الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستُقضيَ [بإشبيلِيَةَ بعدَ] استدعاءِ أبي محمدٍ عبد الحقِّ بن عبد الله بن عبد الحقّ إلى قضاءِ مَرّاكُش (1)، وكان أبو زكريّا هذا غيرَ مَرْضيِّ الأحوال في أحكامِه ولا مشكورًا في سِيرته، سَمَحَ اللهُ له.
195 - يحيى بنُ أبي بكر بن مكِّيّ، بِجَائيٌّ، أبو زكريّا
.
كان [كاتبًا بليغًا] حَسَنَ الخُلُق سرِيَّ الهمّة فاضلَ الطَّبعْ. توفِّي بإشبيلِيَةَ وهو يتَولَّى الكتابةَ عن واليها أبي العلاءِ الكبيرِ (2) إدريسَ بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن.
196 -
يحيى (3) بن داودَ، تادَليٌّ، سَكَنَ فاسَ، أبو زكريّا.
أخَذَ العربيّةَ بفاسَ عن أبي بكر بن طاهر الخِدَبِّ، وبمَرّاكُشَ عن أبي موسى الجُزُوليّ، وبالأندَلُس عن أبي عبد الله بن محمد بن أبي البقاءِ وإيّاه اعتَمَدَ، ورَوى الحديثَ عن أبي الحَسَن بن حُنَيْن، وأبي عبد الله ابن الرَّمّامة وتفَقَّه به وبغيرِه من فقهاءِ فاسَ.
(1) كان أبو محمد عبد الحق بن عبد الله قاضيًا على إشبيلية ثم استدعى منها إلى قضاء الجماعة بمراكش سنة 619 هـ. انظر ترجمته في التكملة رقم 2547، ونيل الابتهاج 184، والإعلام للمراكشي 8/ 39، وترجمة والده قاضي الجماعة بإشبيلية في التكملة رقم 2203، والإعلام للمراكشي 8/ 193. وقد تسلسل القضاء في هذه الأسرة طوال عهد الموحدين وزمنًا من دولة بني مرين، جاء في مذكرات ابن الحاج البلفيقي: "أنشدنا الفقيه القاضي أبو محمد عبد الله -قاضي أنفا -بن عبد الحق- ولي قضاء حاحة -بن عبد الله- ولي قضاء مراكش -بن عبد الحق- ولي قضاء إشبيلية -بن عبد الله- ولي قضاء إشبيلية أيضًا وقدم عليها من المهدية -بن عبد الحق- ولي قضاء إفريقية. . ." (النسخة المرقونة 136 تحقيق ألفريد دي برمار).
(2)
يدعى الكبير تمييزًا بينه وبين أخيه أبي العلاء إدريس بن يعقوب المنصور الملقب في خلافته بالمأمون ويدعى في الكتب التاريخية بأبي العلاء الصغير أو الأصغر، وكان واليًا على إشبيلية في دولة أبيه، وهو الذي بنى بها برج الذهب -الذي ما يزال قائمًا إلى اليوم- سنة 617 هـ (انظر الاستقصا 2/ 227، والمعجب 412).
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3428)، والذهبي في المستملح (875)، وتاريخ الإسلام 13/ 356، والمراكشي في الإعلام 10/ 214.
رَوى عنه أبو عبد الله ابنُ الأبّار، وأبو محمد بنُ عبد الرّحمن ابن بُرطُلّة. وكان بصيرًا بالأحكام ذا حَظّ من الفقه وأصُولِه، مُشاركًا في العربيّة والأدب، ذاكرًا للأشعارِ، معَ ضَبْط ولَسَن وبلاغة، واستُقضيَ بجزيرة شُقْر مدّةً طويلة ثم صُرِف عن قضائها وسَكَنَها، ووَلي الأحكامَ ببَلَنْسِيَةَ لقاضيها أبي إبراهيمَ بن يَغْمور، وتوفِّي بها سنةَ اثنتَيْ عشْرةَ وست مئة.
197 -
يحيى (1) بنُ عبد الرّحمن بن عبد المُنعم بن عبد الله القَيْسيُّ، دمَشْقيٌّ، نزَلَ غَرْناطةَ وسَكَنَها سنينَ، أبو زكريّا مجدُ الدِّين الأصفَهانيُّ.
شُهِر بذلك في مجلسِ أبي الطاهر السِّلَفيّ لدخولِه أصبَهانَ وإقامتِه بها أزَيدَ من خمسةِ أعوام لدَرْس الخِلافيّات.
رَوى عن أبي إسحاقَ إبراهيمَ بن سُفيان بن إبراهيمَ بن مَنْدَة، وأبي بكرٍ محمد بن أحمدَ بن أبي الفَرَج بن الفَضل السُّكَّريّ ابن ماشاذة، وأبوي الرَّشيد: إسماعيلَ بن غانِم بن خالدٍ البَيِّع، وعبد الله بن عُمرَ بن عبد الله بن عَمْرٍو الزّاهد العَدْل، وآباءِ عبد الله: المحمَّدَيْنِ: ابن مَعْمَر بن عبد الواحِد، وابن أبي الرّجاء بن محمد بن الفَضْل التَّميميِّ، وسُفيانَ بن الفَضْل بن محمد بن أبي طاهر، والنَّبيه أبي الفُتُوح ظافِر بن محمد بن بَخْتِيار، وأبي موسى الأصبَهانيِّ الخَلّال، لقِيَهم كلَّهم بأصبَهان، قال: وهم من كبارِ محدِّثيها؛ وأبي عبد الله محمد بن محمد بن محمدٍ الطُّوسيِّ
…
وله مصنَّفاتٌ، ومحمد بن أبي سَعْد بن أبي سعيد [البَكْريِّ المعروفِ بالصُّوفيِّ النَّيْسابُوريِّ] وأبي الطاهِر السِّلَفيِّ بالإسكندَريّة وأخَذَ عنه.
