الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
72 - محمدُ بن إبراهيمَ اللَّوَاتيُّ، أبو عبد الله
.
رَوى عن أبي عُمرَ مَيْمونِ (1) بن ياسين اللَّمْتُونيِّ بإشبيلِيَةَ، وغيرِه.
73 -
محمدُ (2) بن إبراهيمَ المَهْريُّ، بِجَائيٌّ، نزَلَ سَلَفُه مليكشَ (3)، إشبيليُّ الأصل من بني مرزقان (4) من أهلِها، أبو عبد الله، ابنُ إبراهيمَ والأصُوليُّ.
شَرَّقَ وأخَذَ بمِصرَ عن الرَّبَعيِّ والجَبّاب، وحضَرَ مجلسَ أبي الطاهر السِّلَفيِّ، ودرس قليلًا على أبي الطاهر بن عَوْف، ثم لم تُرضَ هنالك أحوالُه فأمَرَ أبو الطاهر بنُ عَوْفٍ بإخراجِه عن الإسكندَريّة، فأُخرِج منها مذمومًا، ولقِيَه أبو العبّاس بنُ عثمانَ المَلْيانيُّ (5) على مَقرُبةٍ من الإسكندَريّة، فلمّا لقِيَ أبو العبّاس أبا الطاهر بنَ عَوْف قال له: أين لقيتَ ذلك الزِّنديق؟
ولمّا قَدِمَ من المشرِق نزَلَ جزائرَ بني زغنا (6)، وأقام بها مدّةً، وأخَذ عنه [بها أبو موسى] القَزُوليُّ، ثم قَدِمَ مَرّاكُشَ فأخَذَ عنه بها جماعةٌ، منهم:[أبو عبد الله] ابنُ الجِذع، وأبو محمد بن حَوْطِ الله، وأبو يعقوبَ ابنُ الزَّيّات، [واستجازَهُ]
(1) ترجمته في التكملة (1851)، وستأتي ترجمته في هذا السفر رقم 188، وقد سرد المؤلف اسم المترجم هناك مع الرواة عن أبي عمر فقال: "وآباء محمد: ابن أحمد بن موجوال، وابن إبراهيم اللواتي
…
" وهو يخالف ما هنا إذ إنه يقتضي أن تكون كنيته "أبا عبد الله".
(2)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (1740)، والغبريني في عنوان الدراية 208، والذهبي في المستملح (346) وتاريخ الإسلام 13/ 348، والصفدي في الوافي 2/ 8، والمراكشي في الإعلام 4/ 169.
(3)
مليكش: قبيل من صنهاجة كانت لهم إيالة ببسيط متيجة قضى عليها بنومرين لما استولوا على المغرب الأوسط، وينسب إليها بعض الأعلام (العبر لإبن خلدون 6/ 128).
(4)
في الأصل: مرزبان، وهو تحريف، وبنو مرزقان: بيت إشبيلي نبيه، ومنهم الوزير أبو القاسم ابن مرزقان (الذخيرة 2/ 520، والمغرب 1/ 266، ونفح الطيب (الفهرس).
(5)
ترجمته في عنوان الدراية: 109.
(6)
هي عاصمة الجزائر اليوم.
ابنُ نَذِير فقال له: قد أبَحْتُ لك ما سألتَ فاجتهِدْ، فالاجتهادُ [مطلوب].
وأخَذَ عنه ببجَايةَ: أبو الحَسَن بنُ أبي نَصْر، وأبو عبد الله بنُ عبد الله بن [....](1).
وكان متحقِّقًا بعلم الكلام، متقدِّمًا في معرفةِ أصُولِ الفقه حتى شُهِرَ [بالأصُوليِّ] وعُنيَ طويلًا بـ "مُستصفَى" الغَزّاليِّ فأصلَحَ مختلَّه، وصَحَّحَ معتَلَّه، وعلَّق عليه [تعليقاتٍ] أفادَ بها، وتُنوقلَتْ عنه، وشُهِر بالعكوفِ على العلوم القديمةِ الفلسَفِيّة، وله حَظٌّ صَالح من الفقه، وكان أوّلَ قدومه على مَرّاكُشَ يحضرُ كثيرًا مجلسَ المنصُور، من بني عبد المؤمن، فيُعامِلُ المنصورَ بضُروبٍ من الجفاء، لا يحتملُ أخفَّها الأكْفاء، حتى أثَّر ذلك عندَه وأسرَّه لهُ في نفسِه، وكان ذلك من أقوى الأسباب التي اقتَضَت عندَه تعريضَه للعنِ الناس إيّاه، ونَصْبِه لبُصاقِهم في وجهِه معَ وسيلتِه في الارتسام بتلك الطريقةِ المشنوءة، [طريقةِ] أبي الوليد بن رُشْدٍ الصَّغير، حسبَما مَرَّ ذلك في رَسْمِه (2)، وسأله المنصُورُ حينئذٍ: هل نَظَرَ في العلم الذي نُكِبَ ابنُ رُشدٍ بسببه؟ فأقَرَّ بقراءتِه والأخْذِ فيه، معَ تحقُّقِه مما عليه في ذلك، فكان اعترافُه من الأسبابِ التي ألحقَتْه بابن رُشْدٍ في تلك الوَقِيعةِ الشَّنيعة، وتعجَّبَ المنصُورُ والناسُ جميعًا من إجابتِه المنصورَ بالحقِّ عمّا سألَهُ كائنًا فيه ما كان، وظهَرَ منه في هذه المِحنة من الجَلَد وثبوتِ الجأش وقوّةِ النفْس ما قضَى مشاهدوهُ منه العجبَ، ثم غُرِّب إلى أغمات فأسكِنَ بها، ولم يزَلْ فيها حتى عُفِيَ عنه، واستُقضِيَ عَقِبَ العفوِ عنه ببِجَايةَ، وقد كان استُقضيَ بها مرَّتَيْنِ، وبمُرْسِيَة، واستُنيبَ بمَرّاكُشَ، وكان يقولُ حين استُقضِيَ ببِجَاية في المرةِ الأخيرة: والله ما تقلَّدتُها رغبةً فيها ولا تغبيطًا بها، ولكنْ تسجيلًا على مُقلِّدِها إيّايَ بقبيح التناقُض الذي لا يَصدُرُ عمّن له مُسْكةُ عَقْل في توليةِ القضاءِ والفَصْل في الأحكام الشّرعيّة بينَ الناس مَن صَحَّت عندَه زَندقتُه واشتغالُه بعلوم الأوائل! واستقَرَّ قاضيًا بها مُدّة، صادعًا بالحقّ، جَزْلًا في أحكامِه،
(1) لعله أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المعافري القلعي. (عنوان الدراية: 79).
