الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
86 - محمدُ بن الحَسَن بن عَتِيق بن الحَسَن بن محمد بن حَسَن التَميميُّ، مَهْدَويٌّ سَكنَ بأخَرةٍ مَرّاكُش، أبو عبد الله، [ابنُ منصورِ الجَنْب]
(1).
(1) ما بين معقوفين ممحو تمامًا في الأصل، وقد تيسر لنا تتميمه بفضل الله، ولم نقف على ترجمتي المذكورين في مكان آخر. والمؤلف يحيل على ترجمة أبي علي الحسن بن الحسن ابن منصور الجَنْب في سفر مفقود. وقد ذكر اسمه في عدد من التراجم منها ترجمة ابن رشيد الواعظ وترجمة ابن المحلي السبتي وابن مودود الفارتسي (في هذا السفر) وترجمة الشلوبيني النحوي (في السفر الخامس) وترجمة ابن الأبار (السفر السادس) وقد كتب ابن الأبار رسالة في التوصية
به إلى الإمام زكي الدين أبي محمد المنذري يقول فيها: "ولما استقل مستندًا لمكانه، ومستسعدًا بزمانه صاحبنا الفقيه الحسيب المليء المحدث المجتهد الصوفي أبو علي الحسن ابن الفقيه القاضي أبي علي الحسن بن عتيق بن المنصور الجنب التميمي عرفه الله في مناقله العصمة والسلامة"، إلى أن يقول:"وبيته -أدام الله علاكم- نباهته قديمة، وطريقته في البيوتات الإفريقية بل المغربية قويمة"، ثم يقول:"وأبعد أمل هذا الصاحب وأقصاه، إذا هو رأى فريضة الحج إن شاء الله لزوم ساحتكم العليا، والاقتداء بكم في أمري الدين والدنيا". وقد كتبت الرسالة في بجاية سنة 654 هـ انظرها في السفر السادس (الترجمة 709). ويبدو أنه حج ونزل بمصر حيث أخذ عن ابن رشيد الواعظ بمحضر محيي الدين محمد بن سراقة كما أنه درس على الشلوبيني في إشبيلية وعلى ابن المحلي في سبتة وابن مودود الفارسي في مراكش وعلى ابن الأبار في بجاية حسبما استفدناه من أسفار الذيل والتكملة الموجودة والمؤلف يقول في رفع نسبه: ابن منصور الجنب تارة وابن مكسور الجنب تارة أخرى، ويبدو أن هذه الأخيرة هي شهرة هذا البيت المهدوي الذي كان منه عدد ممن تولوا القضاء في عهد الموحدين منهم عتيق ابن مكسور الجنب وولده الحسن بن عتيق ابن مكسور الجنب ثم حفيده صاحب الترجمة هنا وأخوه أبو علي الحسن المذكور، وأخ لهما ثالث اسمه سليمان بن الحسن بن عتيق ابن منصور الجنب، ترجم له ابن الزبير في صلة الصلة وقال:"ولد بالمهدية وسكن بمراكش وكانت عنده معارف، وكان من طلبة المجلس السلطاني"(4/الترجمة 413)، وأخ رابع هو أبو بكر عتيق بن الحسن ابن مكسور الجنب. ذكر في الترجمة رقم 226. ومن أعلام هذا البيت أيضًا أبو العباس أحمد بن محمد ابن مكسور الجنب.
ونقف في مجموع رسائل موحدية (مخطوط بالخزانة الملكية) على رسالة كتبها ابن مبشر (أبو العباس أحمد بن مبشر من شيوخ أبي عبد الله بن حماد الصنهاجي) إلى يوسف بن عبد المؤمن الخليفة =
أخو أبي [عليّ] المذكورِ قبلُ. كان شيخًا حَسَنَ الخُلُق كريمَ الطِّباع [....] بارًّا بكلِّ مَن يَغْشاهُ من أصحابِه ومعارفِه.