وقَصَدَ المغرِب فأخَذَ عن أبي محمد عبد الحقِّ ابن الخَرّاط ببِجَايةَ وأجاز له، وهُو الذي أشار عليه بالوَعْظِ والتذكير وامتَثلَ ذلك.
(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (3427)، وابن الزبير في صلة الصلة 5/الترجمة (546)، والذهبي في المستملح (874) وتاريخ الإسلام 13/ 204، وغيرهم.
وقَدِمَ الأندَلُسَ وتجوَّلَ ببلادِها، وأخَذَ عنه من أهلِها: آباءُ جعفر: الجَيّار وابنُ يحيى بن عَمِيرةَ وابن يوسُف. . . [وأبو] الحَجّاج بن عليِّ بن عبد الرزّاق، وأبناءُ حَوْطِ الله، وأبو الرّبيع بن سالم، وأبَوا عبد الله: ابنُ محمد بن صَالح وابنُ سَعِيد الطَّرّازُ، وأبو الحَسَن بن عليِّ بن سَمْعانَ، وأبو [عَمْرو] بنُ سالم، وأبو القاسم المَلّاحيُّ، وابناه: عبدُ الواحِد وعليّ.
وكان شديدَ الحَياء، وَرِعًا كثيرَ الصَّدَقة، مُثابِرًا على أعمالِ البِرِّ، زاهدًا في الجاه، مُنقبضًا عن رؤساءِ الدنيا، مُداخِلًا لأهل العلم، متحبِّبًا إلى طلَبتِه القاصدينَ إليه للأخْذِ عنه، مُنبسِطًا معَ أهل الدِّين والفَضْل، عالمًا بأصُولِ الفقه والتصوُّف، فقيهًا شافعيًّا، متّسعَ الرّوايةِ في الحديث، ولم يكنْ ضبطُه بذلك. ومن مصنَّفاتِه:"الرَّوضةُ الأنيقة".
انتَحلَ أوّلَ قدومِه الأندَلُسَ الوعظَ والتذكيرَ، واستمرَّ على ذلك زمانًا، ودخَلَ مَرّاكُشَ وأغماتِ وَريكةَ فيما قيل، ووَعَظَ بهما ونفَعَ اللهُ به خَلْقًا كثيرًا، ثم تخَلَّى وانقَطعَ إلى خدمةِ الله تعالى وأقبَلَ على العبادةِ والمجاهدة وآثَرَ الخُمولَ والخَلْوةَ إلّا معَ طلبة العلم، ولزِمَ سُكنى رُوَيْضةٍ خارجَ غَرْناطة.
وأرسَلَ إليه وإليها أبو إبراهيمَ إسحاقُ بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن (1) وزيرَهُ راغبًا منه في الوصُولِ إليه، فأبَى من ذلك بُعدًا من التظاهُر وفِرارًا من مُلابسةِ أبناء الدُّنيا، فبَيْنا أبو زكريّا بموضِع سُكناه سَمِع قَرْعَ بابِه، فقام إلى فَتْحِه، فإذا الأميرُ أبو إبراهيمَ معَ أحدِ غِلمانِه، فدَخَلَ عندَه وقال له: جئتُ إليك إذْ لم تُرِدْ أن تصلَ إليّ، فاشتَدَّ قلقُه لذلك وقال له: أصلَحَك اللهُ، هذا أمرٌ لا يَهُونُ عليّ ولا يَحتملُه حالي، فقال له أبو إبراهيم: لا بدَّ منَ اجتماعِنا إمّا بوصُولي إليك وإمّا بوصُولِك إليّ، فقال: إذا [كان] لا بدَّ من ذلك فعسَى أن يكونَ بموضع خارجَ البلد خامِل لا يُؤبَهُ له ولا يُفطَنُ لتلاقينا فيه، وإذا أردتَ فتقَدَّمْ
(1) ذكره ابن الخطيب في سرده لولاة غرناطة (انظر الإحاطة 1/ 141).
إلى الموضِع الذي تُعيِّنُه لتلاقينا فيه، وأرسِلْ إليّ [غلامَك يُعيِّنْ ليَ] الموضعَ فأقصِدَ إليك فيه فنجلسَ فيه ما قُدِّر ونفترق، [فوافَقَ على ذلك، وكان] حالُهما في التلاقي على هذا بُرهةً من الدّهر، ثم إنّ أبا [إبراهيمَ قال: إنّي] رأيتُ أن نَبِيتَ معًا، فقال أبو زكريّا: هذا ما لا يُمكنُني [قَبُولُه أبدًا] فقال له: وما يمنَعُك من ذلك؟ فقال: إنّي عاهدتُ اللهَ أن لا أُبايتَ [أحدًا لا عندي] ولا عندَه، فتَرَكَهُ على حالِه مُستكثرًا بما تأتَّى له من مُساعدتِه [على] الاجتماع به على ما وُصِف.
