الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشَدَني الشّيخُ أبو محمدٍ حَسَن ابنُ القَطّان رحمه الله، قال: أنبأني أبو الخَطّاب -يعني هذا- إجازةً، وأنشَدَنيه عنه صاحبُه أبو إسحاقَ ابنُ الواعِظ، قال: أنشَدَني أبو الخَطّاب [ونَسَبَها] لنفسِه [من البسيط]:
[.....] تَأتّى أن يكونَ لهُ .... مالٌ فذلك أعلى الناسِ مِقدارا
[....] الأيدي مقدارَ ثروتهِ
…
يَزيدُ منزلةً ما زاد دينارا
[.......] ولائم على عَدَم
…
إنّ الفَتى لم يزَلْ للعَيْبِ سَتّارا
[فعِشْ](1) فتًى همُّه إعلاءُ همّتِهِ .... واستغفِرِ الله تلْقَ الله غفَّارا
وُلد ببَلَنْسِيَةَ سنةَ ستٍّ وأربعينَ وخمس مئة، وتوفِّي بالقاهرة لأربعَ عشْرةَ خَلَت من ربيعٍ الأول سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ وست مئة. وقال ابنُ الأبار: بَلَغَني أنه توفِّي بالقاهرة سنةَ أربع وثلاثينَ وست مئة. وقال ابنُ فُرتون: قبلَ الأربعينَ بيسير، قولَ من لم يضبِطْهُ.
24 -
عُمرُ (2) بن ذَمّام بن المُعتزِّ الضُنهاجيُّ اللَّمتُونيُّ، أبو حَفْص.
رَوى عن أبي عليّ بن سُكّرة.
25 - عُمرُ بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد بن إسماعيلَ بن جَمِيل بن نَصْر بن صِمع القُرَشيُ، كذا نقَلتُ نَسَبَه من خطِّه، تونُسيّ، نزَلَ مَرّاكُش، أبو حَفْص وأبو عليّ، ابنُ صِمع
.
وهو سبطُ المؤدِّب المشهورِ الفَضْل بتونُسَ أبي محفوظٍ مُحرِز (3) بن خَلَف بن يَربُوع التّميميِّ.
رَوى ببلده عن آباءِ حَفْص العُمَرَيْن: الأنبنونيِّ وابن محمد بن عبد السيّد الهاشِميّ وابن مَيْمونٍ الرَّبَعيِّ ابن الشّعريّة، وأبي ساكِن عامر بن محمد بن عامر
(1) محو في الأصل، ولعل الممحو قريب مما ذكرنا.
(2)
ترجمه ابن الأبار في المعجم في أصحاب الصدفي (251).
(3)
ترجمه القاضي عياض في ترتيب المدارك 7/ 264 - 269 (طبعة الأوقاف المغربية)، وكتاب مناقبه مع مناقب الجنباني منشور في بارس 1959 م، وتوفي سنة 413 هـ.
التّميميِّ واختَصّ به، وأبي الطاهر إسماعيلَ بن إبراهيمَ القُرَشيِّ ابن الحَدّاد، وآباءِ عبد الله المُحمّدِين: ابن أحمدَ بن عُمرَ الأنصاريِّ وابن طاهِر وابن عثمانَ المؤدِّب ابن الأربسيّ، وأبي العبّاس أحمدَ بن عليّ بن عبد الجَبّار الرَّسُوليّ ابن الخَارِجيّ، وأبي القاسم عبدِ الرّحمن بن عُمرَ بن يسيني، وآباءِ محمد: عبدِ الله بن أبي القاسم، وعبد الحقِّ بن عذارٍ السُّلَميِّ، وعبد السيِّد بن محمد بن عبد السيِّد شقيقِ أبي حَفْص المذكور، وبمَرّاكُشَ وغيرِها: عن أبي بكر ابن الجَدّ، وأبي جَعفر بن مَضَاء، وأبي الجَيْش مُجاهد، وآباءِ الحَسَن: ابن عبد ربه الصِّقِلِّي وابن مؤمن وابن هشام الجُذَاميِّ ونَجَبةَ، وأبي زكريّا المَرجِيقيّ، وآباءِ عبد الله: ابن حَمِيد وابن زَرْقون وابن عَمِيرةَ وابن الفَخّار، وأبي عبد الملِك مَرْوانَ بن عبد العزيز، وأبي العبّاس بن محمد النافِعيِّ، وآباءِ القاسم: ابن أيّوبَ بن تَمّام المالَقيِّ وابن حُبَيْش والسُّهيْليِّ، وآباءِ محمد: ابن عبد الله وابن عبد الرّحمن البَكْريِّ وابن محمدٍ التادَليّ وعبد المُنعم ابن الفَرَس، وأبي الوليد [.......].
[رَوى عنه أبو] الحَجّاج ابنُ الفَتْح، وأبو الحَسَن بنُ أبي إسحاقَ بن عبد العزيز .... وأبَوا عبد الله: ابنُ عبد الله بن عبد العزيز الخَرُوف [وابن .... وأبو] العبّاس بن محمد بن عبد الله بن العَزّام، وأبو يعقوبَ ابن الزَّيّات.
وكان [مُنصرِفًا عن] الدُّنيا زاهدًا فيها عن تمكُّن منها، مُجانِبًا خُلطةَ أربابِها [مائلًا إلى التقشُّف مقرِّبًا] للصّالحينَ، متواضِعًا جاريًا على سَنَن السَّلَف الصّالح، راويةً للحديث، من [أهل الضَّبْطِ] والعدالة فيما يَنقُل، متحقِّقًا بالفقه، كتَبَ الكثيرَ على ضعفِ خطِّه، وصنَّف في شواذِّ المذهبِ المالكيِّ مجلَّدًا لطيفًا.
توفِّي بعدَ الزّوال يومَ الجُمُعة لأربع بَقِين من جُمادى الأولى سنةَ ثمانٍ وتسعينَ وخمس مئة، وصَلّى عليه أبو زكريّا المَرْجِيقيُّ (1)، ودُفن إثْرَ عصرِ يوم السّبت تالي يوم وفاتِه بمقبُرة تامَرّاكُشتَ داخلَ مَرّاكُش إزاءَ شيخِه أبي عبد الله ابن الفَخّار بوصيّةٍ منه بذلك.
(1) منسوب إلى حصن مرجيق، وهو من حصون شلب.
قال أبو الحَجّاج ابنُ الفَتْح: رأيتُه رحمه اللهُ تعالى، يعني أبا حَفْص ابنَ صمع، في النّوم بعدَ وفاتِه، فقلتُ له: أين سُكناك؟ فقال: في حارةِ التوفيق (1).
