الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وزارة التنفيذ
قال الماوردىّ ما معناه: إنّ لوزارة التنفيذ أربعة قوانين:
فالأوّل من قوانينها: السّفارة بين الملك وأهل مملكته، لأن الملك معظّم بالحجاب، مصون عن المباشرة بالخطاب؛ فاقتضى ذلك اختصاصه بسفير محتشم ووزير معظّم مطاع فيما يورده عنه من الأوامر والنواهى، ويهاب فيما يتحمله إليه من المطالب والمباغى. ليكون للملك لسانا ناطقا، وأذنا واعية. وهذه السّفارة مختصّة بخمسة أصناف:
أحدها: السّفارة بين الملك وأجناده، فيحملهم على أوامره ونواهيه، ويتنجّز لهم من [1] الملك ما استوجبوه أو سألوه. ويحتاج فى سفارته معهم أن يجمع بين اللّين والعنف، والخشونة واللّطف، ليقتادهم [2] إلى طاعته بالرغبة والرهبة.
والثانى: السفارة بين الملك وعمّاله، فيستوفى مناظرة العمّال ويتصفّح أحوال الأعمال؛ ليستدرك خللا إن كان، ويستديم صلاحا إن وجد. ويحتاج فى هذه السفارة إلى استعمال الرّهبة خاصّة؛ ليكفّهم عن الخيانة، ويبعثهم على الأمانة.
والثالث: السّفارة بين الملك ورعيّته، ليتصدّى لإنصافهم، ويصغى إلى ظلاماتهم؛ فيمضى ما تيسّر له، وينهى ما تعسّر عليه. ويحتاج فى هذه السفارة إلى استعمال اللّين واللّطف؛ ليصلوا إلى استيفاء الظّلامة، ويستدفعوا ذلّ الاستضامة.
[1] فى الأصل «عن الملك» .
[2]
فى الأصل: «لا يفتادهم
…
» وظاهر أنه تحريف. وفى «قوانين الوزارة» لانقيادهم
…
»
وهذا أيضا لا يتفق مع السياق.
والرابع: السفارة فى استيفاء حقوق السّلطنة التى للملك وعليه، من غير مباشرة قبض ولا إقباض [1] . ويحتاج فى هذه السفارة إلى الرهبة فيما يستوفيه للملك، وإلى اللّطف فيما يتنجّزه منه.
والخامس السفارة فى اختيار العمّال، ومشارفة الأعمال؛ لينهى حال من يرى تقليده وعزله من غير أن يباشر تقليدا ولا عزلا؛ لانّ التقليد والعزل داخل فى وزارة التفويض خارج عن وزارة التنفيذ. وشروط هذه السفارة: أن يكون جيّد الحدس، صحيح الاختيار، قليل الاغترار، عارفا بكفاة [2] العمّال ومقادير الأعمال، ليحمد اختياره، ويقلّ عثاره.
والثانى من قوانينها: أن يمدّ الملك برأيه ومشورته؛ فإن الملك مع جزالة رأيه وصحّة رويّته محجوب الشخص عن مباشرة الأمور، فصار محجوب الرأى عن الخبرة بها. فاحتاج إلى بارز الشخص بالمباشرة، ليكون بارز الرأى بالخبرة؛ فليس الشاهد كالغائب، ولا المخبر كالمعاين. والوزير أحقّ بهذه المرتبة. وله فى المشورة حالتان:
إحداهما: أن يبتدئه الملك بالاستشارة، فيلزمه أن يشير فيها برأيه سواء اختصّت بملكه أو تعدّت إلى غيره. وعلى الوزير فيها حقّان: أحدهما: اجتهاد رأيه فى إيضاح الصواب. والثانى: إبانة صحّته بتعليل الجواب ليكون مجيبا ومحتجّا؛ فيكفى توهّم الزّلل ويسلم من ظنّة الارتياب.
[1] قبض وإقباض: أى تسلم وتسليم. والموجود فى كتب اللغة التى بين أيدينا متعديا من هذه المادة «قبّض» بالتضعيف. ويصح «إقباض» على القول بأن تعدية الفعل بالهمزة قياسية.
[2]
كفاة: جمع كافى، من الكفاية وهى الاضطلاع بالأمر.