(2)
انظر الذيل 6/الترجمة 51.
عَدْلًا في قضائه، لا تأخُذُه فيه لوْمةُ لائم، ثم عُزِلَ سنةَ ثمانٍ وست مئة بعدَ تنكيلٍ كثيرٍ نالَهُ من والي بجَايةَ أبي عبد الله ابن يومورَ الهرغيِّ، وامتحانٍ شديدٍ كان منه ضربُ وَلَدِه (1) بَأليم السِّياط، وسَعَى في عَزْلِه فعُزِل، وقُدِّم أبو محمدٍ عبدُ الله ابن سكاتو (2) الجزائريُّ، فقال أبو عبد الله لمّا بَلَغَه ذلك: عَزَلوني ولم يُولُّوا أحدًا. وكُفَّ بصَرُه بأخَرة، وبقِيَ [ببِجَايةَ] إلى أن توفِّي بها في ذي الحجة سنةَ اثنتَيْ عشْرةَ وست مئة، وقد [ذكرتُه في رَسم أبي] الوليد بن رُشْد وأبي القاسم عبد المُنعم ابن تيسيت (3)، وسيُذكَرُ في رَسم [أبي عبد الله] بن عليّ بن مَرْوانَ (4) إن شاء الله.
74 -
محمدُ بنُ [أبي](5) يحيى أبي بكر بن خَلَف بن فَرَج بن صافٍ الأنصاريُّ، مَرّاكُشيٌّ، قُرطُبيُّ الأصل قديمًا، فاسِيُّه حديثًا، أبو عبد الله، ابنُ المَوّاق (6).
[رَوى عن أبي] أُميّةَ بن عُفَيْر، وأبي بكرٍ يحيى بن عبد الرّحمن بن ثابت، وآباءِ الحَسَن: ابن القَطّان -ولازَمَه واختَصَّ به- وابن قُطْرال ومحمد بن سَلمون، وأبي ذَرّ بن أبي رُكَب، وأبي الرّبيع بن سالم، وآباءِ عبد الله: ابن خَلْفون وابن دادوش والشّارِّيِّ، وأبَوي العبّاس: العَزَفيِّ والنَّبَاتيِّ، وأبي عليّ الرُّنْديِّ، وأبي
(1) ساق بعض أخباره وأشعاره التجاني في رحلته، واسمه أبو زيد عبد الرحمن الأصولي (انظر ص 269 وص 378)، وترجمه النيفر في كتابه عنوان الأريب 1/ 66 فقال:"عالم جليل وشاعر نبيل، انتفع الناس بعلمه إقراءً وتأليفًا"، وقد سكن تونس ومدح أبا زكريا الحفصي وألف كتاب "تبكيت الناقد"، كان حيًّا سنة 630 هـ.
(2)
ترجمته في التكملة (2209)، وعنوان الدراية: 145، والمستملح (507).
(3)
يشير إلى ترجمته في سفر الغرباء المفقود. وللمذكور ترجمة في التكملة (2554)، وجذوة الاقتباس رقم (476).
(4)
سيعرض المؤلف لما كان بينهما من خصومة انظر رقم 129.
(5)
ناقصة في الأصل، وأبو يحيى كنية والد المترجم أما أبو بكر فهو اسمه.
(6)
هو ولد القاضي أبي بكر المترجم في التكملة (596)، وتاريخ الإسلام 12/ 1189، وجذوة الاقتباس رقم (27)، وسلوة الأنفاس 1/ 224. أما المترجم فلم نقف على ترجمته في مكان آخر.
القاسم بن بَقِيّ، وأبي محمدٍ عبدِ الحقِّ الزُّهْريّ، وأبي مَرْوانَ الباجِيّ، وأبي الوليد ابن الحاجّ.
رَوى عنه أبو بكر بن عثمانَ ابن السِّجِلْماسيّ، وأبو جعفر بن محمد بن عبد الحميد، وأبو الحَجّاج بن عليّ ابن عشَرة، وأبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ شيخُنا (1)، ومحمد بن عَتِيق بن عليّ، وأبو الخَطّاب سَهْلٌ ابن زغبوش، وأبو زكريّا بن عبد الله بن يعقوب، وأبو عبد الرّحمن عبدُ الله بن زغبوش، وأبو الفَضْل الغَرابِيليُّ، وأبوا محمد: ابنُ قاسم الحَرّار وابنُ مَطْروح.