26 -
عُمرُ (2) بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عُمرَ السُّلَميُّ، أغْماتيٌّ -أغماتَ وَريكة- فاسيُّ الأصل قديمًا، شُقْريُّه حديثًا وقديمًا، سَكنَ فاسَ كثيرًا وغيرَها أحيانًا؛ أبو حفص، ابنُ عمر.
حدَّث بالإجازة عن جَدِّه للأُمِّ أبي محمدٍ سِبطِ الحافظ أبي عُمرَ بن عبد البَرّ، وتفَقّه بأبيه، ولزِمَ في النّحوِ أبا بكر بنَ طاهر الخِدَبَّ واختَصَّ به كثيرًا، وأخَذ عن أبي عبد الله بن عليّ ابن الرَّمّامةِ طويلًا، ورَوى عن أبي مَرْوانَ بن مسَرّةَ، وأجازَ له أبو الطاهِر السِّلَفيُّ.
رَوى عنه أبوا عبدِ الله: ابنُ أخيه أحمدُ بن عُمرَ السُّلَميّ وابنُ عبد الرّحمن التُّجِيبيُّ -وهو نظيرُه- وأبو بكر بن محمد بن عبد العزيز ابنُ أُختِ ابنِ صافٍ، وأبو جعفر بنُ فَرقَد، وأبَوا الحَسَن: الدَّبّاجُ وابن عبدِ الصّمد ابن الجَنّان، وأبو الخَطّاب بن خليل، وأبو الرّبيع بن سالم، وآباءُ العبّاس: البَطْبَط وابنُ رأسِ غنمة والمَوْرُوريُّ وابن يَعلَى بن شُكَيْل، وأبو مَرْوانَ الباجِيُّ.
وكان حَسَنَ الخَلق، بهيجَ المنظر، جميلَ الهيئة، متفنِّنًا، حافظًا للفقه، راويةً مُسنِدًا، رئيسًا من رُؤساءِ النُّحاة، قال أبو الحَسَن ابنُ خَروفٍ النَّحويُّ -وكان صديقًا له-: كنّا نَجتمعُ عندَ الأستاذِ أبي بكر بن طاهر ومعَنا أبو ذرّ بن أبي رُكَبٍ
(1) نقلت هذه الترجمة بالحرف في الإعلام للقاضي ابن إبراهيم المراكشي، ووردت إشارة إلى الفقيه أبي علي بن صمع في التشوف فجعل منها صاحب الإعلام ترجمة ثانية، وهما في الحقيقة شخص واحد. انظر الإعلام 1/ 328 و 9/ 273 - 274.
(2)
ترجمه التجيبي في زاد المسافر 143، وابن الأبار في التكملة (2647)، وابن سعيد في الغصون اليانعة 91، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 139، والذهبي في المستملح (635)، وتاريخ الإسلام 13/ 81، وابن القاضي في جذوة الاقتباس 2/ 496، والمقري في أزهار الرياض 2/ 361، والمراكشي في الإعلام 9/ 375.
وغيرُه من جِلّة الطّلبة ونبهائهم، [فكان] أبو حَفْصٍ أحدَّنا ذهنًا وأصوَبَنا نظرًا وأسبقَنا [إلى الفَهْم والإجابة] وكان أديبًا شاعرًا مطبوعًا، كاتبًا بارعًا، مُمتِعَ [المجلس فَكِهَ المُحاد] ثة، قديمَ النَّجابة جيِّدَ الخَطّ، وغلَبَ عليه الأدبُ حتى عُرِف به.
[فمِن شعرِه] المُطرِب: قولُه [من الوافر]:
[همُ نَظَروا] لواحظَها فهاموا
…
وتَشرَبُ عقلَ شاربِها المُدامُ
[يَخافُ] الناسُ مُقلتَها سواها
…
أيُذعِرُ قلبَ حامِلهِ الحُسام؟
[سَمَا] طرفي إليها وهْو باكٍ
…
وتحتَ الشمس ينسكبُ الغَمامُ
وأبصرُ قَدَّها فأنوحُ شوقًا
…
على الأغصانِ تَنتدبُ الحمامُ
وأعقَبَ بَيْنُها في الصَدرِ غمًّا
…
إذا غَرَبتْ ذكاءُ أتى الظلامُ
وخرَجَ في صِغَرِه معَ أبيه من مدينة فاسَ إلى لقاءِ أبي محمدٍ عبد المؤمن بن عليّ في بعض قَدماتِه عليها، فلقِيَا القاضيَ أبا يوسُفَ حَجّاجًا (1) فسَلّما عليه، فسأل القاضي أباه عنه قال: من الشابُّ؟ فقال أبوه: عبدُكم ابني، فسأله: هل قرأَ شيئًا؟ فقال: نعم، ويَقرِضُ الشِّعر، فقال له القاضي أبو يوسُف: أجِزْ -وكان ذلك عندَ الأصيل وقد بانَ تأثيرُ الشمس في وجهِ أبي حَفْص-[مخلع البسيط]:
* وَسَمَتْك الشمسُ يا عُمرُ *
فأجاز بديهة بقوله [من مخلع البسيط]:
......................
…
سمةً لنا فيها عِبَر
عَرَفَتْ قَدرَ الذي صنَعَتْ
…
فأتَتْ صفراءَ تعتذرُ
فاستَنْبَلَه القاضي وعَدَّ ذلك من مُستغرَباتِه.
(1) هو القاضي حجاج بن يوسف الهواري، قاضي الجماعة بمراكش وخطيبها، مترجم في تكملة ابن الأبار (762).
