الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واذا وتر القوس أو أخذ عنها وترها- يقال: «حظرب قوسه» اذا شدّ توتيرها. «طحمر» اذا وترها. «متّن» مثله. «وتر» . «عطّل» يقال: عطّل القوس اذا أخذ عنها الوتر.
وأما اذا حمل القوس أو اتّكأ عليها- يقال: «تنكّب القوس» اذا ألقاها على منكبه. «تأتّب» يقال: تأتّب قوسه اذا جعلها على ظهره. «متقوّس» اذا كان معه قوس. «انكب» والأنكب الذى لا قوس معه. «ارتكز» إذا وضعها بالأرض واعتمد عليها.
هذا ما قيل فى القوس من الأسماء والصفات اللغوية؛ فلنذكر تركيب القوس ومبدأ عملها.
ذكر ما قيل فى تركيب القوس، ومبدإ عملها ومن رمى عنها، ومعنى الرمى
أما تركيب القوس- فقد أجمع الرّماة أنها مبنية على طبائع الإنسان الأربع وهى: العظم، ونظيره فى القوس الخشب. واللحم، ونظيره فى القوس القرون.
والعروق والعصب، ونظيرها فى القوس العقب. والدم، ونظيره فى القوس الغراء.
وأما مبدأ عملها ومن رمى بها- اختلف الناس فى القوس ومبدإ عملها ومن رمى عنها، فقال بعض أهل العلم: إن القوس جاء بها جبريل الى آدم عليه السلام
وعلّمه الرمى عنها، وتوارثه ولده الى زمن نوح عليه السلام. وذكرت الفرس فى كتاب الطبقات الأربع: أنّ أوّل من رمى عنها جمشيد الملك الفارسىّ، وقيل إنه كان فى زمن نوح عليه السلام، وتوارثه بعده ولده طبقة بعد طبقة. وقال آخرون: إن أوّل من رمى عنها النّمرود، وخبره مشهور فى رميه نحو السماء وعود سهمه اليه وقد غمس من الدم. وسنذكر ذلك ان شاء الله تعالى مبيّنا فى قصة إبراهيم عليه السلام. ورمى عنها بعد النمرود سامن اليمانى ثم كند بن سامن ثم رستم من المجوس ثم اسفنديار وغيرهم. وقيل إن أوّل من وضعها بهرام جور بن سابور ذى الأكتاف، وهو من الملوك الساسانيّة، وإنه عملها من الحديد والنّحاس والذهب، ولم يكن رآها قبل ذلك، فلم تطاوعه فى المدّ فعملها من القرون والخشب والعقب [1] . وهذا القول مردود على قائله، لأن الفرس الأول لم تزل تفتخر بالرمى فى الحروب والصيد، ولم ينقل أن الرمى انقطع فى دولة ملك منهم. والله تعالى أعلم.
وأما معنى الرمى- ومعنى الرمى عند العرب هو القصد، وذلك أنهم يقولون:
رميت ببصرى الشىء، أى قصدت اليه به؛ قال ابن الرومى:
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها
…
ثم انثنت عنه فكاد يهيم
ويلاه إن نظرت وإن هى أعرضت!
…
وقع السّهام ونزعهن أليم
وقال العبّاس بن الأحنف:
قالت ظلوم سميّة الظلم
…
مالى رأيتك ناحل الجسم
يا من رمى قلبى فأقصده
…
أنت العليم بموضع السهم
[1] العقب: عصب المتنين والساقين والوظيفين.
وأما معناه عند العجم، فقد حكى عن بهرام أنه قال: معنى رميت الشىء أى [1] رمته فوصلت اليه. وهو مقارب لمعناه عند العرب، لأنه إنما أراد بما رامه القصد له.
هذا ما قيل فى القوس. فلنذكر ما قيل فى السهم، ثم نذكر بعد ذلك ما قيل فيهما من النظم والنثر.