وكان فقيهًا، حافظًا محدِّثًا، مقيِّدًا ضابِطًا مُتقِنًا، نبيلَ الخَطّ بارعَهُ، ناقدًا محقِّقًا، ذاكرًا أسماءَ الرِّجال وتواريخَهم وأحوالَهم، وله تعقُّبٌ على كتابِ شيخِه أبي الحَسَن ابن القَطّان الموسُوم بـ "بيانِ الوَهْم والإيهام الواقعَيْنِ في كتاب الأحكام"، جَمْعَ أبي محمدٍ عبد الحقِّ ابن الخَرّاط الجاري عليه اسمُ "الأحكام الكُبرى"، ظهَرَ فيه إدراكُه ونُبلُه ومعرفتُه بصناعةِ الحديث، واستقلالُه بعلومِه، وإشرافُه على عِلَلِه وأطرافِه، وتيقُّظُه، وبراعةُ نَقْدِه واستدراكِه (2).
وقد عُنِيتُ بالجَمْع بينَ هذينِ الكتابَيْن مضافَيْنِ إلى سائرِ أحاديثِ الأحكام، وعلى ترتيبِها، وتكميل ما نَقَصَ منهما، فصار كتابي هذا من أنفَع المصنَّفات، وأغزَرِها فائدةً، حتى لو قلتُ: إنه لم يؤلَّفْ في بابِه مثلُه؛ لم أُبعِدْ، واللهُ ينفَعُ بالنِّية في ذلك.
ولأبي عبدِ الله أيضًا مصنَّفاتٌ غيرُ ما ذُكِر، منها: شيوخُ الدارَقُطنيّ، وشَرحُ مقدِّمة صحيح مسلم، ومقالاتٌ كثيرةٌ في أغراضٍ شَتّى حديثيّةٍ وفِقْهيّة، وتنبيهاتٌ مفيدة، ووقَفْتُ على جُملةٍ من شَرْح "الموطَّإ"[له] في غاية النُّبل وحُسنِ
(1) لم يعده من شيوخه في البرنامج.
(2)
ورد اسمه في رحلة ابن رشيد هكذا: "المآخذ الحفال، السامية عن مآخذ الأغفال، في شرح ما تضمنه كتاب الوهم والإيهام من الإخلال والإغفال، وما انضاف إليه من تتميم أو إكمال".
الوَضْع (1)، وكلُّ ذلك شاهدٌ بوفورِ مَعارفِه وتبريزِه، واستُقضيَ ببَلَنْسِيَةَ، وفاسَ. [ومَولدُه بها] سنةَ ثلاثٍ وثمانينَ وخمس مئة، ونشَأَ بمَرّاكُشَ واستَوطَنَها، [وبها توفِّي] سنةَ ثِنتينِ وأربعينَ وست مئة.
75 -
محمدُ بن أبي بكر بن [رَشِيد (2)، جمالُ الدِّين] أبو عبد الله البغداديُّ، ويُذكَرُ أنّ أصلَه من قَصْر كُتَامةَ (3).
رَوى ببغدادَ عن أبي إسحاقَ إبراهيمَ بن سَعِيد الأنصاريِّ أحدِ أصحاب ابن الجَوْزيّ، وبدمشقَ عن أبي عبد الله بن عبد الوهّاب الواعِظ ابن [الحَنْبَلي](4)، وبالأندَلُس عن أبي يحيى عبد الرّحمن بن عبد المُنعم ابن الفَرَس (5)، رَوى عنهُ بمَرّاكُشَ [عبدُ الحقِّ] بن رَشِيد، وأبَوا محمدٍ: عبدُ الواحِد بن أبي زَيْد بن أبي زكريّا بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن وابنُ مخلوفِ بن موسى المَشّاطُ القاضي (6)، وطائفةٌ من أصحابِنا، وبمِصرَ: جمالُ الدِّينِ عثمانُ بن فَتْح الدِّين أبي العبّاس
(1) من مؤلفات ابن المواق التي لم يسمها المؤلف: "بغية النقاد" في أصول الحديث، ذكرها صاحب كشف الظنون ونقل عنها شراح ألفية العراقي ويوجد قسم منها في خزانة الإسكوريال وكان الكتاب موجودًا في خزانة القرويين. انظر فهرس خزانة القرويين 2/ 504.
(2)
ضبطه المديوني الجادري في شرح البردة بفتح الراء وكسر الشين (فهرس خزانة القرويين 2/ 217).
(3)
هذه أو في ترجمة لدينا لهذا الواعظ الشهير المغربي الأصل، وعليها اعتمد الأستاذ كنون في مقالته القيمة المنشورة في مجلة البحث العلمي، العدد (7).
(4)
سترد ترجمته في هذا السفر انظر رقم 121.
(5)
ترجمته في التكملة (2360).
(6)
هو أبو محمد عبد الواحد بن مخلوف بن موسى الهزميري المشاط ولي القضاء بمراكش في عهد المرتضى الموحد سنة 654 هـ بعد وفاة القاضي قبله أبي بكر ابن حجاج. انظر السفر السادس: الترجمة 40 وممن روى عن ابن رشيد خطيب تلمسان أبو عبد الله محمد بن علي بن الجمال قال تلميذه المقري الجد: حدثني أنه تاب بين يديه لأول مجلس جلسه بتلمسان سبعون رجلًا (نفح الطيب 5/ 242).
