الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام
102-
أحكام الإسلام ليست نصائح وإرشادات خالية من الثواب والعقاب، إنها ارشادات ونصائح حقًّا، ولكن لها ثواب حسن ينال الملتزم بها، ولها عقاب يصيب المخالف لها، على درجات متفاوتة في العقاب والثواب.
والأصل في أجزية الإسلام وعقوباته أنَّها في الآخرة لا في الدنيا، ولكن مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد على نحوٍ واضحٍ مؤثِّر وضامن لحقوق الناس، كل ذلك دعا إلى أن يكون الجزاء الأخروي جزاء دنيوي، أي: مع العقاب الأخروي عقاب توقعه الدولة في الدنيا على المخالف لأحكام الإسلام.
ونطاق الجزاء في الإسلام واسع وشامل شمول الإسلام لجميع شئون الحياة، ومن ثَمَّ فأجزية الإسلام تتعلق بأمور العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات، فكل مخالفة لهذه الأمور لها جزاؤها في الآخرة، وقد يكون لها جزاء في الدنيا أيضًا.
والجزاء في الدنيا لا يمنع الجزاء في الآخرة على المخالف العاصي، إلّا إذا اقترنت معصيته بالتوبة النصوح، والتوبة النصوح تقوم على الندم على ما اقترفه الإنسان، وعلى العزم الأكيد على عدم العودة إلى هذه المخالفة، وعلى التحلُّل من حقوق الغير إذا كانت معصية تتعلق بهذه الحقوق.
وقد ترتَّب على هذا الجزاء الأخروي خضوع المسلم لأحكام الشريعة خضوعًا
اختياريًّا في السر والعلن خوفًا من عقاب الله، وحتى لو استطاع الإفلات من عقاب الدنيا؛ لأنَّ العقاب الأخروي ينتظره ولا يستطيع الإفلات منه، ولهذا اذا ارتكب المسلم جريمة أو معصية في غفلة من إيمانه، طلب إقامة العقوبة عليه بمحض اختياره، فهذا ماعز اعترف أمام الرسول صلى الله عليه وسلم بجريمة الزنى، وطلب إقامة الحد -العقوبة- عليه، وهكذا تنزجر النفوس عن مخالفة القانون الإسلامي، إمَّا بدافع الاحترام له والحياء من الله تعالى، وإمَّا بدافع الخوف من العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} ، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ، وفي هذا وذاك أعظم ضمان لزجر النفوس عن المخالفة والعصيان.