وكان أبو العبّاس القورائيُّ ببَذائهِ المشهورِ عنه كثيرَ الاجتراءِ عليه والنَّيل منه، حتى انتَهى إلى أن قال مُعرِّضًا به [من الرمل]:
قَيْنةٌ في فاسَ تُدعى عَمرةَ
…
ذاتُ حُسن ودلالٍ وخَفَرْ
نَصِفُ السنِّ ولكن يُرتجَى
…
ردُّما فات بتسويدِ الشّعَرْ
قلْ لها عنّي إذا لاقيتَها
…
قولةً تَترُكُ صَدعًا في الحَجَرْ
هبْكِ كالخنساءِ في أشعارِها
…
أو كليلى هل تُجارينَ الذَّكَرْ
نَبَغت عمرةُ بنتُ ابنِ عُمر
…
هذه -فاعتبروا- أُمُّ العِبَرْ
فكان أبو حفصٍ لسموِّ همّتِه وعلوِّ منصبِه يُعرِض عنه ترفّعَا عن مُقاولتِه، وأنفةً منَ الانحطاط إلى مُشافهتِه، وفي شأنِه معَه يقولُ أبو حفص [من المتقارب]:
نهانيَ حِلمي فما أظلِمُ
…
وعزَّ مكاني فما أُظلَمُ
ولابدَّ من حاسدٍ قلبُهُ
…
بنور مآثرِنا مُظلِمُ
رحِمتُ حَسُودي على أنهُ
…
يعذّبُ فيّ ثم لا يرحَمُ
بَغانا الحَسُودُ فلسنا كما
…
يقولُ ولكن كما يعلَمُ
وبَلَغت هذه القطعةُ أبا العبّاس فقال: والله ما أعلمُ خبرَه، [وبَلَغَ قولُه] إلى أبي حفص فقال: ذلك ممّا يقول، أي: ليس مما يعلَم، ثم إنّ [أبا العبّاس رأى عند، أبي حفصٍ نُسخةً من "السِّيَر النبويّة" كانت ممّا صحَّحها أبو حفص [وأحسَنَ ضبطَها] وأتقَنَ تقييدَها، فاستَوْهبَها منه فوَةبَها له، فكان أبو العبّاس [بعدَها إذا جَرى] ذكْرُ أبي حفص يقولُ فيه: رَيْحانةُ القُضاة.
وكانت له سُرِّيّة، ثم أهدِيَتْ [إليه] وَصيفة تُعرَفُ أنها بنتُ تلك السُّرِّيّة، فكتَبَ إلى مُهدِيها إليه بعدَ صَرْفِها عليه [من الكامل]:
يا مُهْدِيَ الرشإ لذي ألحاظُه
…
تركَتْ فؤادي نصبَ تلك الأسهمِ
إنّ الغزالةَ قد عَلِمنا قبلَها
…
سرَّ المَهاةِ وليتَنا لم نعلمِ
ما عن قِلًى صُرفت إليكَ وإنّما
…
صَيْدُ الغزالةِ لم يُبَحْ للمُحرِمِ
رَيْحانةٌ كلُّ المنَى في شمِّها
…
لولا المهيمنُ واتقاءُ المَحرمِ
يا ويْحَ عنترةٍ يقول وشَفَّه
…
ما شَفَّني جهرًا ولم يتكلمِ:
(يا شاةُ ما قنص لمَن حلَّتْ لهُ .... حَرُمت عليّ وليتَها لم تَحرُمِ)
وكلامُ أبي حفص نظما ونثرًا في جميع الفنونِ مسبوكٌ مخلَّص نبيلُ الأغراض، وله في معاني الزُّهدِ والمواعِظ وما نَحَا تلك المناحيَ قِطَعُ نظمٍ رائقة، وفصولُ نثر فائقه، منها قولُه:
الدنيا، حَفِظَك الله، كما قد عَلِمت، فأعرِضْ بحِلمِكَ عن جهلِها، وارغَبْ بنفسِك عن أهلِها، واذكُرْ قبيحَ أنبائها، واصرِف حبالَ أبنائها، ولا ترتَع في رَوْضِهم، ولا تكرَع في حوضِهم، وقلِ: الله، ثم ذَرهم في خَوْضِهم (1)، وإذا مرَرْتَ باللاغينَ في ذكْرِ محاسنِها، اللاهينَ بحُسن ظاهرِها عن قُبْح باطنِها، فالهُ عن لهوهم، ومُرَّ كريمًا بلغوهم، مَرَّ المهتدي في سَيْرِه، وأعرِضْ عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِه (2)، فالسِّيادةُ والسّعادةُ في نَبْذِها، لا في أخذِها، وفي تركِها، لا في دَرْكِها، فإليكَ عن وَضلِها إليك، وعليكَ بهَجْرِها عليك، واتلُ قولَه تعالى:{وَلَا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ} [طه: 131]، وقولَه تعالى:{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] ، واحرِصْ أن تكونَ منهم، [فزُخرُف الدُّنيا في نَظَر] العينِ زَيْن، وفي نظرِ العقل شَيْن؛ فغمِّضْ عينَيكَ تبصِر، [ولا تَمُدَّهما وأقصِرْ] ، جَعَلَنا اللهُ ممن نظَرَ بقلبه، وأبصَرَ بلُبِّه، فأولو الألباب والفِكَر، [هم] المخصُوصونَ بالذِّكْر في الذِّكَر، والعلمُ أرفَعُ المزايا، وأوسعُ العطاياَ، [وهو غايةُ المنالِ والمَدْرَك] مَن نالَه أيُّ شيءٍ فاته؟! ومن فاتَهُ أيَّ شيءٍ أدرك؟ [ولا علمَ إلا علمُ] الكتاب والسُّنة، هما أفضلُ العطايا والمِنّة، فمَن عَلِمَهما ونظَرَ فيهما [وعَمِل بهما] ، نالَ غايةَ السعادة، وأدرَكَ منتهى السِّيادة، قال اللهُ
(1) اقتباس من الآية 91 من سورة الأنعام: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} .
(2)
اقتباس من الآية 68 من سورة الأنعام: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} .
تعالى لنبيِّه الكريم: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87] ، هذه المزايا العالية، والعطايا الواسعةُ الباقية، [لا ما نَهَتْ عنه الآيةُ الثانية] ، جعَلَنا اللهُ ممّن أبصَرَ رُشدَه، وذكَرَ مرَدَّه، ووجَّه إليه قصدَه، ورَأى في أولِ أمره آخرَه، وابتغَى فيما آتاه اللهُ الدارَ الآخرةَ، بمنِّه وفضلِه.