والحالة الثانية: أن يبتدئ الوزير بالمشورة على الملك، فله فيها حالتان:
إحداهما: ألّا يقع بمشورته اجتلاب نفع ولا استدفاع ضرر. فهذا تجوّز من الوزير، وتبسّط على الملك؛ إن أنكره فبحقه، وإن احتمله فبفضله.
والثانية: أن يتعلّق بمشورته اجتلاب نفع، أو استدفاع ضرر. فإن اختصّ بالمملكة كان من حقوق الوزارة، وإن تجاوزها كان من نصح الوزير. وعليه أن يذكر سبب ابتدائه، ويوضّح صواب رأيه. ويلزمه فيما يؤدّى به من الاستشارة ويبدأ به من المشورة، أن يكتمه عن كل خاصّ وعامّ؛ لأمرين:
أحدهما: أن الرأى لا يجب أن يظهر إلا بالأفعال دون الأقوال؛ لأن ظهوره بالفعل ظفر، وظهوره بالقول خطر. وقد قيل: من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه.
والثانى: أنه من أسرار الملك التى يجب أن تكتم فى الصدور، وتصان عن الظهور؛ ليجمع بين تأدية الأمانة وطلب السلامة؛ فإن فى إفشاء سرّ الملك خطرا به وبمن أفشاه. وقلّما تعفو الملوك عن مفشى أسرارها؛ لتردّده بين خيانة وجناية.
والثالث من قوانينها: أن يكون عينا للملك ناظرة، وأذنا سامعة، ينهى ما شاهد على حقّه، ويخبر بما سمع على صدقه؛ لأنه قد سوهم فى الملك وميّز بالاختصاص، وندب للمصالح؛ فهو القائم مقام الملك فى مشاهدة ما غاب، وسماع ما بعد. وعليه فى ذلك ثلاثة حقوق:
أحدها: أن يديم الفحص عن أحوال المملكة حتى يعلم ما غاب كعلمه بما حضر، وما خفى كعلمه بما ظهر؛ فلا يتدلّس عليه حقّ أمر [1] من باطله، ولا يشتبه
[1] كذا فى قوانين الوزارة. وفى الأصل: «حق امرئ
…
» .
عليه صدق قوى من كذبه. فإن قصّر فيها حتى خفيت، أو استرسل فيها حتى تدلّست كان مؤاخذا بجرم التقصير، وجريرة الضرر.
والثانى: أن يعجّل مطالعة الملك بها ولا يؤخّرها، وإن جاز تأخير العمل بها؛ لأن عليه الإنهاء، وليس عليه العمل. وإذ كان من الملك بمنزلة عينه وأذنه اللتين يتعجّل [العلم [1]] بهما، وجب أن يجرى معه على حكمهما؛ ليستدرك الملك ما يجب تعجيله، ويقدّم الرّويّة فيما يجوز تأخيره. فإن أخّر الوزير إعلام الملك بها وقد حسم ضررها، كان للنصيحة مؤدّيا، ومن الملك على وجل.
والثالث: أن يوضّح له حقائق الأمور، ويساوى فيها بين الصغير والكبير، فلا يمايل [2] قريبا، ولا يتحيّف بعيدا، ولا يعظّم من الأمور صغيرا، ولا يصغّر منها عظيما. فإن خاف من صغار الأمور أن تصير كبارا، أو كبارها أن تعود صغارا، أخبر بحقائقها فى المبادئ، وذكر ما تؤول إليه فى العواقب؛ ليكون بالمبادئ مخبرا، وفى الغايات مشيرا. فإن أخبر بالغايات وأعرض عن ذكر المبادئ، كان تدليسا، وكان بالإنكار حقيقا وبالذمّ جديرا.
والرابع من قوانينها: أن يفتدى راحة الملك بتعبه، ويقى دعته بنصبه؛ ولا يغيب إذا أريد، ولا يسأم إذا أعيد؛ لأنه لسان الملك إذا نطق، وعينه إذا رمق، ويده إذا بطش؛ فلا يبعد عن دعائه، ولا يضجر من ندائه؛ لأن عوارض الملك من هواجس أفكاره وتقلّب خاطره. وقد يتجدّد مع الأوقات ما لا [3] تعرف أسبابه، ولا تتعيّن
[1] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[2]
مايله: مالأه وساعده.
[3]
كذا فى قوانين الوزارة. وهو الذى ينسجم به الكلام. وفى الأصل: ما لم تعرف
…
» .