قال أبو جعفرٍ الجَيّار (1): ما رأيتُ أشدَّ حياءً منه ولا أزهَدَ، ولا تركَ بعدَه مثلَه فيما عَلِمت، وكانت له دراهمُ من مكسَبٍ طيِّب وأصل حلال، وكان قد دفَعَها إلى ثقةٍ من إخوانِه ليتَّجرَ له بها على حُكم القِرَاض فيتقوَّتَ بما يُفيءُ اللهُ عليه من رِبحِها، فلمّا مرِضَ مَرضَه الذي ماتَ منه أوصَى بثُلُثِه لأُولي السَّتْرِ من أهل غَرْناطة وجعَلَ رحمه الله تنفيذَ ذلك إلى سَعِيد بن الحاجِّ بن سَعِيد فنَفَّذَه بعدَه، وكان قد بَعَثَ إليّ بجُملةِ مال إلى مالَقةَ من غَرْناطة، وكتَبَ إليّ أن أشتريَ بها سِلَعَ حُكْرة، فإذا بَلَغَك أنّي توفِّيتُ فتصَدَّقْ بجميعِه على أهل السَّتْر، ففعَلتُ وبَقِيتِ السِّلَعُ نحوَ العامَيْن، فلمّا توفِّي بِعتُها وتصَدَّقتُ بثمنِها كما ذَكَرَ، وصادَفَ ذلك وقتَ شدّةٍ في السِّعر.
وكانت وفاتُه رحمه الله بغَرْناطةَ يومَ الأحد لخمسٍ خَلَوْنَ من شوّالِ ثمانٍ وست مئة، وقال ابنُ الأبّار: يومَ الاثنين يومَ وفاةِ أبي عبد الله بن نُوح ببَلَنْسِيَةَ، ومولدُه بدمشقَ سنة سبع، وقال ابنُ الأبّار: آخرَ ثمانٍ وأربعينَ وخمس مئة.
198 -
يحيى (2) بنُ عبّاس بن أحمدَ بن أيّوبَ القَيْسيُّ، قُسْطنطينيٌّ، أبو زكريّا.
أخَذ ببلدِه عن أبي زكريّا بن علي الزَّوَاويّ، وأبي زَيْد بن عليّ بن الحَجَر، وأبي عبد الله بن مَيْمونٍ السّمنطاريِّ القَلْعيّ، وأبي العبّاس بن أبي الرّبيع بن ناهِض، وأبي محمدٍ عبد الله الرِّكْليِّ بن أَمَةِ الله.
(1) هو أحمد بن عبد المجيد بن سالم، تقدمت ترجمته في السفر الأول برقم (335).
(2)
ترجمه ابن الزبير في صلة الصلة 5/الترجمة (547).
وقَدِمَ الأندَلُسَ طالبًا العلمَ، فرَوى عن أبي الحُسَين بن زَرْقُون، وابنَيْ حَوْطِ الله، وأبي الخَطّاب بن واجِب وأكثَرَ عنه، وأبي الرّبيع بن سالم، وأبوَيْ عبد الله: ابن خَلْفُون وابن نُوح، وأبي محمدٍ عبد الحقِّ بن عبد الله بن عبد الحق، وأبي القاسم: أحمدَ بن محمد الطَّرَسُونيِّ وأكثَرَ عنه، ومحمدِ بن محمد بن عليّ بن بَاز. وأجازَ له أبو جعفرِ الجَيّارُ، وأبو عليٍّ الرُّنْديُّ؛ قرَأَ عليهم وسَمِع وعادَ إلى بلدِه بعِلم جَمّ وروايةٍ واسعة.
وكان محدِّثًا عَدْلًا ثقةً مُكثرًا مَرْضيَّ الأحوال سُنِّيًّا مشاركًا [مُقبِلًا على التدريس] مُلازمًا له.
توفِّي ببِجَايةَ سنةَ اثنتينِ وخمسينَ وست مئة.
199 -
يحيى بنُ [. . . .](1)، صِقِلِّيٌّ، أبو الحَسَن.
رَوى عن شاعر الدّيار المِصريّة الأعزِّ أبي الفُتوح [نَصْر الله بن عبد الله] بن أبي القاسم مَخْلوفِ بن عليِّ بن عبد القَويّ بن الأزهر اللَّخْميِّ ابن [قَلاقس](2).
[رَوى عنه] أبو عَمْرو بن سالم، لقِيَه بالمُنكَّب وقال: كان بصِقِلِّيَةَ كاتبًا
للرؤساء. . . . وقال: كان وَرِعًا زاهدًا فاضلًا.
200 -
يحيى (3) بنُ عيسى بن عليّ بن محمد بن أحمدَ [المُرِّيُّ](4)، تِلِمْسينيٌّ، أبو الحَسَن، ابنُ الصَّيْقَل.
(1) ممحو في الأصل.
(2)
ترجمة ابن قلاقس ومصادرها في وفيات الأعيان 5/ 385 - 389 وربما أخذ عنه المترجم خلال الفترة التي قضاها في صقلية (انظر كتاب العرب في صقلية للدكتور إحسان عباس ص 287 - 295).
(3)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3423) وفي معجم أصحاب الصدفي (301)، وابن الزبير في صلة الصلة 5/الترجمة (506).