استُقضيَ بشَرِيشَ وبأغماتِ [وريكة] فشُكِر في طريقتِه وعُرف بالعدل والتُّؤدة، ووَلِيَ بمَرّاكُشَ خُطّةَ المَناكح، واستمرَّ بها محمودَ السِّيرة إلى أن توفِّي سنةَ خمسينَ وست مئة، ودُفن بجَبّانتِهم [ببابِ] تاغزوتَ داخلَ مَرّاكُش، واحتَفلَ الناسُ لشهودِ جَنازته وأثنَوْا عليه صالحًا.
87 -
محمدُ (1) بن الحَسَن العابِد ابن عَطِيّةَ بن غازي بن خَلُوف بن حَمْد بن موسى بن هارونَ بن عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن أحمدَ بن جابِر بن عبد الله صاحبَيْ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ورضيَ عنهما، سَبْتيٌّ، أبو عبد الله، ابنُ الغازي.
= في رفع ظلم عن أحد الرعايا مسه من القاضي عتيق ابن مكسور الجنب جاء فيها: "وإن عتيقًا ابن مكسور الجنب الذي كسره كذب اسمه وصدق اسم أبيه، ضجت الأرض وعجت لقبح ما ياتيه، فإنه كان قاضيًا أمام النصارى دمرهم الله يخدم مكوسهم، ويفدي بنفسه الخائنة نفوسهم، قد اتخذ أعوانًا ووزعة، وأبرز شنعه وبدعه، وقد بعد عن معرفة التوحيد وعلمه، ولم يجر على حده المطرد ورسمه، بل يحكم في النوازل بالرأي الفائل، ويقضي في الحوادث، بالنظر العابث، يسلك في سبل المظالم وطرقها، ويضرب ظهور المسلمين بغير حقها"، وتمضي الرسالة وهي طويلة في شرح ما تنسبه إليه من شدة وقسوة ورشوة ومخالفة للأحكام الشرعية.
ويفهم من قول المؤلف في آخر الترجمة أنه كانت لهذه الأسرة جبانة خاصة بها. وربما كانت التراجم المفقودة لأعلامها تشتمل على معلومات مفيدة وانظر كذلك (المسند الصحيح الحسن:442).
(1)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (1730)، وابن الزبير في صلة الصلة 3/الترجمة (11)، والذهبي في المستملح (336)، وفي تاريخ الإسلام 12/ 1005. وقد ساق ابن غازي المكناسي في فهرسه سنده في الشفاء برواية ابن غازي المترجم، ثم قال: "قلت: سميي هذا محمد بن غازي هو محمد بن حسن
…
" وساق النسب كما ذكره ابن عبد الملك، ثم قال: "يحمل عن عياض وابن هشام اللخمي، حضر مناظرة ابن هشام وأبي بكر بن طاهر. ذكر ذلك تلميذه أبو عبد الله الأزدي" (فهرس ابن غازي:109. وانظر في المناظرة التي شهدها المترجم الذيل والتكملة 6/الترجمة 162).
رَوى بسَبْتةَ عن جدِّه للأُمِّ أبي الرَّبيع سُليمانَ بن سبع (1)، وأبوَيْ عليّ: أبيه وحَسَن بن عليّ بن سَهْل الخُشَنيِّ، وأبي إسحاقَ ابن قُرْقُول، وأبي الحَسَن بن فَتْحون، وأبي عبد الله بن هشام، وأبي الفَضل عِيَاض، ولازَمَه كثيرًا وشُهِرَ بصُحبتِه، وأبي محمد بن عُبَيد الله. وبفاسَ عن أبي جعفرٍ محمد بن حَكَم بن باقٍ، وأبي عبد الله ابن الرَّمّامة، وأبي موسى ابن المَلْجوم، والأستاذِ الكبيرِ ابن صافٍ. ولقِيَ بالجزيرةِ الخضراءِ أبا العبّاس بن زَرْقون وأجاز له.
