المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ما ينبغى أن يعتمده ولاة المظالم عند رفعها إليهم، وما يسلكونه من الأحكام فيها، وما ورد فى مثل ذلك من أخبارهم وأحكامهم فيما سلف من الزمان - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٦

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌القسم الخامس فى الملك وما يشترط فيه وما يحتاج إليه وما يجب له على الرعيّة وما يجب للرعية عليه

- ‌الباب الأوّل من هذا القسم فى شروط الإمامة الشرعيّة والعرفيّة

- ‌الباب الثانى من القسم الخامس من الفن الثانى فى صفات الملك وأخلاقه وما يفضّل به على غيره، وذكر ما نقل من أقوال الخلفاء والملوك الدالّة على علوّ هممهم وكرم شميهم

- ‌ذكر شىء من الأقوال الصادرة عن الخلفاء والملوك الدالّة على عظم هممهم، وكرم أخلاقهم وشيمهم، وشدّة كيدهم، وقوّة أيدهم

- ‌الباب الثالث من الفن الثانى فيما يجب للملك على الرعايا من الطاعة والنصيحة والتعظيم والتوقير

- ‌الباب الرابع من القسم الخامس من الفن الثانى فى وصايا الملوك

- ‌الباب الخامس من القسم الخامس من الفن الثانى فيما يجب على الملك للرعايا

- ‌ذكر ما قيل فى العدل وثمرته وصفة الإمام العادل

- ‌ذكر ما قيل فى الظلم وسوء عاقبته

- ‌ذكر ما قيل فى حسن السّيرة والرّفق بالرعيّة

- ‌الباب السادس من القسم الخامس من الفن الثانى فى حسن السياسة، وإقامة المملكة، ويتّصل به الحزم، والعزم، وانتهاز الفرصة، والحلم، والعفو، والعقوبة، والانتقام

- ‌ذكر ما قيل فى الحلم

- ‌ذكر أخبار من اشتهر بالحلم واتصف به

- ‌ذكر ما قيل فى العفو

- ‌ذكر ما قيل فى العقوبة والانتقام

- ‌الباب السابع من الفن الثانى

- ‌ذكر ما قيل فى المشورة وإعمال الرأى

- ‌ذكر ما قيل فيمن يعتمد على مشورته وبديهته، ويعتضد بفكرته ورويته

- ‌ذكر ما قيل فيمن نهى عن مشاورته ومعاضدته وأمر بالامتناع من مشايعته ومتابعته

- ‌ذكر ما قيل فى الأناة والرويّة

- ‌ذكر ما قيل فى الاستبداد وترك الاستشارة وكراهة الإشارة

- ‌الباب الثامن من الفن الثانى فى حفظ الأسرار والإذن والحجاب

- ‌ذكر ما قيل فى حفظ الأسرار

- ‌ذكر ما قيل فى الإذن والاستئذان

- ‌ذكر ما قيل فى الحجاب

- ‌ذكر ما قيل فى النهى عن شدّة الحجاب

- ‌الباب التاسع من القسم الخامس من الفن الثانى فى الوزراء وأصحاب الملك

- ‌ذكر ما قيل فى اشتقاق الوزارة وصفة الوزير وما يحتاج إليه

- ‌ذكر صفة الوزارة وشروطها

- ‌ذكر حقوق الملك على وزيره وحقوق الوزير على ملكه

- ‌ذكر وزارة التنفيذ

- ‌ذكر ما تتميز به وزارة التفويض على وزارة التنفيذ وما تختلف فيه

- ‌ذكر حقوق الوزارة وعهودها ووصايا الوزراء

- ‌ذكر ما قيل فى وصايا أصحاب السلطان وصفاتهم

- ‌ذكر ما يحتاج إليه نديم الملك، وما يأخذ به نفسه، وما يلزمه

- ‌ذكر ما ورد فى النهى عن صحبة الملوك والقرب منهم

- ‌الباب العاشر من القسم الخامس من الفن الثانى

- ‌ذكر ما قيل فى قادة الجيوش وشروطهم وأوصافهم ووصاياهم وما يلزمهم

- ‌ذكر ما يقوله قائد الجيش وجنده من حين [1] يشاهد العدوّ الى انفصال الحرب والظفر بعدوّهم

- ‌ذكر ما قيل فى المكيدة والخداع فى الحروب وغيرها

- ‌ذكر ما ورد فى الجهاد وفضله وترتيب الجيوش وأسمائها فى القلة والكثرة، وأسماء مواضع القتال، وما قيل فى الحروب والوقائع، وما وصفت به