وأتْبَعَ هذا النثرَ هذه القطعةَ الشِّينية، وقد سَمَّطَها القاضي أبو أُميّةَ بن عُفَيْر، وذلك ممّا أنشَدتُه على شيخِنا ابنِه أبي الوليد بن أُميّةَ عنه، وهذا سرْدُها أصلًا وتسميطًا [من مخلع البسيط]:
باعَ هداهُ بغير ثُنيا
…
مَيِّتُ جَهْل مُناهُ أحيا
خِبْتَ لعَمرُ النّجاح سَعْيا
…
يا راكضًا في طِلابِ دُنيا
ليسَ لمَن تصرع انتعاشُ
أمَا تَرى راميَ الحِمامِ
…
أغراضُهُ أنفُسُ الأنامِ
عرَّضتَ جنْبَيْك للسِّهامِ
…
تنحَّ يا عُرضةً لرامِ
أسهُمُه بالردى تُراشُ
يا لاهيًا أغفَلَ المَآلا
…
يسحَبُ أذيالَهُ اختيالا
في شَأْوِ عِصيانِهِ ضلالا
…
أعذَرُ منك الفَراشُ حالا
علِمتَ ما يجهلُ الفَراشُ
قَدَحت زَنْدَ الهوى سَفاها
…
دارٌ تورطتَ في هواها
أنتَ بما صدَّتْ مَن حَباها
…
تَحُشُّ (1) نارًا هوَت لظاها
بمن له حولَها انحياشُ
مَنَّتْكَ دُنياك وهْي مَيْنُ
…
[..................](2)
(1) حش النار: أطعمها الحطب.
(2)
شطر لا يقرأ.
فهمّك التِّبرُ واللُّجَيْنُ
…
تطلُبُها لا تنامُ عينُ
عنها ولا يستقرُّ جاشُ
مهما ثَنَى عَزْمَك ارتجاعُ
…
دنياكَ فاحذَرْ [ها شَعاعُ]
كم أَمَّها معشَرٌ فضاعوا
…
دعها فطُلّابُها رَعاعُ
طاشت بألبابِهم فطاشوا
دُنياكَ هذي لها رُواءُ
…
وتحتَه إن بحثتَ داءُ
ما لأمانيِّها انتهاءُ
…
كأنّ آمالَها ظِبَاءُ
ونحن من حَيْرةٍ خِراشُ (1)
وصِلْ صلاةً بفضلِ صومِ
…
واجهد ولا تنسَ رَوْعَ يومِ
يَشِيبُ من هوْلِهِ ابنُ يومِ
…
واظمَأْ لتُروَى وكن كقومِ
ماتوا بها عفّةً فعاشوا
شِبتَ ومازلتَ عن شبابِ
…
تفتحُ للَّهوِ كلَّ بابِ
ظمآنَ ما عشتَ للكَعابِ
…
مَن لك بالرَّيِّ من شرابِ
تشتدّ من شُربِه العِطاشُ
في ذمّةِ الله أولياءُ
…
ليس على فَضْلِهمْ غطاءُ
هاموا فدُنياهمُ وراءُ
…
لم يَرِدوها فهمْ رِواءُ
ووارِدوها هم العِطاشُ
(1) يشير إلى قول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش
…
فما يدري خراش ما يصيد
وَطِئَ كلَّ الثرى بِساطا
…
واذكُر الحشرَ والصِّراطا
يا قاطعًا دهرَه نشاطا
…
إنّ لأيامِنا (1) انبساطا
به لأعمارِنا انكماشُ
أرواحُ هذا الورى طيورُ
…
حولَ حِياض الرَّدى تَدورُ
وإنما وِردُها القبورُ
…
كأنّ آجالَنا صقورُ
ونحن من تحتِها خُشاشُ
قال المصنّفُ عَفَا اللهُ عنه: سقَطَ لأبي أُميّةَ من هذه القطعة بيتٌ لم يُسمِّطْه، ولعله لم يقَعْ له، وهو قولُه:
[..............] دنوبًا
…
لها بمسطورِك انتقاشُ
بعدَ قولِه:
وواردوها هم العطاشُ
وقد نظمتُ تسميطَه فقلتُ (2).
[وله خُطبة] في الحضِّ على التمسُّكِ بالكتاب والسُّنة وتجنُّب الفلسفةِ وعلوم القدماء (3):
الحمدُ لله، وسلامٌ على عبادِه الذين اصطَفَى، عبادَ الله، [الدِّينُ] النَّصيحة، [فخُذوها] مَحْضةً صريحة، هُدى الله هو الهُدى، ومن اتَّبع رسُلَ الله اهتدَى، فإيّاكم والقُدَماءَ وما أحدَثوا، فإنّهم عن عقولِهم حدَّثوا، أتوْا من الافتراءِ بكلِّ أُعجوبة، وقلوبُهم عن الأسرارِ محجوبة، الأنبياءُ ونورُهم، لا الأغبياءُ وغُرورُهم، عنهم يُتلقَّى وبهم يُدرَكُ السُّول، عالمُ الغَيْب فلا يُظهرُ على غيبِه أحدًا إلا من ارتفَى من رسُول، الدّينُ عندَ الله الإسلام، والعلمُ كتابُ الله وسُنّةَ محمدٍ عليه السلام، ما ضَرَّ من وقَفَ عندَهما، ما جهِلَ بعدَهما، خيرُ نبيٍّ في خير أُمّة، يُزكِّيهم
(1) كذا في الأصل، وفي أزهار الرياض، "لا تأمنن بها".
(2)
بعد هذا بياض في الأصل.
(3)
توجد هذه الخطبة أيضًا في رحلة العبدري: 131 (تحقيق محمد الفاسي).
وُيعلِّمُهمُ الكتابَ والحِكمة، رضي الله عنهم، إذْ بعَثَ فيهم رسولًا منهم، وأذِن بحبِّهم وقُربِهم، فآمَنوا بما نزَلَ على محمدٍ وهو الحقُّ من ربِّهم، دَلّهم من قربٍ عليه، واختَصر لهم الطريقَ إليه، وأراهُم ما يُقرِّبُهم منه، وحجَبَهم عمّا يَحجُبُهم عنه، فما ضَرَّ تلك النفوسَ الكريمة، والقلوبَ السليمة، والألبابَ العليمة، ما زُوي عنها من العلوم القديمة، نَقّاهم من الأوضارِ والأدناس، وقال:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] ، فالمطلوبُ ما به فَضَلوا، وماذا علِموا وبه عَمِلوا، والقصدُ الذي به وَصَلوا؛ يُتلقَّى خيرُه، ويُتوقَّى غيرُه، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] ، مَن أُريدَ بذلك ومَن عُنِي؛ كتابُهم أعظمُ كتاب أُنزِل، ونبيُّهم أكرمُ نبيٍّ أُرسِل؛ سيِّدُ الأنام، لبنةُ التّمام، خيرُ البريّةِ على الإطلاق، بُعِث ليُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق، فكان للأنبياءِ خَاتمًا، ولكافّةِ الناسِ هاديًا وعليهم حاكمًا؛ أنزَلَ الكتابَ بالحقِّ إليه، مُصدِّقًا لِما بينَ يدَيْه من الكتابِ ومُهيمِنًا عليه، هو الشّفاءُ والرحمة، وفيه العِلْمُ كلُّه والحِكمة، معجِزٌ في رَصْفِه، عزيزٌ في وَصفِه، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] ، حُجّتُه باهرةٌ قائمة، ومعجزتُه باقيةٌ دائمة، إذْ هي للنبوّةِ والرسالةِ خاتمة، به تُحكَمُ الدنيا [القائمة] ، لا تَنقَضي عجائبُه، ولا تنتهي غرائبُه، ماذا أقول، وقد بَةرَ العقول، [حَسْبي حَسْبي]، {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] (1)[من السريع]:
هذا كلامٌ للهُدى جامعُ
…
فاصغِ إليه أيها السامعُ
الشَّرعُ للعقلِ هدى من يَصلْ
…
بينَهما برهانُهُ قا [طعُ]
الشرعُ للعقلِ بلا مِريةٍ
…
كالشمس للعينِ سنًا طالعُ
الشّرعُ متبوعٌ به يَهتدي
…
من ضَلَّ والعقلُ له تابعُ
لا يَهتدي العاقلُ في قصدهِ
…
إلا بما سَنَّ له الشارعُ
(1) هذه الخطبة مرصعة بآي من القرآن الكريم وهي غير خافية.