(4)
ممحو في الأصل، وهو مستفاد من مصادر ترجمته.
رَوى عن أبي عليّ بن سُكّرةَ وأكثرَ عنه. حدّث عنه أبو الفَضْل (1) في "المعجَم". وكان شديدَ العناية بطريقِ الرّواية موصُوفًا بالعدلِ والنّزاهة.
201 -
يحيى (2) بن محمد بن عبد الرّحمن بن بَقِيّ، سَلَويٌّ، أبو بكر.
أخَذ القراءاتِ والحديثَ والأدبَ عن مَشيَخةِ بلدِه. ودخَلَ الأندَلُسَ وسكنَ مُرْسِيَةَ وصَحِبَ فيها أبوي العبّاس: ابنَ إدريسَ وابنُ الحَلّال. رَوى عنه أبو عُمرَ بنُ عَيّاد.
وكان من أهل العلم بالتفسير والأصُول والمعرفة بالآداب، متقدِّمًا في طريقةِ الوَعْظ والتذكير، قاصرًا زمانَه على ذلك، ذا حَظّ نَزْر من قَرْض الشّعر (3).
مولدُه لليلتَيْنِ خَلَتا من ذي الحِجة سنةَ عشْرٍ وخمس مئة، وتوفِّي بمُرْسِيَةَ يومَ الأربعاء لخمسٍ خَلَوْنَ من ذي الحجة سنةَ ثلاثٍ وستّينَ وخمسِ مئة، وصَلّى عليه أبو القاسم بنُ حُبَيْش.
202 -
يحيى (4) بن محمدِ بن عليّ بن يوسُفَ بن خَلَف بن يحيى الأنصاريُّ، سَبْتيٌّ، أبو الحُسَين، ابنُ الصّائغ.
رَوى عن آباءِ بكر: ابن رِزق، وعبد الكريم بن غُلَيْب، وابن مُحرِز، وآباءِ الحَسَن: ابن أحمدَ بن حُنَيْن والأطريّ والزُّهْريّ وابن عُقاب وابن النِّعمة، وأبي الطاهر السِّلَفيّ، وآباءِ عبد الله: ابن الرَّمّامة وابن زَرْقُون وابن سَعادةَ وابن عبد الرّزاق الكَلْبيِّ وابن المُجاهد، وأبي عليّ بن سَهْل الخُشَنيّ، وأبي القاسم
(1) يعني: القاضي عياض، وينظر المعجم.
(2)
ترجمه الضبي في بغية الملتمس (1464)، والتجيبي في زاد المسافر 115، وابن الأبار في التكملة (3425).
(3)
قال ابن الأبار: "أنشد له أبو عمر ابن عياد أشعارًا ليست هنالك". وقد أورد له مؤلف زاد المسافر قصيدتين وجعله مسك الختام، ص 115 وما بعدها.
(4)
ترجمه ابن الأبار في التكملة (3426)، وابن الزبير في صلة الصلة 5/الترجمة (545)، والذهبي في المستملح (873) وتاريخ الإسلام 12/ 1233، وهي ترجمة رائعة أكثر النقل فيها عن ابن مسدي.
ابن بَشْكُوال، وأخَذَ عنه "صِلتَه" و"برنامَجَه الأوسَط"(1)، وآباءِ محمد: ابن إبراهيمَ ابن الجَنّان وابن عُبَيد الله وابن كمال وابن مَوْجُوال وقاسم ابن الحاجِّ الزَّقّاق، وأبي مَرْوانَ بن قُزْمانَ وأكثَرَ عنه، وأبي موسى عيسى ابن الفَخّار.
وترَدَّد كثيرًا إلى الوليِّ الصّالح ذي الكراماتِ المأثورة أبي يعزَى (2) يل النُّور ابن عبد الله (3) الهزميريِّ -هزميرةَ إيروقان- وقيل: إنه كان يقولُ: إنّ أصلَه من بني صُبح من هَسْكورة، كذا ذَكَرَ نَسَبَه التأريخيُّ أبو يعقوبَ ابن الزَّيّات (4)، وقال الشّيخ [أبو العبّاس العَزَفيُّ]: يللنُّور بن عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ الإيلانيِّ من أغماتِ [إيلان] وقيل: من إيروقان من عَمَل مِكناسةِ الزّيتون من بلادِ المغرِب. ورَحَلَ إليه [أبو الحُسَين ابنُ الصائغ] متبرِّكًا بلقائه وشاهَدَ من كراماتِه كثيرًا.
رَوى عنه أبو إسحاقَ الواعظُ القَفّال، وآباءُ الحَسَن: الشارِّيُّ وابنُ عبد الصّمد ابن الجَنّان وابن [قطْرال] وأبو الخَطّاب بن خليل، وأبو الرَّبيع بن عَفّانَ الصَّودي، وأبو زَيْد بن عُمرَ بن عِمران. . . وآباءُ عبد الله: التُّجِيبيّانِ: ابنُ الحَسَن بن مُجبر وابنُ عبد الرّحمن نَزيلُ تِلِمْسينَ -وهو في عِداد أصحابِه- وابنُ خالص الأنصاريُّ وابن عبد الحقِّ التلمسينيُّ وابنُ يحيى بن هشام، وآباءُ العبّاس: ابن عبد الرّحمن الفِهْرِيُّ وابنُ عبد المؤمن، وأبناءُ المحمّدِينَ: ابنا الأحمدَيْنِ: العَزَفيُّ والمَوْرُوريُّ، وابن حَسَن بن تامتيت، وأبو عليّ الفَضْل بن مُعَلَّى، وأبو الفَضْل
(1) لم يشر المؤلف إلى رواية ابن الصائغ كتاب "المستغيثين بالله" عن مؤلفه ابن بشكوال، والنسخة الموجودة من هذا الكتاب هي برواية أبي الحسين ابن الصائغ عن ابن بشكوال، وقد طبع في مدريد.