وأجاز له مطلقًا من مالَقةَ أبو عبد الله بن عُمر وأبو محمد ابن الوَحِيديّ، ومن بَلَنْسِيَةَ أبو الحَسَن بن هُذَيْل، ومن مُرْسِيَةَ أبو عبد الله بن حَمِيد وأبو القاسم بن حُبَيْش. وأجاز له من غَرناطةَ -ما روى دونَ ما ألَّف- أبو جعفر ابنُ الباذِش.
رَوى عنه أبو بكر بنُ محمد (2)، وأبو الحَسَن الشارِّيُّ، وأبَوا عبد الله الأزْديُّ -وهو آخِرُهم- وابنُ قاسم بن عبد الرّحمن بن عبد الكريم، وأبو العبّاس العَزَفيُّ، ولا سيّما بعدَ وفاةِ أبي محمد بن عُبَيد الله؛ إذ كان كثيرًا ما يمتنعُ من الانتصابِ للتحديثِ في حياتِه توقيرًا له وإجلالًا.
وكان راويةً للحديثِ منسوبًا إلى معرفتِه مبرِّزًا في العدالةِ والثقة، ذا عنايةٍ بعَقْد الشّروط، وبصَر بعِلَلِها. واستُقضيَ ببلدِه، وكان به من أهل التعيُّن الشهير، عظيمَ الصِّيت، جليلَ القَدْر، متقدِّمًا في الأدب، شاعرًا مُحسِنًا مُكثرًا.
وله منظوماتٌ علميّة تدُلُّ على رسُوخِ قدمِه في الأدب وحضورِ ذكْرِه [في] الفقه واقتدارِه على النَّظم، منها قولُه في درجاتِ الذين يَلُونَ عَقْدَ النِّكاح [من البسيط]:
(1) انظر فيه اختصار الأخبار: 22، ط. ثانية، والتعريف بالقاضي عياض: 40، 41، ومقالة في دعوة الحق لسعيد أعراب.
(2)
كذا في الأصل، ولعله أبو بكر بن محرز الزهري البلنسي الذي رحل إلى ابن غازي من بلنسية إلى سبتة للسماع عليه (انظر عنوان الدراية: 170).
يا سائلًا عن ذوي الأنكاح أيُّهمُ
…
أولى وأقربُ للتعصيبِ بالنَّسَبِ
ومَن له [حقُّه] يُدلي به ولهُ
…
عَقْدُ النِّكاح لجري ذلك السببِ
إليك خُذْها كنَظْم الدُّرِّ جئتُ بها
…
[كما](1) نقَلْتُ عنَ أشياخي ومن كُتبِ
ابنٌ ثم (2) ابنُهُ أوْلى وبعدَهما
…
أبٌ وصنوُ شقيقٍ ثم من لأبِ
وابنُ الشّقيق يَليهِ والذي لأبٍ
…
والجدُّ والعَمُّ وابنُ العمِّ فاكتتِبِ
ومن عَلا من أُولي التعصيبِ قُعدُدُهُ
…
مِن بعدِهمْ فارْعَ ذاك الأصل وارتقبِ
والمالكونَ لعُبْدانٍ بمالِهمُ
…
من حقِّ مُلكٍ بلاريبٍ ولا كذبِ
ثم الأُلى أنعَموا بالعِتقِ سيِّدَهمْ
…
والمُعتَقونَ على التدريج في الرُّتَبِ
والأولياءُ ومن صَحّت وِكالتُهُ
…
والكافلونَ وسُلطانٌ غدا كأبِ
ومن على يدِه قد أسلمَ امرأةٌ
…
منهمْ وذو الرأي في الأهلِينَ من قُرَبِ
والمسلمونَ جميعًا بعدَ ذلكمُ
…
على العموم ومنها الجارُ لم يَخِبِ
وفي ذكْرِ الاختلافِ فيما فسَدَ لصَداقِه [من الطويل]:
وكلُّ نكاح فاسدٍ لصَداقِهِ
…
ففيه رواياتٌ ثلاثٌ تُحصَّلُ:
فقولٌ بأنّ العَقدَ فيه مصحَّحٌ
…
وليس صَداقٌ فيه للزوج يَحصُلُ
كأنكِحةِ التفويض لا فرْقَ بينَها
…
وقولٌ بأنّ العَقْدَ بالفَسْخ يَبطُلُ
ويُفسَخُ من قبلِ الدخولِ وبعدَهُ
…
وقولٌ بأنّ الفَسْخَ قبلُ فحصِّلوا
وفي معرفةِ المدّعي من المُدّعَى عليه [من السريع]:
وسائلٍ عما به المُدَّعَى
…
عليه تدريهِ من المُدَّعِي
(1) زيادة منا؛ ليستقيم الوزن.