- ‌وأما ما قيل فى أسماء العساكر فى القلة والكثرة وأسماء مواضع القتال

- ‌ذكر ما ورد فى الغزو فى البحر

- ‌ذكر ما رود فى المرابطة

- ‌ذكر ما قيل فى السلاح وأوصافه

- ‌ما قيل فى السيف من الأسماء والنعوت والأوصاف

- ‌ذكر ما قيل فى تركيب القوس، ومبدإ عملها ومن رمى عنها، ومعنى الرمى

- ‌ذكر ما قيل فى الجنّة

- ‌الباب الحادى عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى القضاة والحكام

- ‌ذكر الألفاظ التى تنعقد بها ولاية القضاء، والشروط

- ‌وأما شروطها فأربعة

- ‌ذكر ما يشتمل عليه نظر الحاكم المطلق التصرّف من الأحكام

- ‌ذكر ما يأتيه القاضى ويذره فى حقّ نفسه اذا دعى الى الولاية أو خطبها، وما يلزم الناس من امتثال أمره وطاعته، وما يعتمده فى أمر كاتبه وبطانته وأعوانه وجلوسه لفصل المحاكمات والأقضية

- ‌ذكر شىء مما ورد من التزهيد فى تقلد القضاء والترغيب عنه

- ‌الباب الثانى عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى ولاية المظالم وهى نيابة دار العدل

- ‌ذكر من نظر فى المظالم فى الجاهليّة والإسلام

- ‌ذكر ما يحتاج اليه ولاة المظالم فى جلوسهم لها

- ‌وأما ما يختص بنظر متولى المظالم وتشتمل عليه ولايته فعشرة أقسام:

- ‌ذكر الفرق بين نظر ولاة المظالم ونظر القضاة

- ‌ذكر ما ينبغى أن يعتمده ولاة المظالم عند رفعها إليهم، وما يسلكونه من الأحكام فيها، وما ورد فى مثل ذلك من أخبارهم وأحكامهم فيما سلف من الزمان

- ‌ذكر توقيعات متولى المظالم وما يترتّب عليها من الأحكام

- ‌الباب الثالث عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى نظر الحسبة وأحكامها

- ‌[شروط ناظر الحسبة]

- ‌ذكر الفرق بين المحتسب والمتطوّع

- ‌ذكر أوضاع الحسبة وموافقتها للقضاء وقصورها عنه وزيادتها عليه، وموافقتها لنظر المظالم وقصورها عنه

- ‌وأمّا ما بين الحسبة والمظالم من موافقة ومخالفة

- ‌ذكر ما تشتمل عليه ولاية نظر الحسبة وما يختص بها من الأحكام

الفصل: ‌ذكر ما ينبغى أن يعتمده ولاة المظالم عند رفعها إليهم، وما يسلكونه من الأحكام فيها، وما ورد فى مثل ذلك من أخبارهم وأحكامهم فيما سلف من الزمان

والسادس- أنّ له ردّ الخصوم اذا أعضلوا [1] الى وساطة الأمناء، ليفصلوا التنازع بينهم صلحا عن تراض، وليس للقاضى ذلك إلا عن رضا الخصمين بالرّدّ.

والسابع- أنه يفسح فى ملازمة الخصمين اذا وضحت أمارات التجاحد، ويأذن فى إلزام الكفالة فيما يسوغ فيه التكفيل، لتنقاد الخصوم الى التناصف ويعدلوا عن التجاحد والتكاذب.

والثامن- أنه يسمع من شهادات المستورين ما يخرج عن عرف القضاة فى شهادة المعدّلين.

والتاسع- أنه يجوز له إحلاف الشهود عند ارتيابه بهم اذا بذلوا أيمانهم طوعا، ويستكثر من عددهم، لتزول عنه الشّبهة وينتفى الارتياب، وليس ذلك للحاكم.

والعاشر- أنه يجوز له أن يبتدئ باستدعاء الشهود ويسألهم عما عندهم فى تنازع الخصوم؛ وعادة القضاة تكليف المدّعى إحضار بيّنة ولا يسمعونها إلا بعد مسألته.

فهذه عشرة أوجه يقع بها الفرق بين نظر المظالم ونظر القضاء فى التشاجر والتنازع؛ وهما فيما عداهما متساويان.

‌ذكر ما ينبغى أن يعتمده ولاة المظالم عند رفعها إليهم، وما يسلكونه من الأحكام فيها، وما ورد فى مثل ذلك من أخبارهم وأحكامهم فيما سلف من الزمان

قال الماوردىّ: لم تخل حال الدّعوى عند الترافع فيها إلى والى المظالم من ثلاثة أحوال: إمّا أن يقترن بها ما يقوّيها، أو يقترن بها ما يضعفها، أو تخلو من

[1] أعضلوا: ضاقت عليه الحيل فيهم.

