الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
77 - باب: التشهُّد في سجدتي السهو
374 -
أخبرنا أبو القاسم علي بن يعقوب بن إبراهيم قراءةً عليه: نا محمد بن حصن الْأُلُوسي: نا أبو عثمان سعيد بن عثمان بن ثواب الحُصْري: نا محمد بن عبد الله الأنصاري: نا الأشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن خالد الحذّاء عن أبي قِلابة عن أبي المُهلَّب.
عن عمران بن حُصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى بهم فسها في صلاته فسجد سجدتي السهو، ثم تشهّد وسلّم.
أخرجه أبو داود (1039) والترمذي (395) -وقال: حسن غريب- والنسائي (1236) -وليس عنده: (ثم تشهّد) - وابن الجارود في المنتقى (247) وابن خزيمة (1062) والحاكم (1/ 323) والبيهقي (2/ 255) والبغوي في شرح السنة (3/ 297) من طريق محمد بن يحيى الذهلي عن الأنصاري به.
وأخرجه ابن خزيمة (1062) والطبراني في الكبير (18/ 195) وابن حبان (536) من طريق ابن ثواب به.
وأخرجه ابن خزيمة والحاكم (1/ 323) وعنه البيهقي (2/ 254) من طريق أبي حاتم الرازي عن الأنصاري به.
وأخرجه ابن خزيمة أيضًا من طريق العباس بن يزيد البحراني عن الأنصاري به.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. وأقرّه الذهبي.
لكن قال البيهقي: "تفرّد به أشعث الحُمْراني، وقد رواه شعبة ووهيب وابن علية والثقفي وهُشيم وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وغيرهم عن خالد الحذّاء، لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه. ورواه أيوب عن
محمد قال: أُخبرت عن عمران: فذكر السلام دون التشهد. وفي رواية هشيم ذكرُ التشهد قبل السجدتين، وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه". ثم ساق بسنده الحديث من طريق هشيم وفيه: فقام فصلى ثم سجد ثم تشهّد وسلم وسجد سجدتي السهو ثم سلم. قال: "هذا هو الصحيح بهذا اللفظ". أهـ.
قلت: والحديث في صحيح مسلم (1/ 404 - 405) من رواية إسماعيل بن إبراهيم وعبد الوهاب الثقفي كلاهما عن الحذاء بلا ذكرٍ للتشهد فيه.
وقال الحافظ في الفتح (3/ 98 - 99). "وضعّفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهّموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين، فإن المحفوظ عن ابن سيرين في حديث. عمران ليس فيه ذكر التشهد، وروى السرّاج من طريق سلمة بن علقمة أيضًا في القصة: قلت لابن سيرين: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد شيئًا". ثم قال: "وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإِسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم، فصارت زيادة أشعث، ولهذا قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت". أهـ.
ومال الذهبي في المُهذّب (2/ 321) إلى تخطئة الأنصاري فقال: "ولا رواه عن أشعث سوى الأنصاري فلعلّ الخطأ منه". أهـ.
وتعقب ابن التركماني في الجوهر النقي (حاشية البيهقي: 2/ 355) كلام البيهقي فقال. "قلت: أشعث الحُمْراني ثقة أخرج له البخاري في المتابعات، ووثقه ابن معين وغيره، وقال يحيى بن سعيد: ثقة مأمون، وعنه أيضًا: لم أدرك أحدًا من أصحابنا هو أثبت عندي منه، ولا أدركت من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عون أثبت منه. وإذا كان كذلك فلا يضره تفرّده بذلك، ولا يصير سكوت من سكت عن ذكره حجّة على من ذكره وحفظه؛ لأنه زيادة ثقة، كيف وقد جاء له الشاهدان اللذان ذكرهما البيهقي؟! وكذلك هشيم في
روايته ذكر التشهد في الصلاة وسكت عن التشهد في سجود السهو، كما سكت أولئك فكيف يدلُّ سكوته على خطأ أشعث فيما حفظه وزاده على غيره؟ ". أهـ.
قلت: وفيه نظر لوجوه:
الأول: لا خلاف في توثيق أشعث، ولم ينازع البيهقي في ذلك، ولو علم فيه جرحًا لذكره، ولَمَا احتاج إلى إعلال روايته بالتفرد فقط.