هذا كتابُ الله يَهدي الوَرى
…
لكلِّ عِلْم نورُه الساطعُ
معرفةُ الله وآياتهِ
…
ومَنْهجِ الرُّسْل [فما الرابعُ]
والعلمُ والحكمةُ في طيِّهِ
…
أجمَعَ وهْو المُعجِزُ الصادعُ
وهو من الله فما فوقَهُ
…
هادٍ إلى الله ولا شافعُ
جعَلَه اللهُ فينا شافعًا، وعنّا دافعًا، ولنا هاديًا نافعًا، ولدرجتِنا بالإيمانِ به وبما تضمَّنَه رافعًا، وآتانا فيه فهمًا، وبآياتِه علمًا، وجعَلَنا ممّن انجَلى بنورِه عن قلبِه رَيْنُه، ورأى أنه شَرَفُه وزَيْنُه، واستغنَى به ولم تمتدَّ عينُه، بمنِّه وكرَمِه.
وصُرِف أبو محمد بنُ محمد بن عيسى التادلَيُّ (1) عن قضاءِ فاسَ فكتَبَ إليه أبو حَفْص يهئئُه بانعزالِه عن خُطّةِ القضاء وَيشْكو تنشُّبَ نفسِه فيها: وَصَلَ إلينا فلان فاستقبَلْنا منه أثَرَ لقائكم، ومشاهدةَ علائكم، يَنشُرُ بِشرًا، ويَعبَقُ نشرًا، فحدَّثني بارقُهُ عن ذلك الغَمام الصيِّب، وذكَّرني بها أبي الطيِّب [من الطويل]:
وألقَى الفمَ الضَّحّاكَ أعلمُ أنهُ
…
قريبٌ بذي الكفِّ المُفدَّاةِ عهدُه (2)
(1) ترجمته في التكملة (2206)، وجذوة الاقتباس رقم (114)، ونيل الابتهاج (137)، ودرة الحجال (954) وفيها غلط في التاريخ. وكان أبوه مشاورًا بفاس أيام المرابطين وولي هو القضاء في بسطة وفاس سنة 579 هـ عزل وغرب إلى مكناسة لعدله حيث توفي سنة 597 هـ وفي أعلام مالقة (ص 179) أن التادلي وولد القاضي عياض "كان قد أصابهما بعض اعتقال فباتا ليلة وصنع كل واحد منهما بيتين توافقا في معناهما، فأنشد التادلي لنفسه:
اصبر إذا ما أردت أمرًا
…
فالصبر مفتاح منجح
والهم ليل وكل ليل
…
لابد أن ينجلي بصبح
وأنشد القاضي أبو محمد ولد عياض لنفسه:
من حيث يغلق باب أمر يفتح
…
والله أعلم بالذي هو أنجح
لا تيأسن من الظلام لليلة
…
طالت عليك فكل ليل يصبح"
(2)
من قصيدة المتنبي في مدح كافور التي مطلعها:
أود من الأيام ما لا توده
…
وأشكو إليها بيننا وهي جنده
وقد كُتِبَ البيت في درج الكلام على أنه نثر.
وهو يمُدُّ أطنابَ الشُّكرِ والثناء، معَ الساعاتِ والآناء، وإن قَصُر فيما ذَكَر، وحَجَب، عما يجب، فأعلى منه عن ذلك قاصِر، ولو أنّ سَحبان له ناصِر، ولكنه قال على قَدْرِه، فخَلَّى عن عُذرِه [من البسيط]:
* والنّملُ يُعذَرُ في القَدْرِ الذي حَمَلا (1) *
ووليُّكمُ المخلِص في ودِّكم، المُثني على مجدِكم، مسرورٌ لكم بمحَلِّكم المَحُوط، وجلالِكم المغبوط، فرَغْتُم لشأنِكم، والعملِ مُهلةَ إمكانِكم، ونَقّاكمُ اللهُ من دنَس الخُطّة، ووَضَعَ عنكم إصْرَها وحَطَّه، {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} [البقرة: 58] ، فالنازلُ عنها هو العالي، والعاطلُ [منها هو الحالي، والمُتْلوُّ] فيها هو التالي، والمعزولُ عنها هو الوالي، فمَن نَظَرَ بعينِ [الحقيقة، سلَكَ] الطريقة، التي أنتم لها أسلَك، وبها أملَك. أوزَعَكمُ اللهُ شُكرَ [نِعَمِه السَّرمَديّة؟] ، وجَعَلَها لكم مطيّةَ بلاغ، إلى السعادةِ الأبديّة، فنِعمَ البلاغ، [ورَزَقَكم] البصيرةَ النيّرة، [وهي] أبعدُ في النظرِ والإدراك، وبوّأكم بصالح الدُّعاءِ [السِّماك، ومحَلُّ] بْنِكم يشكو إليكم خَسَاسةَ حالِه، وخسارةَ انتحالِه، وغَفْلتَه عن شِرعةِ [الحقّ، وسكرتَه حتى تأخَر وسبَقَ من سبَق] ، ورَكِبَ الهوى فمال به العَبيط، [ولم يَعِظْهُ] فِراقُ الأحبّةِ والخَليط. وشُغِلَ بالدّنيا عن الشان، وصاحبُها أَخسَرُ صفقةً من أبي غَبْشان (2)، ولو طالت بَصيرتُه القصيرة، ونالت مداركَ أُولي البصيرة، لشَغلتْه خُوَيصّةُ نفسِه عن العموم، ونَظَرَ إلى عقلِه وهواه فرَدَّ إلى الحاكم المحكوم، وأعدى على الظالم المظلوم، وبدَأ بنفسِه فنَهاها عن غَيِّها، وشَفَاها من عيِّها، وطَوى ما
(1) شطر بيت لأبي نصر العتبي، وأول الشعر:
الله يعلم أني لست ذا بخل
…
وست ملتمسًا في البخل لي عللا
لكن طاقة مثلي غير خافية
…
والنمل يعذر في القدر الذي حملا
انظر التمثيل والمحاضرة للثعالبي ص 176.