ص: 275

الأمرين. فإن اقترن بها ما يقوّيها، فلما يقترن بها من القوّة ستّة أحوال تختلف بها قوّة الدّعوى على التدريج.

فأوّل أحوالها- أن يظهر معها كتاب فيه شهود معدّلون حضور. والذى يختص به نظر المظالم فى مثل هذه الدعوى شيئان. أحدهما: أن يبتدئ الناظر فيها باستدعاء الشهود للشهادة. والثانى: الإنكار على الجاحد بحسب حاله وشواهد أحواله. فاذا حضر الشهود، فإن كان الناظر فى المظالم ممن يجلّ قدره، كالخليفة أو وزير التفويض أو أمير الإقليم، راعى من أحوال المتنازعين ما تقتضيه السياسة: من مباشرته النّظر بينهما إن جلّ قدرهما، أو ردّ ذلك الى قاضيه بمشهد منه إن كانا متوسّطين، أو على بعد منه إن كانا خاملين.

حكى أنّ المأمون كان يجلس للمظالم فى يوم الأحد، فنهض ذات يوم من مجلسه فتلقّته امرأة فى ثياب رثّة، فقالت:

يا خير منتصف يهدى له الرّشد

ويا إماما به قد أشرق البلد

تشكو إليك عميد [1] الملك أرملة

عدا عليها فما تقوى به أسد

فابتزّ منها ضياعا بعد منعتها

لمّا تفرّق عنها الأهل والولد

فأطرق المأمون يسيرا ثم رفع رأسه وقال:

من دون ما قلت عيل الصّبر والجلد

وأقرح القلب هذا الحزن والكمد

هذا أوان صلاة الظّهر فانصرفى

وأحضرى الخصم فى اليوم الذى أعد

المجلس السبت إن يقض الجلوس لنا

أنصفك منه وإلّا المجلس الأحد

[1] كذا فى الأحكام السلطانية وفى الأصل: «عقيد الملك» وورد هذا البيت فى العقد الفريذ (ج 1 ص 12) هكذا:

تشكو اليك عميد القوم أرملة

عدا عليها فلم يترك لها سبد

ص: 276

فانصرفت، وحضرت فى يوم الأحد أوّل الناس؛ فقال لها المأمون: من خصمك؟

فقالت: القائم على رأسك العبّاس بن أمير المؤمنين؛ فقال المأمون لقاضيه يحيى ابن أكثم، وقيل بل قال لوزيره أحمد بن أبى خالد: أجلسها معه وانظر بينهما؛ فأجلسها معه ونظر بينهما بحضرة المأمون، فجعل كلامها يعلو، فزجرها بعض حجّابه؛ فقال المأمون: دعها فإنّ الحقّ أنطقها والباطل أخرسه. وأمر بردّ ضياعها اليها.

والحال الثانية فى قوّة الدعوى- أن يقترن بها كتاب فيه من الشهود المعدّلين من هو غائب. فالذى يختصّ بنظر المظالم فى مثل هذه الدّعوى أربعة أشياء [1] . أحدها:

إرهاب المدّعى عليه [فر [2]] بّما يعجّل من إقراره بقوّة الهيبة ما يغنى عن سماع البيّنة.

والثانى: التّقدّم [3] بإحضار الشّهود اذا عرف مكانهم ولم يدخل الضّرر الشاقّ عليهم.

والثالث: التقدّم بملازمة المدّعى عليه ثلاثا، ويجتهد رأيه فى الزيادة عليها بحسب الحال من قوّة الأمارة ودلائل الصحّة. والرابع: أن ينظر فى الدعوى، فإن كانت مالا فى الذمة كلّفه إقامة كفيل، وإن كانت عينا قائمة كالعقار، حجر عليه فيها حجرا لا يرفع به حكم يده، وردّ استغلالها الى أمين [4] يحفظه على مستحقّه منهما. فإن تطاولت المدّة ووقع اليأس من حضور الشهود، جاز لمتولّى المظالم أن يسأل المدّعى عليه عن دخول يده مع تجديد إرهابه، فإن أجاب بما يقطع التنازع أمضاه، وإلّا فصل بينهما بموجب الشّرع ومقتضاه.

[1] وردت هذه الجملة فى الأصل هكذا: «فالدعوى تختص بنظر المظالم فى هذه الدعوى باربعة أشياء» وما أثبتناه عن الأحكام السلطانية.