وأما ما قيل فى السهم-
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة [نفر [2]] الجنة صانعه يحتسب فى صنعته الخير والرامى به والممدّ [3] به»
. وقال صلى الله عليه وسلم: «ارموا واركبوا وأن ترموا أحبّ إلىّ من أن تركبوا»
. وعنه صلى الله عليه وسلم وقد مرّ على نفر من أسلم [4] ينتضلون فقال: «ارموا بنى إسماعيل فإن أباكم كان راميا وأنا مع بنى فلان» ، فأمسك أحد الفريقين بأيديهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما لكم لا ترمون» ؛ فقالوا:
كيف نرمى وأنت معهم! قال: «ارموا وأنا معكم كلّكم»
. وعن حمزة بن أبى أسيد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر حين صففنا لقريش وصفّوا لنا: «اذا أكثبوكم [5] فعليكم بالنّبل» . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تعلّم الرمى ثم تركه فهو نعمة تركها» .
[1] كذا بالأصل، وظاهر أن الكلمة «أى» التفسيرية هاهنا لا معنى لها بل وجودها محل بالتركيب.
[2]
زيادة من هذا الجزء (صفحة 238 من خطبة القاضى شهاب الدين محمود الحلبى) ومن الجامع الصغير.
[3]
الممدبه: من أمده بالشىء: أعطاه إياه. وفيما يأتى فى خطبة الحلبى وفى الجامع الصغير. «ومنبله» بدل «الممدبه» والمنبل: من أنبله الشىء أعطاه إياه وناوله.
[4]
أسلم: قبيلة مشهورة.
[5]
أكثبوكم: قاربوكم ودنوا منكم فمكنوكم منهم.
ومما يدلّ على تعظيم قدر الرامى ما
روى عن عبد الله بن شدّاد قال: سمعت عليّا يقول: ما رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يفدّى رجلا بعد سعد، سمعته يقول:
. وسعد هذا هو سعد بن مالك. وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم له كان فى يوم أحد.
وللسهم أسماء وصفات ونعوت نطقت بها العرب- منها: «أقذّ» ، والأقذ: الذى لا ريش عليه. «أهزع» وهو السهم الذى يبقى فى الكنانة وحده لأنه أردأ ما فيها، ويقال هو أجودها وأفضلها؛ ويقال: ما فى جفيره أهزع، قال العجّاج:
لا تك كالرامى بغير أهزعا [1]
وقال آخر:
فأرسل سهما له أهزعا
…
فشكّ نواهقه [2] والفما
«أفوق» هو المكسور الفوق [3] . «أمرط» هو الذى سقط قذذه. «أغضف [4] » وهو الغليظ [الريش [5]] . «أصمع» وهو الرقيق. «ثجر» وهى سهام غلاظ. «ثلث» وهو سهم من ثلاثة، ومثله ثليث وثمين وسبيع وسديس وخميس. «جبّاع» وهو الذى بغير نصل. «جمّاع» سهم مدوّر الرأس يتعلم به الصبىّ الرمى. «حشر» يقال: سهم حشر، وسهام حشر أى دقاق. «حاب» وهو الذى يزحف فى [الأرض ثم يصيب [6]] الهدف. «حابض» وهو الذى يقع بين يدى راميه. «حظاء» هى سهام صغار، والواحدة: حظوة، وتجمع على حظوات، وتصغيرها: حظيّات. «حسبان» سهام
[1] فى المخصص: «يأيها الرامى بغير أهزعا» .
[2]
النواهق: مخارج النهاق من ذى الحافر، أو العظام الناتئة فى مجرى دمعه من الخدّ.
[3]
الفوق: موضع الوتر.
[4]
فى الأصل: «أعضف» وهو تحريف.
[5]
زيادة عن القاموس.
[6]
التكملة من كتب اللغة.
