المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌234 - يوسف بن يحيى بن الحاج علي بن عبد الواحد بن غالب المهري، سلوي سكن قصر عبد الكريم مدة ومالقة مدة أخرى وسجلماسة أخرى، واستوطن بأخرة أغمات وريكة، أبو يعقوب، ابن الجنان - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة - جـ ٥

[ابن عبد الملك المراكشي]

فهرس الكتاب

- ‌9 - عليُّ بن محمد بن عبد الرّحمن التَّميميُّ، قَلْعيٌّ -قلعةَ حمّاد- أبو الحَسَن

- ‌15 - عليُّ بن محمد بن يَقديران، بياءٍ سُفْل مفتوح وقافٍ [معقود] ودالٍ غُفْل وياءِ مَدّ وراءٍ وألِف ونون، اللَّمتُونيُّ، أبو الحَسَن

- ‌20 - عليُّ ابنُ المَقْدِسيّ، شَرقيٌّ، دخَلَ الأندَلُسَ

- ‌22 - عُمرُ بن أحمدَ بن عُمر السُّلَميُّ، أُراه من ذوي قَرابةِ [القاضي أبي حفصٍ] عُمر، أبو عليّ

- ‌25 - عُمرُ بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد بن إسماعيلَ بن جَمِيل بن نَصْر بن صِمع القُرَشيُ، كذا نقَلتُ نَسَبَه من خطِّه، تونُسيّ، نزَلَ مَرّاكُش، أبو حَفْص وأبو عليّ، ابنُ صِمع

- ‌31 - عُمرُ بن محمد بن أحمدَ القَيْسيُّ، مَرّاكُشيٌّ فاسيُّ الأصل، [......] صغيراً أبو عليّ ابنُ الفاسيِّ، خالي

- ‌34 - عُمرُ بن محمدٍ الهَوّاريُّ، بِجَائيٌّ؛ أبو عليّ، ابنُ ستِّ الناس

- ‌40 - عيسى بنُ حَمّاد بن محمد الأوربيُّ، تِلِمْسينيٌّ، أبو موسى

- ‌41 - عيسى بنُ حَيُّونَ

- ‌45 - عيسى بن محمد، وَجْديٌّ، أبو موسى

- ‌46 - عيسى بن مُفرِّج بن يَخلُف الزَّنَاتيُّ، عُدويّ

- ‌47 - عيسى بن مَيْمونِ بن ياسين اللَّمْتُونيُّ، مَرّاكُشيٌّ سَكَنَ إشبيلِيَةَ، أبو موسى

- ‌49 - عيسى بنُ يوسُفَ بن أبي بكرٍ الصُّنهاجيُّ، تِلِمْسيني، سَكَنَ مَرّاكُشَ وغيرَها، أبو موسى، ابنُ تامحجلت

- ‌51 - الغازي [

- ‌58 - محمدُ بن أحمدَ بن سَلَمةَ بن أحمدَ الأنصاريُّ، تلمسينيٌّ [لُوْرْقيُّ] الأصل، أبو عبد الله، ابنُ سَلَمةَ

- ‌59 - محمدُ بن أحمدَ بن عبد الله بن محمد بن عُمرَ السُّلَميُّ، فاسيٌّ شُقْريُّ [الأصل، أبو عبد] الله

- ‌60 - محمدُ بن أبي العبّاس أحمدَ بن أبي القاسم عبدِ الرّحمن بن عثمانَ التَّميميُّ، بِجَائيٌّ جَزائريُّ الأصل، أبو عبد الله، ابنُ الخَطيب

- ‌63 - محمدُ بن أحمدَ بن محمد بن أبي الحُسَين سُليمانَ بن محمد بن عبد الله السَّبَئِيُّ، مَرّاكُشِيٌّ، مالَقيُّ أصلِ السَّلَف، أبو عبد الله، ابنُ الطَّراوة

- ‌67 - محمدُ بن إبراهيمَ بن أبي بكر بن عبد الله بن سَعِيد بن خَلُوف بن عليِّ بن نَصْر القَيْسيُّ، تِلِمْسينيٌّ

- ‌69 - محمدُ بن إبراهيمَ بن عُمرَ بن منصُور بن عبد الله الزّهيليُّ

- ‌70 - محمدُ بن إبراهيمَ بن محمد بن محمدِ بن إبراهيمَ بن يحيى بن إبراهيمَ بن يَحيى بن إبراهيمَ بن خَلَصةَ بن سَماحةَ الحِمْيَريُّ الكُتَاميُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو عبد الله، ابنُ إبراهيم

- ‌72 - محمدُ بن إبراهيمَ اللَّوَاتيُّ، أبو عبد الله

- ‌78 - محمدُ بن أبي القاسم بن مَيْمونٍ الهَوّاريُّ

- ‌81 - محمدُ بن بَكّار التَّميميُّ، مَسِيليٌّ، ثم قَلْعيٌّ

- ‌82 - محمدُ بن تاشَفينَ بن يوسُفَ بن أبي بكر بن يِيْمَد -بياءٍ مسفول وياءِ مَدّ وفتح الميم ودالٍ غُفْل- ابن سَرْحوب، أبو عبد الله

- ‌83 - محمدُ بن جابرِ بن أحمدَ القَيْسيُّ، مَرّاكُشيٌّ

- ‌86 - محمدُ بن الحَسَن بن عَتِيق بن الحَسَن بن محمد بن حَسَن التَميميُّ، مَهْدَويٌّ سَكنَ بأخَرةٍ مَرّاكُش، أبو عبد الله، [ابنُ منصورِ الجَنْب]

- ‌89 - محمدُ بن الحَسَن الخَزْرَجيُّ، أبو عبد الله

- ‌96 - محمدُ بن سُليمانَ الدَّكاليُّ، أبو عبد الله

- ‌97 - محمدُ بن سُليمانَ اللَّمْتُونيُّ

- ‌98 - محمدُ بن سير بن محمد بن عُمرَ اللَّمْتُونيُّ

- ‌101 - محمدُ بن عبدالله بن سَعِيد، تِلِمْسينيٌّ، أبو عبدالله

- ‌107 - محمدُ بن عبد الله بن مالكٍ الكَلْبيُّ، أبو عبد الله، زبريج

- ‌108 - محمدُ بن عبد الله بن مُبشّرِ بن عبد الله بن يونُسَ بن عِمْرانَ القِيْسيُّ، مِكْناسيٌّ مكناسةَ الزّيتون، أبو عبد الله

- ‌110 - محمدُ بن عبد الله بن يَلُوسْفَان

- ‌112 - محمدُ بن عبد الرّحمن بن موسى، [أبو عبد الله، ابنُ الحاجّ]

- ‌115 - محمدُ بن عبد الرّحمن اللَّمَطيُّ، ابنُ تازليت

- ‌132 - محمدُ بن عِمرانَ بن موسى الصُّنهاجيُّ، عُدْويُّ

- ‌144 - محمدُ بن موسى الصُّنْهاجيُّ، [أبو] مَرْيَم

- ‌145 - محمدُ بن مَيْمونِ بن ياسين [الصُّنْهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ] ، استَوْطنَ إشبيلِيَةَ، أبو عبد الله

- ‌146 - محمدُ بن وارتدفي الصُّنهاجيُّ

- ‌148 - محمدُ بن يحيى بن داودَ التادَليُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو عبد الله

- ‌149 - محمدُ بن يحيى، طَنْجيٌّ

- ‌153 - محمدُ بن يوسُفَ بن عبد الله بن محمد بن عامُور، أبو عبد الله

- ‌156 - محمدُ بن يوسُفَ الصُّنهاجيُّ

- ‌160 - مَرْوانُ بن عبد الملِك بن إبراهيمَ الهلاليُّ، طَنْجيُّ الأصل أَظُنُّه وُلد بها أو ببعضِ بلادِ العُدْوة، أبو محمد

- ‌162 - مَرْوانُ بن محمد بن عليّ بن مَرْوانَ بن جَبَل الهَمْدانيُّ، تِلِمْسينيٌّ [وَهْرانيُّ الأصل] حديثًا، شَلْوبانيُّهِ قديمًا، أبو علي

- ‌163 - مَرْوانُ بن موسى بن نُصَيْر [

- ‌164 - مَسْعودُ بن عبد الكريم بن عليِّ بن عبد المُحسِن، تونُسيٌّ

- ‌165 - مَسْعودُ بن عليِّ بن المنصُور المَصْمُوديُّ الصّلتانيُّ المَنْفِيُّ من كُورةِ طَنْجة

- ‌175 - موسى بنُ أبي القاسم عبد الرّحمن بن عبد الله بن محمد بن عيسى المَرّاكُشيُّ، أبو عِمرانَ المالَقيُّ

- ‌180 - موسى بن هارونَ بن خِيَار، أبو عِمران

- ‌189 - نَصْرُ بن أبي الفَرَج، صِقِلِّيٌّ، أبو الفُتوح

- ‌193 - يحيى بن أحمدَ الأنصاريُّ، سَبْتيٌّ، أبو بكرٍ النّكاريُّ

- ‌195 - يحيى بنُ أبي بكر بن مكِّيّ، بِجَائيٌّ، أبو زكريّا

- ‌204 - يحيى بن محمد الصُّنْهاجيُّ، أبو زكريّا

- ‌207 - يحيى بنُ أبي عُمرَ مَيْمون بن ياسين اللَّمْتُونيُّ مَرّاكُشيٌّ، أبو زكريّا

- ‌209 - [يَديرُ بن تونارت] الهَسْكوريُّ، أبو محمد

- ‌212 - يَعْلَى بن الفُتُوح الأوربيُّ، أبو محمد

- ‌213 - يَعْلَى بن ناصِر اليَجْفَشيُّ، أبو الحَسَن

- ‌215 - يكسفانُ بن عليّ اللَّمْتُونيُّ، أبو محمد

- ‌216 - يكسفانُ بن عيسى اللَّمْتُونيُّ الغَزّاليُّ، أبو محمد

- ‌217 - يكسفانُ بن محمدٍ اللَّمْتُونيُّ

- ‌220 - يوسُفُ بن تاشَفين بن إسحاقَ بن محمد بن عليّ الصُّنْهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ، مَرّاكُشيٌّ، أبو يعقوبَ

- ‌223 - يوسُفُ بن عليّ بن جعفر، تِلِمْسينيٌّ

- ‌225 - [يوسُفُ بن عليّ؟] الصُّنهاجيُّ اللَّمْتُونيُّ، أبو يعقوبَ، ابنُ بزْوِيْنا، [بالباء] وسكونِ الزاي وواوٍ وياءِ مَدّ ونونٍ وألف

- ‌231 - يوسُفُ بن مُبشَّر الصُّنهاجيُّ

- ‌234 - يوسُفُ بن يحيى بن الحاجِّ علي بن عبد الواحِد بن غالبِ المُهْريُّ، سَلَويٌّ سَكَنَ قَصْرَ عبد الكريم مدّةً ومالَقةَ مدّةً أخرى وسِجلْماسةَ أخرى، واستَوطنَ بأخَرةٍ أغماتِ وريكة، أبو يعقوب، ابنُ الجَنّان

- ‌هذا ذكرُ النّساء

- ‌248 - أُمُّ مُعفّر، إحدى حَرَم الأمير محمدِ بن سَعْد

- ‌254 - رَشِيدةُ

- ‌256 - زُمُرُد

- ‌262 - سعيدةُ بنتُ محمد بن فِيرُّه الأمويِّ التُّطِيليِّ

- ‌268 - غايةُ المُنى

- ‌276 - لُبنَى

- ‌277 - مُزْن

- ‌285 - ابنةُ محمد بن فِيرُّه الأمَويِّ التُّطِيليِّ، أُختُ سعيدةَ المذكورةِ قبلُ وصغيرتُها

- ‌288 - الشِّلْبيّةُ

- ‌الغرائب

- ‌292 - زينبُ ابنةُ إبراهيم بن يوسُف بن قُرقول

- ‌293 - سارة

الفصل: ‌234 - يوسف بن يحيى بن الحاج علي بن عبد الواحد بن غالب المهري، سلوي سكن قصر عبد الكريم مدة ومالقة مدة أخرى وسجلماسة أخرى، واستوطن بأخرة أغمات وريكة، أبو يعقوب، ابن الجنان

ألِمَّ برَوْضي تَجْنِ ثَمَّ جَنَى حيَا

خلا دَرَّ ذي رَيٍّ زكا سَقْيُه شُرْبا

صَفا ضِمْنَ طَلٍّ ظَلَّ عندَ غِنًى فَشَا

قِرًى كِيلَ لي من نَهْي وَدْقٍ هَمَى سُحْبا

توفِّي أبو الحَجّاج بمَرّاكُشَ سنةَ تسعٍ وأربعينَ وست مئة.

‌234 - يوسُفُ بن يحيى بن الحاجِّ علي بن عبد الواحِد بن غالبِ المُهْريُّ، سَلَويٌّ سَكَنَ قَصْرَ عبد الكريم مدّةً ومالَقةَ مدّةً أخرى وسِجلْماسةَ أخرى، واستَوطنَ بأخَرةٍ أغماتِ وريكة، أبو يعقوب، ابنُ الجَنّان

.

رَوى عن شيوخ [عصرِه. وكان كاتبًا] شاعرًا سَيّالَ القريحة في الطريقتَيْنِ متوسِّطَ [النَّظْم، أسرَعَ الناس] كَتْبًا وأدومَه.

أخبرَني أنه نَسَخَ "التقريبَ" لإبن حَرْب (1)[في القراءاتِ في] يوم واحد، وأنه دأبَ صَدْرَ عمُرِه على نَسخ عشرينَ ورقةً من [الوَرَق الكبير] وسُطورُ كلِّ صفحة منها سبعةٌ وعشرون سطرًا في كلِّ يوم، [ولا يتخلَّفُ عن عادتِه، وشاهدتُ] له من ذلك ما يَقضي منه العجَبَ. وكان أبدًا يَكتُبُ عن الولاةِ ويَقعُدُ [في دُكّانِه] لعَقْدِ الشروط، ويَكتُبُ أزمّةَ المجابي السُّلطانيّة، وهو معَ هذا كلّهِ [دائبُ] النَّسخ، فقلَّ كتابٌ مستعمَلٌ مشهورٌ إلّا نَسَخَه.

ولقد رأيتُ له ممّا نَسَخَ معَ اشتغالِه بما ذُكِر أزَيدَ من مئة مجلَّد في مدّة ليست بالمديدة.

(1) عندنا مقرئان ينتهي نسبهما إلى حرب ولكل منهما كتاب في القراءات اسمه "التقريب" أحدهما أحمد بن محمد بن سعيد بن حرب اللخمي الإشبيلي ويكنى أبا العباس المسيلي كان حيًّا سنة 539 هـ. وصنف في القراءات السبع مختصرًا نبيلًا أسماه "التقريب". والآخر عيسى بن محمد بن فتوح بن فرج بن خلف بن عياش بن وهبون بن فتحون بن حرب الهاشمي البلنسي وكنيته أبو الأصبغ ابن المرابط (ت 552 هـ) وله في رواية ورش مصنف سماه "التقريب والحرش، في قراءتي قالون وورش" ويسمى اختصارًا "التقريب". ولا نعرف أي الرجلين والكتابين يقصد المؤلف هنا والكتاب الثاني أشهر من الأول. انظر السفر الأول، الترجمة 631، والخامس، الترجمة 946، ورحلة ابن رشيد 2/ 87 (ط. تونس) وبرنامج التجيبي:45.

ص: 359

وكتَبَ عن عبد الكريم بن عِمرانَ (1)، وعن [عبد الله بن عليّ] بن زَنّون (2) أيامَ تأمُّرِه بمالَقةَ.

حضَرتُ معَه يومًا قريبَ الزَّوالِ بمجلسِ أبي عليّ عُمرَ ابن الفقيه أبي العبّاس بن عثمانَ بن عبد الجَبّار بن داودَ المَتُّوسيِّ المِلْيانيّ (3) وهو والٍ بأغْماتِ وريكة، فذَكَرَ أنه كان ثالثَ ثلاثةٍ كُتّاب لإبن زَنُّون هو أحَدُهم، وأبو عبد الله الإسْتجِيُّ (4)، وأبو عليٍّ ابنُ ستِّ الدار (5) المذكوران في موضعَيْهما من هذا الكتاب، قال: وكان لإبن زَنّونَ خاتَمٌ يطبَعُ به كتبه لا يُفارقُه من دَواتِه

(1) تقدم التعريف به في ترجمة أبي الحسن الشاري رقم (12) وقد كان قاضيًا ببلده قصر عبد الكريم، ومن الممكن أن يكون المترجم كتب عنه أثناء مقامه بهذه المدينة.

(2)

تأمر أيامًا بمالقة بعد انتهاء حكم الموحدين في الأندلس، له ترجمة في أعلام مالقة (85)، ومنها نقل مؤلف المرقبة العليا 114، 123.

(3)

هو ولد الفقيه أبي العباس الملياني الذي انتهت إليه رئاسة الشورى ببلده مِلْيانة. وترجمته في عنوان الدراية: 109 - 110، والعبر لإبن خلدون 6/ 657، وتعريف الخلف: 37، ونيل الابتهاج: 63 وكفاية المحتاج (مخطوط)، أما ولده أبو علي فقد ثار على الحفصيين في مليانة وبعد حصار دام مدة فر أبو علي إلى المغرب الأقصي ولجأ إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق فأقطعه بلد أغمات وقد اشترك في غزوة جبل تينمل التي استؤصل فيها بقية الموحدين وكان منه الافتيات المشهور في نبش قبور الخلفاء تزلفًا أو انتقامًا، وفي عهد السلطان يوسف بن يعقوب بن عبد الحق استعمل على جباية المصامدة وسعى به مشيختهم أنه احتجن المال لنفسه فحوسب وأقصي واعتقل وهلك سنة 686 هـ واصطنع السلطان ابن أخيه أبا العباس واستعمله في كتابته ولكنه خان الأمانة وتسبب في تلك الفتكة المعروفة التي قتل فيها مشيخة المصامدة انتقامًا لعمه. وترجمته في الإحاطة 1/ 284 ومستودع العلامة، وانظر تفصيل أخبار الملياني المذكور عند المؤلف، في العبر 6/ 656 - 657، 7/ 401، 479 والاستقصا 3/ 42، 77. وتجدر الإشارة إلى اغتيال العبد سعادة من عبيد الملياني للسلطان يوسف، وهذه الفذلكة التي ذكرها المؤلف تضيف جديدًا لا يوجد عند غيره.

