المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌9 - عليُّ بن محمد بن عبد الرّحمن التَّميميُّ، قَلْعيٌّ -قلعةَ حمّاد- أبو الحَسَن

- ‌15 - عليُّ بن محمد بن يَقديران، بياءٍ سُفْل مفتوح وقافٍ [معقود] ودالٍ غُفْل وياءِ مَدّ وراءٍ وألِف ونون، اللَّمتُونيُّ، أبو الحَسَن

- ‌20 - عليُّ ابنُ المَقْدِسيّ، شَرقيٌّ، دخَلَ الأندَلُسَ

- ‌22 - عُمرُ بن أحمدَ بن عُمر السُّلَميُّ، أُراه من ذوي قَرابةِ [القاضي أبي حفصٍ] عُمر، أبو عليّ

- ‌25 - عُمرُ بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد بن إسماعيلَ بن جَمِيل بن نَصْر بن صِمع القُرَشيُ، كذا نقَلتُ نَسَبَه من خطِّه، تونُسيّ، نزَلَ مَرّاكُش، أبو حَفْص وأبو عليّ، ابنُ صِمع

- ‌31 - عُمرُ بن محمد بن أحمدَ القَيْسيُّ، مَرّاكُشيٌّ فاسيُّ الأصل، [......] صغيراً أبو عليّ ابنُ الفاسيِّ، خالي

- ‌34 - عُمرُ بن محمدٍ الهَوّاريُّ، بِجَائيٌّ؛ أبو عليّ، ابنُ ستِّ الناس

- ‌40 - عيسى بنُ حَمّاد بن محمد الأوربيُّ، تِلِمْسينيٌّ، أبو موسى

- ‌41 - عيسى بنُ حَيُّونَ

- ‌45 - عيسى بن محمد، وَجْديٌّ، أبو موسى

- ‌46 - عيسى بن مُفرِّج بن يَخلُف الزَّنَاتيُّ، عُدويّ

- ‌47 - عيسى بن مَيْمونِ بن ياسين اللَّمْتُونيُّ، مَرّاكُشيٌّ سَكَنَ إشبيلِيَةَ، أبو موسى

- ‌49 - عيسى بنُ يوسُفَ بن أبي بكرٍ الصُّنهاجيُّ، تِلِمْسيني، سَكَنَ مَرّاكُشَ وغيرَها، أبو موسى، ابنُ تامحجلت

- ‌51 - الغازي [

- ‌58 - محمدُ بن أحمدَ بن سَلَمةَ بن أحمدَ الأنصاريُّ، تلمسينيٌّ [لُوْرْقيُّ] الأصل، أبو عبد الله، ابنُ سَلَمةَ

- ‌59 - محمدُ بن أحمدَ بن عبد الله بن محمد بن عُمرَ السُّلَميُّ، فاسيٌّ شُقْريُّ [الأصل، أبو عبد] الله

- ‌60 - محمدُ بن أبي العبّاس أحمدَ بن أبي القاسم عبدِ الرّحمن بن عثمانَ التَّميميُّ، بِجَائيٌّ جَزائريُّ الأصل، أبو عبد الله، ابنُ الخَطيب

- ‌63 - محمدُ بن أحمدَ بن محمد بن أبي الحُسَين سُليمانَ بن محمد بن عبد الله السَّبَئِيُّ، مَرّاكُشِيٌّ، مالَقيُّ أصلِ السَّلَف، أبو عبد الله، ابنُ الطَّراوة

- ‌67 - محمدُ بن إبراهيمَ بن أبي بكر بن عبد الله بن سَعِيد بن خَلُوف بن عليِّ بن نَصْر القَيْسيُّ، تِلِمْسينيٌّ

- ‌69 - محمدُ بن إبراهيمَ بن عُمرَ بن منصُور بن عبد الله الزّهيليُّ

- ‌70 - محمدُ بن إبراهيمَ بن محمد بن محمدِ بن إبراهيمَ بن يحيى بن إبراهيمَ بن يَحيى بن إبراهيمَ بن خَلَصةَ بن سَماحةَ الحِمْيَريُّ الكُتَاميُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو عبد الله، ابنُ إبراهيم

- ‌72 - محمدُ بن إبراهيمَ اللَّوَاتيُّ، أبو عبد الله

- ‌78 - محمدُ بن أبي القاسم بن مَيْمونٍ الهَوّاريُّ

- ‌81 - محمدُ بن بَكّار التَّميميُّ، مَسِيليٌّ، ثم قَلْعيٌّ

- ‌82 - محمدُ بن تاشَفينَ بن يوسُفَ بن أبي بكر بن يِيْمَد -بياءٍ مسفول وياءِ مَدّ وفتح الميم ودالٍ غُفْل- ابن سَرْحوب، أبو عبد الله

- ‌83 - محمدُ بن جابرِ بن أحمدَ القَيْسيُّ، مَرّاكُشيٌّ

- ‌86 - محمدُ بن الحَسَن بن عَتِيق بن الحَسَن بن محمد بن حَسَن التَميميُّ، مَهْدَويٌّ سَكنَ بأخَرةٍ مَرّاكُش، أبو عبد الله، [ابنُ منصورِ الجَنْب]

- ‌89 - محمدُ بن الحَسَن الخَزْرَجيُّ، أبو عبد الله

- ‌96 - محمدُ بن سُليمانَ الدَّكاليُّ، أبو عبد الله

- ‌97 - محمدُ بن سُليمانَ اللَّمْتُونيُّ

- ‌98 - محمدُ بن سير بن محمد بن عُمرَ اللَّمْتُونيُّ

- ‌101 - محمدُ بن عبدالله بن سَعِيد، تِلِمْسينيٌّ، أبو عبدالله

- ‌107 - محمدُ بن عبد الله بن مالكٍ الكَلْبيُّ، أبو عبد الله، زبريج

- ‌108 - محمدُ بن عبد الله بن مُبشّرِ بن عبد الله بن يونُسَ بن عِمْرانَ القِيْسيُّ، مِكْناسيٌّ مكناسةَ الزّيتون، أبو عبد الله

- ‌110 - محمدُ بن عبد الله بن يَلُوسْفَان

- ‌112 - محمدُ بن عبد الرّحمن بن موسى، [أبو عبد الله، ابنُ الحاجّ]

- ‌115 - محمدُ بن عبد الرّحمن اللَّمَطيُّ، ابنُ تازليت

- ‌132 - محمدُ بن عِمرانَ بن موسى الصُّنهاجيُّ، عُدْويُّ

- ‌144 - محمدُ بن موسى الصُّنْهاجيُّ، [أبو] مَرْيَم

- ‌145 - محمدُ بن مَيْمونِ بن ياسين [الصُّنْهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ] ، استَوْطنَ إشبيلِيَةَ، أبو عبد الله

- ‌146 - محمدُ بن وارتدفي الصُّنهاجيُّ

- ‌148 - محمدُ بن يحيى بن داودَ التادَليُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو عبد الله

- ‌149 - محمدُ بن يحيى، طَنْجيٌّ

- ‌153 - محمدُ بن يوسُفَ بن عبد الله بن محمد بن عامُور، أبو عبد الله

- ‌156 - محمدُ بن يوسُفَ الصُّنهاجيُّ

- ‌160 - مَرْوانُ بن عبد الملِك بن إبراهيمَ الهلاليُّ، طَنْجيُّ الأصل أَظُنُّه وُلد بها أو ببعضِ بلادِ العُدْوة، أبو محمد

- ‌162 - مَرْوانُ بن محمد بن عليّ بن مَرْوانَ بن جَبَل الهَمْدانيُّ، تِلِمْسينيٌّ [وَهْرانيُّ الأصل] حديثًا، شَلْوبانيُّهِ قديمًا، أبو علي