(2)
كذا، وهو مكسور.
فقلتُ: نافي الحُكم عن نفسِهِ
…
فيما عليه المُدّعِي يَدّعِي
فهْو المسَمَّى عندَنا مُدَّعَى
…
عليه والثاني يُرى مُدَّعِي
وفيمَن لا تجبُ عليه اليمينُ بمجرَّد الدعوى [من البسيط]:
وسائلٍ عن دَعاوَى كلّما ادُّعِيَتْ
…
لم تُلفَ موجِبةً في الحُكم أَيْمانا
فقلتُ: منها عَبيدٌ يَدَّعونَ على
…
الساداتِ بالعِتقِ والتدبيرِ بُهتانا
وفي الكتابةِ والإيلاءِ بعدُ، ولا
…
يُلفَى لهم شاهدٌ عَدْلٌ بما كانا
ومدَّعٍ بنكاحٍ دونَ بيِّنةٍ
…
ولا اشتهارِ نكاح [كان إعلانا]
وذاتُ زَعْم بأنّ الزّوجَ طلَّقَها
…
ومدَّع والدًا عنهُ [....]
ومدَّعٍ مِلكَ شَخْص لم يقرَّ لهُ
…
لم يعترفْ غيرُه في [الناسِ بُرهانا]
وفيمن يَحلِفُ على مالٍ ويأخُذُه غيرُه [من البسيط]:
وسائلٍ عن أُناسٍ يَحلِفونَ على
…
مالٍ فيأخُذُه غيرُ الأُلى [حَلَفوا]
فقلتُ: والدُ بِكر في الصَّداقِ على
…
زوجٍ إذا لم يكنْ من شأنِه [الحَلِفُ]
ويَحلِفُ الأبُ أيضًا في الصَّداقِ إذا الأزواجُ والأبُ في مقدارِه [اختَلَفوا]
وضدُّ ذاك شَريكٌ في مفاوضةٍ
…
لجاحدٍ ماعليه، هكذا وَصَفوا
وُلد في ربيعٍ الأول عامَ ثمانيةٍ وخمس مئة، وتوفِّي سنةَ إحدى وتسعينَ وخمس مئة.
88 -
محمدُ (1) بن حَسَن بن عُمرَ الفِهْريُّ، سَبْتيٌّ، أبو عبد الله، ابنُ المُحَلِّي (2).
(1) ترجمه ابن الزبير في صلة الصلة 3/الترجمة 32، والسيوطي في بغية الوعاة 1/ 197، وبعض شعره في مذكرات ابن الحاج النميري 41 - 43 (نسخة مرقونة)، وانظر أيضًا برنامج الوادي آشي 64.
(2)
سيأتي شرح هذه النسبة، ولعل ما ضبطناه هو الأوفق، فلعل صاحب هذه الصنعة كان يُحلِّي الكلام بغنائه.