(4)

تقدمت ترجمة الإستجي في السفر السادس (694).

(5)

تقدمت ترجمته في هذا السفر (34).

ص: 360

ولا تُطبَعُ به كُتُبٌ إلّا بحضرتِه فأمَرَ ذاتَ يوم بكُتُب واستَعْجَلَ كُتّابَه الثلاثةَ فيها وانصَرفَ إلى منزلِه، فلمّا فرَغوا من كَتْبِها أرادوا إعلامَه بذلك ليَحضُرَ على خَتْمِها جَرْيًا على عادتِه، فأرادوا مطالعتَه في ذلك بكَتْبِ بطاقةٍ نثرًا، فقال لهم أبو عبد الله الإسْتِجيُّ: إنه لَيَقبُحُ بنا أن نكونَ أدباءَ شُعراءَ معَ أنّ مخدومَنا يَستحسِنُ الشّعرَ ويهتزُّ لسماعِه (1) ونُخاطبَه في مثل هذا بالنثر، قال: فقلنا له: أنت كبيرُنا ومقَدَّمُنا فابدَأْ لنا ما نتّبِعُك عليه ونَحْذو حَذْوَكَ فيه، فقال [من الكامل]:

نُسِجَتْ بُرودُ الكُتْبِ وِفْقَ مُرادِكمْ

فأتَتْ مفَوَّفةً بخطٍّ بارعِ

وكتبَه في بطاقةٍ ودفَعَها إلى أبي عليّ، فزاد عليه بخطِّه [من الكامل]:

وجَمالُها طُرُزٌ لكي تزهى بهِ

وطِرازُها يا ذا العُلى بالطابَعِ

ودفَعَ إليّ البطاقةَ فزِدتُ عليهما وكتبتُه بخطِّي [من الكامل]:

فالخَتْمُ للمكتوبِ تكرِمةٌ لهُ

وكذا رَويناهُ عنَ اكرمِ شافعِ (2)

[فلمّا وَجّهناها معَ من] أوصَلَها إليه خرَجَ إلينا مستبشِرًا مبتسمًا [والدّواةُ التي] فيها الطابَعُ محمولةٌ بينَ يدَيْه فدفَعَه إلينا فطبَعْنا [به الكُتُبَ وأُعيدَ إلى] موضعِه على جاري العادة.

وحضَرَ لإيرادِ هذه الحكاية [بعضُ مَن] يغشَى مجلسَ أبي عليّ أو يتردَّدُ إليه وله حَظّ من الأدب وقَرْض [الشّعر، ومنهم]: قريبُه (3) أبو عبد الله ابنُ المُعزّ (4)،

(1) في أعلام مالقة: "وكان مع ذلك مقصودًا من البلاد يرد الناس عليه من كل قطر، وينشده الشعراء فيحسن إليهم ويرفدهم، وكان عطاؤه جزلاً وهاطله ضخمًا".

(2)

إشارة إلى الأثر: "كرامة الكتاب ختمه". انظر العقد 4/ 159، والتراتيب الإدارية 1/ 177، ومحاضرات الراغب 1/ 105.

(3)

كلمة أصابها المحو في الأصل، ويمكن أن تكون أيضًا: ونسيبه.

(4)

هكذا في الأصل، وفي قصيدة ابن الجنان كما سيأتي أنه أبو محمد عبد الله ابن المعز.

ص: 361

وشاعرُه أبو محمد عبدُ الله (1) بن يحيى بن سُليمان المتراريُّ (2) الحاجُّ المعروفُ بالمَرّاكُشيّ وصفيُّه الحاجُّ النبيل أبو إبراهيمَ ابنُ عبد السّلام بن عُمرَ القُزُوليُّ (3)، فاستَظْرَفَها أبو عليّ والحاضِرونَ وأعجِبوا بها وتفاوَضوا في شأنِها ساعةً ثم قال أبو علي: ليتَ شِعري! لو كان معَهم رابعٌ ماذا كان يقول؟ وهل تُمكنُ الزّيادةُ على هذه الأبيات؟ فقال الجميعُ: إنّ المعنى قد كمُلَ ومَنَعَ الزّيادةَ، فقال: منَ المحالِ عادةً أن يكونَ معَهم رابع، ولا يَجري مَجْراهم في الإتيانِ بمثل ما أتَوْا به فخُذوا في الزّيادة عليها، وأشار بذلك إلى ابن المُعزّ وأبي محمدٍ المَرّاكُشيِّ وأبي إبراهيمَ القُزُوليّ، وأضاف إليهم ابنَ الجَنّان مورِدَ الحكاية،

(1) لا نعرف عنه إلا ما ورد في قصيدة ابن الجنان المذكور آنفًا فهو أبو محمد عبد الله ابن المعز القابسي الأصل، نشأ بالشرق أي بإفريقية حسب اصطلاح معروف، وقد وصف في القصيدة المذكورة بطيب الأصل والنجابة كما نعت بأنه ذو رواية ودراية، ويُفهم من القصيدة أيضًا أنه كان يقول شعرًا غير معرب علاوة على مشاركته في الشعر المعرب. ويصف ابن الجنان شعره غير المعرب بقوله [الكامل]:

يبدي لنا شعرًا قد احكم رصفه

بعروض اخترعت [كسجع الساجع]

لم يروها الأدباء عن شعرائهم

فاعجب لأشعار بنظم [شائع]

لا بالعروض ولا اللغات تسربلت

لكن معانيها كسم ناقع

تبدي لنا غرر البيان مشوبة

بمواعظ فاضت بهن مدامع

وإذا يهاجى ماجنًا كوميّنا

يجري الدموع بكل دمع هامع

طيبًا وضحكًا لا يقاس بطيب

.......................

وهذا الشعر الموصوف يمكن أن يكون الزجل أو عروض البلد أو الشعر البدوي مما تحدث عنه ابن خلدون في المقدمة. وثمة في الأعلام القريبة أبو فارس ابن المعز الكفيف كان مقربًا عند الواثق أبي دبوس آخر الموحدين، وذلك لفصاحته (البيان المغرب: 469).

(2)

نسبة إلى مترارة ولعله هو الذي سمي في الشعر السابق الحاج الكومي، ومترارة موطن كومية.

(3)

لم نقف له على ترجمة.

ص: 362

وقال له: هَبْكَ لستَ أحدَ الناظمينَ المذكورينَ قبلُ، ثم عَطَفَ عليّ وطالَبَني بالموافقة لهم في ذلك ولم يكنْ رأى لي قبلُ بيتًا واحدًا ولا أشعرتُه بأنّي خُضتُ في نَظْم قَطُّ، فاستعفَيْتُه من ذلك فلم يُعفِني وقال: وما الذي يمنَعُك وموادُّ النَّظْم كلُّها عندَك عَتِيدة؟ فلا وَجْهَ لاستعفائك ولا بدَّ من مشاركةِ الأصحاب فيما خاضوا فيه، ثم قال: لا أريدُ أن أشغَلَ خواطرَكم بالنّظر في هذا عن تأنيسِنا، ولكنِ اعمَلوا على اجتماعِنا عَقِبَ العَصْر ولْيَأْتِ كلٌّ منكم بما تيسَّر له إن شاء الله، وبعَثَ بالأخْذِ في ذلك إلى أبرع من اشتَمَلت عليه أغماتُ حينَئذٍ وأسرعِهم بَدِيهةً وأشهرِهم إجادةً وتفنُّنًا أبي الحَسَن بن إسماعيل (1)، وأعلَمَه بالمواعدة لإتيانِ كلِّ واحدٍ بما عندَه إثْرَ العصر، ثم انصَرَفْنا، فلمّا كان بعدَ العصرِ وافَى كلٌّ منّا بما سَنَحَ له، فقال ابنُ الجَنّان [من الكامل]:

الختْمُ للمكتوبِ تكرِمةٌ لهُ

وكذا رَويناهُ عنَ اكرمِ شافعِ

فابعَثْ إلينا طابَعًا نختِمْ بهِ

عملًا بتحريضِ الرسُول الشارعِ

فالمهتدونَ قدِ اقتَفَوْا آثارَهُ

من صاحبٍ صَدَقَ المقالَ وتابعِ

وقال أبو عبد الله ابنُ المُعز [من الكامل]:

وحُلاكمُ منها التُّقى فلْتَشْرَعوا

.............................

فابعَثْ أداةً طُرْزُها طُرْزُ الوَرى

.............................

واقرُبْ بأمرِك إذْ نأيْتَ بحَجْبِهِ

عن مُستحِثٍّ منك خَتْمَ الطابعِ

وقال أبو إبراهيمَ القُزُوليّ [من الكامل]:

ولأنتمُ أوْلى الأنام بأنْ يُرى

لسبيل خَيْرِ الخَلْق أكرمَ تابعِ

فأْمُرْ لمَن يأتي بخَتْمٍ عاجلًا

لتكونَ مقتدِيًا بقولِ الشارعِ

(1) تقدم التعريف به في ترجمة أبي الحسن الشاري رقم (12).

ص: 363

وأتَى أبو محمدٍ المَرّاكُشيُّ ببيتَيْنِ من الطويل بعيدَيْنِ عن المعنى فرَدَّه، وقلت

[من الكامل]:

وفي الاقتداءِ به أجَلُّ فضيلةٍ

فابعَثْ به لتنالَ فَضْلَ التابعِ

والسرُّ إنّ السِّرَّ فيه محجَّبٌ

بالطّبع عن مستشرفٍ ومُطالعِ

فلَهِجَ أبو عليّ بذلك وحَسُنَ موقعُه منه، ولم يَصلْ أبو الحَسَن بنُ إسماعيلَ للموعد عَقِبَ العصر، فطال تعجُّبُنا من ذلك وانفَضّ المجلسُ، فلمّا كان قريبُ المغرِب خَرَجَ أبو عليّ إلى مجلسِه المُطِلِّ على الساقيةِ العُظمى السُّلطانيّة المُشرِفِ على الممَرِّ الأعظم شرقيَّ الجامع، فجالستُه هنالك منفردَيْن، وكنتُ مقابلَ الممَرّ وأبو عليّ مُقبِلٌ عليّ وقد استَدْبَرَه بعضَ الاستدبار، وإذا أبو الحَسَن بنُ إسماعيلَ مُقبِلٌ، فأعلمتُ بوصُولِه أبا عليّ وقلتُ له: ما أراه إلا أتى بشيءٍ، فقَصَدَ إلى جنبِ أبي عليّ من خارج المجلس وطَرَحَ بينَ يدَيْه بطاقةً وانصَرف، فلمّا قرَأَها أبو عليّ بالَغَ في استحسانِها، وكلّما كرَّر النظرَ فيها استَجادَها، ثم دَفَعَها إليّ، فإذا فيها بعدَ الأبيات الثلاثة الأولى ما نَصُّه: وقال معظِّمُ الجَلال، ومتملّكُ الكمال مُذيِّلًا

[من الكامل]:

كرَمُ الكتابِ خِتامُهُ وكذاكَ قا

ل مُفسِّرٌ للوحي غيرَ مُدافَعِ

في قول بِلقيسٍ: كتابٌ جاءني

-مَلَئي- كريمٌ أيْ بخَتْم صادعِ

ويحقُّ للمُعطي صيانةُ سرِّهِ

وَصْفُ التكرم في الكلام الشائعِ

حُكمُ الشّريعة باهرٌ أنوارُها

لذوي العقولِ كبدرِ تَمٍّ طالعِ

وبعدَها: وقال متملّكُ الكمال الأوحَدُ، وصَلَ الله سُعودَه [من الكامل]:

ما إنْ تزالُ تُفيدُنا يا ذا العُلا

حِكَمًا وآدابًا بحُكمٍ نافعِ

أوضحتَ للأُدباءِ نَهْجَ سبيلِهمْ

وأبَنْتَ مَهْيَعَ كلِّ فضلٍ جامعِ

...........................

منها تؤُمُّ إلى المدى المتشاسعِ

ص: 364

والسلامُ الكريم الأحفَلُ الأسنى يخُصُّ المجدَ الأتلد، والكمالَ الأوحد ورحمةُ الله وبَركاتُه.

ولمّا وقَفْتُ عليها لم أرَ فيها كبيرَ مُستحسَن، بل رأيتُها [نازلةً عمّا عُهِدَ] من إحسانِه، ومُنحطّةً عمّا أتَى به غيرُه، وعجِبتُ من إفراطِ أبي عليّ في استجادتِها على براعة نَقْدِه وجَوْدةِ تمييزِه، ثم هَجَسَ في خاطري [أنّ ذلك] لم يكنْ منه إلا لِما أتبَعَ به أبو الحَسَن تذييلَه من الأبياتِ الثلاثة في مَدْحِه، وقلتُ: أراه حاملَه على استحسانِ ما أتَى به أبو الحَسَن، فصَنَعْتُ تلك الليلةَ قصيدةً في مَدْحِه وأشرتُ إلى أنّ تذييلَ الأبيات كان عن إشارته، وزدتُ في التذييل أبياتًا، ولقِيتُه بها بعدَ العَصْر منَ الغدِ لمّا لم يتَأتَّ لقاؤه بها صَدْرَ النهار لخروجِه إلى بعضِ المواضع، ولمّا جئتُ بها بعدَ العصرِ ألفَيْتُ أبا محمد المَرّاكُشيَّ قد جاء بهذينِ البيتَيْن

[من الكامل]:

وولوعُ همّتِكمْ بشِرعةِ أحمدٍ

أجلى وأبهرُ من هلالٍ طالعِ

فابعَثْ بطابَعِك السّعيدِ لتقتفي

سَنَنَ الهدايةِ كفُّ هذا الطابعِ

فخَلوتُ بالمَرّاكُشيِّ وقلتُ له: هذه مَكِيدةٌ، فقال لي: هو -والله- كما حدَسْتَ، فإنه لم يَخْفَ عليَّ كونُ الأبياتِ من المديد (1)، ولكنّي لم أتهَدَّ إلى ما يَصلُحُ ذَيْلًا لها، فصنَعْتُ ذلك حتى أسمَعَ ما أتى به غيري فأحْذُوَ حَذْوَه، وتربَّصتُ بأبي عليٍّ (2) خَلْوَته بدخولِه إلى مجلسِه الخاصّ من مجلسِه العامّ، ودفعتُ إليه القصيدةَ، فلمّا رآها قال لي: لمَن هذه؟ فقلت: قفْ عليها، فقال لي: هذا خطُّك فمَن ناظمُها؟ قلت: كاتبُها، فاشتَدَّ تعجُّبُه من فعلي أولًا وإتْياني بها ثانيًا حتى كان من كلامِه أنّ هذه البلادَ وَلّادةٌ مُنْجِبة. وهذه القصيدةُ التي رفعتُ له

[من الكامل]:

(1) هكذا في الأصل، وهي من الكامل.

(2)

في الأصل: فأبى عليَّ.

ص: 365

حرِّرْ من التقريظِ حُرَّ بدائعِ

تَزْهَى بحُسن مطالعٍ ومَقاطعِ

واخصُصْ بها إن شئتَ تشريفًا لها

قُطبَ العُلى سرَّ الكمالِ البارعِ

ذاك الفقيهُ ابنُ الفقيه المُعتلي

في ذَرْوةِ الحَسَبِ الصّميم الناصعِ

لأبي عليٍّ في المعالي رُتبةٌ

أضحَتْ لمجموعِ العُلى كالجامعِ

إرثًا وكسبًا حازَها وبنَى لها

بصنائعٍ منه مَشِيدُ مصانعِ

فحُلَى أبيه الحَبْر أحمدَ لم تكنْ

إلّا حُلى البَرِّ .......

عمَّ الخلافُ فإنْ حَمِدْنا أحمدًا (1)

لم نَلْقَ غيرَ [مُوافقٍ ومتابعِ]

بحرُ العلوم درايةً وروايةً

قد جال منها في المجالِ [الواسعِ]

وبيانُهُ لأصولِها وفُروعِها

[...............]

فإذا يَحَارُ الفهمُ في مُستبهِمٍ

منها جَلاهُ بالمقالِ [.........]

بالعلم والدِّين المتينِ جَرى مدى (؟)

وَرَعٍ إلى الخيرِ الجَسِيم مُسارعِ

ورَعَى حِمى دينِ الهدى ..

ووَفَى له بشعائرٍ وشرائع

في الله لم تأخُذْه لومةُ لائمٍ

كلّا ولا استهواهُ كيدُ مُخادعِ

قد باعَ دُنياهُ بأُخراهُ فما

ذا حِيزَ من ربحٍ لهذا البائعِ

وتزوَّدَ التقوى بضاعةَ مخُلصٍ

لله منقلبٍ بخيرِ بضائعِ

حيّاه رِضوانُ الجِنانِ كرامةً

بمزيدِ رِضوانٍ وعفوٍ واسعِ (2)

يا ماجدًا لِعُلًا حَلاهُ تفنُّنٌ

أيًّا بلاغةَ شاعرٍ أو ساجعِ

فأصالةٌ وجلاةٌ وجَزالةٌ

شَهِدَتْ لفضلِك بالبيانِ الساطعِ

(1) يقصد والد الممدوح وهو الفقيه أبو العباس أحمد الملياني.