(2)
هو المعروف اليوم بمولاي بوعزة، وترجمته في التشوف رقم (77) وخصه جماعة بالتأليف، انظر في ذلك الإعلام للمراكشي 1/ 406 - 420.
(3)
اختلف في نسبه، في النجم الثاقب "عبد النور بن عبد الله الهزميري سيدي أبو يعزى كذا قرأت نسبه بخط الإمام القاضي أبي عبد الله ابن عبد الملك". والإشارة إلى هذا الموضع وقد عرب يلنور بعبد النور.
(4)
انظر التشوف 195.
قاسمُ بن أبي بكر بن عليّ القُرَشيُّ القَرَويُّ، وأبَوا القاسم: ابنُ الحَدّاد وابنُ رَحْمون،
وأبَوا محمد: ابنُ موسى الرُّكَيْبيُّ وعبد الحق بن عَبْدون، وأبو موسى عيسى بن عَبْدون، وأبو الوليد ابنُ الحاجّ.
وكان راويةً للحديثِ شديدَ العناية بلقاءِ المشايخ والأخْذِ عنهم، عارفًا بالقراءات، مجوِّدًا للقرآن حَسَنَ التأدية له، صادقَ الزُّهد والوَرَع، بارًّا بطلَبةِ العلم، صَليبًا في الحقّ مُصمِّمًا عليه، كثيرَ التقشُّف، متقلِّلًا من الدّنيا لا يَتلبَّسُ إلا بأقلِّ ما يُمكنُ من مطعَم وملبَسٍ ومسكَن.
قال أبو عبد الله ابنُ عبد الرّحمن التُّجِيبيُّ (1) وقد ذَكَرَه آخِرَ حرفِ الياء من "معجَم شيوخِه": ختَمتُ بذكرِه هذا المجموعَ لبركتِه وفَضْلِه.
وقال أبو عبد الله ابنُ مجُبر (2): كان مصمِّمًا في الحقّ لا تَجري لأحد مَظلمةٌ إلا كشَفَها، غَضِبَ أبو العلاء إدريسُ بن أبي يعقوبَ بن عبد المؤمن أميرُ سَبْتةَ (3) الشديدُ البأسِ على الناس يومًا على أهلِها، فأمَرَ أن يُحشَرَ الناسُ خارجَها في صَعِيد، وصعِدَ صَرْحًا كان صُنعَ له هنالك من الخشَب، واجتَمعَ الناسُ رفيعُهم ووَضِيعُهم، وطال بهم المُقام وضَرّتْهمُ الشمسُ، فلم يُكلِّمْهم ولا أذِنَ لهم في الانصرافِ والتفرُّق إلى أنِ انتهى الخَبَرُ إلى أبي الحُسَين ابن الصائغ رحمه الله، فجاء حتّى بَلَغَ من مَرْقَب أبي العلاءِ بحيث يُعاينُه، ثم رَفَعَ رأسَه إليه، وكان في صوتِه جَهارةٌ وفي كلامِه إرهاب، فقال له: انصُبْ صِراطَك وضَعْ موازينَك في كلامٍ غير هذا ونحوه، ثم رَدَّ رأسَه إلى الناس وقال: امشُوا من هنا، فافتَرقَ الحَفْلُ طاعةً [لأمرِه لمعرفتِهم] بمكانِه عندَ الله تعالى، ونَزلَ أبو العلاء عن مَرْقبِه ذلك [واختَلطَ] بالناس.
(1) ترجمته ومراجعها في السفر السادس رقم (941).
(2)
تقدمت ترجمته رقم (84).
(3)
هو أبو العلاء الكبير أو الأكبر.
وقال أبو عبد الله ابنُ عبد الحقِّ (1) فيه: زاهدٌ [كبير] ، بَلَغَ من التقلُّل من الدنيا الغايةَ القُصْوى والنهايةَ العُليا.