(2)
هذا مثل مشهور، وأبو غبشان من خزاعة اشترى منه قصي مفاتيح الكعبة بزق خمر. وقصة المثل وما قيل فيه من شعر في كتب الأمثال.
انتشَرَ من أمانيِّها، فانتشارُ الرحمة في طيِّها، فخُصُّوه بخواصِّ دَعَواتِكم في صَلَواتِكم، ومظانِّ القَبُول من خَلَواتِكم، فنِعمَتِ الهديّةُ دعاءُ المؤمن لأخيه، ويعمَ الذُّخرُ لمن يُواخيه، جعَلَنا اللهُ ممّن تَراءى من وراءِ الغيب، القلوبَ الناصحةَ الحُبّ، السالمةَ من رِيبةِ الرَّيْب، وجعَلَنا ممّن تحابَّ فيه، حتى تجبَ لنا محبّتُه فيمن يَصطفيه، وجَلا بنورِ الهدى، ما رانَ على قلوبِنا من الصَّدى، حتى ينجابَ عنها حِجابُ الشّهوات، وغطاءُ الشُّبُهات، فتظةرَ فيها صورةُ الحقائق غيرَ مُشتبِهات، وأسعَدَنا بتوفيقِه، بمنِّه ورحمتِه.
ومحاسنُه أجلُّ من أن تُؤثَرَ بلسان، وتُسطَرَ في ديوان، ولولا خَوْف الإطالة والخروجِ عن قَصدِ الكتاب لاجتَلَبْنا منها ما يَبهرُ العقول، ويفضَحُ المَرويَّ عن غيره والمنقول.
واستُقضيَ بفاسَ وهو ابنُ نحوِ عشرينَ سنةً، عَقِبَ وفاةِ أبيه، ثم بتلمسين، ثم أعيدَ قاضيًا إلى فاسَ، واستُقضيَ بأغماتِ وَريكةَ مرّتَيْن (1) وبإشبيلِيَة (2) كذلك، صُرِف في أُولاهُما بأبي محمد بن حَوْطِ الله.
وكان مشكورَ السِّيرة مشهورَ النزاهةِ والعدالة نبية البَيْتة، كريمَ الطِّباع أنقى لا يلبَسُ إلّا البياض، ولا يركَبُ إلا الحُجور (3) الناصعةَ البياض فكان يتلألأُ نورًا على نور.
قال أبو عبد الله التُّجِيبيُّ: كان حسَنَ الخَلْق والخُلُق فصيحَ الخَطابةِ والكتابة، وكنتُ إذا رأيتُه تمثَّلتُ عند رؤيتِه بما أنشَدَ شيخُنا الحافظ السِّلَفيُّ لبعض شيوخِه في هادي بن إسماعيل [من الطويل]:
لهادي بن إسماعيلَ خاءاتُ أربعٌ
…
بهنّ غدا [مستوجِبًا للإمامةِ]:
(1) انظر خبرًا يتعلق به أيام قضائه في أغمات في التشوف: 207.
(2)
انظر خبرًا يتعلق به أيام استقضائه بإشبيلية في السفر الأول (الترجمة 388).
(3)
الحجور: جمع حجر وهي الرمكة (أي البغلة).
خِطابُ ابنِ عَبّاد، وخَطُّ ابنِ مُقلةٍ
…
وخَلْقُ ابن [يعقوبٍ، وخُلْقُ ابنِ مامةِ](1)
وفي صَرْفِه عن قضاءِ إشبيلِتةَ يقولُ أبو أُميّةَ بن عُفَيْر يمدَحُه [من البسيط]:
سَلْ عارضَ البرقِ إن لم تسألِ السُّحُبا
…
واستنشقِ الرِّيحَ منّي [حيث هبَّت صبا]
كيف اعتَسفتُ الدجى فذا يُعانقُني
…
كسلانَ إن نبَّهتْه [صيحةٌ وَثَبا]
تَلقاهُ أخرسَ ما لم تُمضِهِ فإذا
…
أمضَيْتَ حدَّيه في هام العِدا [خَطَبا]
تَسري به وبي الوجناءُ في ظُلمٍ
…
أوقدتُ منه ومن عَزْمي بها لَهبا
حتى تبسَّمتِ الآمالُ عن قمرٍ
…
تمنَّت الشمسُ لو تُنمَى له نسَبا
لمّا أضاء سَنَاهُ في بني عُمرٍ
…
قال الزمانُ لهم: دُوروا به شُهُبا
إنْ حَلَّ ناديَ فخرٍ راق منظرُهُ
…
بشرًا وهزَّتْه أنفاسُ الندى طَرَبا
لاتُنكِروا البِشرَ من ناديهِ إنّ بهِ
…
علمًا وحِلمًا وإيمانًا فلا عَجَبا
أذكى الأنام وأسماهُم لمَعلوةٍ
…
إن طالَعوا أدبًا أو ناظَروا حَسَبا
لو أنّ للناس أخلاقًا تصاغُ لهم
…
من فضّةٍ لغَدَتْ أخلاقُه ذهبا
لم يَسحَب العُجبَ من أخلاقِ بُردتِه
…
لكنْ ذيولَ المعالي والتُّقى سَحَبا
أعطَتْ سُلَيْمُ رِهانَ المكرُماتِ لهُ
…
لما رأَتْ أنها تسمو به العَرَبا
يا وارثَ المجدِكم تُغرَى بمكسَبِهِ
…
قد أثقلتْكَ العُلا إرثًا ومكتسَبا
هذي سَجَاياك وقد وافَتْ على مَهلٍ
…
في غُرّة الشأْوِ دع شانيكَ والذّنَبا
ما أخَّروك عن الأحكام إذْ فَعَلوا
…
إلا ليُلفِيَ حِينًا عزمُكَ التعَبا
لئن أسمت القضايا بُرهةً فلقد
…
رعَى نُهاك النّدى والدِّينَ والأدبا
(1) أزهار الرياض 2/ 372 ومنه أكملنا محل المحو في الأصل. وفيه: خلات، ولعل الأنسب خاءات كما في الأصل، والإشارة إلى الصاحب ابن عباد وابن مُقلة الوزير الخطاط ونبي الله يوسف وكعب بن مامة.