رَوى عن أبي الحَسَن ابن خَرُوف النَّحْويّ، وأبي عليّ ابن الشَّلَوْبِين، وأبي الصَّبر أيوبَ الفِهْرِيّ، وعَدَّ في شيوخِه أبا القاسم بنَ الطيِّب الحاج ابن معزوز، وأبا عبد الله بنَ محمد ابن جَوْهَر.
رَوى عنه أبو عبد الله بنُ عبد الله بن إبراهيمَ البَكْريُّ، وأبَوا عليٍّ الحَسَن بن الحَسَن ابن مكسورِ الجَنْب والحُسَينُ الخَمّاش، وأبو القاسم محمدُ بن عبد الرّحيم ابن الطيِّب المذكور، وأبو محمد عبدُ العزيز بن إبراهيمَ بن عبد العزيز بن أحمدَ الهَوّاريُّ، وجماعةٌ من أهلِ سَبْتةَ.
وكان أديبًا بارعًا، كاتبًا بليغًا ناظمًا وناثرًا، عاقدًا للشّروط، مُبرِّزًا في العدالة، نَحْويًّا ماهرًا، حسَنَ القيام على تفسيرِ القرآنِ العظيم، مُذكِّرًا، حَلّق بالتفسير في سَبْتةَ مُدّة فانتفَعَ به خَلْقٌ كثير، وكان على كلامِه قَبُول، وله في النفوسِ تأثير (1).
واستُقضيَ بسَبْتةَ يومَ الأحد لثلاثَ عشْرةَ ليلةً خَلَت من رجَبِ أربع وخمسينَ وست مئة، إثْرَ وفاةِ قاضيها قبلَهُ الشريف أبي الحَسَن بن أبي الشَّرَف رفيع (2)، واستمرَّت ولايتُه خُطّةَ القضاءِ مشكورَ الأحوال محمودَ السِّير مستقيمَ الطريقة مشهورَ العَدْل إلى غايةِ عُمرِه.
وكان طويلًا نحيفَ الجسم، نظيفَ الملابس، وَقُورًا، جميلَ الهيئة، حسَنَ الخَلق، يَخضِبُ رأسَه ولحيتَه بالحِنّاء، ممّن ساد بنفسِه. وكتَبَ في شبيبتِه عن
(1) قال ابن الزبير: "وكان يعظ الناس بمسجد مقبرة زقلو من سبتة حضرت بعض مجالسه وكلامه في التفسير على المنبر بالمسجد المذكور، وكان فصيحًا لسنًا مفوهًا نبيل الأغراض في وعظه وتحليقه، حسن التناول لا يشارك وعاظ الوقت في شيء من محدثات مرتكباتهم إنما يذكر الآية ويفسرها تفسيرًا مستوفى وينيط بذلك ما يلائم الحال والمقال من حكايات الصالحين وإشاراتهم على أحسن نهج وأبدع نسج، يأخذ من مجالسه الطالب بحظه، والعامي بنافع الترغيب والترهيب من مقصود وعظه، وولي قضاء سبتة آخر عمره ولم يزل مدة قضائه على عادته في تحليقه ووعظه".
(2)
أزهار الرياض 1/ 42، وكتاب الشرف لإبن الشاط، واختصار الأخبار:25.
أبي عبد الرّحمن (1) يعقوبَ بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن المدعوِّ بعَيْن الغزال أيامَ وَلِيَ مدينةَ فاسَ، ووَصَلَ صُحبتَه إلى مَرّاكُشَ.