صغار يرمى بها عن القسىّ الفارسيّة، والواحدة حسبانة. «خازق» وهو السهم الذى يصيب القرطاس. «خشيب» وهو حين يبرى البرى الأوّل. «خلط» وهو السهم الذى ينبت عوده على عوج فلا يزال يتعوّج وإن قوّم. «دالف» وهو الذى يصيب ما دون الغرض ثم ينبو عن موضعه، والجمع دلّف. «دابر» وهو الذى يخرج من الهدف. «رقميّات» سهام تنسب الى موضع بالمدينة. «زالج» وهو الذى يتزلّج من القوس أى يسرع، وكلّ سريع زالج. «زاحف» وهو الذى يقع دون الغرض ثم يزحف اليه. «زمخر» وهو النّشّاب واحدته زمخرة، ويقال: هو الطويل منه.
«سهم سندرىّ» نوع من السهام منسوب الى السّندرة وهى شجرة. «سروة» سهم صغير، والجمع سراء. «شارف» سهم طويل دقيق، وقيل الذى طال عهده.
«شاخص» أى جاز الغرض من أعلاه. «شارم» وهو الذى يشرم جانب الغرض.
«صادر» هو النافذ. «صنيع» . «عبر» هو الموفور الريش. «عموج» هو الذى يتلوّى فى ذهابه وهو الاعوجاج فى السير. «عصل» السهام المعوجّة. «عفر [1] » .
«عائر» وهو السهم الذى لا يدرى من أين أقبل. «غرب» يقال: سهم غرب [2] ، وهو الذى يأتى ولا يعلم المصاب به من أين يأتى. «فالج» هو السهم الفائز. «قطع» هو السهم العريض. «قدح» قبل أن يراش ويركّب نصله. «قطبة» سهم صغير يرمى به. «قطيع» قبل أن يبرى حين يكون قضيبا، والجمع قطع. «قترة» سهم صغير لا حديد فيه. «كتّاب» سهم صغير مدوّر الرأس مثل «جمّاح» . «كثّاب» سهم صغير؛ قال الشاعر:
رمت عن كثب قلبى
…
ولم ترم بكثّاب
[1] كذا فى الأصل، ولم نوفق اليه فى مصدر آخر.
[2]
يصح فى «سهم غرب» الإضافة والوصفية.
«لأم» وهو السهم. «معبر» وهو السهم الموفور الريش. «منزع» هو السهم مطلقا، ويقال: المنزع: الذى يرمى أبعد ما يكون؛ قال الأعشى:
فهو كالمنزع المريش من الشّو
…
حط غالت به يمين المغالى
«مريش» ذو الريش. «مخلّق» هو المصلح. «مصراد» هو النافذ. «مقتعل» هو الذى لم يبر بريا جيّدا؛ قال لبيد:
فرميت القوم رشقا صائبا
…
ليس بالعصل ولا بالمقتعل
«مطحر» هو البعيد الذّهاب؛ قال أبو ذؤيب:
فرمى فألحق [1] صاعديّا مطحرا
…
بالكشح فاشتملت عليه الأضلع
«مرماة» سهم صغير. «منجاب» هو الذى لا ريش عليه ولا نصل. «مغلق» اسم لكل سهم. «مرّيخ» سهم طويل له أربع قدذ. «منجوف» هو السهم العريض.
«مراط [2] » التى تمرّط ريشها. «مقزّع» الذى ريش بريش صغار. «مرتدع» الذى اذا أصاب الهدف انفضخ [3] عوده. «معراض» ذو ريش يمشى عرضا، وقيل سهم طويل له أربع قذذ دقاق فاذا رمى به اعترض. «متصمّع» هو المنضمّ الريش من الدم، وقيل الملطّخ بالدم. «مشقص» سهم له نصل عريض. «معقص» الذى ينكسر نصله ويبقى سنخه فى السهم. «نكس» هو الذى انكسر فوقه فجعل أسفله أعلاه. «نواقر» هى السهام التى تصيب. «نشّاب» . «نجيف» هو العريض النصل، والجمع نجف؛ قال الهذلىّ:
نجف بذلت لها خوافى ناهض
…
حشر القوادم كاللّفاع الأطحل
«هزاع» هو الذى يبقى فى الكنانة وحده مثل الأهزع.