أحمدَ بن عُثمانَ بن هِبة الله بن أحمدَ بن عَقِيل القَيْسيُّ ابنُ أبي الحَوافِر، وأبو عليّ الحَسَن بن الحَسَن بن عَتِيق ابن مكسورِ الجَنْب بمحضَرِ مُحيي الدِّين محمد بن محمد بن سُرَاقة.
وسمِعتُ منه كثيرًا، وجالستُه طويلًا، وحاضرتُه وذاكَرْتُه، ورُزِقتُ منه قَبولًا كثيرًا، ولزمتُ شهودَ مجالسِ وعظِه، وكانتِ القلوبُ تنفعلُ كثيرًا لكَلامِه، وترِقُّ لمَوْعِظتِه، وتتأثرُ لتذكيرِه، وكان أغزَرَ الناسِ دمعًا، إذا رَقِيَ لمِنبَر وَعْظِه لا يتمالكُ أن يُرسِلَ دموعَه فيؤثِّرَ عندَ الحاضرين من الخُشُوع والخَشْية وسَكْبِ الدموع ما لا مَزيدَ عليه، وكان يتَولَّى إنشاءَ خُطَبه التي يَفتتحُ بها مجالسَ وَعْظِه وقصائدَه المطوَّلةَ التي يختتمُها بها، وكان سَريعَ الإنشاءِ لذلك كلِّه، وكلامُه نظمًا ونثزا مؤثِّرٌ في نفوسِ سامعيهِ على ما فيه من لِين، وسمعتُه غيرَ مرّة يقول: إنّ ذَوْقَه لا يُساعدُه على النظم في وزنِ عَروض من أعاريضِ الشِّعر ما خَلا الطّويلَ، هذا على اتّساع حفظِه وحضورِ ذكْرِه فنونَ الشِّعر على اختلافِ أوزانِه، وله قصائدُ سمّاها:"الوتَريّة، في مَدْح محمدٍ أشرفِ البرّية"(1) كلُّ قصيدة منها أحدٌ وعشرونَ بيتًا، مفتتَحة أبياتُها بحروفِ رَوِيِّها ضَمَّنَها مَدْحَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإيرادَ بعضِ مُعجزاتِه، تَقبَّلَ اللهُ عمَلَه، وأنْجحَ أملَه.
وممّا يُغبَطُ بهذه الوَتَرِيّات وَيشهَدُ بصدقِ نيّتِه فيها ويُحَرَّضُ على حفظِها وروايتِها، وُيرغَّبُ في دراستِها واستعمالِها، ما حكاهُ رحمه الله من أنه قال: رأيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ فراغي من تبييضِها وهي في يدِه صلى الله عليه وسلم ومعَه جماعةٌ من أصحابِه رضي الله عنهم، لم أعرِفْ فيهم غيرَ أبي بكرٍ، رضي الله عنه وعنهم أجمعين، [فلمّا رآني]صلى الله عليه وسلم قام إليّ ضاحكًا كالمُستبشِر بي، ثم جَعَلَ يَدفَعُها إلى [جماعةٍ] من
(1) ذكرت في كشف الظنون، وقد عارضها وخمسها وشرحها بعض الأعلام وطبعت في المغرب والمشرق، والوتريات من المحفوظ المتداول في بلاد المغرب وممن لهم وتريات أيضًا أبو الحسن علي بن بلال (ت 681 هـ) وأبو زيد عبد الرحمن المكودي (رحلة التجاني: 271 - 272، وفهرس خزانة القرويين 2/ 217).
أصحابِه، وأوّلُ مَن بَدَأَ منهم به أبو بكر، رضي الله عنه وعنهم أجمعين، [وكان]صلى الله عليه وسلم يقولُ لهم: انظُروا بأيِّ شيءٍ قد مُدِحتُ، وماذا قيل فيّ .... وقَعَتْ منهُ صلى الله عليه وسلم .... فاستيقَظْتُ فرحًا مسرورًا بما أعطاني .... وكانت هذه الرُّؤيا بمَرّاكُشَ. ثم بعدَ ذلك إلى ما يُقارِبُ ثلاثَ سنين [كنتُ أُعيدُ] نَظَري فيها وأزيدُها ترقيقًا وتنميقًا، وأدخَلتُ فيها من غرائبِ مُعجزاتِه صلى الله عليه وسلم ما لم أكنْ أدخَلتُهُ أوّلَ مرّة، فبينَما أنا ذاتَ ليلةٍ أكتُبُ في حرفِ الميم، وقد تعرَّضتُ فيه لمِعراجِه صلى الله عليه وسلم، وكنتُ قد أكثرَتُ في معظَم قصائدِها من ذكْرِ المعراج؛ لِما فيه منَ العجائب، إلّا أنّي لم أذكُرْ حديثَ جِبريلَ عليه السلام، ووقوفَه في الموضِع المعلوم، وقولَه لرسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: ها أنت وربُّك، وزَجَّه في النُّورِ زَجّةً، ففكّرتُ في نَظْم ذلك المعنى، فيسَّرَه اللهُ عليّ في أربعةِ أبيات، وأدخلتُها في حرفِ الميم، ثم رقَدتُ باقيَ اللّيل، فرأيتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقولُ لي: إنّ اللهَ قد شَفّعَني في أهلِك وزوجِك وخادمِك، وفي جميع أصحابِك، مُشيرًا إليّ بمُسَبِّحتِه صلى الله عليه وسلم، فاستيقَظتُ وبي من الفَرَح والسُّرور ما لا يعلَمُه إلّا الله عز وجل، ويحِقُّ لي، فازدَدْتُ بها غِبطةً على غِبطة، فلله الحمدُ على كلِّ نعمةٍ عمومًا، وعلى ما ألهَمَ إليه من مَدْح حبيبِه صلى الله عليه وسلم خصوصًا، وكانت هذه الرؤيا بغَرْناطة.
