الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في ترجمة تمام الرازي
.
1 - اسمه ونسبه:
هو تمّام بن محمَّد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجُنيد، أبو القاسم ابن أبي الحسين البَجَلي الرازي الدمشقي. فأما (البَجَليُّ) فنسبة إلى (بَجيلة) قبيلة عربية قحطانية، ولعلّه من مواليهم. وأما نسبته (الرازي) فإلى موطن أبيه وهي (الرّي) مدينةٌ مشهورةٌ من بلاد الدَّيْلم يُنسب إليها كثير من العلماء والأئمة. وقد ارتحل والده منها إلى دمشق حيث وُلِد له هناك المترجَم.
وقد ذكر الأستاذ خير الدين الزركلي في أعلامه، أنه مغربي الأصل، ولا أدري ما مستنده في ذلك!.
2 - ولادته ونشأته العلمية:
نقل تلميذه عبد العزيز الكتاني عنه أنّه ذَكَر له أنّ مولده كان سنة (330)، وذكر أبو علي الأهوازي أن مولده كان يوم الخميس، لكنه لم يحدّد تاريخ ذلك الخميس!
وُلد تمام بدمشق التي ظلت محتفظة بمكانةٍ جليلةٍ وصِيتٍ علميٍّ ذائعٍ، بالرغم من تحوّل دار الخلافة إلى بغداد التي خطفت من دمشق الكثير من الأضواء والشهرة، ولعلّ موقِعَ مدينة دمشق المتوسطَ بين المشرق الِإسلامي -ممثلاً بالعراق وخراسان وبلاد ما وراء النهر، وبين مغربه- ممثلاً بمصر وبلاد
المغرب، قد جعلها محطّاً لرحال العلماء ومنزلًا لكثيرٍ من الفضلاء، فلا يخرج مشرقي إلى المغرب أو مغربي إلى المشرق إلا ومرّ بها في الكثير الغالب.
ولذلك فقد نشأ تمام في بيئةٍ تكثرُ فيها حِلَقُ العلم ومجالس إملاء الحديث، وكان من الطبيعي أن يُشارك فيها، لا سيَّما أن والده كان من علماء دمشق ومؤرخيها، قال عنه الذهبي: جمع وصنّف وأرّخ، وأفاد الرّفاق وأفنى عُمُره في الطلب (1). وكثيراً ما يَنقل عنه ابن عساكر في وفيات العلماء والمحدثين (2).
وقد كان لوالد تمام دورٌ كبير في توجيهه إلى طلب العلم وسماع الحديث، فقد اعتنى بتسميعه الحديث من مشايخ دمشق منذ صغره، وأقدمُ سماعٍ له للحديث كان في شهر رجب من سنة (338)، حيث سمع من الحسن بن حبيب الحصائري وذلك قُبيل وفاته بثلاثة أشهر (3)! ومن أحمد بن محمَّد بن فَضالة وذلك قبل وفاته بعام (4)، وكان تمام آنذاك في الثامنة من عمره.
ولذا فقد شارك تمامُ والدَه في الرواية عن جماعة من الشيوخ (5)، وكان لذلك أثرٌ واضحٌ في علو أسانيد تمام بالنسبة لأبناء طبقته، فقد تُوفي جماعة من شيوخه وهو لم يجاوز العاشرة بعدُ! وما كان لتمام أن يصلَ إلى ذلك لو أنه نشأ في أسرةٍ لا تعرفُ الرواية ولا تشتغلُ بالحديث.
(1) سير النبلاء (16/ 18).
(2)
انظر على سبيل المثال تاريخ دمشق (2/ ق88/ب، 370/ ب).
(3)
انظر مشايخه (رقم: 41).
(4)
انظر مشايخه (رقم: 31).
(5)
انظر مشايخه: (الأرقام: 18، 20، 55، 99، 126، 133، 137، 141، 151، 154).
ولا نجدُ في المصادر التي ترجمت لتمام ذكراً لشيء عن طفولته وصباه، والمعلومات السابقة قد استخلصتها من دراستي لكتابه الفوائد، ويحسنُ بي أن أُشيرَ -ولو على سبيل الاختصار- إلى طبيعة الظروف السيئة التي مرَّ بها العالم الِإسلامي في تلك الفترة التي عاصرها تمام، فأقول- وبالله التوفيق:
لقد أضحى سلطانُ الخلافةَ العباسية مقتصراً على بغداد، وكان الخليفة أُلعوبةً بيد بني بُويه الذين تولوا زِمام الأمور في العراق منذ سنة (334)، وقد عاصر تمام خمسةً من الخلفاء العباسيين، وظهرت في المائة الرابعة: القرامطة -لعنهم الله- الذين عاثوا في الأرض فساداً، وظهر العُبيديون في المغرب ثم بسطوا نفوذهم على مصر سنة (358)، وكانت حلب والموصل تحت حكم الحمدانيين الذين كانوا في صراعٍ مريرٍ مع الروم.
ونتيجة لذلك فقد تأثرت دمشق -بلدُ تمام- بهذه الصراعات المختلفة، فقد استولى الحسن بن أحمد القرمطي على الشام سنة (357) واستناب على دمشق وشاحاً السُّلمي، لكن العُبيديين بقيادة جعفر بن فلاح استطاعوا احتلال دمشق سنة (358)(1) ولم يدم ذلك طويلاً حيث استخلصها القُرمطي منهم سنة (360)، وتضررت دمشق وأهلها من ذلك أيَّما ضرر، واحتدم الصراعُ بين القرامطة والعُبيديين، وتمكّن ظالم العُقيلي نائب العُبيديين
من استرجاع دمشق سنة (363)، ثم دخلت الصراع قوة ثالثة وهم الترك بقيادة الفتكين التركي -أحدُ قادة العباسيين- الذي استطاع دخول دمشق في سنة (364) ونشر فيها الأمنَ والعدلَ بعد سبع سنين عجاف، ودُعي فيها للخليفة العباسي (الطائع)، لكن تمكن العُبيديون من استرجاع دمشق مرةً أخرى سنة (367). وفي سنة (368) استطاع (قسّام) وجماعة من الأحداث أن يستقلوا
(1) انظر: تاريخ ابن الأثير (7/ 31 - 32)، حيث ذكر بعض الفظائع التي وقعت على يد العبيديين في دمشق.