وقال [أبو محمدٍ ابنُ] عبد المؤمن (2): كانت له بفاسَ زوجة، فكان يَزُورُها، فصادَفْتُه بها، [وسعَيْتُ إليه] في موضعِه زائرًا متبرِّكًا في جُملة من الأصحاب، واستجَزْناه فأنعَمَ، وكنتُ قد لقِيتُه قبلَ ذلك قاصدًا المسجدَ الجامعَ وعليه ثيابٌ خُشْنٌ وفي رِجلَيْه بُلغةٌ خَلِقة وعلى رأسِه قطعةُ ثوبٍ وَسِخ، وعهدي به في سُوق الحلفاءِ والناسُ يجتازون، فكلُّ مَن وقَعَت عينُه عليه بقِيَ شاخصًا فيه لا تُطاوعُه قَدَماهُ على الذهابِ عنه، ثم جلَستُ في جملةٍ من الطّلبة تذاكَروهُ وعَزَموا على قصدِه للاستجازة، فأخَذوا يتواصفونَه بشَراسةِ الخُلُق ويَهابُونَ الإقدامَ عليه، ثم عَزَموا على قَصْدِه، فأخَذوا يَدعُونَ اللهَ في طُول طريقِهم إليه أن يَكفيَهم سُوءَ خُلُقِه، فلمّا دخَلْنا عليه رأينا رجلًا أحسَنَ الناس خُلُقًا وقابَلَنا بكلِّ بشر، وعَلِم قصْدَنا فأنعَمَ ووَعَدَ بكلِّ خير، وفي غالب ظنِّي أنه استَدعى لنا شيئًا فأكَلْناهُ عندَه، ثُم انصَرَفْنا وأتَيْناهُ في اليوم الثاني فقابَلَنا بمِثل ذلك البِشر ووَعَدَنا واعتَذرَ لنا بشُغل فأتَيْناهُ في اليوم الثالث فوجَدْنا الإجازةَ مكتوبة.
قال: وقلّما انكشَف عن أهل سَبْتةَ بَلِيّةٌ إلّا على يدِه، وعهدي به وقد سِيقَ أهلُ مَنُرْقَة أسرى وهم مِئُونَ (3)، فأُخلِيَتْ لهم فنادقُ وسُدَّت أبوابُها دون الناس وتُرِكوا يموتونَ جُوعًا، فاستغاث الناسُ بأبي الحُسَين وقالوا: جماعةٌ من المسلمينَ
(1) تقدمت ترجمته رقم (119).
(2)
هو الشريشي شارح المقامات، وترجمته ومصادرها في السفر الأول، رقم (349).
(3)
في البيان المغرب تفصيل لهجوم أسطول سبتة بقيادة السيد أبي العلاء الكبير ونقتطف منه ما يلي: "ولما خفت الأنواء، وحسن الهواء أسرى إليه السيد أبو العلاء في أسطول سبتة وصبحهم فساء صباحهم وبطش بهم الأسطول قبل التئام أحوالهم وترتيب قتالهم فدخل البلد عنوة وقبض على ابن نجاح وسير مع أصحابه إلى الحضرة فهلك بها وأكثرت بها الشعراء في هذا الفتح"(البيان المغرب: 216).
بين أظهُرِنا يموتونَ جوعًا، انظُرْ في أمرِهم يا فقيهُ، فخَرَجَ إلى البحر في أوحش هيئة وأُخرِج إليه زَوْرقٌ من البحر ومشَى به في البرِّ إلى قُربِه، ورُفِعَ الفقيهُ على الأكُفِّ وأُنزِلَ فيه ثم أُدخِل البحرَ وقصَدَ إلى بليونش، وبها كان أميرُ سَبْتةَ حينئذٍ، وانصَرفَ من عندِه في أقربِ وقتٍ بصلةٍ لهم من عند الأمير، وأمَرَ له بأن تُفتحَ أبوابُ الفنادق إلى الناس يَدخُلونَ إليهم ويُواسونَهم بما شاءوا.
وتوفِّي رحمه الله بسَبْتةَ يومَ السبت لثمانٍ بقِينَ من شعبانِ ستٍّ مئة، وقال ابنُ الأبار: في رمضان، واحتَفلَ الناسُ لحضور جَنازته، [وكان يومُ دَفْنِه] يومًا مشهودًا لم يتَخلَّف عنه إلا القليلُ من أهل سَبْتة
…
ودُفن بالمقبُرة خارجَ بابِ الصّفاح (1)، وقَبْرُه [بها معروفٌ] مَزُور متبرَّكٌ به إلى الآن.
قال المصنِّفُ عَفَا اللهُ عنه: وإذْ قد ذَكَرَ هذا الفاضلُ المبارَكُ أبا يعزَى نفَعَ اللهُ به ورضيَ عنه، فقد أردتُ أن أُثبِتَ هنا نُبذةً من أخبارِه ولمحةً من آثارِه، فأقول: حدَّثني الشيخانِ: الكاتبُ أبو الحَسَن الرُّعَيْنيُّ قراءةً عليه، والرئيسُ الأسنى أبو القاسم محمدٌ ابنُ الفقيه الفاضل أبي العبّاس إجازةً، كلاهما عن أبي العبّاس العَزَفيِّ قال: وكان ممّن رَحَلَ إلى لقائه -يعني أبا يعزَى المذكورَ- الشّيخُ الفقيه الراويةُ الزاهد أبو الحُسَين يحيى بنُ محمد الأنصاريُّ، عُرف بابن الصّائغ، فسمِعتُه يقول: صَحِبَني قومٌ في وِجهتي إليه أو: جَمَعَني وإياهم قدومُنا عليه، وكانوا قد تحدَّثوا في مرحلةٍ من المراحل إلى أنْ ذَكَروا الشّيخَ، فقال بعضُهم: هو جاهل أو: عاميٌّ أو نحوَ هذا، فكان معَهم رُوَيْجِلٌ أُسيْمِرٌ، فعاب عليهم ذلك وقال: تمشُونَ إليه الأيام وتُعمِلونَ إليه الرِّكاب ثم تقَعونَ فيه وتغتابونَه؟ قال: فلمّا بَلَغوا إليه وسَلَّموا عليه أمَرَ بإنزالِهم في بيت، وأمَرَ بحَطَب أخضَر فأوقِدَ
(1) ذكر مؤلف اختصار الأخبار "قبر الشيخ الولي الزاهد السائح في الأرض المشهور الحاج أبي الحسين ابن الصائغ الأنصاري من أهل سبتة". وقال: إنه يقع "بمقبرة الربض البراني داخل سور البحر من الموضع المعروف بمضرب الشبكة".