- ‌163 - مَرْوانُ بن موسى بن نُصَيْر [

- ‌164 - مَسْعودُ بن عبد الكريم بن عليِّ بن عبد المُحسِن، تونُسيٌّ

- ‌165 - مَسْعودُ بن عليِّ بن المنصُور المَصْمُوديُّ الصّلتانيُّ المَنْفِيُّ من كُورةِ طَنْجة

- ‌175 - موسى بنُ أبي القاسم عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد بن عيسى المَرّاكُشيُّ، أبو عِمرانَ المالَقيُّ

- ‌180 - موسى بن هارونَ بن خِيَار، أبو عِمران

- ‌189 - نَصْرُ بن أبي الفَرَج، صِقِلِّيٌّ، أبو الفُتوح

- ‌193 - يحيى بن أحمدَ الأنصاريُّ، سَبْتيٌّ، أبو بكرٍ النّكاريُّ

- ‌195 - يحيى بنُ أبي بكر بن مكِّيّ، بِجَائيٌّ، أبو زكريّا

- ‌204 - يحيى بن محمد الصُّنْهاجيُّ، أبو زكريّا

- ‌207 - يحيى بنُ أبي عُمرَ مَيْمون بن ياسين اللَّمْتُونيُّ مَرّاكُشيٌّ، أبو زكريّا

- ‌209 - [يَديرُ بن تونارت] الهَسْكوريُّ، أبو محمد

- ‌212 - يَعْلَى بن الفُتُوح الأوربيُّ، أبو محمد

- ‌213 - يَعْلَى بن ناصِر اليَجْفَشيُّ، أبو الحَسَن

- ‌215 - يكسفانُ بن عليّ اللَّمْتُونيُّ، أبو محمد

- ‌216 - يكسفانُ بن عيسى اللَّمْتُونيُّ الغَزّاليُّ، أبو محمد

- ‌217 - يكسفانُ بن محمدٍ اللَّمْتُونيُّ

- ‌220 - يوسُفُ بن تاشَفين بن إسحاقَ بن محمد بن عليّ الصُّنْهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو يعقوبَ

- ‌223 - يوسُفُ بن عليّ بن جعفر، تِلِمْسينيٌّ

- ‌225 - [يوسُفُ بن عليّ؟] الصُّنهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ، أبو يعقوبَ، ابنُ بزْوِيْنا، [بالباء] وسكونِ الزاي وواوٍ وياءِ مَدّ ونونٍ وألف

- ‌231 - يوسُفُ بن مُبشَّر الصُّنهاجيُّ

- ‌234 - يوسُفُ بن يحيى بن الحاجِّ علي بن عبد الواحِد بن غالبِ المُهْريُّ، سَلَويٌّ سَكَنَ قَصْرَ عبد الكريم مدّةً ومالَقةَ مدّةً أخرى وسِجلْماسةَ أخرى، واستَوطنَ بأخَرةٍ أغماتِ وريكة، أبو يعقوب، ابنُ الجَنّان

- ‌هذا ذكرُ النّساء

- ‌248 - أُمُّ مُعفّر، إحدى حَرَم الأمير محمدِ بن سَعْد

- ‌254 - رَشِيدةُ

- ‌256 - زُمُرُد

- ‌262 - سعيدةُ بنتُ محمد بن فِيرُّه الأمويِّ التُّطِيليِّ

- ‌268 - غايةُ المُنى

- ‌276 - لُبنَى

- ‌277 - مُزْن

- ‌285 - ابنةُ محمد بن فِيرُّه الأمَويِّ التُّطِيليِّ، أُختُ سعيدةَ المذكورةِ قبلُ وصغيرتُها

- ‌288 - الشِّلْبيّةُ

- ‌الغرائب

- ‌292 - زينبُ ابنةُ إبراهيم بن يوسُف بن قُرقول

- ‌293 - سارة

الفصل: ‌41 - عيسى بن حيون

كريمَ الطِّباع طيِّبَ النَّفْس، متبرِّعًا بقضاءِ حوائج الناس، متواضعًا معظَّمًا عند كلِّ مَن يَلقاه، مَهِيبًا مِقْدامًا، فصيحَ اللِّسان، يرغَبُ الملوكُ [في الاستماع إليه].

قال أبو عبد الله بنُ عَسْكر (1): لمّا تزوَّجتُ كان في نَفْسي [أن لا أستدعيَه إلّا في يوم الإطعام] وأكبَرتُ استدعاءه يومَ الذَّبح؛ لكونِه يومَ مِهنةٍ وتعب، [فبينَما أنا أتصرَّفُ في] أسبابِ ما كنتُ بصَدَدِه قُرع البابُ، فأذِنتُ في فتحِه، فإذا أبو الفَضل [يَدخُلُ عاتبًا] عليّ وقائلًا: ما كنتُ أظُنُّ منكَ هذا، هلّا استدعيتَني حتّى [أتصرَّفَ في جُملةِ من يتَصرَّف؟] فخَجِلتُ منه واعتَذرْتُ إليه بإجلالِه عن إحضاره لمثل هذه [الأشياء، فقال: لا عليكَ] الموضِعُ موضِعي، وسواءٌ استُدعِيتُ أم لم أُستَدْعَ، فشَكرتُه على [تواضُعِه وعلوِّ] قَدْرِه وجميل عِشرتِه.

وُلد بسَبْتَةَ لإحدى عشْرةَ ليلةً بقِيت من المحرَّم إحدى وستينَ وخمس مئة، وتوفِّي بمالَقةَ في العَشْر الوُسَط من جُمادى الآخِرة سنةَ ثلاثينَ وست مئة.

‌40 - عيسى بنُ حَمّاد بن محمد الأوربيُّ، تِلِمْسينيٌّ، أبو موسى

.

رَوى بالأندَلُس عن أبي عليّ الصَّدَفيِّ (2)؛ وكان من أهل الضّبطِ والإتقان، والزُّهدِ والدّينِ المتين.

‌41 - عيسى بنُ حَيُّونَ

.

كان فقيهًا قاضيًا بأرشقولَ (3) لإدريسَ بن عيسى، ودخَلَ الأندَلُسَ غازيًا، حَكَى عنه أبو عُبَيدٍ البَكْريُّ في أخبارِ الأدارسة عندَ ذكْرِه مدينةَ فاس من كتابِه في "المسالك والممالك"(4).

(1) أعلام مالقة (151)، قال ابن خميس:"حدثني خالي رحمة الله عليه قال" وخاله هو ابن عسكر، وهو مؤلف أعلام مالقة الذي هذبه وأكمله ابن أخته ابن خميس.

(2)

لم يذكره ابن الأبار في المعجم الذي ألفه في أصحاب أبي علي الصدفي.

(3)

من مدن المغرب القديمة على نهر تافنا أوى إليها بعض الأدارسة وأقاموا فيها إمارة. (الروض المعطار 26، والبكري 77 - 78 وفيه: "جنون" بدل "حيون").

(4)

البكري 122.

ص: 115

42 -

عيسى (1) بن عبد الله الطَّويلُ، من أهل المدينةِ كرَّمها اللهُ.

صَحِبَ موسى بنَ نُصَيْر، وكان على غنائمِه بالأندَلُس أيامَ كونِ موسى بن نُصَيْر فيها. ذَكَرَه ابنُ الأبّار، وليس من شَرْط كتابِه ولا كتابي، إلّا أنْ يَغلِبَ على الظنِّ أنّ مثلَ موسى بن نُصَيْر لا يَستعمِلُ على الغنائم إلاّ مَنْ كان من أهل العلم، واللهُ أعلم.

