الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل فى الحلم
الحلم دفع السيئة بالحسنة. وقيل: تجرّع الغيظ [1] . وقيل: الحلم دعامة العقل، وقال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.
وقال علىّ رضى الله عنه: حلمك عن السفيه يكثر أنصارك عليه.
وقيل: ليس الحليم من إذا ظلم حلم حتى إذا قدر انتصر، ولكن الحليم من ظلم فإذا قدر غفر [2] .
وقيل: الحليم من لم يكن حلمه لفقد النّصرة أو لعدم القدرة. وهو جوهر فى الإنسان يصدر عن صدر سالم من الغوائل والأذى، صاف [3] من شوائب الكدر والقذى؛ لا يستطاع تعلّما، ولا يدرك تبصّرا وتفهّما؛ كما قال أبو الطيّب:
وإذا الحلم لم يكن فى طباع
…
لم يحلّم تقادم الميلاد [4]
ويدلّ على ذلك أنه غريزة فى الإنسان.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأشجّ عبد القيس: «يا أبا المنذر إن فيك خصلتين [5] يرضاهما الله ورسوله الحلم والأناة» فقال: يا رسول الله، أشىء جبلنى الله عليه أم شىء اخترعته من قبل
[1] فى الأصل: «الغليظ» .
[2]
عبارة الإحياء فى شطر هذه الجملة الأخيرة «ولكن الحليم من ظلم فحلم حتى إذا قدر عفا» .
[3]
فى الأصل: «صاف عن شوائب
…
الخ» واللغة تقتضى «من» .
[4]
ورد هذا البيت فى ديوان المتنبى هكذا:
وإذا الحلم لم يكن عن طباع
…
لم يكن عن تقادم الميلاد
[5]
فى الإحياء للغزالىّ «خلقين يحبهما
…
» (ج 3 ص 122) طبع المطبعة الميمنية.
نفسى؟ قال: «بل شىء جبلك الله عليه»
؛ قال: الحمد لله الذى جبلنى على خلق يرضاه الله ورسوله.
ومن الناس من يقول: إن الحلم ليس غريزة ولا طبيعة بل مكتسب مستفاد، تتمرّن النفس الأبيّة عليه، وتنقاد حبّا فى المحمدة إليه.
وقالوا: الحلم بالتحلّم كما أن العلم بالتعلّم. ويدلّ على ذلك ما حكى عن جعفر الصادق أنه كان عنده عبد سيّئ الخلق، فقيل له: أما تأنف [من [1]] مثل هذا عندك وأنت قادر على الاستبدال به؟ فقال: إنما أتركه لأتعلّم عليه الحلم. ويحكى عنه أنه كان إذا أذنب إليه عبد أعتقه؛ فقيل له فى ذلك؛ فقال: أريد بفعلى هذا تعلّم الحلم. قال الشاعر:
وليس يتمّ الحلم للمرء راضيا
…
إذا هو عند السّخط لم يتحلّم
كما لا يتمّ الجود للمرء موسرا
…
إذا هو عند القتر لم يتحشّم [2]
وروى عن سرىّ السّقطىّ أنه قال: الحلم على خمسة أوجه: حلم غريزىّ، وهو هبة من الله للعبد، يعفو عمّن ظلمه، ويصل من قطعه، ويعطى من حرمه، ويحسن لمن أساء إليه؛ وحلم تحالم، يكظم غيظه رجاء الثواب وفى القلب كراهية؛ وحلم كبر، لا يرى المسىء أهلا أن يجاريه؛ وحلم مذموم، رياء وسمعة وهو حاقد ساكت يرائى به جلساءه؛ وحلم مهانة وذلّة وعجز وضعف نفس وصغر همّة.
وقال أبو هلال العسكرىّ: أجمع كلمة سمعناها فى الحلم ما سمعت عمّ أبى يقول:
الحليم ذليل عزيز؛ وذلك أن صورة الحليم صورة الذليل الذى لا انتصار له، واحتمال السفيه والتغافل عنه فى ظاهر الحال ذلّ وإن لم يكن به. وقيل:« [الحليم [3]] مطيّة الجهول» لاحتماله جهله وتركه الانتصاف منه. وقال الأوّل البيتين وقد تقدّما.
[1] زيادة يقتضيها استعمال اللغة، ولعلها سقطت من الناسخ.
[2]
يتحشم: يتذمّم ويستحى.
[3]
زيادة عن ديوان المعانى لأبى هلال العسكرىّ (ج 1 ص 108 مخطوط ومحفوظ بدار الكتب المصرية) .