فيه -ولعله كان فَصْلَ الحاجة إلى النار مثلَ فَصْل الشتاء أو الربيع- فلقُوا من ذلك شدّةً وضيقًا، ثم جاءهم بعدَ أُمّة فقال لهم: عجَبًا لكم! تفارقونَ أوطانَكم وأهليكم وتخرُجونَ إلى الله فيما تزعُمون برَسْم زيارةِ شخص أحسنتُم به الظّنَّ ثم تَقَعونَ فيه ولم يكنْ فيكم مَن غَيَّر ذلك وأنكَرَه وقام بحقِّ الله فيه إلا هذا الغُلَيِّم؟ لقد كان مقامُكم في ديارِكم وبينَ أهليكم أقربَ إلى سلامتِكم وأقضَى لحاجتِكم، ثم صَفَحَ عنهم وأوصى الجميعَ بخير.
قال الشّيخ أبو العبّاس: وحدَّثني عنه الطالبُ الصيِّنُ ابنُ أُختِه أنه سَمِعَه يقول: كنتُ عند الشّيخ الصالح أبي يعزَى مرّةً معَ الحاجِّ الصالح أبي محمد بن عاصم، وكان إذا أُدخِلْنا بيتَه عليه أجلَسَني والحاجَّ على سريرِه وأخَذ في إطعام من حَضَر من الوفودِ والزُّوّار، فقلتُ للحاجّ: هذا الطعامُ غليظ ونحن لا نحتملُه! فقال لي: فما الذي يَصلُح؟ فقال أو قلت: رُغَيِّفاتُ قمح بسَمن وعَسَل، ثم حَضَرَ الطعام، وحَلَّق الحاضرونَ حِلَقًا فأرَدْنا النّزولَ لنتحَلَّق معَ الناس ونُشاركَهم فيما أكلوه، فأشار إلينا أنْ مكانكم، ثم أتانا برغائف در [مكٍ وسَمنٍ وعَسَل، وقال] لنا: كُلوا ما اشتَهيتُم.
قال: وحدَّثنا عنه أيضًا، قال:[خَرَجتُ معَ] ابن عاصم المذكور، فوقَعَتْ عينُنا على أُرْخةٍ (1) تامّة الخَلْق [حسَنة] الوَصْف، فقال لي الحاجّ: هذه الأُرخةُ كان يَصلُحُ أن تكونَ [عندَنا بسَبْتةَ لنشربَ] لبنَها، فلمّا أردنا الانصرافَ قال: لتأخُذوا هذه الأُرْخة واحمِلوها [معَكم] لتشربوا لبنَها هنالك كما قلتُم.
وحدّثني القاضي أبو محمدٍ حَسَنُ بن عليّ ابن القَطّان عن التأريخيِّ العَدْل أبي يعقوبَ ابن الزَّيّات، قال: حدثنا أبو عبد الله ابنُ خالص الأنصاريُّ قال: سمِعتُ الشّيخ أبا الحُسَين يحيى بنَ محمد الأنصاريَّ المعروفَ بابن الصائغ يقول: زرت أبا يعزَى، فلما كان وقتُ غروبِ الشمس خَرجْتُ معَ جماعةٍ لإسباغ
(1) الأرخة: البقرة.
الوضوء، فلمّا بَعُدْنا من الطريق حال الأسَدُ بينَنا وبينَ القرية، فقيل لأبي يعزَى: إنّ الأسَد حالَ بينَ ضِيفانِك والقرِية، فأخَذَ أبو يعزَى عَصَاهُ في يدِه وجاء إلى الأسد يَضرِبُه بها إلى أن فَرّ، فجئنا، فأخَذَ يأكُلُ عيونَ الدُّفْلَى، فقال بلسانِه وكان لا يُحسنُ العربيّة لمَن ترجَمَ لي عنه: قُلْ لأبي الحُسَين: ما تقولونَ معشَرَ الفقهاءِ فيمن يأكُلُ هذه؟ -يعني عيونَ الدُّفْلى- فقلتُ له: قُلْ له عنِّي: إنّ الفقهاءَ يقولون: مَن أكَلَ هذا فإنه يَطرُدُ الأسَد، فأخبَرَه التُّرْجُمانُ بقولي فرأيتُه يتبسَّم.