حسبُ المكارم أن تبقَى لها أبدًا
…
وحَسْبُ حِمصٍ بأن تبني لها الرُّتَبا
أصبحتَ نُورًا لأهليها يرَوْنَ بهِ
…
طُرقَ العُلا وضُحى أعلامِها اللَّحِبا
ونُبتَ عنهمْ منابَ الفضلِ إذ عجَزَتْ
…
نفْسُ الحَسُودِ وأجرى طَرْفَهُ فكَبا
وبقِيَ ابنُ حَوْطِ الله قاضيًا بإشبيلِيَةَ نحوَ العام، ثم صُرِف بأبي حَفْص واستمرَّت ولايتُه القضاءَ إلى أن توفِّي بإشبيلِيَةَ من عِلّة طاولَتْه، نفَعَه اللهُ بها، لثلاثَ عشْرةَ [من جُمادى الآخِرة عامَ] ثلاثةٍ وست مئة، وقال أبو الرّبيع بنُ سالم: توفِّي [بإشبيلِيَةَ فُجاءةً في الخامس من ربيع] الأوّل سنةَ ثلاثٍ وست مئة، وقال ابن فَرْقَد: توفّي سنةَ [اثنتينِ وست مئه]، وبعدَه استُقضيَ أبو عبد الله الباجِيُّ. ومَوْلدُه بأغمات [في حدودِ الثلاثينَ] وخمس مئة، وغَلِطَ ابنُ فَرْقَد فجعَلَه سنةَ خمسٍ وثلاثين، ونقَلَه عنهُ [ابنُ الأبار وخَطَّأه بأنّ] إجازةَ جَدِّه إياه صحيحة، وكانت وفاتُه في صَفَرِ ثلاثٍ [وثلاثينَ وخمس مئة] ، ولعلّه وُلدَ سنةَ خمس وعشرينَ، فجَرى الغَلَطُ على ابن فَرقَد فجَعَلَ [الثلاثينَ عِوَضَ] العشرين، [أو] وُلدَ سنةَ إحدى أو اثنتينِ وثلاثينَ فجَعَلَ الخمسَ عِوَضَ إحداهما كما جَرَى عليه الغَلَطُ في تاريخ وفاتِه، واللهُ أعلم.
27 -
عُمرُ (1) بن عبد الحقِّ بن إبراهيمَ بن عبد الله بن وَهْب الصُّنْهاجِيُّ، مَرّاكُشِيٌّ، أبو حفص.
رَوى عن أبيه، وله إجازةٌ من أبي القاسم محمدِ بن هشام بن أبي جَمرةَ، وأبي الوليد ابن رُشْدٍ الكبير.
28 -
عُمرُ (2) بن عبد السيِّد القُرَشيُّ الهاشِميُّ، تونُسيٌّ، أبو حفص.
رَوى عن أبي عبد الله المازَريّ.
(1) ستأتي ترجمة لأخيه أيى عبد الله محمد، وبينهما تشابه، ولم نقف على ترجمة والده عبد الحق بن إبراهيم.
(2)
ترجمته في التكملة (2645)، وانظر في بني عبد السيد رحلة التجاني: 345 وتاريخ الدولتين: 69 - 68.
رَوى عنه ابنُه أبو إسحاقَ إبراهيمُ، وأبو ذَرّ بن أبي رُكَب. ودَحلَ الأندَلُس (1) ومن إشبيلِيَةَ استُقضيَ على بلدِه تونُسَ فانصرَفَ إليه، ولم يَستكمِلِ العامَ في ولايتِه.
وتوفِّي سنةَ اثنتينِ أو ثلاثٍ وسبعينَ وخمس مئة.
29 -
عُمرُ (2) بن عُثمانَ بن محمد بن أحمدَ الفارِسيُّ الغُزِّيُّ الباخَززيُّ، خُراسانيٌّ مالينيٌّ، أبو بكر، شمسُ الدِّين، طَنّة (3).
رَوى عن رضيِّ الدِّين أحمدَ بن إسماعيلَ بن يوسُفَ الطالْقانيِّ القَزْوينيّ، وشَرَفِ الدِّين أبي يعقوبَ يوسُفَ بن أبي حفصٍ عُمرَ بن أحمدَ الخَطِيبيّ الخالديّ الزَّنْجانيّ.
وقَدِمَ الأندَلُسَ عامَ ستٍّ مئة، ودخَلَ مالَقةَ وغَرناطةَ وغيرَهما، فرَوى عنهُ أبو جعفرٍ ابنُ الجَيّار، وأبو عليّ بن هشام، وأبو القاسم المَلّاحيُّ؛ وحدَّث عنه بالإجازة أبو القاسم ابنُ الطَّيْلَسان. وكان من خِيَار الناس وفُضَلائهم، صحيحَ السَّماع ثقةً فيما يَرويه.
مَولدُه ليلةَ الأربعاء الثامنةَ والعشرينَ من ربيعٍ الأوّل سنةَ ستينَ وخمس مئة.
(1) كان دخوله في وفد أهل القيروان وفقهاء مدينة تونس وإفريقية لتهنئة الخليفة يوسف بن عبد المؤمن بغزوته الأولى في الأندلس، وذكر ابن صاحب الصلاة أن الخليفة رحب بهم وأنزلهم وأكرمهم حتى انصرفوا إلى مواضعهم مسرورين ويبدو أنه في هذه المناسبة عين الخليفة أبو يعقوب ابنَ عبد السيد قاضيًا على بلده تونس. قال ابن صاحب الصلاة: وكان الفقيه أبو بكر ابن الجد يثني على عمر بن السيد ويقول عنه: إنه فقيه القيروان. المن بالإمامة: 517 تحقيق عبد الهادي التازي، والبيان المغرب 3/ 98.
(2)
ترجمه ابن خميس في أدباء مالقة (141)، وابن الأبار في التكملة (2646)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 140، والذهبي في المستملح (634)، والمقري في نفح الطيب 3/ 65، وهو منسوب إلى "الغُز" الطائفة من الترك.
(3)
هذا لقبه، كما صَرّح بذلك ابن خميس في أدباء مالقة.