(2)

بعد هذا بياض في الأصل مقداره نحو ستة أبيات.

ص: 366

ونَفاسةٌ ورِياسةٌ وزعامةٌ

بهَرَتْ فنازَعَهنّ كلُّ مُنازعِ

وسيادةٌ قد زانَها بتواضُعٍ

أكرِمْ به من سيّدٍ متواضعِ

نَدْبٍ لأعلام المكارم رافعٍ

ندسٍ لأعلام الأكارم فارعِ

تلقاهُ يومَ السِّلم مبتهجَ الرؤى

بسَنَا السّناءِ كبَدْرِ تَمٍّ ساطعِ

وتُدارُ للهيجا عُقارُ قِراعِها

فتراهُ خيرَ مُعاقِرٍ ومقارَعِ

قَسَمَ الجَزاءَ موافقًا للعدلِ في

أقسامِهِ فأصابَ حُسنَ مَواقعِ

فوليُّه يحظَى بشَهْدٍ نافعٍ

وعدوُّه يشقَى بسُمِّ ناقعِ

فلذا [......]

ولذا رَدَاهُ عن سَمُومِ مُمازعِ

[......] إلّا الذي

قد طابَ من خُلُقٍ له وطبائعِ

[......] المحْل إلّا ما جَنَى

من جُودِه المتواترِ المتتابعِ

[......] وفاقَهم بفِعالِه

كم شارح قد فات شَأْوَ الواضعِ

[......] قد حَوَتْ

لعُفاةِ نائلِها عذابَ مشارعِ

كَفٌّ بها للجُودِ خمسةُ أبحُرٍ

تبدو لرأي العَيْن خمسَ أصابعِ

يا من يَقِيسُ به سواءٌ في النّدى

ألغَيْتَ في النظر اعتبارَ الجامعِ

هذا يجودُ وفي الموانع كثرةٌ

وسواهُ ضَنَّ معَ ارتفاع المانعِ (1)

(1) أورد المؤلف هذا البيت والذي قبله في السفر الأول عند ذكر قول ابن عميرة من قصيدة:

أولئك جادوا والزمان مساعد

وجدت لعمري وهو غير مساعد

ونص كلامه هناك: "وقد ألممت بمعنى البيت الأخير من هذه الأبيات فقلت من قصيدة طويلة أمدح بها الفقيه الرئيس الأطول أبا علي عمر ابن الفقيه الأجل العلم الشهير أبي العباس الملياني وصل الله أسباب سعادته وهي أول ما رفعت إليه" ثم قال: "وسأذكر إن شاء الله سبب هذه القصيدة في رسم أبي الحجاج ابن الجنان" السفر الأول (الترجمة 231).

ص: 367

شعري وفكري في امتداحِ خِلالِهِ

ما بينَ محمولٍ له ومُطاوعِ

لم يَنْثنِ المُثني على عَلْيائهِ

عن حَصْرِها إلا لعُذرٍ قاطعِ

من ذا يَعُدُّ الشُّهبَ أو يُحصِي الحَصَى

فاكفُفْ وإلا بُؤْ بيأسِ الطامعِ

يا سيّدًا حاز المعالي ناشئًا

في المهدِ بينَ حواضِنٍ ومراضعِ

منك استفَدْنا كلَّ ما جئنا بهِ

لا زلتَ تُولينا ضروبَ منافعِ

لا غَرْوَ أن بَذّتْ نُهاك عقولَنا

فالشمسُ تَبهَرُ كلَّ نجمٍ طالعِ

نفَذَت إشارتُك الكريمةُ تقتضي

تذييلَ شعرٍ في تطلُّبِ طابعِ

أبياتُه مهما تُعَدُّ ثلاثةٌ

كالرّوض جِيد بصَوْبِ غيثٍ هامعِ

قد دار بينَ ثلاثةٍ إنشاؤها

ما منهمُ إلّا مُجيدُ بدائعِ

حَظَروا الزيادةَ بعدَهمْ إذ كمَّلوا

واستَغْرَقوا المعنى بلفظٍ جامعِ

فقفَوْتُ ممتثلًا على آثارِهمْ

لا بادعًا بإصابةِ المتخادعِ

قال الأديبُ الإسْتِجيُّ مُمهِّدًا

لطلابِهم فأتَى بنظم رائعِ:

"نُسِجَتْ برودُ الكُتْبِ وفقَ مُرادِكمْ

فأتَتْ مفوَّفةً بخطٍّ بارعِ"

والكاتبُ ابنُ الستِّ قال تسلُّقًا

لحصُول بُغيتِهم بنَبْل مُنازعِ:

"وجَمالُها طُرُزٌ لكي تزهَى بهِ

وطِرازُها يا ذا العُلى بالطابعِ"

وفتَى بني الجَنّان حاز الخَصْلَ في

تضمينِه معنى كلام الشارعِ:

"فالخَتْمُ للمكتوبِ تكرِمةٌ له

وكذا رَوَيْناه عنَ اكرمِ شافعِ"

وتلَوْتُهمْ وأنا المُقصِّرُ عنهمُ

.....................

حتى أتَيْتُ بخامسٍ وبسادسٍ

وبسابعٍ [وبثامنٍ وبتاسعِ]

وبعاشرٍ كمُلتْ به عَقْدًا حَكَى

عِقْدًا تُنضِّدُه أكفُّ [الصانعِ]

ص: 368

وتلفَّعَتْ خَجَلًا بأحمرَ قانئ

وتلفَّفتْ وَجَلًا بأصفرَ [فاقعِ]

عوَّذتُ بالسّبع المثاني سبعةً

منها مخافةَ نافسٍ أو لاقعِ (1)

ورسَمْتُ هذا الذّيلَ تحريضًا بما

راموا وتفضيلًا لهذا الطابعِ

وفي الاقتداءِ به أجلُّ فضيلةٍ

فابعَثْ بها لتنالَ فَضل التابعِ

والسرُّ إنّ السّرَّ فيه محجَّبٌ

بالطَّبْع عن مستشرفٍ ومُطالعِ

وبحَوْطِهِ عن نَقْصه وزيادةٍ

فيه حِيَاطةَ كالئ لودائعِ

وبصوْنِهِ الأسرارَ صاحبَ وَصْفِهِ

كرمٌ فما سرُّ الكريم بذائعِ

هذا [وفيه] لِصَرْفِ ناظرِ ناظرٍ

من غيرِ إذْنٍ فيه أكبرُ وازعِ

إنّ الكتابَ مخاطبٌ لكنّه

لنواظرٍ يُثنَى خطابَ مُسامعِ

ولذاك شُبِّهَ ناظرٌ فيه بمَن

يَرْنو لنارٍ في الحديثِ الشائعِ

فاختَرْ من الأبياتِ ما هُو شائعٌ

وانبِذْ سِواها بالمحَلِّ الشاسعِ

وإن اقتضَى النظَرُ الكريمُ بقاءها

ذيلًا عليه فما له من دافعِ

واسمَحْ وأغْضِ وغُضَّ طَرْفَ النَّقْدِ عن ..... . نقد إلى الإبان نوازعِ

رِيعَتْ لناصِب خافضٍ أو جازمٍ

إنْ لم تَمُدَّ لها يمينَ الرافعِ

واسلَمْ وعِشْ

فيما تشتهي

من نَيْل آمالٍ ورَبِّ صنائعِ

وأمَرَ أبا يعقوبَ ابنَ الجَنّان بمُعارضتِها فقال: ونقَلتُها من خطِّه [من الكامل]:

أصغَيْتُ للأمرِ الكريم مَسامعي

وأنَرْتُ منه مَغاربي ومَطالعي

وعَمَرْتُ منه جَوانحي وتفكُّري

وجعلتُهُ حين المنام مُضاجعي

(1) اللاقع: العائن، يقال: لقعه بعينه؛ إذا عانه، ورجل لقاعة وتلقاعة.

ص: 369

شكرًا لِما أوليْتَني من أنعُمٍ

طابَتْ بهنَّ مَواردي ومشارعي

قرَّبْتَني هَذَّبْتَني أكسَبْتَني

صِيتًا بشِعري في عُلًى وتواضُعِ

وَجَدَ المحَلُّ له قَبُولًا فاكتَسى

حُلَلَ المُحَلَّى ذي الرُّواءِ الشائعِ

لكنْ عَرَا من دونِ قَصْدي شاغلٌ

ما زال عن قَصْدٍ ورأي قاطعِ

[......]

بَسْط اعتذاري قبلَ سَمْع شوافعي

[......] من بَذْلِ المُنى

ولقاصديهِ لديه سُوقُ مَطامعِ

[......] ويَحُوطُهمْ

بالرأي منه وبالحسامِ القاطعِ

[من يلقَهُ يلْقَ] السماحةَ والنَّدى

أعظِمْ به كرَمًا وخيرَ مماصعِ

[أخلاقُهُ] ورواقُهُ ومساقُهُ

[......] واتّساقُ منافعِ

[وخِباؤه] وبَهاؤهُ وعلاؤهُ

شِيَمٌ تبَدَّت عن حُلىً وطبائعِ

إنْ جال في إيرادِها برُويةٍ

أصمَى الصّوابَ كسَهْمِ رامٍ بارعِ

أو صادَفَ الأطوادَ منهُ مَضَاؤهُ

سَهُلتْ مصاعبُ سَمْتِها للرافعِ

للحِلم منه مَواقعٌ مَرْضيّةٌ

للعَزْم منه مضاءُ حدٍّ رائعِ

أولى من البَسْطِ الجميل محَافِلًا

نُظِمتْ بناظم أُنسِها وبجامعِ

فيها من الأدباءِ نُخْبةُ دهرِهم

يَرْوُونَ حُسنَ مَطالعٍ ومَقاطعِ

حتّى جرى ذكْرٌ لكتّاب سَعَوْا

لرئيسِهم يومًا حضورَ الطابعِ

نَظَموا طِلابَهمُ بأبياتٍ لهمْ

كنجومِ هَقْعةَ أو كنَسْرٍ واقعِ

فالإستجِيُّ لهم بَدَا بمقالِهِ

إذْ كان في الآدابِ غيرَ مُنازَعِ:

"نُسِجَت بُرودُ الكُتْبِ وَفْقَ مُرادِكمْ

فاتتْ مفوَّقةً بخطِّ بارعِ"

ص: 370

ثم اقتفَى عُمَرُ الشّرقِيّ (1) نظْمَهُ

أبْدَى البيانَ بخيرِ نظمٍ صادعِ:

"وكمالهُا طُرُزٌ لكي تزهَى بهِ

وطِرازُها يا ذا العُلى بالطابَعِ"

وتلا ابنَ جَنّانٍ سَنِيَّ مقالِهمْ

ونَحا اقتداء بالنبيِّ الشارعِ:

"والخَتْمُ للمكتوبِ تكرمةٌ لهُ

وكذا رَوَيْناهُ عنَ اكرم شافعِ"

فرأى المُيَمَّنُ ذو المكارم والنَّدى

تذييلَها كيما تُزانُ برابعِ

فأجَبْتُهُ عملًا بآراءٍ لهُ

حرَّكْنَ مني حُسنَ نظمٍ ناصعِ

فالمهتدونَ قدِ اقتَفَوْا آثارَهُ

من صاحبٍ صَدَقَ المقالَ وتابِعِ

فابعَثْ إلينا طابعًا نختِمْ بهِ

عملًا بتحريض الرسُولِ الوازعِ

والصحْبُ قد وافَوْا بتذييل بهِ

صَدَعوا البيانَ بكلِّ سحرٍ ماصعِ

ومضَتْ لنا أيامُ أُنْسٍ أبهجَتْ

أوقاتُها بتقاوُلٍ وتراجُع

وبنَشْرِ آدابٍ بدَتْ درَجاتُها

[في الارتفاع كمثلِ نَجْمٍ طالعِ]

وبجَمْعِنا عبدَ الإلهِ القابسي

نَجْلَ المُعزِّ [......](2)

بالشَّرقِ (3) طابَ ولادةً ونَجابةً

وروايةً ودرايةً [......]

يُبدي لنا شعرًا قدَ احْكَمَ رَصْفَهُ

بعَروضٍ اختُرِعت [......]

(1) مكسور، وفوق كلمة الشرقي في الأصل كلمة "كذا" ويجوز أن تكون:"اشرقيٌّ"، وهي الصيغة البربرية للكلمة وبها يستقيم الوزن.

(2)

محو تام، وربما كان فيه فائدة في التعريف بالشخص المذكور، ونخمن أن تكون القافية هكذا: جامع أو مدافع. وعلى هذا التخمين يمكن أن يكون هذا السيد القابسي من بني جامع أمراء قابس الذين انتهت إمارتهم على يد الموحدين وكان آخرهم الأمير مدافع.

(3)

المقصود بالشرق هنا البلدان الواقعة شرق المغرب الأقصى أي بلدان المغرب الأوسط وما وراءه حتى إفريقية؛ وذلك لأن الشخص المشار إليه هنا منسوب إلى قابس.

ص: 371

لم يَرْوِها الأدباءُ عن شُعرائهم

فاعجَبْ لأشعارٍ بنَظْم [......](1)

لا بالعَروضِ ولا اللّغاتِ تسَرْبَلَتْ

لكن مَعانيها كسُمٍّ ناقعِ (2)

تُبدِي لنا غُرَرَ البيانِ مَشُوبةً

بمواعظٍ فاضَتْ بهنّ مدامعي

وإذا يُهاجي ماجنًا كوميُّنا

يُجرِي الشؤونَ بكلِّ دمعٍ هامعِ

طِيبًا وضِحْكًا لا يقاسُ بطيِّبٍ

إلا بأخلاقِ الرئيسِ الفارعِ

أبكارِ كلِّ فضيلةٍ موروثةٍ

عن والدٍ في العلم بحرٍ واسعِ

ذاك الإمامُ المعتزي لعلومِه

إيضاحَ لَبْسِ نوازلٍ وشرائعِ

الزاهدُ الوَرِعُ المسَمَّى أحمدًا (3)

شمسُ الهدى علمًا وطِرسَ منافع

من كان يَروي بالمكارم غُلّةً

قد كان يُروَى علمَ شرعٍ نافعِ

ما زال صَدْرًا في العلوم وفي النَّدى

بحرًا يفيضُ لآمِلٍ ولسامعِ

وأتى لنا من بعدِه نُجَباؤهُ (4)

فاقوا الوَرى بمكارمٍ ومَنازعِ

أبقاهمُ اللهُ وآمَلَ جُودَهمْ

يحيا ببرٍّ دائمٍ مُتتابعِ

وأدام يعقوبًا (5) لنا في غِبطةٍ

يحيا بنَصْرٍ للمُضاهي سافعِ

وعَدَاهُ بينَ مقتَلٍ ومجَدَّلٍ

ومقرَّنٍ بسلاسلٍ ومجامعِ

(1) محو تام في الأصل.

(2)

يبدو من الأبيات أن الشخص المذكور كان يقول شعرًا على طريقة أشعار العرب وأهل الأمصار العربية التي تحدث عنها ابن خلدون في مقدمته.

(3)

هو اسم والد الممدوح وقد تقدمت الإشارة إلى ترجمته.

(4)

يفهم من هذا أن الملياني الممدوح كان له إخوة وربما كانوا معه في أغمات ولا نعرف منهم إلا عليًّا والد أحمد الملياني صاحب الفعلة المشهورة.

(5)

هو الخليفة أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني ولي نعمة الممدوح.

ص: 372

وجميع أقطارِ الوَرى في حُكمِهِ

والسَّعدُ عنه الدهرَ أعظمُ دافعِ

فلم يرفَعْ أبو عليّ بها رأسًا، واتّخَذَ قصيدتي سميرًا ونَجِيًّا وأُنْسًا، يُوالي مطالعتَها، ولا يَسأمُ مُراجعتَها، وكلّما رجَعَ لها بصَرَه، وأعاد فيها نظَرَه، زاد بها شَغَفًا، وشاد لها شَرَفًا، فنَفَقَ سُوقُها، وشُهِرَ سموُّها على أترابِها وبُسُوقُها، وانتَهَت شهادتُه باستحسانِها إلى الشّيخ الأديب الحَسِيب أبي عليّ حَسَن بن [] بن أبي الطاهر (1)، فنَظَمَ في معارضتِها هذه القصيدةَ ورَفَعَها إليه، ونقَلتُها من خطِّ ناظمِها

[من الكامل]:

يا خيرَ مُصْغٍ للقريضِ وسامعِ

وأجلَّ مَن بَذَلَ النَّوالَ لقانعِ

..........................

كزهْوِ كواعبٍ ببَراقعِ

............. وما ستَرتْهُ مِن

غَدْرِ حِسَانٍ كالشّموس طَوالعِ

[......] أبا عليٍّ إنّها

بكَ جنّةٌ تَحْوي عذابَ مَشارعِ

. ما تتّقيه وأهلُها

فكأنّها الحَرَمُ الأمينُ لجازعِ

[وحكَمْتَها] بالعدلِ منك مُساويًا

بينَ العزيزِ ديانةً والضّارعِ

[......] عين حَسُودِكمْ يا ذا العُلى

وبقِيتَ من حَكَمٍ رِضًا متواضعِ

[......] تقِيٍّ زاهدٍ متورِّعٍ

شَهْمٍ كمِيٍّ للشدائدِ دافعِ

حَبْرٌ نقابٌ عارفٌ متفنِّنٌ

نَدْبٌ كريمُ مناقبٍ وطبائعِ

يلقَى العُفاةَ بمُجتَلًى متهلِّلٍ

وبنائلٍ طمَّ الخَصاصةَ قانعِ

ويُريكَ نُورَ البِشرِ منه بشائرٌ

تُدْني من الأمَلِ البعيدِ الشاسعِ

وإذا تقَدَّم للوغى فبِبأسِهِ

لعداته فيها عداد مصارعِ

(1) لم نقف على ترجمته ولعل له صلة بالشريف أبي الطاهر المترجم في عنوان الدراية: 23.