وكان فقيهًا شافعيُّ المذهب، نَظّارًا فيه، حَسَنَ المأخَذ في الاحتجاج لهُ، متوقِّد الخاطِر، ذكيًّا يَقِظًا محبًّا في العلم مُنصِفًا في المناظرةِ والمباحثة، لا يكادُ يُخلي محاضرَهُ من مفاوضةٍ علميّة ومُذاكرةٍ وبحثٍ ومساءلة، على ذلك عَرَفْناه، وكثيرًا ما كان يُتعرَّضُ له في مجالسِ وعظِه بالرِّقاع مضمَّنةً أسولةً عَوِيصة، فيَصدُرُ عنه من سُرعةِ الجواب عنها وحُسنِه وإيضاح خَفِيِّها وحلّ مُشكلِها ما يَقضي منه العَجَب، شاهدتُ منه في ذلك كثيرًا، وقصَدتُ الإغماضَ غيرَ مرّة أنا وجماعةٌ من أصحابِنا في كثير من الأسولةِ التي كنّا نُودِعُها الرِّقاعَ المرفوعةَ إليه، فيأتي [في أجوبتِها بما يَبهَرُ] الحاضرينَ سُرعةَ بديهةٍ، وحُسنَ ترتيبٍ وحَشْدَ [نُقول، ثم يَخلُصُ] إلى ما كان فيه من وَعْظِه.
وورَدَ خبَرُ الحادثة الشَّنعاءِ [الكائنة] على بغدادَ (1) وهُو حينَئذٍ بمَرّاكُش، وكان يَذكُرُ أنه خَلَفَ ببغدادَ [نِسوةً قد كبِرْنَ](2)، وكان يقولُ حينَئذٍ في مجالسِ وعظِه: واأسَفَا للمصيبةِ [العامّة بالمسلمين] والخاصّة بي! وكان قدومُه على مَرّاكُشَ صدرَ خمسٍ وخمسينَ وست مئة.
[ومَدَحَه] بعضُ أُدبائها بقصائدَ شكَرَها لهم ووقَعَتْ موقعَ استحسانٍ وسرورٍ [عندَه]. فممّا رأيتُ إثباتَه منها هنا قصيدةُ الأديب الكاتبِ البارع أبي موسى هارونَ بن عبد الله بن محمد بن هارونَ السُّمَاتيِّ الإشبيليِّ (3) نزيلِ مَرّاكُشَ رحمه الله، وهي [من الطويل]:
أواعِظَنا جَلّتْ لدينا بكَ النُّعمى
…
فنِلنا الذي كنّا نَهيمُ به قِدْما
وأهدَتْ لنا بغدادُ منكَ غريبةً
…
فلله ما أبهَى سَناها وما أسمى
حديقةَ فضلٍ أينَعَتْ زَهَراتُها
…
فقد حَسُنت مَرأًى وفاحت لنا شَمّا
فلا انتقَلت عنّا ظلالُ نعيمِها
…
ففي كلِّ حينٍ تُثمرُ العِلمَ والفهما
مواعظُ تَسرِي في النفوسِ لطافةً
…
فتُبرِئُ من داءِ السَّقام بها سُقما
لقد هتَكَتْ حُجْبَ القلوبِ وإنّها
…
بلُطف معانيها لَتستنزِلُ الغَمّا
وقمتَ بحقِّ الله في وعظِنا فلم
…
تدَعْ غَرَضًا إلّا بَرَيْتَ له سهما
وأرسلتَها نحوَ القلوبِ، فكلُّها
…
أصاب -لَعَمْري- مقتلَ الغَيِّ أو أَدْمى
(1) هي كائنة التتر المشهورة الواقعة سنة 656 هـ، قال بشار: ونحن فارقنا الأوطان بعد الكائنة العظمى بتغلب العدو الأمريكي الكافر على البلاد، أعادها الله إلى المسلمين.
(2)
كلام ممحو في الأصل تظهر منه بعض الحروف وتجدر الإشارة إلى أن الواعظ ابن رشيد خلف ولدًا يبدو أنه عاش في المغرب وتوفي به جاء في وفيات الونشريشي: "وفيها (أي في سنة 679 هـ) توفي الفقيه العدل أبو العباس أحمد ابن المحدث الراوية أبي عبد الله محمد ابن رشيد البغدادي"(ألف سنة من الوفيات: 179 تحقيق محمد حجي).
(3)
تقدمت الإشارة إليه، انظر الترجمة رقم 31.
كشفتَ عن التنزيل حُجْبَ حقائقٍ
…
وأبديتَها حتى لَأبصَرَها الأعمى
فكم آيةٍ أوضَحْتَ خافيَ سرِّها
…
فلاحَ سَناها للنُّهى قمرًا تَمّا
وكم مُشكلٍ حلَّيتَهُ بلطائفٍ
…
من الفِكْر، لولاها لأوسَعَنا كتْما
وأبدَيتَ في عِلم الحديثِ غَوامضًا
…
وحلَّيتَها الأوضاحَ إذْ غودرَتْ بُهْما (1)
إذا ما اعتمدتَ النقلَ فالبحرُ زاخرٌ
…
وقَدْرُك أعلى أن أقيسَ به اليمّا
ومهما نحَوْتَ الرأي فالزَّندُ ثاقبٌ
…
فسهمُكَ إن تُرسِلْه في غرضٍ أصمى
لكَ الهمّةُ العُليا فلا ترضَ خُطّةً
…
ولو عَظُمت قَدْرًا فزاحَمتِ النَّجما
طُبِعتَ ذَكاءً إذْ فؤادُك جَذْوةٌ
…
تأجَّجُ لم تطعَمْ ضِرامًا ولا فَحْما
حوى من فنونِ العلم ما أعجَزَ الوَرى
…
فلله منها ما حَواهُ وما ضَمّا
تبارَكَ من سَوّاكَ خَلْقًا وقد حَشَا
…
فؤادَك ........................