[1] فى اللسان (مادة طحر) : «فأنفذ» .
[2]
هذا على أن «مراطا» جمع «مرط» بضمتين، ويقال أيضا: سهم مراط، كما يقال: سهم مرط.
[3]
انفضخ عوده: انكسر.
وأما أسماء النصل- فمنها: «رهب» وهو النصل الرقيق، والجمع رهاب.
«رهيش» مثله. «قطع» هو النصل العريض، وجمعه أقطاع، وقيل: نصل صغير، وقيل: السهم القصير. «قطبة» نصل الهدف. «مرماة» هو النصل المدوّر.
«معبلة» نصل طويل عريض، وقيل حديدة مصفّحة لا عير [1] لها. «نضىّ» هو نصل السهم. «وقيع» هو النصل المحدّد؛ قال عنترة:
وآخر منهم أجررت رمحى
…
وفى البجلىّ معبلة وقيع
فهذه أسماء السهم والنصل.
واذا أصاب السهم يقال- «ارتزّ السهم» اذا ثبت فى القرطاس «أصاب» .
«أقصد» اذا قتل مكانه؛ قال الأخطل:
فإن كنت قد أقصدتنى إذ رميتنى
…
بسهميك فالرامى يصيب ولا يدرى [2]
«بصّر» اذا طلى رأسه بالبصيرة وهى الدم. «تاز» يقال: تاز السهم اذا أصاب الرميّة فاهتزّ فيها. «خزق» اذا أصاب. «خسق» مثله. «خصل» اذا وقع بلزق القرطاس، وقيل:[الخصل] الإصابة [3] ؛ ويقال: تخاصل القوم اذا تراهنوا فى الرمى، وأحرز فلان خصل فلان اذا غلب. «دبر» اذا خرج عن الهدف. «زهق» اذا جاوز الهدف. «شظف» اذا دخل بين الجلد واللحم. «صرد» يقال: صرد السهم
[1] العير فى النصل: الناتئ منه فى وسطه.
[2]
فى الأصل: «
…
أقصدتنى فرميتنى
…
بسهمك
…
» . وقد أثبتنا ما فى اللسان مادة «قصد» . ومعنى لا يدرى: لا يختل. يقال: درى الظباء وادّراها وتدرّاها اذا ختلها أى تخفى لها.
[3]
فى المخصص: «ومن قال: الخصل: الإصابة فقد أخطأ» .
من الرميّة اذا نفذ منها. «صاف» مثل «ضاف» [و [1]] «طاش» اذا لم يصب.
«عصّل» اذا التوى فى الرمى. «عظعظ [2] » اذا لم يقصد الرميّة. «قحز» اذا وقع بين يدى الرامى. «مرق» اذا نفذ من الرميّة. «نصل» اذا ثبت نصله فى الشىء فلم يخرج. «نضا» بمعنى ذهب. «نفذ» أى من الرميّة.
وأما ما يضاف الى الرامى- يقال: «أذلق» عبارة عن سرعة الرمى.
«أشخص» اذا مرّ سهمه برأس الغرض. «انتضل» يقال: انتضل القوم وتناضلوا اذا تراموا للسّبق. «تيمّم» اذا قصد نحو جهة بالسهم. «تنعير» اذا أدار السهم على ظفره ليعرف قوامه من عوجه. «تنفيز» مثله. «رمى» معروف. «رشق» اذا رمى القوم بأجمعهم فى جهة واحدة. «زلخ» الزّلخ رفع اليد فى السهم الى أقصى ما يقدر عليه. «سعر» اذا رمى. «عقّى [3] » بالسهم اذا رمى به فى الهواء وارتفع فى طيرانه.