43 -

عيسى (2) بن عبد العزيز يَلَّبَخْت، بفتح الياءِ المسفول وفتح اللام المشدَّد، وهو اسمٌ مقتَضَب من يَلّا البَخْت، ومعنى يَلّا عندَ المَصامِدة: له أو: عندَه، ابن وَماريلي، بفتح الواو، ومعناه: ابن، وميم وراءٍ وياءِ مَدّ ولام وياءِ مَدّ، القزُوليُّ بقاف معقود مضموم، وزاي وواوِ مَدّ ولام منسوبًا، اليَزْدَكْتَنِيُّ، بفتح الياءِ المسفول وإسكانِ الزّاي وفتح الدال الغُفْل وإسكانِ الكاف وفتح التاءِ المعلوِّ ونونٍ منسوبًا.

وأُمُّه تِيْلَّمان، بتاءٍ معلوّ وياءِ مَدّ ولام مشدَّد مفتوح وميم وألفٍ ونون، وهو مقتضَبٌ، من تينِ الأمان، ومعنى تين: صاحبة، بنتُ تِيْفاوْت، بتاء مسفولٍ وياءِ مَدّ وألف وواو ساكن وتاءٍ معلوّ، ومعناهُ: الضِّياء، وموضِعُه من بلادِ قَزُولةَ، يُدعَى آيدا وَغَرْدا، بهمزة وألف وياءٍ مسفول [ودال غُفْل وألف]، ومعناه: أهلٌ أو طائفة، وواو مفتوح ومعناه:[ابن، وغَيْن] معجَمٍ مفتوح وراءٍ

(1) ترجمه الحميدي في جذوة المقتبس (681)، وعنه الضبي في بغية الملتمس (1147)، وابن الأبار في التكملة (2873).

(2)

ترجمه القفطي في إنباه الرواة 2/ 378، وابن الأبار في التكملة (2920)، وابن خلكان في وفيات الأعيان 3/ 488، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 103، وابن الوردي في تاريخه 2/ 132، والذهبي في المستملح (736)، وتاريخ الإسلام 13/ 170 و 246، وسير أعلام النبلاء 21/ 497، والعبر 5/ 24، واليمني في إشارة التعيين 247، والفيروزآبادي في البلغة 179، وابن الجزري في غاية النهاية 1/ 611، والقادري في نهاية الغاية، الورقة 180، والسيوطي في بغية الوعاة 2/ 236، وابن العماد في الشذرات 5/ 26.

ص: 116

ساكن ودالٍ غُفْل وألفٍ، ومعناه:[الفار، وأصلُه] بألفٍ قبلَه همزة، ثم تُحذَفانِ تخفيفًا، فكأنّ معنى اسم هذا [الموضع: طائفةُ ابن الفار].

شرَّقَ أبو موسى وحَجَّ وحضَرَ بمِصرَ مجلسَ أبي محمد عبد الله [بن بَرِّي بن عبد] الجَبّار بن بَرِّي رئيس النَّحْويِّينَ بالبلادِ المِصريّة، والمرجوع إليه [في عِلم] العربيّة، وأبو موسى لا يُحسِنُ شيئًا من النَّحو فبحبِّه في العلم ومُواظبتِه على طلبِه لم يمُرَّ له إلا القليلُ حتى فَهِمَ الطريقةَ وتكلَّمَ فيها معَ أربابِها، وعَكَفَ على قراءةِ النّحو عندَ أبي محمد بن بَرِّي، وقَرأَ عليه "تاج اللغة وصِحاحَ العربيّة" لأبي نَصر إسماعيل بن حَمّاد النَّيْسابوريِّ الجَوْهريّ، وكتبَه بخطِّه، ورَوى أيضًا هنالك عن مهذَّب الدِّين أبي المحاسِن مُهلَّب بن الحَسَن بن بَرَكاتِ بن عليِّ بن غِيَاث بن سَلْمانَ المُهلَّبيِّ النَّحويّ اللُّغويّ، وبالإسكندَريّة عن أبي الطاهر السِّلَفيِّ، وأبي حَفْص عُمرَ بن أبي بكر بن إبراهيمَ التّميميِّ السَّعْديِّ الصِّقِلّي. ثُم قَفَلَ إلى بلادِ المغرِب، فأقام بجزائرِ بني زَغنَى (1) مُدّةً أخَذَ بها عن أبي عبد الله بن إبراهيم (2) أصُولَ الفقه ولزِمَه حتى أتقنَه، ودرَّس أثناءَ مقامِه بها العربيّة، فأخَذَ عنه بها حينَئذٍ أبو زكريّا يحيى بنُ مُعْط بن عبد النُّور الزَّواويُّ المُستوطِنُ بعدُ دمشقَ المدعوُّ هناك بزَيْن الدِّين ناظمُ الأُرجوزةِ المهذّبةِ في النَّحْو الموسومةِ بـ "الدُّرّةِ الألفيّة في عِلم العربيّة"(3)، وأبو عبد الله محمدُ بن قاسم ابن مِنْداس، وأخَذَ عنه بها أو بغيرها من بلاد إفريقيّةَ أبو زكريّا يحيى بن عليِّ بن الحَسَن بن عليّ ابن حَبُوس الهَمْدانيّ، وأبو عبد الله محمدُ بن عليّ بن بلقينَ القَلْعيُّ ابن طَرَفة.

ثم أجازَ البحرَ إلى جزيرةِ الأندَلُس، فكتبَ (4) بالمَرِيّة زمانًا، وأخَذَ عنه بها من أهلِها جماعة، منهم: أبو إسحاقَ بنُ غالب، وأبو عبد الله بن أحمدَ ابن

(1) هي عاصمة الجزائر الحالية.

(2)

سترد ترجمته في هذا السفر رقم (73).

(3)

هي الألفية السابقة على ألفية ابن مالك، وهي مطبوعة، وترجمة ابن معط في بغية الوعاة 2/ 344.

(4)

هكذا في الأصل، ولعلها فمكث أو أنها بتشديد التاء.

ص: 117

الشَّوّاس، ثم عاد إلى العُدْوة وأخَذَ عن أبي محمد الحَجْريِّ، واستَوْطنَ مَرّاكشَ وانتَصَبَ فيها لتدريس العربيّة، فأخَذَ عنه بها أبو إدريسَ يعقوبُ بن يوسُف الصُّنْهاجيُّ، وأبو إسحاقَ ابن القَشّاش شيخُنا، وأبو بكرٍ عبدُ الرحمن ابن دَحْمان، وأبو الحَجّاج ابن علاءِ النّاس، وأبو الحَسَن ابن القَطّان، وأبو زَيْد المَكّاديُّ، وأبَوا عبد الله: ابنُ إبراهيمَ الوَشْقيُّ، وابنُ أبي الرّبيع بن محمد الإيلانيّ، وأبوا العبّاس: ابنا المحمَّدَيْنِ: ابن زكريّا المنجصيُّ، والمَوْرُوريُّ، وأبوا محمدٍ: عبدُ الصّمد ابن يُوْشْجَل، ويُكتَبُ أيضَا: يُوجْكَل، [وبالرَّسْمَيْنِ وقَفتُ عليه في خطِّ] أبي موسى في موضِعَيْن، وهو بالياءِ المسفول وواو مَدّ وجيم [معقودٍ ساكن وقافٍ] معقود مفتوح ولام، ومعناه

المَجّونيّ [بفتح الميم وجيم] مشدَّد وواوِ مَدّ ونون منسوبًا (1)، وعبدُ الكريم بن محمد الخُزَاعيُّ، وأبو يعقوبَ [بن يحيى بن عيسى] بن عبد الرحمن التادَليُّ ابنُ الزَّيات.

وكان كبيرَ النُّحاة غيرَ مُدافَع، [جيِّدَ التلاوة] حسَنَ الإلقاء، حافظًا للُّغة ضابطًا لما يقيِّدُ، حسَنَ الخَطّ المشرِقيّ [وافرَ الحَظّ من الفقه] بارعًا في أصُولِه، متعلِّقًا بطرَفٍ صالح من روايةِ الحديث، معَ الوَرَع والزُّهد [والصَّلاح] والانقباضِ عن مخالطةِ الناس ومُداخَلةِ أبناءِ الدنيا، وهُو أولُ من أدخَلَ "صحاحَ الجَوْهريِّ" إلى المغرِب.