[2]

التكملة عن الأحكام السلطانية. وتوجد من الأحكام السلطانية نسخة أخرى، يشير اليها هامش النسخة التى بين أيدينا، بها ما بالأصل، فلعل المؤلف نقل عنها.

[3]

تقدم إليه بكذا: أمره به.

[4]

كذا فى الأحكام السلطانية، وفى الأصل وفى نسخة أخرى من الأحكام السلطانية يشير اليها هامش النسخة التى بأيدينا «الى أمين الشهود» .

ص: 277

والحال الثالثة فى قوّة الدعوى- أن يكون فى الكتاب المقترن بها شهود حضور لكنهم غير معدّلين عند الحاكم، فيتقدّم ناظر المظالم بإحضارهم وسبر أحوالهم؛ فإن كانوا من ذوى الهيئات وأهل الصّيانات، فالثقة بشهادتهم أقوى؛ وإن كانوا أرذالا فلا يعوّل عليهم لكن يقوّى إرهاب الخصم بهم؛ وإن كانوا أوساطا فيجوز له أن يستظهر بإحلافهم، إن رأى ذلك، قبل الشهادة أو بعدها. ثم هو فى سماع شهادة هذين الصّنفين بين ثلاثة أمور: إما أن يسمعها بنفسه فيحكم بها، وإما أن يردّ [الى [1]] القاضى سماعها ويؤدّيها القاضى اليه، وإما أن يردّ سماعها الى الشهود المعدّلين وهم يخبرونه بما وضح عندهم.

والحال الرابعة من قوّة الدعوى- أن يكون فى الكتاب المقترن بها شهود موتى معدّلون، فالذى يختصّ بنظر المظالم فيها ثلاثة أشياء. أحدها: إرهاب المدّعى عليه بما يضطرّه الى الصّدق والاعتراف [بالحق [2]] . والثانى: سؤاله عن دخول يده، لجواز أن يكون من جوابه ما يتّضح به الحقّ [3] . والثالث: أن يكشف عن الحال من جيران الملك ومن جيران المتنازعين فيه، ليتوصّل بهم الى وضوح الحقّ ومعرفة المحقّ. فإن لم يصل اليه بواحد من هذه الثلاثة، ردّها الى وساطة محتشم مطاع، له بهما معرفة وبما يتنازعانه خبرة. فإن حصل تصادقهما أو صلحهما بوساطته، وإلّا فصل الحكم بينهما على ما يوجبه حكم القضاء.

والحال الخامسة فى قوّة الدعوى- أن يكون مع المدّعى خطّ المدّعى عليه [بما تضمّنته الدعوى، فنظر المظالم فيه يقتضى سؤال المدّعى عليه [4]] عن الخطّ وأن

[1] التكملة عن الأحكام السلطانية.

[2]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[3]

الجملة فى الأصل هكذا: «لجواز أن يكون جوابه بما يتضح به الحق» وعبارة الأحكام السلطانية التى أثبتناها أوضح.

[4]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

ص: 278

يقال [1] له: هذا خطّك؟ فإن اعترف به، سئل بعد اعترافه به عن صحة ما تضمّنه، فإن اعترف بصحته، صار مقرّا وألزم حكم إقراره. وإن لم يعترف بصحته [فمن ولاة المظالم من حكم عليه بخطّه اذا اعترف به وإن لم يعترف بصحته [2]] ، وجعل ذلك من شواهد الحقوق اعتبارا بالعرف. والذى عليه محقّقوهم وما يراه الفقهاء أنه لا يجوز للناظر منهم أن يحكم بمجرّد الخطّ حتى يعترف بصحّة ما فيه؛ فإن قال: كتبته ليقرضنى وما أقرضنى، أو ليدفع إلىّ ثمن ما بعته وما دفع، فهذا مما قد يفعله الناس أحيانا.

فنظر المظالم فى مثله أن يستعمل الإرهاب بحسب الحال ثم يردّ الى الوساطة؛ فإن أفضت الى الصلح، وإلا بتّ الحاكم [3] بينهما بالتحالف.

وإن أنكر الخطّ، فمن ولاة المظالم من يختبر الخطّ بخطوطه التى يكتبها ويكلّفه من كثرة الكتابة ما يمنع من التصنّع فيها، ثم يجمع بين الخطين، فإذا تشابها حكم به عليه. والذى عليه المحقّقون منهم أنهم لا يفعلون ذلك للحكم به ولكن للإرهاب. [وتكون الشّبهة مع إنكاره للخط أضعف منها مع اعترافه به، وترتفع الشبهة إن كان الخط منافيا لخطه ويعود الإرهاب على المدّعى، ثم يردّان الى الوساطة [4]] فإن أفضت الى الصلح وإلّا بتّ القاضى [الحكم [5]] بينهما بالأيمان.