30 -
عُمرُ (1) بن محمد بن أحمدَ بن محمد بن مُطرِّف بن لسَعِيد التُّجيبيُّ، كذا وقَفْتُ على نَسَبه بخطِّه في غيرِ موضع؛ فاسيٌّ، أبو حَفْصٍ وأبو الخَطّاب البَيْراقيُّ (2).
رَوى -بزَغمِه قراءةً وسَماعًا وإجازةً، ونقَلتُه من خطِّه- عن آباءِ عبد الله: ابني الأحمدَيْن: أبيه، والقُبَاعيِّ، وابن إبراهيمَ ابن الفَخّار، وابن عبد الله بن خليل، وابن عليّ ابن الرَّمّامة، وابن يَبْقَى الغَسّانيّ؛ وأبوَيْ بكر: ابن الجَدّ، وابن خَيْر، وأبي الفَضْل بن عِيَاض، وأبي القاسم بن حُبَيْش، [وآباءِ محمد: ابن ....] وابن عُمَر السُّلَميِّ، وابن السَّكّاك، وابن الصّائغ، وآباءِ الحَسَن:[ابن .... وابن] الحُسَين اللَّوَاتيِّ، وابن يوسُفَ ابن المَلْجوم، وأبي مَرْوانَ [بن مسَرّة، وآباءِ عبد الله: ابن ....] وابن الرَّمّامة، وابن الفَخّار واللَّوَاتيّ، والحَجريِّ.
وذَكَرَ [أنه أجازَ لهُ ولم] يلقَهُ من أهل الأندَلس: أبو الحَسَن صالحُ بن عبد الملِك [بن سعِيد الأوْسيُّ المالَقيُّ] وأبَوا محمد: ابنُ أحمدَ بن مَوْجُوال، وعبد الحقِّ ابنُ الخَرّاط؛ ومن أهل [المشرِق: أبو العبَّاس] أحمدُ بن طارق بن سِنَان، وآباءُ الطاهر: أحمدُ السِّلَفيُّ، والإسماعيلانِ:[الدِّيباجِيُّ وابنُ] عَوْف، وأبو سعيدٍ محمدُ بن عبد الرحمن المَسْعوديُّ، وأبو القاسم محمودُ بن محمد بن الحَسَن القَزْوينيُّ، وأبو الفَضْل محمدُ بن يوسُف بن عليّ الغَزْنَويُّ، ويحيى بن عبد المُهيمِن بن الحَسَن بن ملتى؛ وآباءُ محمد: عبدُ الله بن أبي الفَضْل
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (263.7). وقد تقدم في السفر الخامس نقلًا من ترجمة ابن الأبار، وقال هناك:"ذكره ابن الأبار ولم يزد، وهو ابن البيراقي، فاسي، وسيأتي ذكره في الغرباء إن شاء الله"(5/الترجمة 797)، ولأبيه ترجمة مختصرة في التكملة (1316)، ثم أعاده مختصرًا في (1488)، وينظر تعليق الدكتور بشار على ترجمته في الموضعين.
(2)
في الأصل: "السيرافي"، وفوقها ضبة، وتحرفت في جذوة الاقتباس إلى "البيراني"، وقد ضبطها المؤلف في ترجمة والد المذكور هنا فقال: البيراقي -بفتح الباء وإسكان الياء المسفولة وراء وألف وقاف منسوبًا-.
عبد الرحمن الدّيباجِيُّ، وعبدُ الغنيِّ بن عبد الواحِد بن عليّ بن سُرور بن رافع المَقْدِسيُّ، وعليُّ بن إبراهيمَ بن محمد بن يحيى بن غنائمَ الأنصاريُّ، [وتَقِيّةُ (1) بنتُ غَيْث بن عليّ] بن عبد السّلام الأرمنازيِّ، وفاطمةُ ابنةُ سَعْدِ الخَيْر بن محمد بن سَهْل الأنصاريِّ، نقَلتُهم كلَّهم من خطِّه.
وكان محدِّثًا تأريخيًّا ذاكِرًا أحوالَ الرّجال، عارفًا بتطريق الأسانيد، شديدَ العنايةِ بشأن الرِّواية، مُواظِبًا على التقييد، جيِّدَ الخَطّ، كتَبَ الكثيرَ وأتقَنَه.
وكان كذّابًا خبيثًا، مُزوِّرًا خُطوطَ الشّيوخ لنفسِه ولأبيه، ولغيرِهما (2)، وقَفْتُ له من ذلك على فضائحَ، نسألُ الله العِصمةَ من مُواقعةِ أمثالِها؛ وقد تقَدَّم في رَسْم أبي عليّ بن عَتِيق بن مؤمن أنه ممّن لا تُرضَى حالُه (3)، ومعَ ذلك فليس من شَرطِ كتابي هذا، فإنّي لا أقطعُ بدخولِه الأندَلُسَ وإن كان قد ذَكَرَه ابنُ الأبّارِ في الأندَلُسيِّينَ ذكْرَ مَن لم يعرِفْه فقال (4): عُمرُ بن محمد بن أحمدَ بن [محمد بن] مُطَرِّفِ بن سَعِيد التُّجيبيُّ، أندَلُسيّ، يُكنَى أبا عليّ. يَروي عن أبيه، وأبي مَرْوانَ بن مسرّةَ، وأبي عبدِ الله بن عليّ القَيْسيِّ، وأبي القاسم ابن بَشْكُوال، كلُّهم عن أبي محمد بن عَتّاب. هذا ما ذكَرَه به، وهو كما تَراهُ معطوبٌ (5) مُخِلٌّ به في مواضعَ لا تخفَى على متأمِّل، فذكرناهُ ببعض ما عَبَّرنا (6) فيه لنبيِّنَ من حالِه ما غابَ عن ابن الأبّارِ، فاعلمهُ واللهُ الموفِّق، وذَكَرَه ابنُ الأبار بعدَ أبي عليّ الرُّنْديِّ، وحقّه أن يُذكَرَ قبلَه، فإنه أعلى طبقةً منهُ.
(1) انظر ترجمتها ومراجعها في وفيات الأعيان 1/ 297 وقد جاء اسمها مضببًا عليه في الأصل.
(2)
في الأصل: "وبعدهما"، ويبدو شيء من التناقض بين هذه الفقرة والتي قبلها.
(3)
انظر الذيل والتكملة 5/الترجمة 525.
(4)
التكملة (2637).
(5)
هكذا في الأصل.
(6)
في الأصل: "ما غيرنا".