وله مصنَّفاتٌ في النَّحو مفيدة، أشهَرُها: التقييدُ المحاذي بهِ أبوابَ "الجُمَل" للزَّجّاجيّ المسَمَّى بالاعتماد، وبالقانونِ أيضًا، الجاري عليه بينَ الناس [اسمُ]

(1) ورد اسمه في التشوف هكذا: "سمعت أبا محمد عبد الصمد بن يوجكل الركوني يقول" فهو إذن من شيوخ التادلي أو أصحابه. قال: "بلد ركونة من عمل مراكش" التشوف: 401، ووردت هذه النسبة عنده مرة ثانية (ص 21)، والتادلي ضابط وأقدم من ابن عبد الملك، وابن عبد الملك أكثر منه اطلاعًا. وقد ضبطها كما ترى بالحروف وقد وردت عنده نسبة الركوني في موضع آخر. وانظر هل النسبة المذكورة إلى جبل مكون أو إلى قلعة مجونة.

ص: 118

الكُرّاسة القَزُوليّة، ومن الناس -وأكثرُهم بعضُ الأندَلُسيِّين (1) - من يَنسُبُها لشيخِه أبي محمدٍ ابن بَرِّي ويَذكُرُ عن أبي موسى أنه كان يقول: إنها جمْعُ تلامذة أبي محمد بن بَرّي حسبَما لَقِنُوهُ عنه، ومنهم مَن يَأْثَرُ عن أبي موسى أنها من إملاءاتِ ابن بَرِّيّ على أبوابِ "الجُمَل" وأنّ أبا موسى كمَّلَها، وكلُّ ذلك ممّا لا ينبغي التعريجُ عليه، وإنّماَ هي تقوُّلاتُ حَسَدتِه النافِسينَ عليه، وإلا فلمَ [لم] تُعرَفْ إلا من قِبَل أبي موسى وقد أخَذَها الناسُ عنه ودرَّسهم إياها ولم تُشهَرْ إلا له؟ وقد وقَفْتُ على خطِّه في نُسَخ منها محمِّلًا إياها بعضَ آخِذيها عنه، ولم يأتِ بها أحدٌ زاعمًا أنه أخَذَها عن ابن بَرِّيّ على كثرةِ تلاميذِه والآخِذينَ عنه إلى عصرِنا هذا، ولم يزَلْ أبو موسى يتَولّى تهذيبَها وتنقيحَها والزّيادةَ فيها والنقْصَ منها وتغييرَ بعض عباراتها حسبَما يؤدِّيه إليه اجتهادُه ويقتضيه اختيارُه، وشهيرُ وَرَعِه يَزَعُه عن التعرُّض إلى مثل هذه التصرُّفاتِ في غير مصنَّفِه، اللهمّ إلا أن يكونَ ابنُ برِّيّ قد أذِنَ لهُ في ذلك، وهو بعيدٌ إن لم يكنْ باطلًا؛ لِما تقَدَّم من أنه لم يأتِ بها أحدٌ عنه ولا نَسَبَها إليه منذُ مئةٍ وثلاثينَ سنةً أو نحوِها وهلُمَّ جَرًّا، وعلى الجملة، فإنه كان راسخَ القَدَم في النَّحو، ولا سبيلَ إلى إنكارِ ذلك، ومصنَّفاتُه تشهَدُ بذلك، ككتابِه الذي بَسَطَ فيه مقاصدَ هذا "الاعتماد" وتوفِّي

(1) منهم ابن الزبير في الصلة (4/الترجمة 103)، وابن الأبار في التكملة رقم (2920) ولعلهما تابعا في ذلك الشلوبين الذي كان يعتقد فيها أنها ليست لأبي موسى، قال أبو جعفر اللبلي:"وما ظنه غير صحيح، وقد بينت ذلك في البرنامج الكبير". وقد ألف البقوري دفين مراكش في الموضوع كتاب "الانتصار لأبي موسى الجزولي" كما أن المنصفين من الأندلسيين أعجبوا بها وعنوا بتدارسها وشرحها، ولابن حوط الله في مدحها:

كراسة في النحو لكنها

تحوي من العلم كراريسا

صغيرة الحجم وقد أسَّست

قواعد الصنعة تأسيسا

قد مخض الزبد بها نحوه

فاستوجب الشكر أبو موسى

ونظمها بعضهم وهو ابن غياث الشريشي في رجز تعليمي. انظر الذيل والتكملة (6/الترجمة 779)، ورحلة ابن رشيد 2/ 236 تحقيق الشيخ ابن الخوجة، ومذكرات ابن الحاج النميري:48.

ص: 119

قبلَ إكمالِه، وشَرَحَ أيضًا "إيضاحَ" الفارسيِّ جُملةً، وشَرَحَ شواهدَه مُفردةً، إلى غيرِ ذلك من التنبيهاتِ والمعلَّقات [على "كتاب] سِيبوَيْه"، و"مفصَّل" الزمخشَريّ، وغيرِ ذلك (1) ممّا يُعرِبُ عن وفورِ [مَلَكتِه وسَعةِ] إدراكِه في هذا الفنّ، وقد حدَّثني غيرُ واحد ممّن لقِيتُه أنّ [الشَيخَ النَّحويَّ] الحافلَ أبا عليّ ابنَ الشَّلَوْبِين (2) قَدِمَ على مَرّاكُش أوّل قَدَماتِه عليها [وصِيتُه بعيد،] وذِكْرُه عتيد، وهُو مستعدٌّ بما عندَه للظهورِ على من اشتَملت عليه [الحضرةُ من المُرتسِمينَ] بالعربيّة، فدَخَلَ إليها من باب دكالةَ أحدِ أبوابِها الشَّماليّة، [وكان] أبو موسى في ذلك الوقتِ يدرِّسُ في مسجدٍ على الطريق بمقرُبةٍ من ذلك البابِ [الذي اجتازَ] به الأستاذُ أبو عليّ، وسمع أصواتَ طلبةِ العلم قد عَلَت بالمُذاكَرة والمُباحثة، فسألَ عن ذلك فأُخبِر أنه مجلسُ بعضِ أساتيذِ العربيّة، فدَخَلَ إليه متشوِّفًا ومتطلِّعًا على مَراتب طلبةِ مَرّاكُشَ في النّحو، فألْفاهُم يتفاوَضُونَ في مسائلَ من النَّحو، وبينَما هو يَسَتطرِفُ مأخَذَهم في المُناظرة دَخَلَ أبو موسى رجلًا رقيقَ الأدَمة تعلوهُ صُفرة، ذا غديرتَيْنِ، مُبتذَل الملبَس، على رأسِه قُلُنْسُوة عزف، على زيِّ ذوي المِهَن من بَرابرةِ البوادي، وعندَما أطلَّ عليهم سَكَتوا وسَكَنوا هَيْبةً له وإجلالًا، ولمّا استقَرَّ بأبي موسى المجلسُ أخَذَ يتكلَّمُ في بعض أبوابِ العربيّة بضَبْطِ قوانينِها وتقييدِ مسائلِها وإحكام أصولِها بما لا عهدَ لأبي عليّ بمثلِه، فبُهِتَ عندَ ذلك وسُقِطَ في يدِه، وقال: إذا كان مثلُ هذا الموضع الخامل الذي

(1) أشار ابن خلكان 3/ 484 إلى بعض مؤلفات الجزولي التي لم يذكرها المؤلف فقال: "وسمعت أن له أمالي في النحو ولكنها لم تشتهر، ورأيتُ له مختصر الفسر لإبن جني في شرح ديوان المتنبي".