وكان أبوه حَسَنٌ قَوّالًا يُغنِّي في المحافل والأسواق [مُتلبِّسًا] بذلك، والمتلبِّسُ بهذا العمَل يُعرَفُ في بلاد المغرِب بالمُحَلِّي، [عَرَفتُ بمَرّاكُشَ] شيخًا محليًا ذَكَرَ لي أنه من أصحابِه ومُقاوليه، ومن شعرِه على [طريقةِ أهل التصوُّف] [من البسيط]:
[هل يَطلُبُ] العشقُ قلبًا أنتَ مَطلَبُهُ
…
أو يُذهِبُ الشّوقُ روحًا أنت مُذهِبُهُ
[ما إنْ دعاه] هوى خَلق ليَغلِبَهُ
…
إلا وحبُّك يَدعوهُ فيغلِبُهُ
وكيف يرجو وِصالًا من تبعُّدِهِ
…
أو كيف يَخشَى بِعادًا مَن تُقرِّبُهُ
وكيف يَخرَبُ ربعٌ أنت تَعمُرُهُ
…
بل كيف يَعمُرُ مسكونٌ تُخرِّبُهُ
وقال أهل الهوى: شأنُ الهوى عجَبٌ
…
فقلت: إنّ سُلوِّي عنك أعجَبُهُ
وكل حالُ الهوى صعبٌ مسالكُهُ
…
على المُحبِّ، وسَمْعُ العَذْل أصعبُهُ
يا مَن أُناجيه، والأشواقُ تُوهمُني
…
نَيْلَ الوِصَال، كأنّ الشوقَ يوجبُهُ
كم طيبةٍ لك بالألطافِ توجدُها
…
عندَ اللقا، وفَنائي فيك أطيبُهُ
فارحَمْ تقلُّبَ قلبي فهْو شيمتُهُ
…
حتى يكونَ بما تَرضى تقلُّبُهُ
رِفقًا به فهْو في حالَيْ مُناقضةٍ
…
فالقبضُ يُحزنُهُ والبَسطُ يُطرِبُهُ
ومنّةُ الجُودِ تُدنيه فتؤنسُهُ
…
وخَشيةُ الردِّ تُقصيهِ فتَحجُبُهُ
منايَ أنت وحَسْبي أن تكونَ مُنًى
…
يا واهبًا رَغَباتي قبلَ أرغَبُهُ
كنْ كيف شئتَ فمالي عنك منصَرفٌ
…
فالعبدُ ليس سوى مولاهُ مطلبُهُ (2)
(1) ولي السيد أبو عبد الرحمن عددًا من الولايات منها أنه كان واليًا على مرسية، انظر البيان المغرب 116 (قسم الموحدين).
(2)
وردت في مذكرات ابن الحاج النميري مع فروق يسيرة. وذكر أنه قالها في الحمام ارتجالًا، وهي من آخر ما قاله.
وقولُه فيها أيضًا [من الطويل]:
أبوحُ بما ألقاهُ فهو مباحُ
…
فقَبْليَ أربابُ المحبّةِ باحوا
إذا باحَ مَن قَبْلي ولم يلقَ بعضَ ما
…
لقِيتُ فإنّي ما عليَّ جُناحُ
أأحبابَنا لا تحسَبوا الصبرَ بعدَكمْ
…
سَخِيًّا، ولا أنّ الدموعَ شِحاحُ
وإن فنِيَتْ أجسادُنا وقلوبُنا
…
فتلك العهودُ السالفاتُ صِحاحُ
سَمَحْتُ لكمْ بالنفْس كي أربَحَ الرِّضا
…
على ثقةٍ، إنّ السَّماحَ رَبَاحُ
فؤاديَ منقادٌ إليكمْ مُذلَّلٌ
…
فما لي إذا لَجَّ العَذُولَ جِماحُ
وهل من سبيلٍ أن أطيرَ إليكمُ
…
وقد حُصَّ بي ريشٌ وقُصَّ جناحُ؟
تغيَّر وقتي بعدَكمْ، فكأنّما
…
صباحي مساءٌ، والمساءُ صباحُ (1)
(1) استشهد بهذا البيت مؤلف المنزع البديع في الإخلال بشريطة "العكس والتبديل" قال: "وللإخلال بها خرج قوله:
تغير وقتي بعدكم فكأنما
…
صباحي مساء والمساء صباح
إلى حد المستوخم الغث، وحيز المستهرم الرث، وجانب التعمل لتنقيح المباني دون تصحيح المعاني، وكان من اختلاف المعنى وفساد النظم بحيث لا يخفى؛ ذلك لعدم تساوي طرفي القضيتين وهما المساء والصباح في انعكاس أحدهما على الآخر أو وضعه له بحسب السياق، وذلك هو قبوله وصفه موضعه، وذلك أن دلالة السياق فيه هي الإخبار بشدة الحزن الموجب تغير وقته، فصار الصباح مساءً أي أظلم له الصبح، فهذا صحيح مناسب. فأما عكس هذا وهو وضع المساء للصباح وحمل الصباح عليه وقبول كل واحد منهما موضع صاحبه وهو أن المساء صباح فمبعزل عن الحزن مناقض له. فقد قصر أحد الجزءَين بحسب دلالة السياق على آخر في الحمل وقبول وصفه وموضعه لفساد المعنى؛ فلذلك ينبغي أن يتحفظ بهذه الشريطة وإلا غلطنا فأدخلنا في هذا النوع ما ليس منه". المنزع البديع: 387 ط. مكتبة المعارف. وقد يدل الاستشهاد المذكور على شيء من شهرة شعر ابن المُحلي وسيرورته.
وأوحشتُمُ فالكلُّ في الأُذْنِ نائحٌ
…
لديَّ وآفاقُ الوجودِ [فِسَاحُ]
وما تَفضُلُ الأيامُ أُخرى بذاتِها
…
ولكنّ أيامَ المِلاح مِلاحُ
خرَستُ عن الشكوى إليكمْ مهابةً
…
وألسُنُ حالي بالغرام فِصَاحُ
تمتُّعُ لَحْظي سُنّةٌ في جَمالِكمْ
…
فإنْ لاحظَ الأغيارَ فهو سِفاحُ
ويا عجَبًا أنّي أسيرٌ وأنّني
…
أناشدكُم أنْ لا يُتاحَ سرَاحُ
إذا هزَّ أربابُ السَّماع تواجُدٌ
…
فحَظِّيَ منه زفرةٌ وصياحُ
فها أنا عندَ الباب مُنُّوا أو اطرُدوا
…
فما ليَ عنهُ كيف كان بَراحُ
وقولُه فيها أيضًا [من الطويل]:
غرامي دَعَاني والعَذُولُ نَهاني
…
فوَجْدٌ وعذلٌ كيف يجتمعانِ؟!
أمَا عَلِما أنّي على الشَّحطِ والنَّوى
…
مقيمٌ، وأنّي والهوى أخَوانِ؟
يقولان لي: من ذا دَعاك لِما نَرى؟
…
فقلت: دَعاني حبُّه، فدَعاني
ضمانٌ على قلبي الأسى بعدَ بُعدِهمْ
…
إذا لم يكنْ يومَ اللِّقا بضمانِ
أُعلِّلُ نَفْسي بالسُّلوِّ تعلُّلًا
…
وتلك أمانٍ ما بهِنَّ أماني
إذا خَفَقَ البَرْقُ اليماني بأُفْقِكمْ
…
أُقابلُ ذاك الخَفْقَ بالخَفَقانِ
وإن هَمَلتْ مُزنُ السّحابِ بأرضِكمْ
…
يُغالبُها دمعي على الهَمَلانِ
رعَى اللهُ جِيرانَ العُذَيبِ وأهلَهُ
…
وإن أَتْرَعُوني من هوًى وهَوانِ
همُ وَعَدوا بالغَوْر، ثم تَراوَغوا
…
وهمْ عنفوا بالنّعفِ من بدلانِ
وصَدّوا على صدِّي وبالخَيْفِ خَوّفوا
…
وبانوا بذاتِ البَيْنِ صوبَ أبانِ
لئن حُجِبوا عن ناظري فكأنّهمْ
…
لقلبي يَراهم فيه رأيَ عِيانِ