الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الحسن العنبرىّ القاضى؛ فقال له: [يا أمير المؤمنين [1]] إن الله قد دفعها إليك أمانة، فلا تخرجها من يدك قبالة [2] . فعدل عن الضّمان.
فهذا تفصيل ما تعلّق بوزارة التفويض من عقد وحل وتقليد وعزل. فلن
ذكر حقوق الملك على وزيره وحقوق الوزير على ملكه
.
ذكر حقوق الملك على وزيره وحقوق الوزير على ملكه
فأما حقوق السلطان على وزيره فهى ثلاثة:
أحدها: قيامه بمصالح ملكه، وهى أربع: عمارة بلاده، وتقويم أجناده، وتثمير أمواله، وحياطة رعيّته.
والثانى: قيامه بمصالح نفسه، وهى أربع: إدرار [3] كفايته، وتحمّل عوارضه، وتهذيب حاشيته، وإعداد ما يستدفع به النوائب.
والثالث: قيامه بمقاومة أعدائه، وذلك بأربعة أشياء: تحصين الثّغور، واستكمال العدّة، وترتيب العساكر، وتقدير الحدود. فيجب على الوزير أن يؤدّى حقوق سلطانه، ويوفّى شروط ائتمانه؛ ويحذر بادرة مؤاخذته إن قصّر، وسطوة انتقامه إن فرّط؛ لأن بادرة الانتقام، أسرع من ظهور الإنعام؛ [لأن الانتقام يصدر عن طيش الغضب، والإنعام يصدر عن أناة الكرم [4]] . وقد قيل فى حكم الفرس: ما أضعف طمع صاحب
[1] زيادة عن «قوانين الوزارة» .
[2]
القبالة: الكفالة. من قبل (من باب نصر وضرب وسمع) بمعنى كفل. ومعناها هنا: أن يعطى السلطان عاملا أو أن يقبل العامل عملا من أعمال السلطان يستغله فى مقابل مقدار معين من المال يتكفل بأدائه إليه.
[3]
كذا بالاصل، وفى قوانين الوزارة «إدراك» .
[4]
زيادة عن «قوانين الوزارة» .
السلطان فى السلامة. وذلك أنّه إن عفّ جنى عليه العفاف عداوة الخاصة، وإن بسط يده جنى عليه البسط ألسنة المتنصّحين. فلزم لذلك أن يكون حذره أغلب من رجائه، وخوفه أكثر من أمنه. ولئن تكدّر بهما العيش فهما إلى السلامة أدعى.
وأما حقوق الوزير على السلطان فثلاثة: أحدها: معونته على نظره.
وذلك بأربعة أشياء: تقوية يده، وتنفيذ أمره، وإطلاق كفايته، وألّا يجعل لغيره عليه أمرا. وقد قال سابور بن أردشير فى عهده إلى ابنه هرمز: ينبغى للوزير أن يكون قوىّ الأمر، مقبول القول، يمنعه مكانه منك، من الضراعة لغيرك، وتبعته الثّقة بك، على بذل النصيحة لك، ويشجّعه ما يعرف من رأيك، على مقاومة أعدائك؛ وأحذّرك أن تنزل بهذه المنزلة من سواه من خدمك.
والثانى: أن يثق منه بأربعة أشياء: ألّا يؤاخذه بغير ذنب، وألّا يطمع فى ماله من غير خيانة، وألّا يقدّم عليه من هو دونه، وألّا يمكّن منه عدوّا. وقد عهد ملك إلى ابنه فقال: يا بنىّ، إنّك لن تصل إلى إحكام ما تريده من تدبير ملكك إلا بمعونة وزرائك وأعوانك، فأعنهم على طاعتك بمياسرتك، وعلى معونتك بمساعدتك.
والثالث: أن يحفظ منزلته من أربعة أشياء: [الأوّل [1]] ألّا يرتاب بباطنه وظاهره سليم، فيؤاخذ بالظن، ويعجز عن دفعه باليقين؛ فليس يؤاخذ بضمائر القلوب، إلّا علّام الغيوب. قيل لكسرى قباذ: إنّ قوما من خواصّك قد فسدت سرائرهم؛ فوقّع:
أنا أملك الأجساد دون النيّات، وأحكم بالعدل لا بالرضا، وأفحص عن الأعمال لا عن السرائر. والثانى: ألّا يستبدل به ونظره مستقيم، فيقلّ نفعه، ويضعف
[1] زيادة يقتضيها السياق.
نشاطه، ولا يجهد نفسه فى النهوض بما كلّفه؛ فإن داعى الطبع أبلغ من مصنوع التكلّف. وقد اتّخذه لاستقامة وجدها به. فإذا أضاع حقّه بالاستبدال ظلم نفسه، وكان من غيره على خطر. وقد قال كسرى: الوزارة أبعد الأمور من أن تحتمل غير أهلها.
لأن الوزير من الملك بمنزلة سمعه وبصره ولسانه وقلبه، لأنه مغلق الأبواب، مستور عن الأبصار؛ ليحفظه فى أمواله، ويستر خلله فى أفعاله؛ وحقيق بمن [1] كان بهذه المنزلة أن يكون محفوظا. والثالث: ألّا يؤاخذه بدرك ما جرّه القضاء وساقه القدر، فيجعله غرضا فى معارضة خالقه. وهل الوزير فيه إلا كالملك! فأفعال الله عز وجل لا تكون ذنوبا لعباده.
وقد روى عن النبىّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوى العقول عقولهم حتى ينفذ فيهم قضاؤه وقدره» [2]
. والرابع: ألّا يحمّله ما ليس فى قدرته، ولا يكلّفه ما ليس فى طاقته، فلا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها. وما ذاك إلّا من دواعى التّجنّى، ومبادئ التنكّر.
فهذه حقوق الوزير على سلطانه. وهى مقابلة لحقوق السلطان على وزيره. لكنّ حقوق الوزير موضوعة على المسامحة فى أكثرها، وحقوق السلطان موضوعة على المؤاخذة بأقلها؛ لاستطالته عليه بالقدرة وقصوره عنه بالنيابة.
وحيث ذكرنا هذه الحقوق الداخلة فى وزارة التفويض فلنذكر وزارة التنفيذ.
[1] فى الأصل «وحقيق على من
…
» .
[2]
هكذا فى الأصل وفى قوانين الوزارة وفى مسند الفردوس للديلمىّ. وفى الجامع الصغير زيادة نصها: «فإذا مضى أمره ردّ إليهم عقولهم ووقعت الندامة» .