(2)

ترجمته ومصادرها في السفر الخامس (الترجمة 807) وفيها أنه قدم مراكش أيام المنصور من بني عبد المؤمن، وذكر بعض من ترجم له أنه شرح الكراسة الجزولية شرحين اثنين (انظر بغية الوعاة 2/ 225) ويبدو أن ذلك وهم جره تشابه الألقاب فالذي شرح الجزولية هو أبو عبد الله محمد الشلوبين المالقي وليس أبا علي عمر الشلوبين المشهور، قال ابن عبد الملك في ترجمة الأول:"وكمّل ما كان بدأ به أبو الحسن ابن عصفور من التعليق على "القزولية" كتابًا مفيدًا"(الذيل والتكملة 6/الترجمة 1242).

ص: 120

لا يكادُ يُؤبَهُ له، ولا يُعَدُّ من كبارِ مجالِس العلم؛ لكونِه في أُخْرَياتِ البلد، يَنتصبُ للتدريس فيه مثلُ هذا البَرْبريِّ البعيدِ في بادي الرأي عن التكلُّم، فضلًا عن مثلِ هذا الاستبحارِ في النَّحو، فما الظنُّ بالمجالِس المحتفِلة والمساجدِ المشهورة التي يَعتني بها وبمدرِّسيها ولاةُ الأمر ويَعظُمُ فيها الحَفْل ويجتمعُ إليها أكابرُ طلبةِ العلم؟ هذا بلدٌ لا أسُودُ فيه بعلمي، فانكفَأَ للحِين من ذلك الموضع، ولم يحُلَّ بمَرّاكُشَ ولا حضَرَ مجلسًا من مجالِس أساتيذِها، وعاد إلى بلدِه إشبيليةَ مُقْضيًا العجبَ مما شاهدَه، ولمّا شاع ذكْرُ أبي موسى واشتُهر أمرُه وعُرِفَ قَدْرُه، تكاثَرَ طلَبةُ العِلم عليه وانثَالوا من كلِّ حَدْبٍ إليه حتى ضاقَ عنهم ذلك المسجدُ الذي كان يدرِّسُ فيه، فانتقلَ إلى مسجدِ ابن الأبكَم شَماليَّ محَلّةِ الشرقيِّين أسفلَ ممرِّ بابِ أغمات الأعظم إلى جهةِ العوّادِين، ولمّا نُمِيَ إلى المنصور، من بني عبد المؤمن، خبَرُه وقرِّر عندَه ما هو عليه من الدِّين والزُّهدِ والوَرَعِ والتقشُّف والإعراضِ عن الدّنيا والانقطاع إلى [نَشْر العلم والبُعدِ عن التعرُّض] لأهلِ الجاهِ من الأُمراءِ والوُلاة - وكان دأْبُ عبدِ المؤمن وبنيهِ [التنقيرَ عمّن هذه] حالُه والكشفَ عن باطنِ أمرِه متخوِّفينَ ثورتَه وخروجَه عليهم -[فأمَرَ كبيرَ وُزرائه] أبا زيدِ ابنَ يَوُجّانَ (1) - بياءٍ مسفولٍ مفتوح وواو مضموم وجيم مشدَّد [وألفِ مَدّ ونون - ونقيبَ] طلبةِ العلم حينَئذٍ أبا القاسم ابنَ أبي محمد المالَقيَّ (2) فأمَرَهما بالتوجّه إليه [وإحضارِه بينَ] يدَيْه، وأوعَزَ إلى

(1) هو أبو زيد عبد الرحمن بن موسى بن يوجان الهنتاتي، انظر فيه: المعجب: 338، 387، 393 والبيان المغرب (في مواضع متعددة) والروض المعطار (مادة جنجالة).

(2)

هو الحسين بن عبد الله المعروف بابن المالقي، ولد بإشبيلية سنة 567 هـ وتوفي بمراكش سنة 617 هـ ترجمته في التكملة (741) والإعلام للمراكشي 3/ 200 وفيها أنه "كان بمراكش رئيس الطلبة، وهي خطة سلفه" أما سلفه المشار إليه فهو والده أبو محمد عبد الله، وترجمته في التكملة (2109) ونيل الابتهاج: 134 ويتردد ذكره في كتب التاريخ مثل المن بالإمامة والمعجب والبيان المغرب والأنيس المطرب، وله أولاد آخرون منهم أبو علي بن أبي محمد المالقي، كان على قضاء قرطبة واستدعي منها إلى حضرة مراكش "وقُدّم بها على طلبة الحضر خطة أبيه وإخوته" كما في البيان المغرب 3/ 233 - 234 قسم الموحدين.

ص: 121

وزيرِه أنه إنْ وافَقَه على الوصُولِ مَعه استَصْحَبَه مُكرَّمًا مبرورًا، [وإن بَدَا] منه تأبٍّ أو تلكُّؤٌ ضَرَبَ عنُقَه في مجلسِه وجاء برأسِه، فتوجَّها إليه، ولمّا دخَلا عليه [أمّا] نحوَهُ، فلم يَعْبَأْ بهما ولا عَرَفَ من هما، وظنَّهما ممّن قَصدَ إليه لاقتباسِ العلم، ولمّا انتَهَيا إليه سَلَّما عليه فرَدَّ عليهما السلام، ومَرَّ في شأنِه غيرَ معرِّج عليهما، فمَكَثا هُنَيْأةً، فرأَيا من حالِه وهيئتِه ومعرفتِه وهيبتِه عندَ الحاضِرينَ ما أوقَعَ في نفوسِهما إجلالَه، ثم دَنَا له الوزيرُ وقال له: أجِبْ أميرَ المؤمنين، فإنّا رسولاهُ إليك، فسَبْحَلَ وحَسْبَلَ وحَوْقَلَ وقال: ما لي ولأميِر المؤمنين! وأخَذَ يُكرِّرُها، فتشاغَلَ عنه الوزيرُ بالتكلُّم معَ بعضِ مَن وَليَه من حاضِري طلبةِ المجلس، وأشار إلى رئيس الطلبةِ بأن يُلقيَ إليه ما يُهَوِّنُ عليه إجابةَ الدّعوة والعملَ على مَرْضاةِ أميرِ المؤمنين، ويُعرِّضَ له بما تَجُرُّ الإبايةُ عن ذلك ممّا يُحذَرُ عليه، فلم يزَلْ يتَلطَّفُ به حتّى أجابَ إلى ما دُعيَ إليه على كُرهٍ منه، وتوجَّهَ معَهما، وأخَذَ أبو القاسم يؤنِسُه ويُلقي إليه صورةَ لقائه المنصُورَ كيف تكون، ويؤكِّدُ عليه في مُوافقةِ أغراضِه جمع، حتى انتَهَيا به إلى مجلسِ المنصُور، فدَخَلَ عليه متلفِّفًا في عباءةٍ مؤتزِرًا بقطعةِ ثوب صُوف، فعَجِبَ من هيئتِه، واختَبَره بكلِّ وجهٍ واستَنْطَقَه، فألْفاهُ أحدَ رجالِ الكمالِ فصاحةً ودينًا وفضلًا وعلمًا، فقرِّبَه وأدناهُ ولاطَفَه في المُكالمة حتى آنَسَه، وأمَرَه بنَزْع ما عليه من الثّيابِ ولُبْسِ كُسوةٍ كاملة قد أُعدَّت له، فامتَثلَ للأمرِ عملًا على إشارةِ أبي القاسم، ثم صَرَفَه مُكرَّمًا منوَّهًا به، وأصْحَبَ النقيبَ أبا القاسم ابنَ المالَقيِّ مؤنِسًا إياه، فلمّا انتَهَيا إلى باب السّادة، أحدِ أبوابِ القَصْر المُفْضِيةِ إلى ظاهرِه وخارجَ مَرّاكُش، قُدِّمت إليه بَغلةٌ فارهةٌ قد عُيِّنت. لركوبِه، فأشار عليه أبو القاسم بركوبِها، وتوَجَّه معَه نحوَ مَرّاكُشَ حتّى دخَلا على بابِ القصر، وهو الجاري عليه اسمُ بابِ الرَّبّ، وأبو موسى لا يَعرِفُ أين يُتوجَّهُ به، حتّى أفْضَيا إلى دارٍ بمحَلّةِ هرغةَ، فدخَلا إليها، فوجَداها [مُشتمِلةً على جميع ما] يَحتاجُ إليه طالبُ العلم المتمدِّنُ من كُتُبِ العلم منوّعة [الفنون وعَبيدٍ وإماء] وبُسُطٍ وفُرُش ومُعلَّقاتٍ ومَواعينَ وأثاثٍ وخرثيّ وأطعمةٍ على اختلافِها وتوابلَ ووقودٍ وفَخّارٍ وغيرِ ذلك، ولمّا

