الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهم: أن جعل اجتماع ملائكته في حال طاعة عباده، لتكون شهادتهم لهم بأحسن الشهادة، ولهذا يسألهم عما عملوا، بل عما تركوهم عليه، قال المفارقة".
وقال ابن أبي جمرة: "إنما وقع السؤال عن الآخر لأن الأعمال بخواتيمها".
(تركناهم وهم يصلون) أي: وشأنهم ذلك، ولهذا أتى بالمضارع الدال على الاستمرار، فلا يلزم منه أنهم فارقوهم قبل انقضاء الصلاة فلم يشهدوها معهم، والخبر ناطق بأنهم يشهدونها، أو يحمل على أنهم شهدوها مع من صلاها في أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها بعد ذلك ومن شرع في أسباب ذلك وهو حسات أيضًا.
(وأتيناهم وهم يصلون)، قال ابن أبي جمرة:"زادوا في الجواب لأنهم علموا أنه سؤال يستدعي التعطف على بني آدم، فزادوا في موجب ذلك"، وزاد ابن خزيمة في آخره:"فاغفر لهم يوم الدين".
17 - بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوبِ
556 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ، قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» .
(إذا أدرك أحدكم سجدة) أي: ركعة، وهو كذلك في رواية الإسماعيلي، قال الحافظ:"فالاختلاف من تصرف الرواة".
557 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:" إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ: أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ".
(فيما سلف) أي: بالنسبة إلى ما سلف.
(أوتي
…
) إلى آخره: بيان لما تكتدم من مقدار مدة الزمانين.
(قيراطًا قيراطًا): كرر ليدل على تقسيم القراريط على العمال، لأن العرب إذا أرادت تقسيم الشيء على متعدد كررته.
(عجزوا)، استشكله الداودي بأنه كان المراد من مات منهم مسلمًا، فلا يوصف بالعجز، لاهنه عمل ما أمر به، أو كافرًا، فكيف يعطي القيراط؟
وأجيب بأن المراد الأول، وعبر بالعجز لكونهم لم يستوفوا عمل النهار كله، وإن كانوا قد استوفوا عمل ما قدر لهم فقوله:"عجزوا" أي: عن إحراز الأجر الثاني دون الأول، لكن من أدرك منهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمره به [أعطى من] الأجر مرتين.
قيل: ووجه إيراد هذا الحديث هنا: الدلالة على أنه قد يستحق بعمل البعض أجر الكل، مثل الذي أعطى من العصر إلى الليل أجر النهار كله، فهو نظير الذي يعطى أجر الصلاة كلها، ولو لم يدرك إلا ركعة، زاد الحافظ:"ونسبة الركعة إلى الرباعية الربع كما نسبة ما بين العصر والليل إلى النهار الربع".
(أكثر عملًا)، ظهر بهذا أن الراد: تشبيه من تقدم بأول النهار إلى الظهر وإلى العصر في كثرة الأعمال والتكليفات الشاقة كالإصر والمؤاخذة بالخطأ والنسيان وغير ذلك، وتشبيه هذه الأمة بما بين العصر والليل في قلة ذلك وتخفيفه، وليس المراد طول الزمان وقصره، إذ مدة هذه الأمة أطول من مدة أهل الإنجيل بالاتفاق، إذ أكثر ما قيل في تلك ستمائة سنة.
قلت: وأيضًا فلا عبرة بطول مدة الملة في حق كل فرد فرد، إذ كل أحد يعطي على عمله عمره، سواء طالت مدة أهل ملته أو قصرت أو نفرت، والأمم سواء في ذلك، إذ لا مشقة تلحق الأفراد بطول مدة الملة، وقد ماتوا قبل انقراضها بدهر.
وعرف بهذا أن المثل الذي في حديث أبي موسى: قضية أخرى غير الذي في حديث ابن عمر، وأنه في من ترك العمل بلا عذر لقولهم:"لا حاجة لنا إلى أجرك"، فلا يحصل لهم شيء أصلًا لا قيراط ولا غيره بخلاف أولئك الذين عجزوا.
واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن بقاء هذه الأمة يزيد على ألف سنة لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من ألفي سنة، ومدة النصارى من ذلك ستمائة أو أقل، فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف قطعًا. انتهى". وهذا بناء على غير ما اخترناه.