الثاني: أن زيادة الثقة ليس مجمعًا على قبولها مطلقًا، بل في حكمها خلافٌ بين أهل العلم، وقد حقّق القول في ذلك الحافظ ابن عبد اللهادي رحمه الله في رده على الخطيب في تصنيفه "الجهر بالبسملة" أحسن تحقيق، قال رحمه الله:"بل فيه (أي: قبولها) خلافٌ مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح: التفصيل وهو أنها تُقبل في موضع دون موضعٍ، فتُقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظًا ثبتًا والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قَبِلَ الناس زيادة مالك بن أنس: قوله: (من المسلمين) في صدقة الفطر، واحتجّ بها أكثر العلماء. وتُقبل في موضعٍ آخر لقرائن تخصُّها، ومن حكم في ذلك حكمًا فقد غلط، بل كل زيادة لها حكمٌ يخصها، ففي موضع يُجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها كزيادة سعد بن طارق في حديث: "جعلت لي الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا"، وفي موضع يُجزم بخطأ الزيادة كزيادة معمر ومن وافقه: قوله: (وإن كان مائعًا فلا تقربوه)، وفي موضعٍ يغلب على الظن خطأها كزيادة معمر في حديث ماعز: الصلاةَ عليه. وفي موضع يتوقف في الزيادة كما في أحاديث كثيرة". أهـ. بتصرف من نصب الراية (1/ 336 - 337).
قلت: وزيادة الأشعث هذه مما يغلب على الظن خطأها لأمرين:
أحدهما: تفرّده بها دون جماعة من كبار الحفاظ أشهر منه قدرًا وأثبت حفظًا كشعبة وحماد -وغيرهم ممن تقدّم-.
والآخر: أن ابن سيرين نفسه ذكر -كما في رواية السرّاج التي ذكرها الحافظ قبلًا- أنه لم يسمع في التشهد شيئًا، فكيف يروي عنه أشعثُ إثباتَ التشهد؟!.
الثالث: أنّ البيهقي احتجّ برواية هشيم لبيان موضع التشهد، وهو قبل سجدتي السهو، وأراد من ذلك تخطئة أشعث في روايته، حيث ظنه بعد السجدتين لا قبلهما، ومن هذا تفهم أن احتجاج البيهقي بذلك كان في محلّه فتأمل.
الرابع. أما الشاهدان اللذان ذكرهما البيهقي فضعيفان:
فقد أخرج الطبراني (20/ 412) والبيهقي (2/ 355) من طريق عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن الشعبي عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي السهو.
قال البيهقي: هذا يتفرّد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الشعبي ولا يُفرح بما يتفرد به. أهـ. قلت: لأنه مع صدقه سيء الحفظ جدًا، وابنه عمران لم يوثقه غير ابن حبان.
وأخرج أحمد (1/ 428 - 429) وأبو داود (1028) والنسائي في الكبرى -كما في تحفة الأشراف (7/ 158) - والدارقطني (1/ 378) والبيهقي (2/ 355 - 356) من طريق خُصيف عن أبي عبيدة عن ابن مسعود مرفوعًا: إذا كنت في الصلاة فشككت في ثلاث أو أربع وأكثر ظنك على أربع تشهّدت ثم سجدت سجدتين وأنت جالسٌ قبل أن تُسلِّم ثم تشهدت أيضًا ثم سلّمت.
وقال أبو داود: رواه عبد الواحد عن خُصيف ولم يرفعه، ووافق عبد الواحد أيضًا سفيان وشَريك وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن
الحديث ولم يُسندوه. أهـ. وقال البيهقي: هذا غير قوي ومختلف في رفعه ووقفه. أهـ. وقال المنذري في مختصر السنن (1/ 467): "وقد تقدَّم أن أبا عُبيدة لم يسمع من أبيه". أهـ.
قلت: وخصيف ضعيف الحفظ، ولذا قال الحافظ في الفتح (3/ 99):"وفي إسنادهما ضعف". ثم قال: "فقد يُقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترقى إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد". أهـ.
وأخرج الطحاوي في شرح المعاني (1/ 434) عن شيخه ربيع المؤذن عن يحيى بن حسان عن وهيب عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعًا: "إذا صلَّى أحدكم فلم يدرِ أثلاثًا صلى أم أربعًا؟ فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليتمه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم".
وإسناده جيد.
لكن شيخ الطحاوي وهم في ذكر التشهد فقد رواه مسلم (1/ 401) عن شيخه عبد الله الدارمي عن يحيى بن حسان به فلم يذكر التشهد. ورواه مسعر وشعبة والثوري وجرير والفُضيل بن عياض وعبد العزيز بن عبد الصمد وغيرهم كثير عن منصور، ولم يذكروا لفظ التشهد فعلمنا أنه وهمٌ يقينًا، والله أعلم.