ص: 122

استقَرّا بالدارِ وتَطوَّفا عليها [ونَظَراها عُلوًا وسُفلًا] واطّلعا على جميع ما فيها، أعلَمَه أبو القاسم أنها وجميعَ ما احتَوتْ عليه له، وسَلَّمَها إليه وأقرَّه فيها وانصَرفَ عنه، ولم يزَلِ المنصُورُ بعدَ ذلك شديدَ العناية بأبي موسى راعيًا له مُفيضًا عوارفَه عليه متعهِّدًا أحوالَه متبرِّكًا [به وبرؤيتِه] وقَدَّمهُ إلى الخُطبةِ في جامعِه الأعظم المتّصل بقصرِه حين أتمَّ بناءه، فكان أولَ خطيبٍ به، واستمرَّ حالُه معَه على ذكْرٍ من التنويهِ به واعتقادِ الخير التامِّ فيه، ولمّا حضرَتِ المنصورَ الوفاةُ عَهِدَ أن يتوَلَّى غَسْلَه أبو موسى تبرّكًا به، فكان كذلك (1)، وكان أبو العبّاس القورائيُّ على عادتِه في التنكيتِ على الناسِ والنَّيل منهم يقولُ إذا رأى أبا موسى: الصُّفرةُ في الوجهِ كَنْزٌ من الكنوز!

وأخبرَني (2) غيرُ واحدٍ ممن أثقه أن الفقيهَ المتفنِّنَ الوَرِعَ المُجمَعَ على فضلِه أبا سَعِيد يَخْلفتين ابن تنفليشت بن إبراهيمَ المتراريَّ البوغاغيَّ، رحمه الله، كان متى أشكَلَ عليه شيءٌ من عِلم العربيّة تعرَّض لأبي موسى في طريقِه الذي جَرَتْ عادتُه بالمرورِ عليه من دارِه متوجِّهًا إلى مجالسِ المنصُور أو إليها منفصِلًا عنه، فيَستفتيهِ فيما يَعرِضُ له، وأبو موسى راكبٌ، فيهُمُّ بالنّزولِ إليه والمُواعَدةِ معَه في الوصُولِ إلى منزلِه أو الاجتماع به في أحدِ المساجدِ القريبة من موضع تلاقيهما أو الوقوفِ معَه حتى يَفرُغا من مُحاورتِهما، فيأبَى أبو سَعِيد من ذلك كلِّه إلا مماشاتَهُ على قدمَيْه، وأبو موسى راكِبٌ، فكان أبو موسى يَقلَقُ لذلك كثيرًا تواضعًا منه وإجلالًا لأبي سَعِيد، ولا تسَعُه إلا مساعدتُه، فَيأخُذُ معَه فيما قصَدَ

(1) نقل ابن مرزوق في كتابه: "المسند الصحيح الحسن" الحكاية المذكورة هنا من قول المؤلف: "ولما نمي إلى المنصور" إلى آخرها. وقد استفدنا من نقل ابن مرزوق الحرفي عن المؤلف في المقابلة وملء المحو الواقع في نسختنا الوحيدة، ومن المعروف أن ابن مرزوق كان يملك نسخة موثقة من الذيل والتكملة وصل إلينا بعض أجزائها. انظر المسند الصحيح الحسن: 341 - 343 تحقيق الدكتورة ماريا خيسوس بيغيرا.

(2)

نقل ابن مرزوق في المسند أيضًا هذه الحكاية من هنا إلى قوله: نفعه الله. انظر المسند الصحيح الحسن: 343، وزاد ما يلي:"وكان أبو سعيد هذا كبير الشأن أيضًا نفع الله بجميعهما بمنه".

ص: 123

إليه بسببِه حتّى ينقضيَ أرَبُه وينفصلَ عنهُ أبو سَعِيدٍ متأسِّفًا عليه مسترجعًا قائلًا: أيّ رجُلٍ استَمالتْه الدّنيا واستَهواهُ زُخرُفُها! وكان هذا القولُ من أبي سَعيدٍ بناءً على حالتِه التي سَتَرَه اللهُ فيها وأعانهُ عليها، وإلا فأبو موسى رحمه الله لم يتلبَّسْ من الدّنيا إلا بما يَتظاهرُ به بينَ أبنائها تَقِيّةً منه على نفسِه، فأمّا في باطنِ أمرِه وخفِيِّ حالِه فإنه كان على أرفع درجاتِ الزُّهدِ والتقلُّل من الدّنيا، نفَعَه اللهُ.

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: والشيءُ يُذكَرُ بالشّيء، كان الشّيخ أبو سَعِيدٍ هذا رحمه الله قد صنَّفَ كتابًا جمَعَ فيه فنونَ العلم على تفاريقِها حسبَما انتهى إليه إدراكُه واقتضاهُ تحصيلُه، وسمّاه "منارَ العلم"(1)، فأخبَرني الشّيخُ الحافظُ أبو عليّ الماقريُّ الضَّريرُ رحمه الله، قال: كنتُ جالسًا معَ [أبي سَعِيد] هذا بدُكّانِ بعض الوَرّاقينَ من مَرّاكُشَ ولا ثالثَ معَنا، فقلتُ له:[إنّك] قد أغْرَبْتَ بوَضْع هذا الكتاب وجمَعْتَ فيه متفَرِّقاتِ ضروب العِلم [وفنونَه] فما سبَقَكَ أحدٌ إلى وَضْع مثلِه، وقد رأيتُ رأيًا أعرِضُه عليكَ، فقال:[وما هو؟ فقلت:] ترفَعُه إلى أمير المؤمنينَ، وذلك صَدْرَ أيام المستنصِر من بني عبد المؤمن، [فإنّ ذلك] أشهرُ لهُ وأنفَقُ لسُوقِه، فأضْرَبَ عن جَوابي، ولم يَرُعْني إلا صوتٌ باكٍ ولا عهدَ لي بثالثٍ معَنا، فتحسَّستُ أمرَه فتحقَّقتُ أنهُ الباكي، فقلتُ له: أبا سَعِيد، ما لك؟ فأعرَضَ عنّي وتمادَى على بُكائِه ساعةً ثم قطَعَه واستَرجَعَ، وقال لي: أحسَنَ اللهُ عزائي فيكَ وأعظَمَ أجري في المصابِ بك، قد كنتُ أعتقدُ أنّا لم

(1) أشار إلى هذا الكتاب العبدري الحيحي في أول رحلته وذلك بمناسبة زيارته قبر الشيخ الصالح أبي حفص عمر بن هارون ببلد أنسا من أعلى السوس الأقصى وهو مترجم في التشوف، قال العبدري:"وذكره الشيخ الصالح أبو سعيد الحاحي المتراري في كتابه "منار العلم" وقال: إنه كان يدخل عليهم في الدرس فيقول: تهنيكم عبادة القلوب والألسن والأيدي والأعين يعني العلم، وهذا كلام من أُيّد بالتوفيق، وأُيّد بالتحقيق"، وعرض مؤلف "مفاخر البربر" إلى هذا الكتاب وإلى مؤلفه فقال:"ومنهم (أي من علماء البربر) الشَّيخ أبو عبد الله -كذا- البوغاغي، وله كتاب منار العلم" انظر الرحلة المغربية: 7 تحقيق الأستاذ محمد الفاسي، ومفاخر البربر:72.