والحال السادسة من قوّة الدعوى- إظهار الحساب بما تضمّنته الدعوى، وهذا يكون فى المعاملات. ولا يخلو حال الحساب من أحد أمرين:

[1] فى الأصل «يقول» وما أثبتناه عن الأحكام السلطانية.

[2]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[3]

فى الأحكام السلطانية: «وإلا بت القاضى الحكم بينهما بالتحالف» .

[4]

وردت هذه الجملة التى بين القوسين والتى نقلناها عن الأحكام السلطانية فى الأصل هكذا: «وترتفع الشبهة وإن كان منافيا فيعود الإرهاب على المدعى ثم يرد الى الوساطة» .

[5]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

ص: 279

إمّا أن يكون حساب المدّعى أو المدّعى عليه. فإن كان حساب المدّعى فالشّبهة فيه أضعف. ونظر المظالم فى مثله أن يراعى نظم الحساب، فإن كان مخنلّا يحتمل فيه [1] الإدغال كان مطّرحا، وهو بضعف الدعوى أشبه منه بقوّتها. وإن كان نظمه متّسقا ونقله صحيحا، فالثقة به أقوى، فيقتضى من الإرهاب بحسب شواهده، ثم يردّان الى الوساطة، ثم الى الحكم الباتّ. وإن كان الحساب للمدّعى عليه، كانت الدعوى به أقوى، فلا يخلو أن يكون منسوبا الى خطه [أو خط كاتبه، فإن كان منسوبا الى خطه [2]] فلناظر المظالم أن يسأله عنه: أهو خطه؟ فإن اعترف به، قيل:

أتعلم ما هو؟ فإن أقرّ بمعرفته، قيل: أتعلم صحته؟ فإن أقرّ بصحته، صار بهذه الثلاثة مقرّا بمضمون الحساب، فيؤخذ بما فيه. وإن اعترف أنه خطّه وأنه يعلم ما فيه ولم يعترف بصحته، وجعل الثقة بهذا أقوى من الثقة بالخط المرسل، لأن الحساب لا يثبت فيه قبض ما لم يقبض [3] ، وقد تكتب الخطوط المرسلة بقبض. والذى عليه المحققون منهم- وهو قول الفقهاء- أنه لا يحكم عليه بالحساب الذى لم يعترف بصحته، لكن يقتضى من فضل الإرهاب به أكثر مما اقتضاه الخط المرسل.

ثم يردّان الى الوساطة ثم الى الحكم الباتّ.

وإن كان الخط منسوبا الى كاتبه، سئل المدّعى عليه قبل سؤال كاتبه، فإن اعترف بما فيه أخذ به، وإن لم يعترف، سئل عنه كاتبه وأرهب، فإن أنكره ضعفت

[1] كذا فى الأحكام السلطانية. وفى الأصل «فان كان مما يحمل الإدغال

» . والإدغال: من دغل فى الأمر: أدخل فيه ما يفسده ويخالفه.

[2]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[3]

كذا فى الأحكام السلطانية، وفى الأصل:«لأن الحساب لا يكتب قيض ولم يقبض» .

ص: 280

الشّبهة [1] ، وإن اعترف بصحته صار شهادة على المدّعى عليه، فيحكم عليه بشهادته إن كان عدلا، ويقضى بالشاهد واليمين. فهذه حال الدعوى إذا اقترن بها ما يقوّيها.

وأما إن اقترن بالدعوى ما يضعفها- فلما اقترن بها من الضعف ستة أحوال تنافى أحوال القوّة، فينقل الإرهاب بها من جنبة المدّعى عليه الى جنبة المدّعى.

فالحال الأولى- أن يقابل الدعوى بكتاب شهوده حضور معدّلون يشهدون بما يوجب بطلان الدعوى، وذلك من أربعة أوجه. أحدها: أن يشهدوا على المدّعى ببيع ما ادّعاه. والثانى: أن يشهدوا على إقرار الذى انتقل الملك عنه للمدّعى قبل إقراره له [2] . والثالث: أن يشهدوا على المدّعى [3] أنه لا حقّ له فيما ادّعاه. والرابع: أن يشهدوا للمدّعى عليه بأنه مالك لما ادّعاه عليه. فتبطل دعواه بهذه الشهادة، ويؤدّبه متولّى المظالم بحسب حاله. فإن ذكر أنّ الشهادة عليه بابتياع كانت على سبيل الرهن؛ فهذا قد يفعله الناس أحيانا ويسمّونه بينهم بيع الأمانة [4] ؛ ويقتضى ذلك الإرهاب

[1] عبارة الأحكام السلطانية فى هذه المسألة وردت هكذا: «وان لم يعترف يسأل عنه كاتبه، فان أنكره ضعفت الشبهة بإنكاره، وأرهب إن كان متهما ولم يرهب إن كان مأمونا. وإن اعترف به وبصحته

» .