وأيَّدَ منكَ النُّطقَ بالحِكَم التي
…
على كلِّ قلبٍ خائفٍ [وقعَتْ سِلما]
أيا ديمةً تنهَلُّ سَكْبًا بكلِّ ما
…
يُروِّي العِطَاشَ الِهيمَ منا ....
لقد رَوَّضتْ منّا القلوبَ وأطلَعَتْ
…
بها ثمَرَ التقوى فتهنئُنا ....
لطائفُ وَعْظٍ بل هي السحرُ كلَّما
…
سَمِعناه أيقاظًا ظننّا بنا حُلْما
وأرواحُ أذكارٍ تلاقَتْ جسومُنا
…
بها فكأنّ الرُّوحَ ماسكٌ [الجِسما]
وإنّ لواءَ الفقرِ لمّا نشرتَهُ
…
مشَى الفقراءُ تحتَه كلُّهمْ قُدْما
أريتَهمُ التحقيقَ حِسًّا فأدرَكوا
…
ولم يَطمَعوا أن يُدرِكوا كُنهَهُ وَهْما
بعلمِكَ عَزُّوا فالزّمانُ وأهلُهُ
…
لهمْ أصبحوا حَرْبًا فصاروا لهمْ سِلما
فكلٌّ -لَعَمْري- أُشرِبَ الفقرَ قلبُهُ
…
ولهوُ الغِنى للنفسِ يا خيرَ ما أمّا
(1) الأوضاح: حلي من فضة، وبهم: مظلمة.
أيا ابنَ رَشِيدٍ أنت رُشدٌ لمُهتدٍ
…
فقد وَفَر الرّحمن منه لك القَسْما
ملكتَ نظامَ القولِ في كلِّ مذهبٍ
…
وأبدَعتَ حتى النثرَ مُلِّكتَ والنَّظما
إذا الخَصْمُ أدلَى بالحِجَاج مُناظِرًا
…
فأنت بأدنَى حُجّةٍ تقطَعُ الخَصْما
فدَتْك نفوسٌ قصَّرت عنك لم تجِدْ
…
لهم في فنونِ العلم إن سُئلوا عَزْما
فضضْتَ خِتامَ الحُجْبِ عن كلِّ غامضٍ
…
وقد عَجَزوا عن أن يَفُضُّوا له خَتْما
ألايا جمالَ الدِّين يا فخرَهُ، لقد
…
أصابَ الذي سَمّاك في كلِّ ما سَمَّى
فيَصدُقُ كلُّ اسمٍ جليلٍ عليك إذْ
…
مُنِحتَ بما أحرَزْتَه مَفْخَرًا جَمّا
مدحتُك إذْ بيني وبينَكَ نسبةٌ
…
فغُربتُنا كان القضاءُ بها حَتْما
جلاءٌ عن الأوطانِ شتَّتَ شمْلَنا
…
فهل أرَيَنَّ الدّهر يُوسِعُه نَظْما؟
ببغدادَ هام القلبُ منكَ وحبُّها
…
لعَمْرُك حبٌّ خالَطَ الدَّم واللَّحما
فهل حاكمٌ يُعدي على الدهرِ إنهُ
…
على كلِّ حالٍ يؤْثرُ الجَوْرَ والظُّلما
ويا غُربةً دامت وشَطَّ مَزارُها
…
كفاكِ فقد قطَّعتِ قلبَ الشَّجيْ كَلْما
إذا ما الغريبُ الدارِ هَمَّ بأوْبةٍ
…
هَمى الدمعُ من أجفانِهِ كلّما هَمّا
عسى فَرَجٌ يُدني المُنى فلعلّها
…
تُنفِّسُ عنّا البثَّ والحُزنَ والغَمّا
بقِيتَ مُلقًّى ما تشاءُ مُحسَّدًا
…
موَقًّى من المحذورِ متّصلَ النُّعمى
[ولا زال قَطْرُ الغيثِ يهطُلُ] ديمُهُ
…
على مَن أعزَّ العُربَ إذ وقَمَ العُجْما (1)
[ومنها قصيدةٌ] للسيِّد الجليل، المشارِكِ النّبيل، أبي محمدٍ عبد الواحِد بن أبي زَيْد عبد الرّحمن بن أبي زكرّيا بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن (2)، وهي هذه [من البسيط]:
(1) وقم: أذلّ.
(2)
لم نقف له على ذكر، ووالده أبو زيد كان عاملًا على إفريقية لعمه يوسف بن عبد المؤمن، وأخباره في العبر لإبن خلدون والمعجب للمراكشي والبيان المغرب وغيرها.