ص: 373

تخشَى العُداةُ طعانَهُ وقِرانَهُ

فبطاعنٍ منهُ تُنالُ وقارعِ

يا ابنَ التقيِّ الزاهدِ الوَرِع الرِّضا

والعالِم المُحيي رُسومَ شرائعِ

عَلَمُ الفَخَارِ سمِيُّ خيرِ مشفَّعٍ

في الخَلْق ذو الحَسَب الصّميم الناصعِ

يَهنيكَ ما قد حُزتَ من أثرٍ ومِن

باعٍ مَديدٍ في المعارفِ واسعِ

وإليكَها ممّن تقادَمَ عهدُهُ

بك (1) يا مُنيلَ فوائدٍ ومنافعِ

تتضمّنُ الأبياتُ يا عَلَمَ الهُدى

للكاتبينَ دُعابةً في طابعِ

إذْ قال عندَ فَراغِهمْ من كَتْبِ ما

أمَروا به النّحريرَ غيرَ مُنازَعِ

"نُسِجَتْ بُرودُ الكُتْبِ وفقَ مرادكمْ

فأتَتْ مفوّفةً بخطٍّ بارعِ"

وتلاه في معناه أيضًا تابعٌ

فأصِخْ سَماعًا للمُجيدِ التابعِ:

"وجَمالُها طُرُزٌ لكي تزهَى بهِ

وطِرازُها يا ذا العُلى بالطابعِ"

واسمَعْ مقالةَ ثالثٍ نعُمَتْ بما

قد قالهُ أذُنُ المُصيخ السامعِ:

"فالخَتْمُ للمكتوبِ تكرِمةٌ لهُ

وكذا رَوَيْناهُ عنَ اكرم شافعِ"

ولرابعٍ فاسمَعْهُ تذييلٌ ودع

تذييلَ سادسِ خامسٍ أو سابعِ

إيهٍ وفيه زيادةٌ ناطت بهِ

مَنعَ الزيادة رَقّ سرِّ المانعِ

وبهِ كذلك ضِدُّها متعذِّرٌ

صَعْبٌ [......]

لله دَرُّ عصابةِ الأدبِ الأُلى

سَمَحوا [......]

هم كالأثافِي قد تُحَلِّي طِرْسَهمْ

من وَشْي كُتْبٍ [......]

(1) قد يفهم من هذا أن صاحب هذه القصيدة من أصحاب الممدوح الملياني الذين رافقوه عند لجوئه إلى المغرب.

ص: 374

فكأنّما صنعاءُ قد وهبَتْهُ من

وشيٍ بها فَزَها بصنعةِ [صانعِ]

طِرسٌ عليه الرّوضُ خالعُ لُبْسِهِ

زمنَ الربيع فيا لهُ من خالعِ

شَتَّى أزاهرُهُ فمِن يققٍ زَهَا

ببياضِهِ الأسنى وأصفر فاقعِ

مُتضاوعِ النَّفَحاتِ لكنْ بَزَّهُ

طِيبُ الثناءِ الطيِّبِ المُتضاوعِ

لله ذو أدبٍ تذكَّرَ ما جَرى

في طابَعٍ كتب الخلائف طابعِ

أصغَيْتَ سمعًا للحديثِ وحُسنِهِ

وبه عُنيتَ لذكْرِه المتتابعِ

فاقطُفْ سِراجَ المجدِ زَهْر كُمامِها

واطرَبْ بشَدْوِ حَمام روضٍ ساجعِ

لا زلتَ ترفَعُ للسيادةِ رايةً

تَقْضي بطُولِ بقاءِ عزِّ الرافعِ

وجَرى القضاءُ بما تُحبُّ وتشتهي

وثَوى ببُرجِكَ نورُ أسعدِ طالعِ

وهذه القصيدةُ وإن كانت من النّمَطِ الوَسَط فإنّها أقربُ للقَبول من قصيدةِ ابن الجَنّان.

وقد التمَسْتُ تذييلَ تلك الثلاثة من بعض أصحابِنا، منهم: أبو عِمرانَ [......] التَّمِيميُّ الإفريقيّ (1)، فقال، ونقَلتُه من خطِّه [من الكامل]:

والخيرُ كلُّ الخيرِ في أن تقتَفي

ما جاء عنهُ وحَلَّ أُذْنَ السامعِ

(1) هو الفقيه الأديب أبو عمران التميمي الإفريقي -نسبة إلى إفريقية، تونس- ذكره مؤلف الذخيرة السنية وقال: إنه كان من جلساء الأمير أبي مالك عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق الذي كان يجالس العلماء والفقهاء والشعراء ويذاكرهم واختص بمنادمته ومسامرته جماعة من أهل الأدب والفقه منهم المذكور والقاضي يوسف بن أحمد بن حكم ومالك بن المرحل وعبد العزيز الملزوزي، وفي الذخيرة السنية نماذج من مسامراتهم الأدبية التي جرت بقصر الأمير في مراكش في المدة التي أعقبت دخول المرينيين إلى مراكش فيما بين سنة 668 هـ وسنة 670 هـ (انظر الذخيرة السنية: 123 وما بعدها) ويبدو أن أبا عمران هذا له صلة ما بهؤلاء التميميين الذين تقلدوا مناصب عند الحفصيين والمرينيين (انظر: مستودع العلامة ونثير فرائد الجمان).

ص: 375

وأبو عِمران [......] ابن الحَرّار (1) فقال، ونقلتُه من خطِّه [من الكامل]:

فامنُنْ بتعجيلِ الخِتام لعلّها

يغد والرسُولُ بها بأيمَنِ طالعِ

وأبو محمو عبدُ الرّحمن البَسْطيُّ (2)، فقال، ونقَلتُه من خطِّه [من الكامل]:

وبه الحِجابُ لِما عليه قدِ انطوَى

كالقُفْل صار على مقرِّ ودائعِ

وأبو زكريّا بنُ عليّ بن يحيى بن إسماعيلَ (3)، فقال، ونقلتُه من خطِّه

[من الكامل]:

ولقد أصابَ الحَزْمُ واضعَهُ ليحـ

ـفَظَ سرَّه أنبِلْ به من واضعِ

سِرُّ الكتابِ به يُصانُ فلو عَرَا

منه لأصبح كالحديثِ الشائعِ

قال المصنِّف عَفَا اللهُ عنه: أثبتُّ هنا ما حَضَرني من هذه التذييلات؛ لأنّ فيها أمارة، على أنّ بهذه البلادِ من أهل هذا الفنِّ عِمارة، وكم تقَدَّمَها من عاضِد، [وما سُقناه هنا] على ذلك أصدقُ شاهد.

توفِّي أبو يعقوبَ [ابنُ الجَنّان يومَ] السَّبت لثلاثَ عشْرةَ ليلةً خَلَت من ربيع الآخِر سنةَ [......](4) وست مئة. مولدُه بِسَلا.

235 -

يونُسُ (5) بن مهذَّبِ الدِّين عثمانَ [الحَسَنيُّ] المازَنْدَرانيُّ؛ نَجْمُ الدِّين المازَنْدَرانيّ.

(1) لم نقف له على ذكر.

(2)

ذكره ابن عذاري في البيان المغرب (3/ 336 - 337) حيث نقل عنه نصين طريفين أحدهما في وصف أمير المسلمين محمد بن يوسف بن هود والآخر في وصف حال ابن الأحمر عند دخوله غرناطة.

(3)

لم نقف له على ذكر في مكان آخر.

(4)

محو في الأصل.

(5)

له ترجمة في نفح الطيب 3/ 145 - 146.

ص: 376

رَوى عن أخيه. وقَدمَ الأندَلُسَ [فَروى عنه] بإشبيلِيَةَ أبو القاسم خَلَفُ بن عبد العزيز القَبْتوريُّ (1)؛ وأجاز إلى [العُدوة] وعاد منها إلى الأندَلُس، الكاتبُ الأبرع أبو عبد الله ابنُ الجَنّان [رسالةَ] إعلامٍ بقَصْدِه للشيخ الأوحد أبي الحَسَن سَهْل بن مالكٍ (2) رحمهم الله، وهي [من الطويل]:

سَرى النّجمُ نَجْمُ الدِّين للغربِ قاصدًا

من الشّرقِ كي يلقَى سِراجَ المعارفِ

فقلتُ له: يا نَجْمُ بلِّغْ تحيّتي

وذِكْري وشكري للنّدى والعَوارفِ

وزُرْ في ربى نَجْدٍ (3) ديارَ ابنِ مالكٍ

تجِدْ كلَّ مجدٍ من تليدٍ وطارِفِ

وخيِّم لدى سَهْل فسهلٌ جَنابُهُ

رَحيبٌ لجَوّاب الفَلا والتنائفِ

وقَرَّ إذا تلقاهُ عينًا بقُربِهِ

فسوف يَرى لُقْياك إحدى اللطائفِ

وخُذْ عنه ما تَرويه إن جئتَ مكّةً

لكلِّ مُلبٍّ بالمشاعرِ طائفِ

وصِفْ لبني السِّبْطيْنِ قومَك فضْلَهُ

فيا حُسنَ موصوفٍ ويا حُسن واصفِ

كتابي إلى المجلس العلميّ، السُّنِّيّ السَّنِيّ، زاده اللهُ تكريمًا وترفيعًا، وأبقى للعلوم ببقائه تأصيلًا وتفريعًا، وحرَسَ جانبَه فلا يزالُ بالعزِّ منيعًا وبالسعدِ مَريعًا، كتابٌ يتشرّفُ بالمحمولِ إليه والحامِلِ، وتَغبِطُ النفْسُ فيه حظَّ الطِّرس وخَطَّ الأنامل، ذلكم بأنه خاطبتُ به أشرفَ المجالس، النيّرةَ المَقابِس، المحيِية رسومَ الفَضْل الدارس، وبعَثْتُه معَ كبيرٍ من الشّرفاءِ أهل البيتِ النَّبويّ، وذوي المَناسب الأطايب من ذُريّة البَتُول والوصيّ، وهو الشريفُ السيّد الأوحَد الصَّدْر العليّ الاكمَلَ الجليلُ الأفضل نَجْمُ الدِّين الحَسَنيّ، حفِظَ [الله] رُتبةَ شرفِه، وصَلّى على

(1) ترجمته ومصادرها في مقدمة رسالته التي طبعت في الطبعة الملكية بالرباط بتحقيق الدكتور الهيلة، وانظر بعض ما روى خلف القبتوري عن الشريف نجم الدين في رحلةٌ ابن رشيد 2/ 155 تحقيق الشيخ ابن الخوجة.

(2)

ترجمته ومصادرها في السفر الرابع (229).

(3)

في الأصل: "مجد" وهو تحريف، ونجد من معالم غرناطة ومتنزهاتها.

ص: 377

المُجتبَيْنَ من سَلَفِه، وإنّ هذا المنتميَ إلى المجد الباهرِ العلياء، والجدِّ الخاتم ديوانَ الأنبياء؛ لتَظهَرُ عليه بركاتٌ يستمِدُّها من عُنصرِها، وتَسري إليه من أُسرةِ الرسالة ومعشَرِها، فمن كمالِ إنسانيّ، وجلالِ نَفْسانيّ؛ وآدابٍ حِكَميّة، وآثارٍ مضيئة رَضِيّة، حسَنةٍ حَسَنيّة؛ فإنْ تكلَّم فكلامُه شَرَكُ العقول، وإن رَسَم في القِرطاس تحيَّر التفضيلُ بين المرسوم والمَقُول؛ وبالجُملة، فسترَوْنَ منه كلَّ [ما رَقّ وراق، وأمتَعَ الأسماعَ والأحداق]. ولمّا رمَتْ به نوى الغُربة إلى بلادِ المغرِب، وهي التي شكا (عَطَنَها، وعابَها) وما استحسَنَها، واستَوْبَأَ هواءها؛ واستَوْبَلَ أهواءها، (ووَجَدَ ناسَها كالأشباح، خاليةً) من الأرواح، وسَماحَها قد غاضَ فلم يبقَ بلَلٌ من سيحِه بالساح، [فكرُت حوْقلتُهُ] واسترجاعُه، وقال أينَ رونقٌ كان قد قَرَعَ الأسماعَ سَماعُه؟ فقيل له:[ذهب] ما هنالك، وغيَّرت الغِيَرُ المسالكَ والممالك، اللهم إلّا أنّ اللهَ أبقى البلادَ التي هي للفضائل بذلك، وحسَنتَها التي هي نورٌ في اللّيالي الحوالك، [قال]: فمَن تَعْنُون؟ قلنا: أبا الحَسَن سَهْلَ بنَ مالك "سيِّدٌ يفاخِرُ به إقليمُه الأقاليم ويُباهي (1)، ويوجَدُ الجُودُ في ماله وهُو الآمرُ الناهي، وتؤخَذُ عنه من شريعةِ جدِّك عليه السلام الأوامرُ والنواهي، فقال: وجَدِّي لأعُودَنَّ إلى أرضِه حثيثَ الرِّكاب، مُستسهِلًا في طلبِ الأُنْس به وَحْشةَ القَفْر اليَبَاب، حتى أحُلَّ بمَغْناه، وأحصُلَ من كمالِه على فائدتَيْ لفظِهِ ومعناه؛ فقلنا: هُديتَ يا نَجْمُ سائرًا وساريًا، وسوف تلقَى صباحَ المجدِ المنير لا مُحتجبًا ولا مُتَواريًا، فتحمَدَ سُراك، وتشهَدَ للمغرب إن شاء اللهُ بحُسن ما أراك؛ وعندَما ثنَى نحوَ ذلكم الرَّبع الآهِل العِنان، وأحبَّ أَن يردَ صفْوَ تلكم المناهِل ليعلم الأثرَ والعِيان، أصحبتُه هذه المخاطبةَ لتشرُفَ بصُحبتِه، وتمجُدَ لإضافةِ تحمُّلِه لها ونسبتِه، وقد أودعتُ شرفَه ودائعَ إخلاص، وبدائعَ اختصاص، يتفضَّلُ بتبليغِها، وتُلقيها بلاغتُه إلى فصيح الدّنيا وبليغِها، وإنّي لأرجو أن أسعدَ منكما بين سعيدَيْن، وأن نجدَ جميعًا الرحمةَ

(1) ذكر ابن سعيد أنه كان صاحب العقد والحل في غرناطة، وكان يسخر من ابن هود فنفاه إلى مرسية، ولم يعد إلى بلده إلا بعد موت ابن هود. وقد امتدحه عدد من معاصريه.

ص: 378

مبسوطةَ بحبِّ بني السِّبْطَيْن؛ واللهُ تعالى يصلُ أسبابَ الرجاء في فضلِه العميم، ويُصَلّي على محمدٍ وعلى أهل بيتِه الكريم، وهو سبحانَه يُديمُ لكم أيها السيِّدُ الأعلى عُلوَّ المراتب، ومَتْلوَّ المناقب، ويمتِّعُ الوجودَ منكم بالعِلم المُناكِب، لأوْج الكواكب. بمَنِّه.

ولمّا ورَدَ غَرنْاطةَ لقِيَ بها أبا الحَسَن سَهْلَ بن مالك، فشاهَدَ منه الجلالَ يَعبُقُ نَشْرُه، والإقبالَ يتألقُ بِشْرُه، والنّوالَ يتدفّقُ بحرُه، والكمالَ أربَى على خُبرِه خَبْرُه، ولمّا ارتَوى من لقائه، واحتَوى على ما استفادَه من تِلقائه، كرَّ راجعًا إلى سَبْتةَ مؤمِّلَا الوِفادةَ على حضرةِ مَرّاكُش، وكان بسَبْتةَ حينَئذٍ الشّيخُ أبو الحَسَن الرّعَيْنيّ فسأل [منه كَتْبَ إعلامٍ إلى أهل] مَرّاكُش فوعَدَه بذلك ثم شَغَلَه عنه شواغلُ ما [كان بصَدَدِه من الانتقال] إلى مَرّاكُش، فكتَبَ نَجْمُ الدِّين إليه ليَستنجِزَ وعْدَه

[من الوافر]:

[تُذكِّرُنا] الرِّقاعُ إذا نَسِينا

ونَكتُبُ كلّما غَفَلَ الكرامُ

[وإنّ الأُمَّ] لم تُرضعْ فتاها

معَ الإشفاقِ لو سَكَتَ الغلامُ (1)

فأجابُه أبو الحَسَن [من الوافر]:

[عَذِيرُك] يا ابنَ خيرِ الخَلْق طُرًّا

فإنّ العُذرَ يقبَلُهُ الكرامُ (2)

ولكنْ عاقَني شُغلٌ توالَى

ففي اليدِ والفؤادِ لهُ ازدحامُ

وأصحَبَه أبو عبد الله ابنُ الجَنّان أيضًا رسالةً إلى أبي المُطرِّف بن عَمِيرةَ وهو قاضِ بِسَلا ورِباطِ الفتح يُعلِمُه بشأنِه، ومحَلِّه من الفضلِ ومكانِه، وهي هذه

[من الطويل]:

أيا راكبًا نحوَ الرّباطِ ولي بهِ

حبيبٌ رباطُ الصبّرِ حُلَّ لبُعْدِهِ

رُوَيْدَك أُودِعْك السلامَ رسالةً

إلى وُدِّه فامنُنْ عليَّ وأدِّهِ

(1) يبدو أن البيتين من نظم المذكور.

(2)

بعد هذا بياض في الأصل مقداره بيتان.