[2]

ما ذكره المؤلف هاهنا منقول عن نسخة من الأحكام السلطانية يشير اليها هامش النسخة المطبوعة فى مدينة «بن» وبين النسختين اختلاف فى الترتيب وبعض الكلمات. وقد ذكر الوجه الثانى هنا فى الأحكام السلطانية هكذا «والثالث أن يشهدوا على اقرار أبيه الذى ذكر انتقال الملك عنه أن لا حق له فيما ادعاه» .

[3]

فى الأحكام السلطانية: «أن يشهدوا على إقراره (المدعى) بأن لا حق له

» .

[4]

اختصار المؤلف هنا جعل الكلام غير واضح الارتباط. وعبارة الأحكام السلطانية- على ما فيها من مخالفة فى بعض الكلمات لما فى الأصل، وقد يكون ما فى الأصل هو الصواب- وردت هكذا:

«فان ذكر أن الشهادة عليه بالابتياع كانت على سبيل رهب وإلجاء، وهذا قد يفعله الناس أحيانا، فينظر فى كتاب الابتياع: فان ذكر فيه أنه من غير رهب ولا إلجاء ضعفت شبهة هذه الدعوى، وإن لم يذكر ذلك فيه قويت شبهة الدعوى، وكان الارهاب فى الجهتين بمقتضى شواهد الحالين» .

ص: 281

فى الجهتين. ويرجع الى الكشف من الجيرة؛ فإن ظهر له ما يوجب العدول عن ظاهر الكتاب عمل بمقتضاه، وإن لم يتبيّن وأبهم الأمر أمضى الحكم بما شهد به شهود الابتياع. فإن سأل [1] إحلاف المدّعى عليه أن ابتياعه كان حقّا ولم يكن على سبيل الرهن، فقد اختلف الفقهاء فى جواز إحلافه: فمنهم من أجازه ومنهم من منعه.

ولوالى المظالم أن يعمل من القولين بما تقتضيه شواهد الحال. وكذلك لو كانت الدعوى بدين فى الذمّة فأظهر المدّعى [عليه [2]] كتاب براءة [منه، فذكر المدّعى أنه أشهد على نفسه [3]] قبل القبض ولم يقبض، كان إحلاف المدّعى عليه على ما تقدّم ذكره.

والحال الثانية- أن يكون شهود الكتاب عدولا غيّبا، فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يتضمّن إنكاره اعترافا بالسبب كقوله: لا حقّ له فى هذا الملك، لأنى ابتعته منه ودفعت اليه الثمن، وهذا كتاب عهدتى بالإشهاد عليه. فيصير المدّعى عليه مدّعيا. وله [زيادة [4]] يد وتصرّف، فتكون الأمارة أقوى وشاهد الحال أظهر، [فإن لم يثبت بها الملك [5]] فيرهبهما والى المظالم بحسب ما تقتضيه شواهد أحوالهما. ويأمر بإحضار الشهود إن أمكن، ويضرب لحضورهم أجلا يردّهما فيه إلى الوساطة، فإن أفضت الى صلح عن تراض، استقرّ به الحكم وعدل عن سماع الشهادة إن حضرت.

وإن لم ينبرم بينهما الصلح، أمعن فى الكشف من جيرانهما وجيران الملك. وكان لمتولّى نظر المظالم رأيه، فى زمن الكشف، فى خصلة من ثلاث، على ما يؤدّى اليه اجتهاده بحسب الأمارات وشواهد الأحوال: إمّا أن يرى انتزاع الضّيعة من يد المدّعى عليه ويسلّمها الى المدّعى الى أن تقوم البيّنة عليه بالبيع؛ وإما أن يسلّمها الى أمين تكون فى يده ويحفظ استغلالها على مستحقّه؛ وإما أن يقرّها فى يد المدّعى عليه

[1] ظاهر أن مرجع الضمير هاهنا المدعى.

[2]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[3]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[4]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

[5]

التكملة عن الأحكام السلطانية.