أهلًا وسهلًا بمَن أهدَتْه بغدانُ
…
ومرحبًا مَرْحبًا حيّاهُ رضوانُ
[إنْ فارَقَ] الرَّيَّ رَيّاها لفُرقتِهِ
…
وأخرِسَتْ بعدَه حُزنًا خُراسانُ
[أو] واصَلتْ مَوصِلٌ فيه الأسى وبهِ
…
قد غادرت قلبَها حَرّانَ حَرّانُ
وصيَّرت عَيْشَها كالشريِ مِن وَلَهٍ
…
وكان كالأرْيِ حُلوًا منه حُلوانُ
وعمَّ مَن بعُمانَ الشّجوُ واتّسمت
…
من بعدِ نعمتِها بالبُؤس نُعمانُ
وفاهَ هاتفُ وادٍ للأراكِ متى
…
أراك تدنو وهل للقُربِ إمكانُ
والطَّلحُ عاد طُلَيْحًا من تلفُّتِه
…
وأنّ إذْ بانَ يشكو بيْنَهُ البانُ (1)
فإنّ حضَرْتَنا تفتَرُّ من جَذَلٍ
…
به إذا فرِحت ما ضَرَّ لَهْفانُ
أمَا سمِعتَ بقولِ ابن الحُسَين (2) وما
…
قد جاء في الشِّعر حُكمٌ وهو تِبيانُ؟
إيهِ رَعَى اللهُ إخوانًا به سَمَحوا
…
لنا فنحن لهُ في الدِّينِ إخوانُ
ونحن جيرانُهُ من بعدِ جيرتِهِ
…
ببابِ جيرونَ لا يفقدهُ جيرانُ (3)
وما إخالُكِ يا بغدادُ عن مللٍ
…
رَمَت بهِ منكِ نحو الغَرْب أوطانُ
لكنْ جَرى القلمُ الأعلى بذاكَ وما
…
أجراهُ يَجري ولا يعدوهُ إنسانُ
إنّي سمَحتُ بعِلقٍ نظمُهُ دُرَرٌ
…
من المعارفِ لا درٌّ وعِقيانُ
بحرٌ ولكنّهُ عذبٌ جَواهرُهُ
…
أصدافُها شقَّقتْها منه أذهانُ
يُبدي الجَليَّ من المَخْفيِّ منطِقُهُ
…
كأنّ ألفاظَه للسِّحر خَزّانُ
معنًى رقيقٌ ولفظٌ زانَهُ زجَلٌ
…
جَزْلٌ يُسدِّدُه للعقل برهانُ
(1) بغدان: لغة في بغداد، والري وخراسان والموصل وحران وحلوان وعمان ونعمان والأراك والطلح: أسماء بلدان وأماكن معروفة وللممدوح بها صلة، ولجأ إليها الشاعر للتلاعب بالجناس.
(2)
لعله يقصد به المتنبي ويشير إلى قوله الجاري مجرى الأمثال: مصائب قوم عند قوم فوائد.
(3)
يشير إلى مقام الشاعر في دمشق.
تجمَّعتْ فيه أشياءٌ محاسنُها
…
تَفُوقُ عدًّا إذا ما عُدّ ديوانُ
إذا بدا صاعدًا أدراجَ مِنبِرِهِ
…
غارَتْ عليه من الأبصارِ آذانُ (1)
وإن تكلَّمَ غار العينُ من حسَدٍ
…
فاعجَبْ فبينَهما في ذاك شَنْآنُ
طَوْرًا يعلِّمُنا، طَوْرًا يُخوِّفُنا،
…
طَوْرًا يُرجِّي، فهذا الوعظُ ألوانُ
يا واعظًا بَهَرتْ حُسنًا مَواعظُهُ
…
عليك لا زال للرّحمنِ إحسانُ
ذكَّرتَ غافلَنا، علَّمتَ جاهلَنا
…
حلَّيتَ عاطلَنا [فالكلُّ فرحانُ]
تَصوبُ من وعظِك الأجفانُ واكفةً
…
كما يَصُوبُ لصوتِ [الرعدِ هَتّانُ؟]
أُيِّدتَ بالصِّدق في قولٍ وفي عملٍ
…
فللدموع إذا أسمعتَ طُوفانُ
كما تأيَّد في نَظْم العَرُوضِ وقد
…
دَعَا الرسولَ برُوح القُدْس [حسّانُ]
كم من شرُودٍ أخي غَيٍّ إلى رَشَدٍ
…
قادَتْهُ يا ابنَ رَشيدٍ منك أرسانُ
رأى ولولاك لم تُبصِرْ بصيرتُهُ
…
وكيف يُبصرُ وجهَ الرُّشد عَمْيانُ
فأنت أنت جمالُ الدِّين لا كذِبٌ
…
لا جَحْدَ في ذاك، إنّ الجَحْدَ كُفرانُ
لله قومٌ بهذا لقَّبُوكَ وقد
…
تحَرَّوا الصِّدقَ، حُيُّوا حيثما كانوا
عُذرًا فديتُكَ لم أُحْصِ الذي لكَ، هل
…
يُحصي الحَصىَ ونجومَ اللّيل حُسْبانُ؟
أنَّى ولو قاسَها قُسٌّ لقَصَّر، أو
…
أجرى لها طَرْفَهُ لم يُجرِ سَحْبانُ
فكيف والطّبعُ لم يُطبَعْ، فُدِيتَ على
…
ما يَرتضيه حديدُ القلبِ يَقْظانُ
لكن جعلتكِ (2) أبياتي مقدِّمةً
…
تَرتادُ لي موردًا، إنّي لصَدْيانُ
(1) يذكرنا وصف الشاعر الأمير مجلس الواعظ ابن رشيد بوصف الرحالة ابن جبير مجلس الإمام الواعظ ابن الجوزي في بغداد.
(2)
في الأصل: "جعلت" ولا يستقيم البيت بها.