ص: 124

نَصطحِبْ إلا لله وللنّصيحةِ فيه ولتُرشِدَني إلى ما فيه تحسينُ عاقبتي والفَوْزُ بالنّعيمِ الدائم في آخِرتي، فأمّا الإشارةُ بالتعرُّضِ إلى أبناءِ الدنيا ولا سيّما بالعِلم الذي أنفَقْتُ فيه عمُري طالبًا لِما عندَ الله فما كنتُ أُقدِّرُ خطورَ ذلك ببالِك، ثم قام مُسرِعًا، ورُمتُ القبضَ عليه ففاتَني، ولمّا كان في اليوم الثالثِ لقِيَني مُسلِّمًا عليّ وقائلًا: لولا عُذرُك بكفِّ بصَرِك لآثَرْتُك بفضيلةِ البَدْءِ بالسلام؛ لإزالةِ الهجرة، ثم عاد إلى بعضِ ما كنّا عليه، ولا كالتوَدُّد الذي كان بينَنا، ولم يَزلْ عاتبًا لي على ما صَدَرَ له منّي في ذلك حتّى تفَرَّقْنا، ففَصَلَ إلى بلدِه بحاحةَ رحمه الله (1).

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: ولم يزَلْ أبو موسى بعدَ وفاةِ المنصُور حَظِيًّا عندَ ابنِه الناصِر مكرَّمًا لدَيْه يَستصحِبُه في أسفارِه وَيتبرَّكُ بلقائه، إلى أن وَجَّهَه رسُولًا ومُصلِحًا في قضيّةٍ بينَ بعضِ صُنهاجةَ الساكنينَ بأزْمُور، فتوفِّي هناك ليلةَ السبت الثالثةَ عشْرةَ من شعبانِ سبع وست مئة، وصَلّى عليه عبدُ الوهّاب ودُفنَ بتُربة الشّيخ الفاضِل أبي شُعَيْب (2) أيّوبَ بن سَعِيدٍ الصُّنْهاجيِّ المعروفِ بالسّارَية شُهرةً عُرِف بها لطولِ قيامِه في الصّلاةِ، ومولدُه بأيدا وَغَردا عامَ أربعينَ وخمس مئة، وأخبَرني غيرُ واحدٍ - منهم الشّيخُ الفقيهُ المتخلِّقُ الفاضل أبو العبّاس أحمدُ بن عبد الله بن عبد العزيز بن عَبْدون (3) البَرغْواطيُّ الأصل الزّموريُّ المولدِ والنَّشأةِ

(1) تقدم ذكر هذا الفقيه المتفنن الورع في ترجمة ابن القطان، ولا نعرف عنه اكثر مما ذكر هنا وهناك، ومن المؤسف حقًا أن تضيع ترجمته وموسوعته الغريبة التي لم يسبقه أحد إلى وضع مثلها. ويذكرنا موقف هذا العالم المغربي بموقف العالم الأندلسي ابن التياني الذي وجه إليه أمير بلده مجاهد العامري ألف دينار على أن يزيد في عنوان كتابه تنقيح العين هذه العبارة:"مما ألفه لأبي الجيش مجاهد" فرد الدنانير وقال: والله لو بذلت لي الدنيا على ذلك ما فعلت، فإني لم أجمعه له خاصة لكن لكل طالب عامة. انظر القصة في جذوة المقتبس (343).

(2)

ترجمة المولى أبي شعيب وأخباره في التشوف. انظر الفهرس.

(3)

له ترجمة قصيرة في درة الحجال 1/ 75 وفيها أنه "الشيخ الفقيه الصالح العالم، القدوة الكبير، العلم الشهير، نزيل أزمور وبها توفي في شهر رمضان المعظم عام 688 هـ" وهي ترجمة منقولة عن مفاخر البربر: 72.

ص: 125

هُو وسَلَفُه عبدون فمَن بعدَه المعروفُ بالصَّبّان، [المِهنة التي] كان يَنتحلُها قبلَ ضَعْفِه عن القيام بها، وهو المتّفَقُ على فضلِه، وما [أعزَّ المتّصفَ بهذه] المَنْقَبة العَلِيّةِ في عصرِنا هذا، [وإلى] عبدون جَدِّ أبيه يَنتسبُ [البابُ الغَرْبيُّ من أبوابِ] أزْمُورَ والبئرُ القريبةُ منه هنالك - قال: لمّا توفِّي أبو موسى القَزُوليُّ، رحمه الله، تفاوَضَ أهلُ العِلم والخَيْر والصّلاح في تعيينِ مدفِنِه، فقال بعضُهم: يُدفَنُ إزاءَ أبي شُعيب، لعلّهُ يجدُ بركةَ أبي شُعَيْب، وكان ممّن حضَرَ ذلك المقامَ وتلك المُفاوضةَ الفقيهُ أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الزَّنَاتيُّ النَّحْويّ، فقال: نعم، يُدفَنُ معَه حتى يجدَ أبو شُعَيْب برَكةَ أبي موسى؛ لأنه كان في الصّلاح والفَضْل مثلَه، ويزيدُ أبو موسى عليه بفضيلةِ العلم، فدُفنَ إلى جَنْبِه (1).

قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وقد زُرتُ قبرَه غيرَ مرّة متبرِّكًا به وبمَن ضمَّتْه تلك التُّربةُ، وهو لاطئٌ بالأرض وَسَطَ قُبّة بين قبرَيْ أبي شُعَيْب المذكور وابن ابنِه الناسِك الوَرع أبي محمدٍ، رحمةُ الله عليهم أجمعينَ ونفَعَ بعضَهم ببعضٍ ونفَعَنا بهم وبحبِّهم.

44 -

عيسى (2) بن عِمرانَ بن دافَالَ، بدال غُفْل وألِف وفاءٍ وألفٍ ولام، المِكْنَاسيُّ ثم الوَرْدَمِيشيُّ، بفتح الواو وإسكان الراءِ وفتح الدال الغُفْل وميمٍ وياءِ مَدّ وشينٍ معجَم منسوبًا، تِلِمْسينيٌّ، سَكَنَ مَرّاكُشَ وغيرَها، أبو موسى.

(1) في مفاخر البربر 64: "وقدم (الجزولي) أزمور في مدة أمير المؤمنين الناصر وتوفي بها ودفن لزيق الشيخ أبي شعيب، وحكي أنه لقي الشيخ أبا شعيب قبل رحلته إلى المشرق فدعا له فظهرت بركة الشيخ أبي شعيب عليه". وأبو بكر النحوي المذكور لعله شارح المقامات المترجم في نيل الابتهاج: 342 ودرة الحجال وفيهما اضطراب في الاسم والتاريخ.

(2)

ترجمه الضبي في بغية الملتمس (1154)، وابن دحية في المطرب 43، والمراكشي في المعجب 318، وابن الأبار في التكملة (2919)، وابن الزبير في صلة الصلة 4/الترجمة 102، والذهبي في المستملح (734) وتاريخ الإسلام 12/ 617، وابن القاضي في جذوة الاقتباس 2/ 503، والمراكشي في الاعلام 9/ 399، ويذكر في المن بالإمامة (ينظر الفهرس).