ص: 282

ويحجر عليه فيها وينصب أمينا لحفظ استغلالها. فإن وقع الإياس من حضور الشهود وظهور الحقّ بالكشف، فصل الحكم بينهما على ما تقتضيه أحكام القضاء.

فلو سأل المدّعى عليه إحلاف المدّعى، أحلفه له، وكان ذلك بتّا للحكم بينهما.

والضرب الثانى: أن [لا [1]] يتضمّن إنكاره اعترافا بالسبب ويقول: هذا الملك أو الضيعة لا حق له فيها. وتكون شهادة الكتاب على المدّعى على أحد وجهين:

إما على إقراره أنه لا حق له فيها، وإما على إقراره أنها ملك للمدّعى عليه؛ فالضّيعة مقرّة فى يد المدّعى عليه لا يجوز انتزاعها منه. فأمّا الحجر عليه فيها وحفظ استغلالها مدّة الكشف والوساطة فمعتبر بشواهد الحال واجتهاد والى المظالم فيما يراه بينهما، الى أن يثبت الحقّ لأحدهما.

والحال الثالثة- أنّ شهود الكتاب المقابل لهذه الدعوى حضور غير معدّلين، فيراعى والى المظالم فيهم ما قدّمناه فى جنبة المدّعى من أحوالهم الثلاث، ويراعى حال إنكاره هل تضمّن اعترافا بالسبب أم لا؛ فيعمل [والى المظالم فى ذلك [2] ب] ما قدّمناه، تعويلا على اجتهاد رأيه فى شواهد الأحوال.

والحال الرابعة- أن يكون شهود الكتاب موتى معدّلين، فليس يتعلّق به حكم إلا فى الإرهاب المجرّد، ثم يعمل فى بتّ الحكم على ما تضمّنه الإنكار من الاعتراف بالسبب أم لا.

والحال الخامسة- أن يقابل المدّعى عليه بخط المدّعى بما يوجب [3] إكذابه فى الدعوى، فيعمل فيه بما قدّمناه فى ذلك. وكذلك أيضا فى الحال السادسة من إظهار الحساب، فالعمل فيه على ما قدّمناه.

[1] زيادة من الأحكام السلطانية.

[2]

زيادة من الأحكام السلطانية.

[3]

فى الأصل «بما وجب

» وما أثبتناه عن الأحكام السلطانية.

ص: 283

وأما إن تجرّدت الدعوى من أسباب القوّة والضعف، فلم يقترن بها ما يقوّيها ولا ما يضعفها، فنظر والى المظالم فى ذلك أن يراعى أحوال المتنازعين فى غلبة الظن. ولا يخلو حالهما فيه من ثلاثة أحوال. أحدها: أن تكون غلبته فى جنبة المدّعى.

والثانى: أن تكون فى جنبة المدّعى عليه. والثالث: أن يعتدلا فيه. فإن كانت غلبة الظن فى جنبة المدّعى وكانت الرّيبة متوجّهة الى المدّعى عليه، فقد تكون من ثلاثة أوجه. أحدها: أن يكون المدّعى مع خلوّه من حجّة مضعوف اليد مستلان الجانب والمدّعى عليه ذا بأس وقدرة. فاذا ادّعى عليه غصب ملك أو ضيعة، غلب فى الظنّ أنّ مثله مع لينه واستضعافه لا يتجوّز فى دعواه على من كان ذا بأس وسطوة. والثانى:

أن يكون ممن اشتهر بالصدق والأمانة والمدّعى عليه ممن اشتهر بالكذب والخيانة، فيغلب [فى الظن [1]] صدق المدّعى فى دعواه. والثالث: أن تتساوى أحوالهما، غير أنه عرف للمدّعى يد متقدّمة وليس يعرف لدخول يد المدّعى عليه سبب، فالذى يقتضيه نظر المظالم فى هذه الأحوال شيئان. أحدهما: إرهاب المدّعى عليه لتوجّه الريبة. والثانى: سؤاله عن سبب دخول يده وحدوث ملكه.

وأما إن كانت غلبة الظنّ فى جنبة المدّعى عليه بانعكاس ما قدّمناه وانتقاله من جانب المدّعى الى المدّعى عليه، فمذهب مالك- رحمه الله أنه إن كانت دعواه فى مثل هذه الحال لعين قائمة، لم يسمعها إلا بعد ذكر السبب الموجب لها، وإن كانت فى مال فى الذمة، لم يسمعها إلا أن تقوم البيّنة للمدّعى أنه كان بينه وبين المدّعى عليه معاملة. والشافعىّ وأبو حنيفة- رحمهما الله- لا يريان ذلك [2] . ونظر المظالم

[1] التكملة من الأحكام السلطانية.

