروطها؛ فإنّ حقوق الله تعالى أولى أن تستوفى، وفروضه أحقّ أن تؤدّى.
[1] فى الأصل: «ليكون
…
» وفى الأحكام السلطانية: «فيكون
…
» ، وظاهر أن ما أثبتناه هو المناسب للسياق.
[2]
فى الأحكام السلطانية: «فينفذ الحكم على من توجه اليه بانتزاع
…
» .
[3]
زيادة عن الأحكام السلطانية.
[4]
كذا فى الأحكام السلطانية، وفى الأصل. «على واجبه» .