ص: 379

وبُثَّ، وُقيتَ البَثَّ، آثارَ لوعتي

ووَجْدي وما بي من غرامٍ لمجدِهِ

وقُلْ: يا ابنَ عمّي لو رأيتَ الذي .. لفَقْدِ التّداني كنتَ تخشَى لفَقْدِهِ

وبالله يا نَجْلَ الشفيعِ شفاعةً

ليُحفظَ قلبي لا أقولُ برَدِّهِ

كتابي هذا يحمِلُه إلى سيِّدي الحاملُ من العلوم لواءها، ومن المكارم أعباءها، أبقى اللهُ كمالَه محروسَ السَّناء، مأنوسَ الفِناء، مقبوسَ الأضواء، نَجْمٌ في الآفاقِ سارٍ، وفي مطالع الإشراق معَ الخُنَّس الجَواري حارٍ، وهو نَجْمُ الدّين ابن مُهذِّبِه، الشريفِ الذي تعنقُ بسِرْبِه، نَجْل السيِّد الذي تعِزُّ قُريشٌ بسيادتِه، وتقَرُّ عينُ المجدِ النّبويِّ والجدِّ العَلَويِّ بمَجادتِه، زاده اللهُ تألقًا وسَنًا، وقَدَّس أبوَيْه عليًّا وحَسَنًا، وإنه لذو شِيَم عَلَويّة، وحِكَم نَبَويّة، وآدابٍ محاسنُها تجمَعُ محاسنَ الزّمن، وصنائعُها تُطلِعُ في القِرطاس صنعاءَ اليمن، ومعَ ذلك رِقّةٌ كرقّةِ النّسيم، وعُذوبةٌ كعذوبة التّسنيم، وما شاء الشَّرفُ من خُلُقٍ سَنِيّ، وخَلْق حَسَنيّ، وهمّةٍ تكلَفُ بالعُليا، وتعتسفُ المجاهلَ لتُعلمَ أعلامَ الدنيا، ولمّا سَمِع وصْفَ ذلكم الكمالِ فَراقَه، استَسْهلَ بتدانيهِ نزوحَ الوطنِ وفِراقَه، فتحمَّلَ إليه ليحمِلَ عنه ما يُتحِفُ به حجازَهُ وعِراقَه، وحين أخبِر بانتمائكم لذلكم الحَيِّ من قُريش، قال: أيْشٍ أطلُبُ غيرَ لقاءِ ابن العمِّ؟ فيا طِيبَ العَيْش، آنَسُ بقُرباه وقُربِه، وأَصُولُ على الأيام بحِزبِه؛ فقلتُ له عندَما أزمَعَ السَّير وقال: أمَلي لقاءُ المخزومي: سلِّمْ يا نَجْمُ على من يكتحلُ بسَناك ويقول عندَ لُقْياك: تبارَكَ من [خَلَقَك فسَوّاك] فبجَدِّك الرسُول صلَواتُ الله عليه وسَلامُه، وبأهل البيتِ الذين بهم مُقامُه ومَقامُه، إذا استقَرَّت بك منازلُ قاضينا الفاضل وخِيامُه، وتَجارَى في حَلَبةِ أولي المحبّة كلامُك وكلامُه؛ فقرِّرْ عندَه ما عندي وثبِّتْه، وأغرِسْهُ في ثَرى أطيب أرضٍ لديه وأنبِتْه؛ وقُلْ له: هو فيك كما عَهِدتَه متشيِّع، وبرفضِ ما سوى إمارتكَ في البلاغة متشرِّع، ليَعلمَ أنّ الأيامَ لم تُكَدِّرْ صفائي، ولم تنقُصْ وفائي، ولم تنقُضْ عهدَ خُلَصائي، فضَمِنَ ليَ التبليغَ الذي يُرضيني، وتكفَّل بأكثرَ ممّا يقولُه لساني وتخُطُّه يميني، فقلتُ: الآنَ بَلَغْتُ بُغيةً وسؤلًا، وشُرفْتُ بأن وجَدتُ إليكم منَ ابنِ عمِّ الرسُول رسولًا، فالحمدُ لله عليها

ص: 380

نعمةً جَلّت صورةَ فَرَحي، وتَلَتْ سَوْرةَ مقترَحي، وهذا الشريفُ الماجد، المنسوبةُ إليه المحامد؛ مليءٌ بأخبارِ المشرِق المُشرق، والشّرقِ الشَّرِق، فخُذوا عن العدلِ من بني السِّبْطَيْن، حديثَ الشرقَيْن؛ إن شاء الله.

ولمّا احتَلّ برباطِ الفتح شاهَدَ من قاضيه أبي المُطرِّف رَوْضَ الأُنس ومُنى النْفس، [ومقصِدَ] الواردِ والوافد، وعالَمَ السّراوةِ جُمِع في شخصٍ واحد، وتشَوَّف للوِفادة على حضرةِ مَرّاكُشَ منتهى الرغائب، وجامعةِ أشتاتِ الغرائب، السائرةِ الذِّكرِ في الآفاق، المُنسِيةِ ببهجتِها وضخامةِ مملكتِها دمشقَ الشام وبغدادَ العراقً؛ فأصحَبَه أبو المُطرِّف كُتُبَ تعريفٍ وإعلام، إلى بعض مَن بها من السُّراةِ الأعلام، فكتَبَ إلى رئيس الكتّاب وعميدِ الآداب، وجامعِ ضروب الإحسان، أبي العلاء محمد بن أبي جعفر بن حَسّان (1) [من الكامل]:

يا ابنَ الوصيِّ إذا حمَلتَ وصيّتي

أوجَبْتَ حقًّا للحقوق يُضافُ

وتحيّتي كلُّ التّحايا دونَها

وكذاك دونَ رسُولِها الأشرافُ

أحسِنْ بأنْ تلقَى ابنَ حَسّانٍ بها

مهتزّةً لورودِها الأعطافُ

كالرَّوض باكَرَهُ النّدى فلِقُرْبِها

يا ابنَ النبيِّ على النّديِّ مَطافُ

وعَلاك إنّ أبا العَلا ومكَانَهُ

يُلفَى (2) به الإسعادُ والإسعافُ

[مَن فيه للزّور ارتياحةُ] ماجدٍ

من زورِها وأبيك ليس يخافُ

[وأحقُّ من عَرَفَ] الكرامَ بوصفِهمْ

مَن جُمِّعت منهمْ به أوصافُ

[هذه يا سيّدي] تحيّة، تجبُ لها إجابةٌ وَحِيّة (3)، وتَصلُحُ بها هشاشةٌ وأريحيّة،

(1) هو الكاتب الطبيب الأديب، خدم بصناعة الطب الخليفة المستنصر الموحدي وأصبح في آخر حياته كاتبًا في بلاط الرشيد الموحدي (ت 641 هـ) انظر ترجمته في القدح المعلى 126 - 127 وعيون الأنباء 3/ 129، وهذه الرسالة موجودة في نفح الطيب 3/ 145 - 146.

(2)

في رسائل ابن عميرة: "يلقى".

(3)

وحية: مستعجلة.

ص: 381

وأريحيّة، [أودعتُها بَطْنَ] هذه العُجالة، وبعثتُها معَ صدرٍ من أبناءِ الرسالة، ولله درُّه من [راضع درَّ النّبوة] متواضع معَ شرفِ الأبوّة، نازعتُهُ طُرَف (1) الأشعار، وأطراف [الأخبار] ، فوجدتُ بحرًا حصَاهُ الدُّرُّ النَّفيس، ورَوْضًا يُجتنى (2) منه أطايبُ الثّمرِ الجَليس، [وُينعَتُ] بنَجْم الدِّين، وهو كنَعْتِه نَجْم يضيء سَناه، ويحُلّ بيتًا من الشّرفِ رَبُّه بناه، وقد جابَ الفضاءَ العريض، ورأى القصُورَ الحُمرَ والبِيض، ووَرَدَ الحُجون، بعدَما شربَ من جَيْحُون، وزار مشاهدَ الحرمَيْن، ثم سار في أرض الهرمَيْن، وطَوَى غيرَها لهذا الأفق مختارًا، وعبَرَ إلى الأندَلُس فأطال اعتبارًا؛ وتشوَّف (3) إلى مطلَع الأنوارِ المُفاضة، والنِّعَم السابغةِ الفَضْفاضة، وجعَلَ قَصْدَها لحَجّةِ سَفَرِه طوافَ الإفاضةَ (4)؛ وهمُّه أن يشاهدَ سَناها العُلْوي، وُيبصرَ ما يُحقَرُ عندَه المرئيُّ والمَرْوي، وهي غايةٌ يقولُ الآمِل (5): عليها أطلتُ حَوْمي، وجَنّةٌ يتلو الداخلُ لها:{يَالَيْتَ قَوْمِي} (6)، وسيّدي الأعلى هو منها بابٌ على الفتح بُني، وجَنابٌ عِنانُ الآمل إليه ثُني، وقَصَدَه من هذا الشريفِ أجلُّ قاصد، وأظلّتْه سماءُ المجدِ بجَمال المشتري وظَرْف عُطارد، ومتى نَعْتناهُ فالخبرُ ليس كالعِيان، وإن شَبّهناهُ فالتمويهُ بالشِّبْه عقوقٌ للعِقْيان، ومن [يفضَحْ] قريحتَه يقولُ لها: صِفيه، لكنْ هو يُعرِبُ (7) عن نفسِه بما ليس في وُسْع مُنصِفيه، ويقتضي من عزيمةِ برِّه ما لا سعَةَ للمترخِّص فيه (8)، إن شاء الله (9).

(1) في النفح: "طرق".

(2)

في النفح: "يجني".

(3)

في النفح: "وتشوق".

(4)

لا توجد هذه الفقرة في رسائل ابن عميرة.

(5)

في النفح: "للأمل".

(6)

إشارة إلى الآية الكريمة {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس: 26 - 27].

(7)

في النفح: "يعرف".

(8)

الإشارة إلى العزيمة والرخصة من المصطلحات الفقهية.

(9)

في نفح الطيب: "إن شاء الله تعالى". ولا توجد في رسائل ابن عميرة. وفي النفح الزيادة الآتية: "وهو يديم علاكم، ويحرس مجدكم وسناكم، بمنه، والسلام الكريم، الطيب العميم يخصكم به معظم مجدكم، المعتد بذخيرة ودكم، المحافظ على كريم عهدكم، ابن عميرة، ورحمة الله تعالى وبركاته. في الرابع والعشرين لربيع الآخر من سنة 639. انتهى".

ص: 382

وكتَبَ إلى قاضي القضاة، وأسنى موصُوفٍ بالشِّيَم المُرتضاة، بَحْرِ النَّدى وبدرِ النادي، أبي إسحاقَ بن أبي زَيْد المَكّادي (1) [من الكامل]:

إن يُقضَ جَمْعُك بالكريم المُرتضَى

قاضي الجماعة فالمُنى لكَ تقتضى

حَكَمتْ معاليهِ لقاصدِه بما

يَبْغي وحاشَ لحُكمه أن يُنقَضا

ولأنت يا ابنَ الطيّبينَ أحقُّ مَن

بالبِرِّ والفَضْل المُبَرِّ لهُ قضَى

أحيَيْتَ من ساداتِ قومِك قُدِّسوا

في الفَضْل والأدَبِ الوصيَّ معَ الرِّضا

وأعدتَ فَخْرَ المعدِن الحَسَنيِّ في

باقي الزّمان كعهدِه فيما مضَى

أنتم وحقِّ البيتِ آل البيتِ قد

[أُلبِستُمُ الشرَفَ النَّقيَّ الأبيضا]

وأبوكمُ سألَ المودّةَ فيكمُ

صلى [عليه اللهُ ما قمرٌ أضا]

يَرِدُ على سيِّدي قاضي القُضاة، الفَذِّ في شِيَمِه المُرتضاة، من هذا [الشّريف الأجَلّ] المباركِ الأطهر [الأكمل] ، نَجْم الدّين ابن مُهذَّب الدِّين، وَقَاهُ اللهُ الأفول، [وأبقاه فَرْعًا يُحيى تلك] الأصُول؛ نظيرُ النَّجم سَنًا مُنيرًا، وسُرًى ومَسِيرًا؛ وحيّاه اللهُ من ذي [مُحَيّا بِشْرُه للوَحْشة] طارد، وظَرْفُه كأنما استَملَى منه عُطارد؛ يَروي من الآدابِ عيونَها، ويَجْلو [من المحاسِن] أبكارَها وعُونَها، وقد راضَ من المسالكَ ما استَعصَى، وانتهَى إلى المغربِ الأدنى من المشرِق الأقصى؛ حتى كأنه أراد أن يَبلُغَ حيث بَلَغَ ذكْرُ مجدِه، أو يَفرُغَ من مساحة ما كان زُوِي (2) لسيّد الأوَلينَ والآخِرينَ جَدِّه؛ وله في معاني التَّجوال ومُعاناةِ الأهوال؛ قَصَصٌ

(1) لا نجد له ترجمة في المصادر التي بين أيدينا، وقد كان قاضي الجماعة بمراكش في عهد الرشيد الموحدي وأخيه السعيد. وكان أبوه أبو زَيْد المكادي قاضي الجماعة في عهد والدهما المأمون. وفي رسائل ابن عميرة رسائل أخرى موجهة إلى أبي إسحاق المكادي هذا (وراجع الترجمة رقم 10).

(2)

في الأصل: روي، والصواب ما أثبتنا، والإشارة إلى حديث:"إن الله تعالى زوى لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها". وزوى: جمع.

ص: 383

إنّما يتَأدّى برَوْنقِه، من عذوبةِ لفظِه ومنطقِه؛ فإذا جاذَبَه سيّدي أطرافَه، وهزَّ بالإصغاءِ إليه أعطافَه؛ رأى صَدْرًا نمَتْه سادةٌ سُرات، وبحرًا متى يَطعَمُه قال:{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان: 53] ، وإنّما هو حسَبٌ وَضّاح كقمرِ الدُّجُنّة، ومجدٌ طالبيٌّ من شيعتِه ذلك الجلالُ الماضي على سَنَن السُّنة؛ يُقسَمُ له محبةٌ في أبي القاسم من بِرِّه، ويُدرَى قَدْرُه فلا يُفطَمُ ابنُ فاطمةَ من درِّه؛ إن شاء اللهُ تعالى.

وكتَبَ إلى نقيبِ الطلبة، وصاحبِ القلم الأعلى من الكَتَبة، أبي زكرّيا الفازَازيّ (1) [من المتقارب]:

"لك الخيرُ لا تُخْلِها من قَبُولِ

وخَلِّ لها نَفَحاتِ القَبُولِ

وخُذْها تحيّةَ مستأنِسٍ

يُسلِّمُ بالبابِ قَبْلَ الدخولِ

إذا وصلَتْك فأبرِزْ لها

من البِرِّ صفحةَ بَرٍّ وَصُولِ

وكنْ معَ مَن لا يرى بِرَّها

كسمع المُحبِّ وعَذْلِ العَذُولِ

فإنّ شفيعي لها ابنُ الشفيعِ

وإنّ رسُولي بها ابنُ الرسُولِ

صَلّى الله على نبيِّنا محمدٍ وآلِه، ورَزَقَنا من بركةِ المحبة فيه وفي ذَويه ما نلظ (2) بسؤالِه؛ والمشار إليه تولّاه اللهُ بحفظِه، من رُقعتي وتحيّتي تَزْدانُ من يدِهِ ولفظِه، وهو الشريفُ الأجَلّ، المبارَكُ الأسنى الأكمل (3)، نَجْمُ الدِّين ابن مهذَّب الدِّين، وإنه النَّجمُ في أوْجِه، والبحرُ متدفِّقًا بمَوْجِه؛ شَرف إلى سماءِ الكُرماءِ مَرْقاه،

(1) لا نجد له ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر، وكل ما نعرفه عنه أنه أبو زكريا يحيى بن أبي عبد الله الفازازي الذي تقدمت ترجمته برقم (150) ويستفاد مما هنا ومما في البيان المغرب 283 أنه كان ذا خطتين في عهد الرشيد الموحدي؛ وهما خطة نقابة الطلبة وخطة القلم الأعلى.

(2)

نلظ: نكثر، ومنه الحديث:"ألظوا في الدعاء بيا ذا الجلال والإكرام"، أي: أكثروا من قوله والتلفظ به في دعائكم.

(3)

هذه الفقرة غير موجودة في الرسائل.