ص: 126

رَوى ببلدِه عن أبي عليٍّ الحَسَن بن عبدِ الله ابن الخَرّاز وغيره، وقَدِمَ الأندَلُسَ طالبًا العِلمَ، فأخَذَ بالمَرِيّة عن أبي القاسم ابن وَرْد واختَصَّ به وأكثرَ عنهُ، ولقِيَ بأغماتِ وَريكةَ قاضيَها أبا محمدٍ سِبْطَ ابن عبدِ البَرّ فسَمع منه، وبمَرّاكُشَ أبا يوسُفَ حَجّاجَ بن يوسُفَ وتفَقَّه به.

رَوى عنه أبو الخَطّاب ابنُ الجُمَيِّل، وأبو عبد الله بن عليّ بن مَرْوانَ، وأبو عليّ الحَسَن بن حَجّاج، وكان أحدَ رجالِ الجلال فقيهًا حافظًا قائمًا على الفقه وأصُولِه، راسخَ القَدَم في فنونٍ من العلم حسَنَ التصرُّفِ فيها، خطيبًا مِصقَعًا، مُستبحِرًا في الأدب والذِّكْرِ للتواريخ، ذا حظّ صَالح من قَرْض الشِّعر، ومنهُ في مرضِه الذي توفِّي منه يُوصي به أكبرَ بَنِيه وسائرَهم، واشتَملتْ على حِكَمٍ وآداب [من الكامل]:

دع ذكْرَ دارِ مصيرُها أن تَخْرَبا

واعمَلْ لدارِ مَقامةٍ لن تذهَبا

ما كنتُ أحسَبُ يا عليُّ (1) مَنيّتي

تَقْضي عليّ مُغرَّبًا عن زَيْنبا

فارفُقْ بمَن سمّيتُها لك مُشفِقًا

تُحرِزْ رضايَ [بكَفْل أُختِكَ زَينبا]

فلها بقلبي لوطةٌ ومكانةٌ

تركَتْ فؤادي مُوقدًا متلهِّبا

جمَعتْ محبةَ كلِّ [مَن] ماتَتْ لنا

فيها فصار البعضُ كُلًّا [فاعجَبا]

ومحمدًا فاشغَلْهُ بالعلم الذي

هو نافعٌ عن أن يميلَ إلى [الصِّبا]

وارحَمْ غَرارةَ سنِّهِ وبقاءهُ

لليُتْم محُتاجًا إلى أن يُطَّبا

لو مِتُّ قبلَ شعورِه بأُبوّتي

مرَّت عليه مُصيبتي مرَّ الصَّبا

لكنّني عوَّدتُه ما أنْ رأى

ما دونَهُ صار الصبيُّ مُعذَّبا

(1) هو أكبر أولاد المترجم، وقد تقدمت ترجمته في الرقم (5)، وستأتي ترجمة ولده ميمون بن علي في الرقم (186).

ص: 127

واعلَمْ بأنْ سيكونُ سيفًا قاضبًا

إن عاش لا يَنْبو إذا سيفٌ نَبَا

يَرمي فيَصمي من نَأى عن وُدِّكمْ

عَرَفَ المَحزَّ فما أطال المَضرِبا

هذي مَخِيلةُ ذي تجارِبَ جمّةٍ

قد يُستدَلُّ بما بَدَا عمّا اختَبَا

وكذاك إخوتُهُ فكونوا ألفةً

فبالاجتماع تُكسِّرونَ الأصلُبا

وتُغالَبونَ فتَغلِبونَ عدوَّكم

لو ظَنُّه الناسُ الأعزَّ الأغلبا

وتُقى الإلهِ فقدِّموها عُدّةً

لا تُخذَلُ الإخوانُ إن خَذَلَ الشَّبا

وارضَوْا من الدّنيا بأيسرِ بُلغةٍ

وثِقوا بما قَسَمَ الإلهُ وسبَّبا

فالحرصُ مقرونٌ به ما يُتَّقَى

وأخو القناعةِ عاشَ عيشًا طيِّبا

قد طَلَّق الدُّنيا بأرفعِ همّةٍ

فاستَعجَلَ العيشَ الهَنِيَّ الأعذَبا

ولَكمْ رأينا الفاتنينَ بجاهِهمْ

وبمالِهمْ قد مُزِّقوا أيدي سَبَا

متبرِّئًا منهمْ ومن سُلطانِهمْ

متكرِّهًا عِرفانَهمْ متجنِّبا

صَرَعى بسيفِ مُشهِّرٍ أو نكبةٍ

صاروا حديثًا في المجالسِ معجِبا

يَبكي لهمْ مَن كان يَبكي منهمُ

يَرثي لهمْ من أوردَوهُ المعطَبا

أشْقَوْا معارفَهمْ وعمَّمَ شُؤمَهمْ

من كان أُبعِدَ منهمُ أو أُقرِبا

والعِلمُ كونوا يا بَنيَّ منَ اهلِهِ

فالعلمُ أفضلُ ما أرى أن يُكسَبا

فتعلّموهُ لدينِكمْ ومَعادِكمْ

وذَرُوا أُناسًا صيَّروهُ مَكسَبا

فلهمْ أشدُّ من اللُّصوصِ مضَرّةً

ولهمْ ذئابٌ يأكلونَ الأَذؤُبا

ما أن رأَيْنا عالِمًا أودى طَوًى

لا بدَّ من عيشٍ ولو رِجلُ الدَّبا (1)

(1) الدبا: الجراد، ويمكن أن تقرأ: الربى، ورِجل الربى: البقل

ص: 128

[كم آكِل دَوْمًا] لذيذَ طعامِهِ

لم يَحْمِ يومًا نفسَه أن تُعطَبا

[هذا وقد يُكدِي] المجِدُّ وربّما

أثْرى أخو العجْزِ الذي ما أن حَبَا

[والحُكمُ في النِّسوانِ] أظهَرُ عندَكمْ

من أن أُبيِّنَ أمرَهُنَّ المُعرَبا

[هذا الكلامُ وذي] التجارِبُ فصِّلتْ

أترَوْنَ عن ذا كم وهذي مذهبا

[فالقصدُ] في إرضائهنَّ هو الهُدى

والحَطُّ في أهوائهنّ هو الوَبَا (1)

[والأصلُ] صحةُ خِلِّهنَّ ودينُهُ

ولَشرُّ حالاتِ الفتى أن يَذهبا

فتَطلَّبوا لفتاتِكمْ متديِّنًا

يَخشَى الإلهَ ويَستحي أن يُعتَبا

وذَروا أخا المالِ العديد، فقلّما

كان التخيُّلُ فيه إلا خُلَّبا

ومتى استضافَ إلى الحَداثةِ خَيْبةً

كان التَّظَنّيِ فيه أكذبَ أكذبا

والمرءُ يمحَضُ رأيَهُ ولربّما

ظنَّ الخِلافَ لِما يَراهُ أصوَبا

لكنّ كلَّ إصابةٍ عن وَهْلةٍ

عندَ الرّجالِ أُولي النُّهَى شِبْهُ الهَبَا

واللهُ مَوْلانا يَصُونُ جميعَكمْ

لا أرتَجي من غيرِ مولًى مطلَبا

وهو الكَفيلُ برحمتي وسَعادتي

هذا وإن كنتُ المسيءَ المُذنِبا (2)

(1) والحط في أهوائهن: أي طاعتهن ومتابعتهن، من حط في هواه وانحط فيه، ويقال: أكل من حلوائهم فانحط في أهوائهم.

(2)

ورد مطلع هذه القصيدة والبيتان الأخيران منها مع اختلاف في الرواية في البيان المغرب ص 126 ولم نقف عليها تامة في مكان آخر. والقصيدة من الأدبيات المعروفة بوصايا الآباء للأبناء وهي عديدة في الأدب الأندلسي والمغربي شعره ونثره. وانظر رسالة كتبها المترجم إلى ولد له كان يدرس بمدينة فاس في الأنيس المطرب: 268، وجذوة الاقتباس: 503 - 504، وانظر كذلك قطعة شعرية له أوردها المقري في نفح الطيب 3/ 598.

ص: 129