الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان سعيد بن عتبة بن حصين إذا حضر باب أحد من السلاطين جلس جانبا؛ فقيل له: إنّك لتتباعد من الآذن جهدك؛ فقال: لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب. قال بعض الشعراء:
رأيت أناسا يسرعون تبادرا
…
إذا فتح البوّاب بابك إصبعا
ونحن جلوس ساكنون رزانة
…
وحلما إلى أن يفتح الباب أجمعا
وقيل لمعاوية: إنّ آذنك ليقدّم معارفه فى الإذن على وجوه الناس؛ قال:
وما عليه! إنّ المعرفة لتنفع فى الكلب العقور والجمل الصّؤول، فكيف رجل حسيب ذو كرم ودين! ونظر رجل إلى روح بن حاتم وهو واقف فى الشمس عند باب المنصور، فقال له: لقد طال وقوفك فى الشمس؛ فقال: ذلك ليطول جلوسى فى الظلّ.
ذكر ما قيل فى الحجاب
قال خالد بن عبد الله القسرىّ أمير العراق لحاجبه: إذا أخذت مجلسى فلا تحجبنّ عنى أحدا، فإنّ الوالى يحتجب عن الرعيّة لإحدى ثلاث: إمّا لعىّ يكره أن يطّلع عليه، وإما لبخل يكره أن يسأل شيئا، وإما لريبة لا يحبّ أن تظهر منه.
وقال زياد لحاجبه: ولّيتك حجابتى وعزلتك عن أربع: المنادى إلى الصلاة والفلاح، [لا تفرّجنّه عنّى فلا سلطان لك عليه [1]] ، وطارق الليل [لا تحجبه فشرّ ما جاء به، ولو كان خيرا ما جاء به تلك الساعة [1]] ، ورسول الثّغر فإنّه إن أبطأ ساعة فسد عمل سنة فأدخله علىّ وإن كنت فى لحافى، وصاحب الطعام فإن الطعام إذا أعيد تسخينه فسد.
[1] زيادة عن العقد الفريد ج 1 ص 27
وقف أبو سفيان بباب عثمان بن عفّان رضى الله عنه وقد اشتغل بمصلحة للمسلمين فحجبه؛ فقال له رجل وأراد إغراءه: يا أبا سفيان، ما كنت أرى أن تقف بباب مضرىّ فيحجبك! فقال أبو سفيان: لا عدمت من قومى من أقف ببابه فيحجبنى.
واستأذن أبو الدّرداء على معاوية بن أبى سفيان فحجبه؛ فقال: من يغش أبواب الملوك يقم ويقعد، ومن يجد بابا مغلقا يجد إلى جانبه بابا مفتوحا إن دعا أجيب وإن سأل أعطى. قال محمود الورّاق:
شاد الملوك قصورهم فتحصّنوا
…
من كل طالب حاجة أو راغب
غالوا بأبواب الحديد لعزّها
…
وتنوّقوا [1] فى قبح وجه الحاجب
فإذا تلطّف فى الدخول إليهم
…
راج تلقّوه بوعد كاذب
فاطلب إلى ملك الملوك ولا تكن
…
يا ذا الضّراعة طالبا من طالب
قال أبو مسهر: أتيت إلى باب أبى جعفر محمد بن عبد الله بن عبد كان، فحجبنى فكتبت إليه:
إنى أتيتك للتسليم أمس فلم
…
تأذن عليك لى الأستار والحجب
وقد علمت بأنى لم أردّ ولا
…
والله ما ردّ إلّا العلم والأدب
فأجابه ابن عبدكان:
لو كنت كافأت بالحسنى لقلت كما
…
قال ابن أوس وفيما قاله أدب
ليس الحجاب بمقص عنك لى أملا
…
إنّ السماء ترجّى حين تحتجب
وقف إلى باب محمد بن منصور رجل من خاصّته فحجب عنه، فكتب إليه:
على أىّ باب أطلب الإذن بعد ما
…
حجبت عن الباب الذى أنا حاجبه
[1] تنوّقوا: جوّدوا وبالغوا.
وقف أبو العتاهية إلى باب بعض الهاشمييّن، فطلب الإذن؛ فقيل له: تكون لك عودة [1] ؛ فقال:
لئن عدت بعد اليوم إنّى لظالم
…
سأصرف وجهى حين تبغى المكارم
متى يظفر الغادى إليك بحاجة
…
ونصفك محجوب ونصفك نائم
ونظيره قول العمانىّ [2] :
قد أتيناك للسلام مرارا
…
غير منّ بنا [3] بتلك المرار [4]
فإذا أنت فى استتارك باللي
…
ل [على [5]] مثل حالنا بالنّهار
وقال أبو تمّام:
سأترك هذا الباب مادام إذنه
…
على ما أرى حتّى يلين قليلا
فما خاب من لم يأته متعمّدا
…
ولا فاز من قد نال منه وصولا
ولا جعلت أرزاقنا بيد امرئ
…
حمى بابه من أن ينال دخولا
إذا لم أجد للإذن عندك موضعا
…
وجدت إلى ترك المجىء سبيلا
وقال آخر:
أتيتك للتسليم لا أننى امرؤ
…
أردت بإتيانيك أسباب نائلك
فألفيت بوّابا ببابك مغرما
…
بهدم الذى وطّدته من فضائلك
وقال العمانىّ:
إذا ما أتيناه فى حاجة
…
رفعنا الرّقاع له بالقصب
له حاجب دونه حاجب
…
وحاجب حاجبه محتجب
وقال آخر:
يا أبا موسى وأنت فتى
…
ماجد حلو ضرائبه [6]
[1] فى الأصل: «يكون له دعوة» وهو تحريف والتصويب عن العقد الفريد (ج 1 ص 28)
[2]
فى العقد الفريد: «العتابى» .
[3]
لعله «منا» ويؤيد هذا رواية العقد الفريد.
[4]
فى العقد الفريد: «غير من منا بذاك المزار» .
[5]
زيادة من العقد الفريد ج 1 ص 28
[6]
ضرائب: جمع ضريبة، وهى الطبيعة والسجية.