ص: 384

وأدب من ماءِ الكوثر سقَاه، وكأطيبِ الثمر تخيَّره وانتقاه، والمجدُ في بُحبوحتِه (1)، ومعَ الدّهر متقَلِّبٌ في أرجوحتِه، سَلّ [به المنازلَ والمناهل] ، والمعالمَ والمَجاهل؛ والعراقَ ورافدَيْه، والحجازَ ووافدَيْه؛ [طالبُ ربح في مالِه، وباغي] ثوابٍ لمَآلِه؛ وإن شاء سيِّدي باحَثَه عن حدثانِ الدّهر، [وحديثِ ما وراء النهر] ، ورَفَعَ الرّوايةَ منه إلى عَليم، وكتَبَ بقلمِه قصّةَ كلِّ إقليم، [فقد خبِرَ الخابور] ، وسَبَرَ ناسَ نَيْسابُور؛ وعاينَ من خَرابِ بُخارى؛ ودارَ حيثُ [كان ملكَ دارا]؛ وطاف بمكّةَ أولِ تُربةٍ مسَّت جِلدةَ جدِّه، وحَلَّ يثربَ مأواهُ المشرَّف (2)[بقصدِه]، ورأى القُدسَ ومَسْراه:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1]؛ ولقد جاوَرَ جَيرون، [بعدَ] ما شربَ من جَيْحُون، وقطَعَ ما بين مِصرَ ونِيلِها، وغَرْناطةَ وشنيلِها؛ فترَوْنَ منه إن شاء اللهُ مَن جابَ المسالكَ والممالكَ، وتشوَّف إلى ما هنا وهنالك؛ وأحَبَّ أن تكونَ حضرةُ الإمامة أيّدها الله بحسابِ ما عايَنَ بذلك، وما ثمرُ الجنّة من سائرِ الثمَر، ولا يَنظُرُ إلى السُّها إلّا ساهٍ عن القمر؛ وأيُّ مُذنَّبٍ يُذكَرُ معَ البحر، أم أيُّ يوم يقاسُ بيوم النَّحر؟! وسيُشاهدُ المعالمَ المقدَّسة شرَّفَها اللهُ بعين تَدري قَدْرَ ما تُعاينُه، وَيصفُها بلسانٍ لو أعارهُ لوُصفت به محاسنُه؛ ولسيّدي الأعلى عادةٌ أن يَضُمَّ إليه مَن أعلَقَ به رجاءه، ويُكرمَ كريمةَ قوم إذا جاءه؛ وهذا بلا ارتيابٍ كريمةُ الكرام، وبقيّةُ سادةِ الحرام؛ والراويةُ الصّادقُ اللَّهجة، والحديقةُ الرائقةُ البهجة؛ فهو يزيدُه على تلك العادة، ويَجْلو عليه بدارِ الإمارة وجهَ السعادة، وإنّما يُكبِرُ ابنَ أكبر السِّبْطَيْن، وُيعظِمُ مَن يَنظِمُ من جواهر لفظِه وفَخْرِه سِمْطَيْن؛ وإذا أعلى قدْرَ هذا العَلَوي، وحرَّك بالرفْع ساكنًا من بيتٍ شَرَفُه بمكان الرَّوِي؛ أولاه يدًا يُعطِّرُ ذكْرُها أندِيةَ الجلالة، ويُحيلُ في شكرِها على ذمّةِ الرسالة، ولا شرَفَ كشرفِ هذه الحَوالة؛ أدام اللهُ علاءكم،

(1) في الرسائل: "فهل من المجد في بحبوحته".

(2)

في الرسائل: "الأشرف".

ص: 385

وحرَسَ مجدَكم وسناءكم؛ بمنِّه، والسلامُ الأتمُّ الأعمُّ يَخُصُّكم به مُعظِّمُ قَدْرِكم، ومُوجبُ إكبارِكم وبِرِّكم، أخوكم المعتدُّ بكم، المُثني عليكم، ابنُ عَمِيرة، ورحمةُ الله وبَرَكاتُه. كتَبَ في الرابع والعشرينَ لربيعٍ الآخِر سنةَ تسع وثلاثينَ وست مئة".

ونقلتُها من خطِّ منشئها في البطاقةِ التي بعَثَ بها صُحبةَ نَجْم الدِّين إلى أبي زكريّا الفازازيِّ رحمهم الله.

وكتَبَ إلى أخيه القاضي الأديب، المُشارِكِ الفاضل الحَسِيب، أبي عِمرانَ (1)

[من الطويل]:

"أتاك شريفٌ من ذُؤابةِ هاشمٍ

صريحٌ كماءِ المُزْن باقٍ بمُزنِهِ

له -وهْو نَجْمُ الدِّين- وجهٌ مباركٌ

كنَجْم الدَّياجي في سَنَاهُ وحُسنِهِ

وبشَّر موسى بالنبيِّ محمدٍ

وها أنا يا موسى أُبشِّرُ بابنِهِ

تَرِدُ عُجالتي هذه أيها الأخ الحبيب، والماجدُ الحَسِيب؛ [من جهةِ الشّريفِ الأجَلّ] أبقَى اللهُ منه نجمًا سائرًا في فَلكِ المَجْد، وصُبحًا مُضيئًا على [الغَوْر والنَّجْد، وأوصافُه] لا أُعيرُها استعارتي، ولا أرضَى لها عبارتي؛ وما أقولُ في مَغْذُوٍّ [بدَرِّ النبوّة] مَقْروٍّ شَرفُه في الآيِ المقروّة؟! سُؤدَدٌ يزِلُّ النّجمُ عن مَرْقاه، وأدبٌ على [شكل حَسَبِه] تخيَّره وانتقاه، فعندَه منه شرَفُ المَقُول، وشَرَكُ العقول، ولله منه طلّاعٌ من ثنايا الكمال، ناظمٌ بين الجَنوبِ والشَّمال؛ مجلسُه

(1) هو أبو عمران موسى بن أبي عبد الله محمد الفازازي أخو السابق، لا نجد له ترجمة، وفي السفر السادس إشارة إلى خصومة بينه وبين القاضي أبي القاسم ابن بقي وإيراد لقطعة شعرية لأبي الوليد ابن عفير يؤنس بها القاضي المذكور من جريرة جرها عليه أبو عمران موسى بن أبي عبد الله الفازازي (الترجمة 311)، وانتقل بعض هؤلاء الفازازيين إلى خدمة الحفصيين في تونس، ومنهم أبو عبد الله الفازازي وأبو زيد عيسى الفازازي، قال مؤلف الفارسية:"وكانت للفازازيين حظوة ورئاسة وعلم"(الفارسية: 150، 151، وتاريخ الدولتين)

ص: 386

لمذهبِ الفَضْل مدرسة، وحفظُه لكُتُب البلاد فِهرِسة؛ مَن جالَسَه ساحَ به حيث ساح، وناوَلَه من أخبارِ البلاد مُسنداتِها الصِّحاح؛ فأدنَى منه صينَها، وعَرَضَ عليه نَصيبِينَها (1)، وأحَلَّه بَلْخَ (2) وما إليها، ونزَلَ به الكَرْخ (3) وما حوالَيْها؛ وقَطَعَ به السَّماوةَ (4) ومَهامِهَها، وأراه الغُوطةَ (5) وخمائلَها وفواكهَها، ومِصرَ ومنازهَها، وأقرأهُ سُوَرَ البسيطة وفقَهَه (6) مُتشابهَها، ثم عاجَ به على البلدِ الحرام، ومرَّ به على مواقفِ آبائه الكرام، واعتَمرَ به من التنعيم، ومشَى مَعه على زَمْزمَ والحَطِيم، [وحمَلَه](7) إلى تُربةِ جَدِّه مُسلِّمًا على الحَسَن مترحِّمًا على الحُسَين؛ ونقَلَه إلى مَسْراهُ صلى الله عليه وسلم حيث كان قابَ قوسَيْن؛ وكم وَعَى من أعجوبة، وكشَفَ من خبيئةٍ محجوبة؛ وغريبةٍ مكتوبة؛ وقد قَصَدَ تلك الحَضْرة (8) حَرسَها الله، لينتهيَ إلى موضع الفائدة من خبرِه، ويبلُغَ الصّفَّ الأوّلَ من صَلاة سَفَرِه؛ وهناك يَحقِرُ من الممالك ما عايَن، ويوجبُ على كلِّ متعالٍ مَرَّ به أن يَتَطامن. وسيّدي وَقَى اللهُ كمالَه من العَيْن، يبَرُّه إذا اجتازَ به في موضعَيْن، أحدُهما: يليه بنفْسِه كما هو المعتاد، والآخر: يُسندُه إلى أخيه المبارك ونِعمَ الإسناد؛ فمجدُه -حفِظَه اللهُ- المجدُ المؤثَّل، ومكانُه من تلك الدار المكرَّمة المكانُ المؤمَّل، وللوارِدينَ عليها أملٌ به أعلقوه، وشكرٌ عليه أطلقوه؛ والمسؤولُ من الأخ الكريم وصَلَ اللهُ سعادتَه دَيْنٌ عليه في ذِمّتِه، وزَيْنٌ لحَسَبِه يسمو إليه بهمّتِه، إن شاء الله".

(1) نصيبين: مدينة معروفة من بلاد الجزيرة بين دجلة والفرات (معجم البلدان 5/ 288).

(2)

بلخ: كانت مدينة عظمى في خراسان وهي اليوم قرية في أفغانستان.

(3)

الكرخ: محلة معروفة ببغداد.

(4)

الإشارة إلى بادية السماوة وهي مفازة بين العراق والشام.

(5)

الغوطة: متنزه دمشق الذي تغنى به الشعراء.

(6)

في رسائل ابن عميرة: "وفهمه".

(7)

ساقطة في الأصل.

(8)

في الرسائل: "قصد حضرة الإمامة".

ص: 387

وكتَبَ إلى عَلَم المَجْد وحَسَن المشاركة، الآخِذِ فيما يُسنَدُ إليه بالعزائم المباركة؛ المُنفِق جاهَه ونفائسَ مالِه، لمن أعلقَ به أسبابَ آمالِه؛ أبي زكريّا بن محمد بن مُزاحِم (1) [من الطويل]:

" [فدَيْناكَ إنّ الفضلَ منكَ سَجِيّةٌ]

وأنت به بَدْءًا (2) وعَوْدًا معوَّدُ

[إذا مَرَّ ذكْرٌ منك ترتاحُ] أَنفُسٌ

وتهتاجُ أشواقٌ ويختالُ مشهدُ

[ويحيا بيحيى] مَن تفاءل باسمِهِ

وذلك من مقلوبِهِ يتأكّدُ

[أتاك ابنُ] بنتِ الهاشميِّ محمدٌ

وحَسْبُك فخرًا مِن نَماهُ محمدُ

شريفٌ له من ذاتِهِ شرَفٌ لهُ

على النَّجم وهْو النَجمُ مَرْقًى ومصعَدُ

وإنك في بِرِّ الكرام لَأوحدٌ

كما أنَّ هذا بينَهمْ هُو أوحدُ

وكيف لا وهو من الأَرومةِ السَّنِيّة، والدّوحة الحَسَنيّة، وَلَدتْه الرّسالة، فيا لَشَرفِ هذه الولادة، وشهِدَت لجدِّه أكبر السِّبْطَيْنِ بالسّيادة، وناهيك من منصِب هذه الشّهادة؛ وهو الشريفُ أبو فلان (3)، مَن هو النَّجمُ سناءً وسنًا، والرَّوضُ ما شئتَ من ظِلٍّ وجَنَى؛ وقد رَكِبَ البِطاءَ والسّوابق، ونزَلَ المدارسَ والخوانق (4)، واحتلّ الغَوْرَ والعَلَم، واستظلّ الضالَّ والسَّلَم [من الطويل]:

وشرَّق حتى ليسَ للشرقِ مشرِقٌ

وغرَّب حتى ليس للغربِ مغربُ (5)

(1) أبو زكريا يحيى بن محمد بن مزاحم الكومي -من كومية قبيلة عبد المؤمن- كان من رجال الرشيد الموحدي وبطانته، وقد عينه مشرفًا على دار الصناعة بسبتة، ولابن عميرة قصيدة في مدحه ضمن مجموع رسائله (البيان المغرب: 350، رسائل ابن عميرة (مخطوط) الخزانة العامة بالرباط).

(2)

في الأصل: "برءًا".

(3)

في رسائل ابن عميرة: "وهو الشريف الأجل نجم الدين ابن مهذب الدين".

(4)

الخوانق: جمع خانقاه، وهي رباط الصوفية، والكلمة من المعرب المولَّد الذي استعمله المتأخرون.

(5)

البيت للمتنبي من قصيدته التي مطلعها:

أغالب فيك الشوق والشوق أغلب

وأعجب من ذا الهجر والوصل أعجب

ص: 388

وسترَوْنَ منه نَسَبَ الكرام مرفوعًا، وديوانَ الأدب مجموعًا، ونُخبةَ الشُّرفاءِ الطيِّبينَ أصولًا وفروعًا، وعندَكم -وَصَلَ اللهُ رِفعتَكم- عادتا بِرٍّ وبِشْر كلاهما يُنعِمُ البال، ويُفعِم السِّجال؛ وهذا الشريفُ المبارَكَ أوْلى مَن وَفَيْتُموه إيّاهما، وأنشَقتُموهُ رَيّاهما، وحَقُّ فضلِكم أن يَرعَى فضلَ حقِّه، ويختصَّه من معنى الإدناءِ والاعتناء بأجَلِّه وأدقِّه، وبإزاءِ ذلك شكرٌ هو في ذمّةِ الرسالة مترتّب، وذكْرٌ كلٌّ سمِعَ بمَسْرى طِيبِه مرحِّب؛ إن شاء الله، وهو تعالى يُبقِي جَنابَكم معمورًا، وَيزيدُ فضلَكم ظهورًا، ولا يَعدِمُكم من لدُنْه عطاءً حسابًا ومنًا موفورًا".

وكتَبَ إلى نُخبةِ الأدباء، وقُطبِ تأنيسِ الغُرباء، أبي الحَسَن بن محمد بن عليّ العُشْبيّ (1) [من المنسرح]:

"هل لك ياسيّدي أبا الحَسَنِ

فيمن لهُ شاهدٌ [على] حَسَنِ

في الشّرفِ المنتقَى له قدَمٌ

أثبَتَها بالوَصيِّ والحَسَنِ

أيُّها الأخُ الذي ملَّكتُه قيادي، وأسكنتُه فؤادي، عَهْدي بكَ تعتامُ الآدابَ النَّقيّة، وتشتاقُ اللّطائفَ المَشْرقيّة، وتنصفُ فترى أنّ في سيلِنا جُفاءً، وبمغرِبنا جَفاءً؛ وأنّ المحاسنَ نَبْتُ أرضٍ ما بها وُلِدنا، وزَرْعُ وادٍ ليس مما عَهِدنا، وأنَا في هذا أُشايعُك وأُتابعُك، وأُناضلُ منَ يُنازلُك؛ وقد أتانا اللهُ بحُجّة تقطعُ الحُجَج، وتُسكتُ الهَمَج، وهو الشريفُ أبو فلان (2)، [وإنه نَجْلُ الذُّرِّية المختاره، ونَجْمُ] الدُّرّية السيّارة، جَرى معَ زعزَعٍ ونَسيم، ورَتَعَ [في جَميم وهَشيم، وشاهَدَ عجائبَ] كلِّ إقليم، وشرَّقَ إلى مطلَع ابن

(1) تقدمت ترجمته في هذا السفر رقم (13)، وهذه الرسالة واردة في نفح الطيب 3/ 146 - 147 تحقيق د. إحسان عباس. ولتصحح نسبة العنسي فيه فإن صوابها: العشبي نسبة إلى الحرفة، وهي مرادفة للعشاب والنباتي، أما نسبته القبيلة فهي الكتامي.

(2)

في رسائل ابن عميرة: "وهو الشريف الأجلّ نجم الدين ابن مهذب الدين".

ص: 389

أحلى (1)، وغرَّب حتى نزَلَ [شاطئَ سَلا، وقد توَجَّه] الآنَ إلى تلك الحضرة (2) لينتهيَ من أصابع العَدّ إلى العُقدة، [ويَحصُلَ من] مَخْضِ الحقيقةِ على الزُّبدة؛ وقد عَلِمَ أنّ ما كلُّ الخُطَب كخُطبةِ المِنبَر، [ولا جميعُ الأيام] من يوم الحجِّ الأكبر؛ وأدبُه يا سيّدي من نسبةِ أُفُقِه، بل على شكل [حسَبه وخُلُقِه]؛ فإذا رأيتَه شهِدتَ بأنّ الشّرقَ قد أتحفَنا برقّةِ بغداذِه، بل رَمانا بجُملة أفلَاذِه؛ والحظُّ فيما يجبُ من بِرِّه وتأنيسِه، إنّما هو في الحقيقةِ لجليسِه؛ فيا غِبطةَ من يسبِقُ لجِوارِه، ويَقبِسُ من أنوارِه، وأنت لا محالةَ تفهَمُه فَهْمي، وتَشِيمُ من شِيَمِه عارضًا بَرى القلوبَ الهِيم يَهْمي؛ وتَضربُ في الأخذِ من قلائدِه وفوائدِه بسَهْم ودِدتُ لو أنه سَهْمي، إن شاء

الله؛ وهو تعالى يُديمُ عزتَكم ويحفَظُ مودّتكم".

وشيّع أبو المُطرِّف نَجْمَ الدِّين حين سافَرَ في البحر بهذه القصيدة

[من مجزوء الكامل]:

يا نائيًاعنّي وهـ

ـذا النَّأيُ لستُ أُطيقُهُ

النَّجمُ أنت إذا يغـ

ـرّبُ عادةً تشريقُهُ

والفضلُ فارَقَنا وأنـ

ـت رفيقُهُ وشقيقُهُ

والصّبرُ حين تغيبُ معـ .. ـنًى ليس لي تحقيقُهُ

والأُنسُ معنًى كاذبٌ

لا ينبغي تصديقُهُ

أفما ترِقُّ لمن لهُ

دمع عليك يُريقُهُ؟

وجوًى يَحارُ لِما جَنا

هُ حَرُّه وحريقُه

يا سيِّدًا يَزهَى بهِ

حِزبُ الهُدى وفريقُهُ

(1) في الأصل: "ابن جلا"، ولا معنى له. وابن أحلى كان رئيس بلد لورقة وهي منحازة إلى الشرق في الأندلس، فلعلها المقصودة.

(2)

في رسائل ابن عميرة: "إلى حضرة الإمامة".