«غلا» اذا رمى أقصى الغاية. «لعط» اذا رمى فأصاب. «لتأ» يقال: لتأ بالسهم اذا رمى به. «ناشب» والناشب هو الرامى. «ندب» اذا رمى فى جهة واحدة.
«نجف» اذا برى السهم.
وأما أوعية السهام- «جعبة» وجمعها جعاب. «جفير» وهو أوسع من «الكنانة» . «ظفرة [4] » اذا كانت ممتلئة. «عيبة» مثل جعبة. «قرن» . «نثل» يقال:
نثلت كنانتى اذا استخرجت ما فيها.
[1] معنى «صاف» و «ضاف» لم يصب، فزدنا الواو العاطفة ليشركا «طاش» فى تفسيره.
[2]
فى الأصل: «غطغط» وهو تحريف.
[3]
ومثل عقى: عق.
[4]
كذا بالأصل، ولم نوفق اليها أو الى ما يقرب منها فى مصدر آخر.
وأما ما وصف به القوس والسهم من النظم والنثر- قال عتّاب بن ورقاء
وحطّ عن منكبه شريانة
…
مما اصطفى بارى القسىّ وانتقى
أمّ بنات عدّها صانعها
…
ستّين فى كتابه مما برى
ذات رءوس كالمصابيح لها
…
أسافل مثل عراقيب القطا
إن حرّكت حنّت الى أولادها
…
كحنّة الواله من فقد الطّلا
حتى اذا ما قرنت ببعضها
…
لانت ومال طرفاها وانثنى
وقالوا: أجود ما شبّه به فوق السهم قول الشاعر:
أفواقها حشو الجفير كأنها
…
أفواه أفرخة من النّغران [1]
ومن إنشاء المولى القاضى شهاب الدين محمود الحلبىّ الكاتب: خطبة عملها لرامى نشّاب، وهى:
الحمد لله الذى جعل سهم الجهاد الى مقاتل أعداء دينه مسدّدا، وحكم الجلاد بإصابة الغرض فى سبيله مؤيّدا، وسيف الاجتهاد فى نكاية من كفر به وبرسوله على الأمد مجرّدا، وركن الإيمان بإعداد القوّة- وهى الرمى فيما ورد عن نبيّه- على كرّ الجديدين مجدّدا؛ الذى أعاد رداء الجهاد فى مواطن الصّبر بالنصر معلما، وأباد أهل الإلحاد بأن جعل لحماة دينه فى أرواحهم أقساما وفى مقاتلهم أسهما، وأزال بأيدى القسىّ من معاقل أهل الكفر [2] حكم كماتهم الذين ارتقوا منها خشية الموت سلّما، وأفاء على الإسلام من النصر ما فاء به كلّ دين له خاضعا وآل اليه مستسلما، وأبان حكم الأدب فى تجرّد العبد من القوّة إلا به بقوله عز من قائل:
[1] النغران: طير كالعصافير حمر المناقير.
[2]
فى الأصل «أهل الكف» وهو تحريف.
وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى
. نحمده على نعمه التى لم يزل بها قدح الدين فائزا وسهمه مصيبا، ومننه التى ما برح بها جدّ الكفر [1] مدبرا فلا يجد له فى إصابة نصل أو نصر نصيبا، وآلائه التى لا تنفكّ بها سوام السّهام ترد من وريد [2] الشرك منهلا [3] عذبا وترود من حبّ القلوب مرعى خصيبا؛ ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تدنى النصر وإن بعد مداه، وتدمى النّصل الذى على راميه إرساله الى المقاتل وعلى الله هداه، وتسمى القدر لمن ناضل عليها فيفوز فى الدنيا والآخرة بما قدّمت يداه؛ ونشهد أن محمدا عبده الذى نصر بالرّعب على من كفر، ورسوله الذى رمى جيش الشّرك بقبضة من تراب فكان فيها الظّفر، ونبيّه الذى نفر الى أهل بدر بنفر من أصحابه فجمع الله النصر والفخر لأولئك النّفر؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين آمنوا بما أنزل عليه وجاهدوا بين يديه، واختصّوا بالذبّ عنه بمزايا القرب حتى سعد سعد بما جمع له، حين أمره بالرمى، فى التفدية بين أبويه، وخصّ بعموم الرّضوان عمّه العبّاس الذى أقرّ الله بإسلامه ناظريه، وبشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم باستخلاف بنيه فى الأرض فيما أسرّ به اليه.