[2]

فى الأحكام السلطانية «والشافعىّ وأبو حنيفة رضى الله عنهما لا يريان ذلك فى حكم القضاة، فاما نظر الظالم الموضوع على الأصلح فعلى الجائز دون الواجب فيسوغ فيه مثل

» .

ص: 284

موضوع على فعل الجائز دون الواجب، فيسوغ فيه مثل هذا عند ظهور الريبة.

فان وقف الأمر على التحالف فهو غاية الحكم الباتّ الذى لا يجوز دفع طالب عنه فى نظر القضاء ولا نظر المظالم. فإن فرّق المدّعى دعاويه وأراد أن يحلف المدّعى عليه فى كل مجلس على بعضها قصدا لإعناته وبذلته، فالذى يوجبه حكم القضاء ألّا يمنع من تبعيض الدعاوى وتفريق الأيمان، والذى ينتجه نظر المظالم أن يؤمر المدّعى بجمع دعاويه عند ظهور الإعنات منه وإحلاف الخصم على جميعها يمينا واحدة.

فأمّا اذا اعتدلت حالة المتنازعين وتقابلت شبهة [1] المتشاجرين ولم يترجح أحدهما بأمارة ولا ظنّة، فينبغى أن يساوى بينهما فى العظة؛ وهذا مما يتّفق عليه القضاة وولاة المظالم. ثم يختصّ ولاة المظالم، بعد العظة، بالإرهاب لهما معا لتساويهما، ثم بالكشف عن أصل الدعوى وانتقال الملك. فإن ظهر بالكشف ما يعرف به المحقّ منهما من المبطل عمل بمقتضاه، وإن لم يظهر بالكشف ما ينفصل به تنازعهما ردّهما الى وساطة من وجوه الجيران وأكابر العشائر؛ فان تحرّر [2] ما بينهما، وإلا كان فصل القضاء بينهما هو خاتمة أمرهما.

وربما ترافع [3] الى ولاة المظالم فى غوامض الأحكام ومشكلات الخصام ما يرشده اليه الجلساء ويفتحه [4] عليه العلماء، فلا ينكر عليهم الابتداء به؛ ولا بأس بردّ الحكم فيه الى من يعلمه منهم.

[1] فى الأحكام السلطانية: «بينة المتشاجرين

» .

[2]

فى الأحكام السلطانية: «فإن نجز بها ما بينهما» .

[3]

كذا فى الأصل والأحكام السلطانية، ولعلها «رفع» .

[4]

كذا فى الأحكام السلطانية. وفى الأصل، «ويقبحه

» وهو تحريف.

ص: 285

فقد حكى أنّ امرأة أتت عمر بن الخطّاب رضى الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجى يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله؛ فقال لها عمر: نعم الزوج زوجك! فجعلت تكرّر عليه القول، وهو يكرّر عليها الجواب؛ فقال له كعب بن سور الأزدىّ [1] : يا أمير المؤمنين، هذه امرأة تشكو زوجها فى مباعدته إياها عن فراشه؛ فقال له عمر رضى الله عنه: كما فهمت كلامها فاقض بينهما؛ فقال كعب: علىّ بزوجها، فأتى به؛ فقال له: امرأتك هذه تشكوك؛ فقال الزوج:

أفى طعام أو شراب؟ قال كعب: لا فى واحد منهما؛ فقالت المرأة:

يأيّها القاضى الحكيم أرشده

ألهى حليلى عن فراشى مسجده

زهّده فى مضجعى تعبّده

نهاره وليله ما يرقده

فلست من أمر النّساء أحمده

فاقض القضا يا كعب لا تردّده

فقال الزوج:

زهّدنى فى قربها وفى الحجل

أنّى امرؤ أذهلنى ما قد نزل

فى سورة النّحل وفى السّبع الطّول

وفى كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب:

إنّ لها حقّا عليك يا رجل

نصيبها فى أربع لمن عقل

فأعطها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال: إنّ الله سبحانه وتعالى قد أحلّ لك من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلك ثلاثة أيّام ولياليهنّ تعبد فيهن ربّك، ولها يوم وليلة. فقال عمر رضى الله عنه

[1] كذا فى الكامل لابن الأثير (ج 2 ص 440 طبع مدينه ليدن) والطبرى فى غير موضع (طبع ليدن أيضا) والكامل للمبرد (طبع ليبسج) . وفى الأصل: «كعب بن سور الأسدى» .

ص: 286