ص: 390

في البحرِ سرتَ فهانَ في

دَعَةٍ عليك طريقُهُ

وأمِنتَ فيه ما يُحمَّـ

ـملُ أذى ويُذيقُه

لك من سَمِيِّك يونُسٍ

(1) مَنْجاتُهُ لا ضِيقُهُ

وجميلُ عُقباهُ التي

فيها أقام طليقُهُ

وأقولُ وفَّقك الإلـ

ـهُ وحسبُنا توفيقُه

[ولمّا وَصلَ إلى مَرّاكُش] تُلقِّيَ بما يُتلَقَّى به أمثالُه، وتَرقَّى إلى الغاية في تسويغ [ما يُسوِّغُه له كمالُه] ، ورَعَى كلٌّ من أعلامِها حقَّ وِفادتِه، وسَعَى بجِدِّه [في السّهرِ على ما] يجبُ له في إفادتِه، واستشرفَ إلى لقائه الرّشيدُ فاستدعاهُ [إلى مجلسِه واستدناهُ، ونالهُ] من تأنيسِه وتقرِيبه أقصى ما تمنّاهُ، وأمتَعَه الشّريفُ بما عندَه من أخبارِه، وطرَّزَ مجالسَه بمُستطرفاتِ أشعارِه، وكان ممّا أنشَدَ في مجلسِه عندَه وأخبرَ، قًال: أخبرني أخي وأنشَدني، قال: حضرتُ مجلسَ الإمام الواعظ أبي الفَرَج ابن الجَوْزيِّ رحمه الله ببغدادَ يومَ عاشُوراءَ وقد اكتَحلَ، فقام إليه أحدُ الشِّيعة وقال له: لم تجِدْ متى تكتحلُ إلا في اليوم الذي قُتلَ فيه الحُسَين وسُفِك فيه دَمُه؟ أوَما علِمتَ أن الكُحلَ من الزّينةِ التي تُناسبُ السرور؟ وكأنّ ذلك كان نَذْرًا عليك! فأجابه أبو الفَرَج بهذينِ البيتَيْنِ ارتجالًا [من مخلع البسيط]:

ولائمٍ لامَ في اكتحالي

يومَ استحَلُّوا دمَ الحُسينِ

فقلت: دَعْني أحقُّ عُضوٍ

يحظَى بلُبْس السوادِ عيني

فاستظرَفهما الرّشيدُ ولهجَ بهما وأشار بالأخْذِ في تذييلِهما بخمسةِ أبيات، فأنهى نقيبُ الطلبة تلك الإشارةَ إلى بعضِ مَن حضَر من الأدباء، فحُفِطتُ عنهم في ذلك تذييلاتٍ، منها: قولُ نقيبِهم أبي زكريّا الفازَازيّ [من مخلع البسيط]:

(1) هو نبي الله يونس.

ص: 391

غيري بهذا الكلام يُرمَى

فإنّ مَغْزاهُ غيرُ هَيْن

لا يَدخُلَنَّ العدوُّ جهلًا

في الحُبِّ ما بينَهُ وبيني

فحُبُّ آلِ النبيِّ زَيْنٌ

وبُغضُهمْ شَيْنُ كلِّ شَيْنِ

صدَقتُ في قولتي ومثلي

مهما يقُلْ قال غيرَ مَيْنِ

حَسْبُك منّي هذا وحَسْبي

بكاءُ عيني بمثلِ عَيْنِ

وقولُ أبي عليّ ابن حازم (1)[من مخلع البسيط]:

وهل لِباسُ السوادِ إلّا

شعارُ حُزنٍ لا زيُّ زَيْن

كأنّ عَيْنيَ بعدَ رُزْئي

بمقتلِ السِّبطِ تحتَ دَيْنِ

يُقضَى غريمُ الغرام دمعًا

كالتِّبرِ ذَوْبًا لا كاللُّجَيْنِ

لو أنّني يومَ كَرْبَلاءِ

شهِدتُ ما حان فيه حَيْني

حتى أُبيدَ العِدى ضِرابًا

بالسّيفِ طَوْرًا وبالرُّدَيْني

وقولُ أبي الحَسَن حازمِ (2) بن حازم [من مخلع البسيط]:

أمَا تَراها تسِحُّ دمعًا

كأن عَيْني بكَتْ بعَيْن

والدمعُ مما يُدل أنّ الـ

ـحِدادَ للحُزنِ لا لزَيْنِ

إنّ مصابَ الحُسين رُزْءٌ

فَرَّقَ بينَ العَزا وبيني

حُبِّبَ لونُ الشبابِ عندي

وصُحِّف الشَّيبُ لي بشَيْنِ

حتى كأنّ المشِيبَ صُبحٌ

سَقَى حُسَينًا كؤوسَ حَيْنِ

(1) هو أبو علي الحسن بن محمد بن حازم، وهو أخو حازم القرطاجني، وقد عاش هو وأخوه مدة في مراكش خلال عهد الرشيد الموحدي، ولهما فيه أمداح، وذلك قبل أن ينتقلا إلى تونس (انظر اختصار القدح: 20 ونفح الطيب (الفهرس))

(2)

انظر في حازم القرطاجني دراسة الشيخ الدكتور ابن الخوجة.

ص: 392

وقولُ أبي محمدٍ عبد العزيز الطّبيريِّ (1)[من مخلع البسيط]:

كم خَلَعَ الدّهرُ من لباسٍ

إلّا سوادًا في المقلتَيْن

فأين بالحُزنِ عن جُفونٍ

تجِمُّ بالدّمع بعدَ أيْنِ

تَبَّت يدا قاتليهِ عَمْدًا

لو أنّ بالصبرِ لي يَدَيْنِ

مُستهدَفٌ للخُطوبِ قلبي

يُصيبُهُ سهمُ كلِّ حَيْنِ

لا حَمَلتْهُ الضّلوعُ منّي

إن حَمَلَ الرُّزءَ في حُسَينِ

وقولُ أبي عبد الله ابن الخَيّاط (2)[من مخلع البسيط]:

علالةٌ واحتيالُ مَن لم

يَذُدْ عن الدِّين بالرُّدَيْني

وحيلةٌ ليس يَرتضيها

إلا امرُؤٌ قاصرُ اليدَيْنِ

متَيَّمٌ شفَّهُ غَرامٌ

كَواهُ منهُ بشُعلتَيْنِ

تصَعَّدتْ من حَشاهُ نارٌ

حريقُها بينَ مُقلتَيْنِ

لعلّ حُسنى صفاتِ وَجْدي

أفوزُ منها بالحُسْنيَيْنِ

وقولُ أبي يوسُفَ حَجّاج بن حَجّاج (3)[من مخلع البسيط]:

لأنّها بالفِراقِ خُصَّتْ

وحَجْبِ إلفٍ عنها وبَيْنِ

فهْيَ تُلاقي الأسى بدمعٍ

كفَيْض نهرٍ وماءِ عَيْنِ

(1) لم نقف على ترجمته، وفي رحلة ابن رشيد ترجمة لأبي محمد عبد العزيز بن محمد بن السليم الطبيري، ولم ندرك صلته بالمذكور هنا (رحلة ابن رشيد 2/ 163 - 167).

(2)

لم نقف على ترجمته.

(3)

لم نقف على ترجمته ولعله من الأسرة الحجاجية الإشبيلية التي استقرت بمراكش، وترسم بعض أفرادها بالقضاء والكتابة في بلاط أواخر الموحدين ثم عند المرينيين (انظر السفر السادس، الترجمة 40، ومستودع العلامة: 41، وروضة النسرين: 24).

ص: 393

فكان حقًّا عليّ أنّي

كَسوتُها ثوبَ حُزنِ حَيْنِ

وكي أرى الدّمعَ في سوادٍ

يَصبُغُ خَدًّا مثلَ اللُّجَيْنِ

مع أنّ وَجْدي وحُزنَ قلبي

زادا سَوادًا في المقلتَيْن

إذْ كلُّ ما في الضّمير يَبدو

بالوجهِ والعَيْن دونَ مَيْنِ

وقولُ أبي عليّ بن أبي ثلاثة (1)[من مخلع البسيط]:

فهل رأيتَ السّوادَ حُسنًا

إلا بفَوْدٍ وعارضَيْن

كم كسَفَ النَّيِّرَيْنِ حتى

باتا به غيرَ نيِّرْينِ

فالكُحلُ مما يُظَن زينًا

وربّما أنه لشَيْنِ

بل في حُسين وفي أخيهِ الـ

ـمصلح ما بينَ الفئتَيْنِ

أكحَلُها هكذا وأبكي

ما عشتُ دمعًا بغيرِ عَيْنِ

وقولُ شيخِنا أبي محمدٍ العراقيِّ (2)[من مخلع البسيط]:

خُصَّتْ بإدراكِهِ فكانت

أحقَّ بالحُزن يومَ بَيْنِ

(1) هو أبو علي عمر بن أبي ثلاثة. لم نقف على ترجمته ويفهم من المناسبة أنه كان على صلة ببلاط الرشيد الموحدي، ويبدو أنه انتقل بعد ذلك إلى تونس حيث قضى آخر أيامه، وفي رحلة ابن رشيد قصيدة أجاب بها أبا العباس ابن القصير الذي استدعى منه بعض شعره (رحلة ابن رشيد 2/ 160 - 161).

(2)

هو أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العراقي الفاسي من شيوخ المؤلف، وقد ترجم له في السفر السابع المفقود، ويتردد ذكره خلال التراجم، ولي خطة الخزانة في عهد الرشيد وكان نقيب الطلبة بعد ذلك، وفي البيان المغرب أنه كان من خاصة السعيد والمرتضى وتوفي في عهد هذا الأخير، ودفن بدويرة بحومة المرج بمقربة من باب تاغزوت داخل مراكش بجانب جماعة من الأعلام منهم قاضي الجماعة ابن حجاج وابن راحل وغيرهما وهو الذي روى عنه معاصره المؤرخ ولد ابن القطان خبر لقاء ابن تومرت بالغزالي. انظر البيان المغرب: 358، 371 والذيل والتكملة 6/الترجمة 40، والأجزاء الأخرى، ونظم الجمان 17 - 18، والحلل الموشية 85 - 86.

ص: 394

فلُبسُها للسّوادِ فَرْضٌ

من أجلِها قيلَ: فَرْضُ عينِ

سوادُ قلبي يمُدُّ كُحلي

يَجري اضطرارًا بمقلتَيْنِ

فكم أحالا ثيابَ جِسمي

للحُزنِ كالقارِ مرتَيْنِ

فلا تلُمْ في بياضِ ثوبٍ

يَسوَدُّ لو قُدَّ مِن لُجَيْنِ

وقولُ أبي عبد الرّحمن ابن زَغْبُوش (1)[من مخلع البسيط]:

أقصرْ فإنّ الذي تراهُ

منَ اكتحالٍ بالمُقلتَيْنِ

دُخَانُ قلبٍ قدَ احرقَتْهُ

نيرانُ حُزنٍ بغير مَيْنِ

فصَّعدتْه أنفاسُ وَجْدي

فحَلَّ منّي بالناظرَيْنِ

وانظُرْ إلى ذا الرمادِ منهُ

كيف تَبدَّى بالمَفرِقَيْنِ

فحبُّ آلِ النبيّ حَتْمٌ

على البَرايا وفَرْضُ عينِ

وقولُ أبي الحَسَن بن محمد العُشْبيّ (2)[من مخلع البسيط]:

ولائمٍ لامَ في اكتحالي

يومَ استحَلُّوا دمَ الحُسَينِ

(1) لم نقف على ترجمته، وهو أبو عبد الرّحمن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن محمد بن حماد بن محمد بن زغبوش. وهو من أسرة الزغابشة المكناسيين الذين بادروا إلى تأييد دولة الموحدين أول ظهورها فقتل منهم جماعة على يد يدّر بن ولكوط والي مكناسة من قبل المرابطين، ونال من بقي منهم جاهًا كبيرًا عند الموحدين، وظلوا يتولون خدمتهم في الحاشية والقضاء بالأندلس وغيرِها إلى نهاية دولتهم، وقد انتقل بعضهم من مكناسة إلى الأندلس وانتقل آخرون إلى مراكش ولعل منهم من انتقل إلى مصر حيث نجد والي قوص في عهد الملك الكامل يدعى بابن زغبوش. قال ابن غازي:"وقد ذكر ابن عبد الملك في تكملته جماعة منهم" كما أن صاحب "الإتحاف" ترجم لأربعة من زغابشة العصر العلوي، ولا بد أن أبا عبد الرحمن المذكور مترجم في السفر السابع مع الغرباء. انظر الروض الهتون: 17، 29، 52 والسفر الأول، الترجمة 531، والسفر الخامس:1298.

(2)

تقدمت ترجمته رقم (13).

ص: 395

يحسَبُهُ حِليةً وزَيْنًا

يا بُعدَ ما بينَهُ وبيني

فقلتُ: دَعْني أحقُّ عُضوٍ

يَحظَى بلُبْس السّوادِ عَيْني

واستمعِ الأمرَ ثم حقِّق

يَبِنْ لك الصّدقُ دون مَيْنِ

إنّ سَوادي معَ السُّوَيْدا

فاضا معَ الدّمع سائلَيْنِ

واستوقَفا بعدُ في المَآقي

وقْفةَ مُستَوْلِهٍ لبَيْنِ

كما خَلَعتُ الشّبابَ حُزنًا

فهْو حِدادٌ في المقلتَيْنِ

وقولُ أبي الحَجّاج بن موسى بن لاهِيَةَ (1)[من مخلع البسيط]:

أقصِرْ فماذا السوادُ كُحلًا

أبديتُهُ مُظهِرًا لزَيْنِ

سَوادُ عَيْني الذي تَراهُ

يسِحُّ دمعًا من غيرِ عَيْنِ

مَحَاهُ طُولُ البُكا عليهِ

فسال في الشّفرِ دون مَيْنِ

وانظُرْ لشَيْبٍ لم أحتسِبْهُ

تُثبِتْ مُصابي بشاهدَيْنِ

هل هُوَ إلا بياضُ جَفْني

جرى مَشِيبًا في العارضَيْن

وقولُ أبي الحَسَن ابن زَنُّون (2)[من مخلع البسيط]:

ولو بوُدِّي ملأتُ كُحْلًا

كلَّ بياضٍ في المُقلتَيْنِ

لو كان يُجدي سوَّدتُ شَيْبًا

في الرأس منّي والعارضَيْنِ

أو كان يُغني جلّلتُ حِبرًا

من فوقِ رأسي للأخمَصَيْنِ

حتى أرى كالحديدِ لونًا

ما كان منّي لونَ اللُّجَيْنِ

فلا تلُمْني فذا مصابٌ

ما فيه للصّبرِ من يدَيْنِ

(1) تقدمت ترجمته رقم (233).

(2)

ترجمته في السفر الخامس (639).

ص: 396

وقولُ أبي عبد الله بن يوسُفَ المَصانعيِّ (1) في خمس قطعات، أُولاها

[من مخلع البسيط]:

وشاهدي حُبُّهُ بأنّي

كحَلْتُ للحُزنِ لا لزَيْنِ

فأمرُ قتلِ الحُسَيْنِ صعبٌ

عليَّ والله غيرُ هَيْنِ

وقد بكيْتُ الحُسينَ حتى

قرَّحتُ جَفْنيَّ دونَ مَيْنِ

فكان كُحلي لسَتْرِ ما بي

قد يَجلُبُ الزّينَ شرُّ شَيْنِ

فلا تُشنّعْ ولا تُبشِّعْ

فلستُ مُستوجِبًا لذَيْنِ

وثانيتُها [من مخلع البسيط]:

حزِنتُ إذ لم أجدْ دفاعًا

عنهُ بلفظٍ ولا يدَيْنِ

وأنّني حاضرٌ لدَيْهِ

لم أُعْزَ في نَصْرِه لأيْنِ

بل قمتُ في نَصْرِه مقامًا

يُبهَتُ بالسّيفِ والرُّدَيْني

تَشيُّعي للحُسَينِ يُدرَى

فجلَّ ما بينَهُ وبَيْني

له على المسلمينَ حقٌّ

يَلزَمُ كلًّا لزومَ دَيْنِ

وثالثتُها [من مخلع البسيط]:

مكتحِلٌ يومَهُ لزَيْنِ

صاحبُ قلبٍ حليفُ رَيْنِ

وينبغي لي عليه حُزْنٌ

بسائرِ العُمْرِ دون بَيْن

يختصُّ لُبْسَ السوادِ قومٌ

وحيلَ ما بينَهُ وبيني

لو كان لي لُبْسُه مباحًا

لكان زِيِّي لحينِ حَيْني

وكان في حقِّه لباسي

لهُ ولو من سوادِ عَيْني

(1) لم نقف على ترجمته.

ص: 397

ورابعتُها [من مخلع البسيط]:

فكان كُحلي لأجلِ حُزنٍ

ما كان كُحلي لأجلِ زَيْنِ

وكيف لي زينةٌ وعَيْني

أوْلى بحُزنٍ من كلِّ عَينِ؟!