وبعد، فإنّ الرّمى أفضل ما أعدّ للعدا، وأكمل ما أفيض به على أهل الكفر رداء الرّدى؛ وأبلغ ما يبعث الى المقاتل من رسل المنون، وأنفع ما يقتضى به فى الوغى [4] من أعداء الدّين الدّيون، وأسرع ما تبلّغ به المقاصد فيما يرى قريبا وهو أبعد ما يكون؛ وأنكى ما تقذف به عن الأهلّة شهب الحتوف، وأسبق ما تدرك به الأغراض قبل
[1] فى الأصل: «جد الفكر» وهو تحريف.
[2]
فى الأصل: «رويد الشرك» .
[3]
فى الأصل: «منها
…
» وهو تحريف.
[4]
فى الأصل «من الوغى» .
أن تعرف بها الرماح أو تشعر [1] بمكانها السيوف؛ ما طلع فى سماء النّقع قوسه إلّا سحّ وبل النّبل، ولا استبقت الآجال وسهمه إلا كان له فى بلوغها السّبق من بعد والسّبق من قبل. ومن شرف قدره الذى دلّ عليه كلام النبوّة، أن النبىّ صلى الله عليه وسلم نبّه على أنه المراد بقوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
. ومن أسباب فضله الذى أصبح بها قدره ساميا، وفخره ناميا، وقطره فى أفق النصر هاميا، ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم لفتية ممن أسلم من أسلم:«ارموا يا نبى اسماعيل فإنّ أباكم كان راميا» . ومما عظمت به على الأمة المنّة، وغدت فيه نفوس أرباب الجهاد بالفوز فى الدنيا والآخرة مطمئنّة، قوله صلى الله عليه وسلم:«تعلّموا الرمى فإنّ ما بين الغرضين روضة من رياض الجنّة» . ومن فضل الرمى الذى لا يعرف [2] التأويل، ما نقل من قوله صلى الله عليه وسلم:«من رمى بسهم فى سبيل الله أخطأ أو أصاب فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل» . ومما يرفع قدر السهم [ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: «إن الله يدخل بالسهم [3]] الواحد ثلاثة نفر الجنّة صانعه يحتسب فى صنعته الخير وراميه ومنبله» . ومما حضّهم به على الرمى ليجتهدوا فيه ويدأبوا: قوله صلى الله عليه وسلم: «ارموا واركبوا وأن ترموا أحبّ إلىّ من أن تركبوا» . ومن خصائص السّهم أنه ذو خطوة فى الهواء وحكم نافذ فى الماء، وتصرّف حتّى فى الوحش السانح فى الأرض والطير المحلّق فى السماء؛ يكلّم بلسان من حديد؛ ويبطش عن باع مديد؛ إن رام غرضا طار إليه بأجنحة النّسور، وإن حمى معلما أصاب الحدق وصان الثّغور؛ يوجد بصره حيث فقد، واذا انفصل عن أمّه لم يسر من كبد إلا الى كبد؛ أنجز [4] فعله على ما فيه من إخلاف الطباع، وشرفت
[1] فى الأصل: «أو ما تشعر
…
» .
[2]
فى الأصل: «الذى لا يصرف» .
[3]
تكملة للكلام فلعلها، أو شيئا بمعناها، سقطت سهوا من الناسخ.
[4]
فى الأصل: «أنجد فعله» .