تبوحُ بالحُبِّ إذ قال الرسولُ: إذا
…
أحَبَّ؛ واذكُرْهُ لا يَصْحَبْكَ نسيانُ
ورغبةً في دعاءٍ منكَ مُبتهِلًا
…
في أن يُباحَ معَ الزُّوّارِ إتيانُ
إن الشّفيع الذي من جاء ناديَهُ
…
مستغفرًا ظالمًا قِراهُ غفرانُ
تدعو ثلاًثا بها والناس كلُّهمُ
…
يؤمِّنون، فربُّ الناس مَنّانُ
صلى الإلهُ عليه كلّما طلَعَتْ
…
شمسٌ وما تُلِيَت آيٌ وقرآنُ
وخصَّهُ بسَلام ما سَرَى فَلَكٌ
…
مسخَّرٌ، ورَسَا رَضْوى وثَهْلانُ
وأقام بمَرّاكُشَ مدّة، ثم رَحَلَ إلى الأندَلُس، ودَخَلَ غَرْناطةَ وغيرَها من بلاد الأندَلُس، ووَعَظَ بها، ثم كرَّ راجعًا إلى مَرّاكُش فبقِيَ فيها مُدّة، ثم فَصلَ عنها مشرِّقًا، فحَجَّ حجّةَ الفريضة، وقَفَلَ إلى المغرِب مؤمِّلًا الوِفادةَ على مَرّاكُش، فتوفِّي بتونُسَ عقِبَ صلاةِ الجُمُعة لليلةٍ بقِيَتْ من محرَّمِ ثلاثٍ وستينَ وست مئة.
76 -
محمدُ (1) بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاريُّ، تلمسينيٌّ وَشْقيُّ الأصل، أبو عبد الله البُرِّيُّ.
وهو أخو شيخِنا أبي إسحاقَ التلمسينيِّ (2) وكبيرُه. رَوى ببلدِه عن أبوَيْ عبدِ الله: عبد الرّحمن التُّجِيبيِّ، وابن عبد الحقّ. وبالأندَلُس عن أبي بكر بن محمد بن مُحرِز، وأبي الحَسَن سَهْل بن مالك، وأبي الرّبيع بن سالم، وأبي عبد الله [ابن الأبّار، وأبي المُطرِّف] ابن عَمِيرةَ وغيرِهم، وبمَنُرقةَ عن أبي عُثمانَ سَعِيد [بن حَكَم.
رَوى عنه غيرُ] واحدٍ، وحدَّثنا عنه أبو محمدٍ مَوْلى سَعِيد بن حَكَم. وكان [مُعتنيًا بالأنسابِ] والحِفظِ لها، ذا مُشاركةٍ في الحديثِ ورجالِه، وحَظٍّ من [النَّظم].
(1) أخباره وأشعاره في زواهر الفكر لإبن المرابط (مخطوط الإسكوريال)، وله ترجمة في صلة الصلة 3/ الترجمة 33.
(2)
هو صاحب الأرجوزة الشهيرة في الفرائض، له ترجمة في الديباج 1/ 274 نقلًا عن ابن عبد الملك وابن الزبير، وبرنامج الوادي آشي: 114، ودرة الحجال: 177، وشجرة النور الزكية: 202، والإحاطة 1/ 326.
وله مصنَّفاتٌ مفيدةٌ، منها:"الجَوْهرة في نَسَبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه] العشَرة"(1)، ومنها:"العُمْدَة في ذكْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والخُلفاءِ بعَده"[في نُسختَيْن] ، إحداهُما أكبرُ من الأخرى (2)، وفي صُغراهُما يقول -ونقَلتُه من خطِّه-[من مجزوء الرجز]:
[هذا كتابُ] العُمدةِ
…
للذِّكرِ خيرُ عُدّةِ
مُشرِّفٌ في مَلإٍ
…
مؤنِّسٌ في وَحدةِ
[وفي الأخرى] يقولُ -ونَقلتُه من خطِّه أيضًا-[من السريع]:
الحمدُ لله على عَوْنِهِ
…
في وَضْع هذا الجامع المُختصَرْ
ما أعظمَ النفْعَ به لامرئ
…
على اطّلاعٍ [ليس فيه] قِصَرْ
(1) في زواهر الفكر: 43 أنه رفعه إلى خزانة أبي عثمان بن حكم حاكم منرقة ولما رفعه إليه أحاله على أبي القاسم بن يامن ليرى رأيه فيه وقال يخاطبه:
عساك تشقه لترى
…
منازعه وتختبرا
فإما أن نفهرسه
…
وإما أن ترى ونرى
ولم أفرغ لأنظره
…
ومثلك من كفى النظرا
وقد نشر الدكتور محمد التونجي طرفًا من هذا الكتاب (مكتبة النوري، دمشق، 1982 م) ولكنه لم يذكر أي شيء فيما يتعلق بمؤلف الكتاب. وللدكتور أحمد الضبيب كتابة نقدية لما نشره الدكتور التونجي.
(2)
وردت الإشارة إلى النسختين وتسميتهما في برنامج التجيبي كما يلي "كتاب العدة، المختصر من كتاب العمدة، في نسب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، كلاهما من تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني نزيل جزيرة منورقة (في المطبوع ميورقة) جبرها الله تعالى ورحمه، المعروف بالبري"(انظر بروكلمان، ذيل 1/ 881 فقد سمى من مؤلفاته التي لم يسمها المؤلف: كتاب وصف مكة والمدينة وبيت المقدس، وبرنامج التجيبي: 266. تحقيق عبد الحفيظ منصور).