لولا اكتحالي لقيل: تُذرِي

عليه دمعًا بغير عَيْنِ

فكان كُحلي لصَبْغ دمعي

أبلغَ صِبغ وشفْر عَيْنِ

فاعجَبْ لعينٍ تجري بدمعٍ

من غيرِ عينٍ كجَرْيِ عينِ

وخامستُها [من مخلع البسيط]:

لو كان للجسم لونُ كُحلي

لُبْسٌ لَما قلتُ: زِيُّ زَيْنِ

وقمتُ أنعَى الحُسَينَ فيهِ

حتى يقولوا: غرابُ بَيْنِ

وربّما النارُ في فؤادي

أبدَتْ دُخَانًا بالمُقلتَيْنِ

أو ربّما أنّ فيه سِرًا

يُبديه شعرٌ شفيرُ عينِ

سوادُ قلبي أتَى يُعزِّي

سوادَ عَيْنيَ في الحُسَينِ

وقولُ شيخِنا أبي الحَسَن الرُّعينيِّ بأخَرةِ على الشّرط في التذييلِ بخمسةِ أبيات [من مخلع البسيط]:

وما اكتحلتُ ابتغاءَ زَيْنِ

ولا اعتناءً بالمُقلتَيْنِ

لكنْ سوادَ القلوبِ عمَّت

حتى تبَدَّتْ في الناظِرَيْنِ

سوادُ قلبي سرَى لعَيْني

لكي يسيلا في المَدْمَعَيْنِ

فليس كحلٌ ترَوْنَ كُحلاً

وليس زَيْنٌ خِلتُمْ بزَيْنِ

وقد كان سُئل له تذييلًا عليها بأمرٍ رَشِيديٍّ لأوّل قدومِه على مَرّاكُشَ القَدْمةَ الثانية وطوَّله وأتْبَعَه بنَثْر، وهما [من مخلع البسيط]:

ص: 398

ولائم لامَ في اكتحالي

يومَ استحَلُّوا دمَ الحُسينِ

فقلتُ: دَعْني أحقُّ عضوٍ

يَحظى بلُبْس السوادِ عَيْني

حُزنًا ليوم عَصِيبِ كرْبٍ

أفاضَ للعَيْنِ كلَّ عينِ

أصيبَ خيرُ الأنام فيهِ

بالطاهرِ ابن المُطهَّريْنَ

مصرَعُ سِبطِ الرسُولِ ما لي

فيه على الصَّبرِ من يدَيْنِ

كَرَّ بلاءٌ بكَرْبَلاءٍ

وهانَ ما لم يكنْ بهَيْنِ

أرضَوْا عِداهُ وأسخَطوهُ

قُبِّح راضٍ بالخُطّتَيْنِ

ألم تَمِدْ يومَ ذاك أرضٌ

وطَبَّق الرُّزءُ الخافقَيْنِ

ولم تَجْرِ الافلاكُ طُرًّا (1)

أم كيف دارت بالنيِّرْينِ

فاليومَ ودِدتُ أنّي (2)

من قبلِه قد ورَدتُ حَيْني

حقًّا يزيدُ القرودِ أضحى

يقرَعُ درَّ الثَّنيّتَيْنِ

وأنّ رأسَ الحُسَين وافَى

يحمِلُهُ ضِدُّه الرُّدَيْني

لا حُزْنَ عندي كحُزنِ يومٍ

أُودِعَهُ طَسْتَه اللُّجَيْني

فليتَني مِتُّ قبلَ ما قد

أصَمَّ ناعيهِ المَسْمِعَيْنِ

وليتَني حاضرٌ فأحظَى

في الدّمع عنهُ بالحُسْنيَيْنِ

يا آلَ حرب بُؤْتُمْ بحربٍ

فقد أتَيْتُم بكلِّ شَيْنِ

عاديتُمُ المصطفى جَهارًا

والصِّدقَ عارضتُمُ بمَيْنِ

حقدًا قديمًا أثَرْتموهُ

في حَسَنٍ قبلُ والحُسَينِ

ويا شبابَ الجِنانِ صبرًا

فقد أُصبتُمْ في السيِّدَيْنِ

(1) الصدر مكسور.

(2)

كذلك.

ص: 399

واللهُ قد شاء أن يكونا

في جنّةِ الخُلدِ خالدَيْنِ

خاب مُعاديهما وفازا

بفَضْل ما في الشّهادتَيْنِ (1)

هذا يا سيّدَنا رضيَ اللهُ عنكم ما أمَرتُم به من الزّيادة، وما قرَنَه بها مقامُكم الأعلى من شَرْطِ الاستحسان، فليس في وُسع العبدِ أن يَدخُلَ تحتَ هذا الارتهان، ومن الذي يتَعاطَى أن يُجارِيَ أبا الفَرَج عُذوبةَ لفظ [وعُمقَ رَويّة، وجَوْدةَ] نظم ونثر فيما انفرَدَ به من سَجِيّة، ورِقّةَ طِباع [حضَريّة أعانه] على حُسنِ المَساق، لُدونةُ هواءِ العراق، واغتذاؤه [إيّاه] بدوام الاستنشاق، والعبدُ -وسواه- عاقَهُ عن اللَّحاق، البعدُ [عن تلك الآفاق] ومشاهدةُ دَرَنٍ بالعَشيِّ والإشراق (2)، وتنسُّمُ هوائه السابق إلى [الأحداق] لكنّ العبدَ بادَرَ ائتمارًا، لا مدَّعيًا اقتدارًا، ولن يُطبِقَ المَفصِل في مثل ذلك، إلا الشّعراءُ المُفْلِقون، لا الكُتّابُ المُلفِّقون، وسيّدُنا رضي الله عنه يوسعُ [عبدَه] عُذرًا، ويُسدلُ عليه للإغضاءِ سَتْرًا، إن شاء اللهُ تعالى، وهو سبحانَه ينظمُ المشارقَ والمغاربَ في سلكِ مُلكِه، ويعُمُّ بإنعامِه كلَّ عبدٍ تشرَّف بالاعتزاءِ إلى مُلكِه بمَنِّه وكرَمِه.

وعاد نَجْمُ الدّين إلى الأندَلُس، ودخَلَ منها في كرَّتِه هذه إشبيلِيَةَ، ثم قَفَلَ إلى سَبْتة، وخاطَبَ أبا المُطرِّف يُعلِمُه بذلك، فكتَبَ إليه أبو المُطرِّف من سَلا:

(1) اشتغل بتذييل بيتي ابن الجوزي عدد من الأعلام، وقد وردت التذييلات المذكورة هنا وغيرِها أيضًا في رحلة ابن رشيد 2/ 393 (المطبوع) وفي الجزء المخطوط رقم 1737 ورقة 107 وما بعدها، وفي زواهر الفكر لإبن المرابط (مخطوط الإسكوريال).

(2)

من العجب ذم منظر (الأطلس) كما يبدو من مراكش. وإذا كنا نعذر المعتمد الذي يقول:

هذي جبال درن

مشوبة بالدرن

كأنها تخبرني

بأنها تقبرني

يا ليتني لم أرها

وليتها لم ترني

فإننا لا نعذر الرعيني الذي عاش في مراكش معززًا مكرمًا وكذلك ابن مضاء القرطبي الذي يقول:

يا ليت شعري وليت غير نافعة

من الصبابة هل للعمر تنفيس؟

متى أرى ناظرًا في جفن قرطبة

وقد تغيب عن عينيَّ نفّيس؟

ص: 400

"عُجالتي هذه رسمتُها خدمةً للنَّجم، المستمدِّ من نُورِ سيِّدِ العَربِ والعُجْم، زادَه اللهُ ائتلاقًا، وأبقَى للاعتناءِ به اعتلاقًا، ووَقَى كمالَه يَزينُ حجازًا وعراقًا، ويُنيرُ آثارَ الشّرفِ الذي أعرقَ فيه إعراقًا، وعندي لجلالِه ما يَعلَمُه يقينًا، وأنا أعتقدُ التوسُّلَ به إلى الله دينًا، ونَفْسي التي أستحقُّ ومَلَك، سالكةٌ بالحقيقة أنَّى سَلَك، وعلى عهدِه أُقيم، ما أقام الكهفُ والرَّقيم، واستقام الصِّراطُ المستقيم، ولعَقْدِ إضماري في محبّتِه العقدُ النَّظيم، ولله عليّ في تيسيرٍ يفي بلقائه المنّةُ الجسيمةُ والفضلُ العظيم، ولمخاطبتِه الكريمة من قلبي سُوَيْداؤه ومن عيني سُوادُها، وبها أفاخِرُ نفوسَ الأمجادِ التي بالنفائس مُفاخرتُها ومجِادُها، وهي نصيبي من الأيام، فلله موهوبُها ومُفادُها، وعندَها يُسمي إذا أدنى الأحبّةَ نأْيُها وبِعادُها، ومنها طِيبي، فكافوري قِرطاسُها ومِسكي مِدادُها، وقد وصَلَتْني منها صِلات، على بيتِ مهديها سلامٌ وصَلَوات، فحصلتُ على ذخائرِها الأخاير، ولهَجْتُ لهجَ المبشَّر بالبشائر، ونهَجْتُ سبيلَ الشُّكر لتشريفاتِها البواهي البواهر، وكان آخِرَها طلوعًا بأُفْقي، ومجيئًا على وَفْقي، الكتابُ المُعلِم بالانفصال من إشبيلِيَةَ إلى سَبْتةَ حرَسَهما اللهُ معًا، المُلمِعُ إلى جَلِيّة ما تَعرَّفَه ذلك الجلالُ مرْأًى ومستمَعًا، ورغبتي إلى شَرَفِه الأعلى في مُوالاةِ ما عوَّد من الإعلام، ووَعَدَ وإنْ شَطَّتِ النّوى من [إهداءِ التحيّة والسلام، وقد أبلَغْتُ] عن مجدِه كلَّ من أشار بالإبلاع إليه، وجميعُهم [شاكرٌ لذلك العلاءِ الذي اجتمَعَتِ] المآثرُ الهاشميّةُ لدَيْه، واللهُ يُنهِضُ الأُمّةَ بواجبِ ابن [نبيِّها الكريم، ويَصِلُ] للشّرفِ الحَسَنيِّ سُعودًا متلاصقةَ الحديثِ بالقديم، ويُصلِّي [على أهل البيتِ] النّبَويِّ صلاةً متضوِّعةَ النسيم، مورودةً بتسنيم التسليم، ومُعادُ [التحيّة والرحمة] عليكم أيُّها النَّجْمُ الثاقب، ما ازدهَتْ بكمُ المحامدُ وازدانتِ المناقب"(1).

(1) وردت هذه الرسالة أيضًا في مجموع رسائل ابن عميرة مخطوط رقم 232 في الخزانة العامة بالرباط، وما بين معقوفين ممحو في الأصل وموجود في المخطوط المذكور.

ص: 401

236 -

يونُسُ (1) بن يوسُفَ بن يوسُف بن سُليمانَ بن محمد بن محمود بن يوبَ الجُذَاميُّ، قَصْريٌّ -قَصْرَ كُتَامة، ويقال فيه: قَصْر عبدِ الكريم- أبو سَهْل وأبو الوليد، ابنُ طَرْبيّةَ، وكان يقول: طَرْبُيَّةَ، بفتح الطاء وسكون الراء وضم الباء بواحدة وجيم أو ياء مشددين وتاء تأنيث.

سَمع من أبي الحَسَن نَجَبةَ، وأبي الحُسَين ابن الصّائغ، وأبي ذَرّ بن أبي رُكَب، وأبي عبد الله ابن الملوز، بالزاي، وأبي القاسم المَلّاحيّ، وأبوي محمد: ابن عُبَيد الله، وابن فَلِيج (2). وأجاز له أبو بكرٍ ابنُ الجَدّ، وأبو عبد الله ابنُ الفَخّار.

رَوى عنه أبو محمدٍ عبدُ الله بن عبد العزيز بن عبد القوِيِّ القُرَشيُّ، وأبو الصَّفاءِ خالصُ بن مَهْدي، وابنُه أبو عَمْرٍو سَعْدُ بنُ خالص.

وكان أديبًا ماهرًا ذا إدراكٍ وإقدام، معَ مشاركةٍ في غير ما فنّ وحَظّ من قَرْض الشعر.

وقَفْتُ من نَظْمِه على مسَمَّطاتِ قصائدِ حسّانَ بن ثابتٍ رضي الله عنه في تأبينِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الثابتة آخرَ ما هذّبَه ابنُ هشام من "السِّيرة" التي جمَعَها ابنُ إسحاق (3).

(1) ترجمه ابن الأبار في التكملة (3515)، وابن الزبير في صلة الصلة 5/الترجمة (612)، والذهبي في المستملح (908) وتاريخ الإسلام 14/ 401، والسيوطي في بغية الوعاة 2/ 366.

(2)

في الأصل: "فليح" مصحف.

(3)

ختم ابن هشام السيرة بأربع قصائد في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلع الأولى:

بطيبة رسم للرسول ومعهد

منير وقد تعفو الرسوم وتهمد

ومطلع الثانية:

ما بال عينيك لا تنام كأنما

كحلت مآقيها بكحل الأرمد

ومطلع الثالثة:

نب المساكين أن الخير فارقهم

مع النبي تولى عنهم سحرا

ومطلع الرابعة:

آليت ما في جميع الناس مجتهدًا

مني أليّة بر غير إفناد

(انظر سيرة ابن هشام 4/ 273 - 277).

ص: 402

ودخَلَ الأندَلُس وتجوَّل فيها ثُم سكَنَ تونُسَ وقتًا، فأخَذَ عنه بها يسيرٌ، وكان يتَسامحُ كثيرًا فيما يحدّثُ به، سمَحَ اللهُ له. واستُقضيَ بأطْرابُلُسِ إفريقيّة ثم شرَّقَ سنة سبعَ عشْرةَ أو نحوَها فحَظِيَ بالقاهرة وخَلَفَ أبا الخَطاب ابنَ الجُمَيِّل بعدَ وفاتِه بمدرستِه.

وتوفِّي [وهو] يتَولّى التدريسَ بأحدِ أيوانَيْ دار الحديث الكامِليّة بالقاهرة آخرَ سنة إحدى وأربعينَ وست مئة (1).

وهذا تسميطُ إحدى القصائدِ الحَسّانيّة المشارِ إليها، نقَلتُها من نسخةٍ سُمِعت من لفظِ مسَمِّطِها أبي سَهْل مرَّتينِ وعليها خطُّه بذلك [من البسيط]:

من كان من معشرِ الباكينَ مقتصِدا

وخاضَ في غَمَراتِ الحُزن مُتّئدا

ولم يَذُبْ أسفًا ولم يمُتْ كمَدا

أنا الذي حُزنُه لا ينتهي أبدا

"آلَيْتُ ما في جميع الناس مجتهدا

منّي ألِيّةَ بَرٍّ غيرِ إفنادِ"

[.....................] وُلِعَتْ

كأنما بتمادي الحُزنِ قد طُبِعتْ

[........] بكَتْ أو هامة سَجَعتْ

آلَتْ مقالًا وحالًا كيف كان نَعَتْ

"تالله ما حمَلتْ أنثى ولا وضَعَتْ

مثلَ الرسولِ نبيِّ الرحمةِ الهادي"

[وما دُهينا] بأدهى من رَزِيّتِه

ولا بأفظعَ يومًا من منيّتِه

آلَيْتُ حِلفةَ بَرٍّ في أليَّتِهِ

إنّ الرسُول لَفردٌ في سجِيّتِه

"ولا بَرَا اللهُ خلقًا من بَريّتِهِ

أوفَى بذمّة جارٍ أو بميعادِ"

(1) كان شيخ دار الحديث الكاملية في هذا الوقت هو حافظ الديار المصرية أبا محمد عبد العظيم ابن عبد القوي المنذري (انظر كتاب الدكتور بشار: المنذري وكتابه التكملة، النجف 1968 م).

ص: 403

ولا أحَقَّ قضاءً عندَ مُشتَبهِ

ولا أتمَّ اهتداءً في تقلُّبِه

ولا أمَنَّ بعفوٍ في تغلُّبِه

ولا أرَقَّ لمن يدعو لمذهبِه

"من الذي كان فينا يستضاءُ بهِ

مبارَكَ الأمرِ ذا عدلٍ وإرشادِ"

يا خِيرةَ الخَلْقِ إنّ الصبرَ قد عُدِما

إلا ذماءً وما يُجدي الغداةَ ذما

مصابُك الفَظُّ قد أبكى القلوبَ دما

يا تَرْحةً أُسكِتَتْ فلم تحلَّ فما

"أمسى نساؤكَ عَطَّلنَ البيوتَ فما

يضرِبْنَ فوقَ قفا سَتْرٍ بأوتادِ"

مُفجَّعاتٍ بخير الرسْلِ حين فُقِدْ

مروَّعاتٍ وما غيرَ الفراقِ رُودْ

مسلِّماتٍ لأمرِ الله حين وَرَدْ

مستمسِكاتٍ بصَبْر نافع وجَلَدْ

"مثلَ الرواهبِ يلبَسنَ المباذلَ قد

أيقنَّ بالبؤسِ بعدَ النعمةِ البادي"

قد كنتُ أبعدَ مخلوقٍ عن الضّررِ

حتى مُنيتُ بفَقْدي سيِّدَ البشرِ

بدَّلتُ من نومتي بالذلِّ والسهرِ

وعَزَّ صبري فلاتَ حينَ مُصطبَرِ

"يا أفضلَ الخَلْقِ إنّي كنت في نهرِ

أصبحتُ منه كمثل المفرَدِ الصادي"

مضى الرسولُ إلى الربّ الحفيِّ بهِ

فجَلَّ مِن مُرتقَى عدلٍ بأرحبِهِ

يا حسرتي لكريم الخَيْم طيِّبِهِ

ياربِّ لا تُضحِنا عن ظلِّ مذهبِهِ

"حتى نؤوبَ إلى حالٍ نُسَرُّ بهِ

يومَ المعادِ فأنت المرشدُ الهادي"

أنت الكريمُ وقَصْدي بانَ مَعْلَمُهُ

وبي من الشّوق أدهاهُ وأعظمُهُ

هذا لِما أنا أُخفيهِ وتَعلَمُهُ

يا طُولَ شوقي لذاكَ القبرِ ألزَمُهُ

"مواقعُ اللَّثم منّي حينَ ألثُمُهُ

مواقعُ الماءِ من ذي الغُلّة الصّادي"

ص: 404

يا ربِّ شوقي لذاكِ البيتِ يُقلقُني

.......................

أخافُ منها ببُجْر الحَوْب توبقُني

واحَسْرتي ..............

"وما سواك منَ اسْرِ الذّنبِ يُطلقُني

أنت القويُّ (1)[]

(1) بعد هذا بياض في الأصل ولعله لذكر بقية القصائد المذيلة، وبعد البياض مباشرة تراجم النساء في ورقة واحدة.

ص: 405