قال أبو يعقوبَ ابنُ الزّيّات (1): وحدَّثني محمدُ بن إبراهيمِ بن محمد الأنصاريُّ، قال: سمِعتُ أبا مَدْيَنَ يقول: سمِعتُ الناسَ يتحدّثون بكراماتِ أبي يعزَى، فذهبتُ إليه في جماعةٍ توجَّهَت لزيارته، فلمّا وصَلْنا جَبَلَ إيروقان ودخَلْنا على أبي يعزَى أقبَلَ على القوم دوني، فلمّا أُحضِرَ الطعام منَعوني الأكل، فقعدتُ في رُكن الدار، فكلّما أُحضِر الطعامُ وقمتُ إليه انتَهرَني، فأقمتُ على ذلك ثلاثةَ أيام، حتى أجهَدَني الجوعُ ونالَني الذُّلّ، فلمّا انقَضَت ثلاثةُ أيام قام أبو يعزَى من مكانِه فأتَيْتُ إلى ذلك المكان ومرَّغتُ وجهي فيه، فلمّا رفَعتُ رأسي نظرتُ، فلم أرَ شيئًا وصِرتُ أعمى، فبقيتُ أبكي طُولَ ليلتي، فلمّا أصبحتُ استدعاني وقال لي: اقرُبْ [يا أندَلُسيّ] ، فدَنوتُ منه، فمَسَحَ بيدِه على عيني فأبصَرتُ، ثم مَسَحَ بيدِه على صدري وقال للحاضِرين: هذا يكونُ له شأنٌ عظيم، أو كلامًا هذا معناه، فأذِنَ لي في الانصراف وقال لي: ستَلقَى في طريقِك أسدًا فلا [يَروعُك، فإنْ غَلَبَ عليك خَوفُه] قُلْ له: بحُرمةِ يللنور إلا ما انصَرفتَ عنّي، [وسيَلقاك ثلاثةٌ من] اللّصُوص عند شجرة وستَعِظُهم فيتوبُ اثنانِ منهم [على يدِك ويرجِعُ الثالث] ثم يُقتَلُ ويُصلَبُ على تلك الشجرة، فوادَعْتُه وانصَرفْتُ، [فاعتَرضَني أسدٌ] في الطريق فأقسَمتُ عليه بأبي يعزَى، فتنحَّى عن الطريق، [وجُزتُ وما] زال يتبَعُني إلى أن خرَجتُ من الشّعراء، فرجَعَ عنّي، ثم أتَيْتُ على ثلاثةٍ [من اللّصُوصِ] وهم قعودٌ إلى أصل شجرة، فقاموا إليّ
(1) الحكاية في التشوف: 318 - 319.
فوعَظْتُهم فأثَّرَتِ الموعظةُ [في قلوبِ] اثنينِ فانصَرَفا، وذهَبَ الثالثُ إلى أصل الشجرة فقَعَدَ عندَه، فسَمعَ به الوالي، فبَعَثَ إليه مَن ضَرَبَ عُنقَه وصَلَبَه على تلك الشجرة، ولم أزَلْ سائرًا إلى أن وصَلتُ إلى بِجَاية.
قال ابنُ الزَّيّات (1): وحدّثني أبو عليّ حَسَنُ بن محمد الغافقيُّ الصَّوّافُ، وكان قد صَحِبَ أبا مَدْيَن نحوًا من ثلاثينَ سنةً وما فارَقَه حتى مات، قال: سمِعتُ أبا مَدْيَن يقول: زُرتُ الشّيخ أبا يعزَى أوّل مرّة زُرتُه، فمشَيْتُ إليه معَ رجُلَيْنِ فاشتَهى كلُّ واحد منّا طعامًا يأكُلُه عندَه، فلمّا دخَلْنا عليه قَدَّمَ لكلِّ واحدٍ منّا ما اشتهاهُ قبلَ الوصُول إليه، فأقمتُ عندَه أيامًا، فرأيتُه في تلك الأيام يُقدِّمُ الرجُلَ للصّلاة، فإن كان قارئًا مجُيدًا أقَرَّه، وإن كان لَحّانًا أخرَجَه، وكان أبو يعزَى أُميًّا ولكنه رُزِق إدراكَ عِلم هذا.
قال أبو مَدْيَن (2): وقالت لي جماعةٌ من الفقهاءِ المُجاوِرينَ لأبي يعزَى: ثبتَتْ عندَنا ولايةُ أبي يعزَى، ولكنْ نشاهدُه يلمَسُ صُدورَ النّساءِ وبطونَهنّ ويَتفُلُ عليهنّ فيَبْرَأْنَ، ونَرى أنّ لمْسَهنّ حرام! فإنْ تكلَّمنا في هذا هَلَكْنا، وإن سكتْنا حِرْنا، فقلت لهم: أرأيتُم لو أنّ ابنةَ أحدِكم أو أُختَه أصابها داءٌ لا يطلعُ عليه إلا الزّوجُ ولم يُوجَدْ من يُعانيهِ إلا طبيبٌ يهوديٌّ أو نَصْرانيّ، ألستُم تُجيزونَ ذلك معَ أن دواءَ اليهوديِّ أو النّصرانيِّ مظنون وأنتم من مُعاناة أبي يعزَى على يقين من الشفاءِ ومن مُعاناة غيره على شكّ؟ فبَلَغَ كلامي أبا يعزَى، فكان يقول: إذا رأيتُم شُعَيْبًا فقولوا له: عسى أن يعتنقَني، كأنه استَحسَنَ جوابَه عنه.
قال أبو علي (3): وكان أبو مَدْيَن يقول: رأيتُ أخبارَ الصّالحين من زمن أُويس القَرَنيّ إلى زمانِنا، فما رأيتُ أعجَبَ من أخبار أبي يعزَى، وينبغي أن تُكتبَ بماءِ الذهب.
(1) الحكاية في التشوف: 320 - 321.
(2)
المصدر نفسه: 321.
(3)
المصدر نفسه: 321.