المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة - أصول الدعوة

[عبد الكريم زيدان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: موضوع الدعوة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الإسلام

- ‌الفصل الثاني: أركان الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: الركن الثاني: شهادة أنَّ محمدًا رسول الله

- ‌المبحث الثالث: الركن الثالث: العمل الصالح

- ‌الفصل الثالث: خصائص الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الخصيصة الأولى: إنه من عند الله

- ‌المبحث الثاني: الخصيصة الثانية: الشمول

- ‌المبحث الثالث: الخصيصة الثالثة: العموم

- ‌المبحث الرابع: الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام

- ‌المبحث الخامس: الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية

- ‌المطلب الأول: المثالية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الواقعية في الإسلام

- ‌الفصل الرابع: أنظمة الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: نظام الأخلاق في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: أساس نظام المجتمع في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: خصائص النظام الإجتماعي في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نظام الإفتاء

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: المستفتي

- ‌المطلب الثاني: المفتي

- ‌المطلب الثالث: الإفتاء

- ‌المطلب الرابع: الفتوى

- ‌المبحث الرابع: نظام الحسبة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: التعريف بالحسبة ومشروعيتها ومكانتها في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: المحتَسِب

- ‌المطلب الثالث: المحتَسَب عليه

- ‌المطلب الرابع: موضوع الحسبة

- ‌المطلب الخامس: الاحتساب

- ‌المبحث الخامس: نظام الحكم

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الخليفة

- ‌المطلب الثاني: الشورى

- ‌المطلب الثالث: الخضوع لسلطان الإسلام

- ‌المطلب الرابع: مقاصد الحكم في الإسلام

- ‌المبحث السادس: النظام الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الفرع الأول: الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثاني: المبادئ العامّة في النظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال

- ‌المبحث السابع: نظام الجهاد

- ‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة

- ‌الفصل الخامس: مقاصد الإسلام

- ‌الباب الثاني: الداعي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: التعريف بالداعي

- ‌الفصل الثاني: عدة الداعي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الفهم الدقيق

- ‌المبحث الثاني: الإيمان العميق

- ‌المبحث الثالث: الاتصال الوثيق

- ‌الفصل الثالث: أخلاق الداعي

- ‌الباب الثالث: المدعو

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثاني: أصناف المدعوين

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الملأ

- ‌المبحث الثاني: جمهور الناس

- ‌المبحث الثالث: المنافقون

- ‌المبحث الرابع: العصاة

- ‌الباب الرابع: أساليب الدعوة ووسائلها

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: مصادر أساليب الدعوة ووسائلها، ومدى الحاجة إليها

- ‌الفصل الثاني: أساليب الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الداء والدواء

- ‌المبحث الثاني: إزالة الشبهات

- ‌المبحث الثالث: الترغيب والترهيب

- ‌المبحث الرابع: التربية والتعليم

- ‌الفصل الثالث: وسائل الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الوسائل الخارجية للدعوة

- ‌المبحث الثاني: وسائل تبليغ الدعوة

- ‌الفهارس:

- ‌الفهرست:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة

الحواجز عن عموم الناس لرؤية الإسلام وشرائعه، فمن شاء آمن، ومن شاء بقي على كفره بشرط الولاء للدولة الإسلامية. وهذا كله من مصلحة المشركين الدنيوية والأخروية، أمَّا الدنيوية فتظهر في تمتعهم بعدل الإسلام والمحافظة على أموالهم وحقوقهم، وأمَّا الأخروية فبتهيئة سبل رؤيتهم الإسلام واحتمال دخولهم فيه عن رضًى واختيار، لا عن جبر وإكراه، وفي هذا سعادتهم وفوزهم في الآخرة.

463-

والخلاصة: فإنَّ المسلم لا ينفَكّ عن الجهاد في سبيل الله أبدًا، فهو في جهاد دائم: يجاهد نفسه ليحملها على الطاعة وعلى بذل المال والنفس في سبيل مرضاة الله تعالى، ويجاهد بلسانه وقلمه ليبيِّنَ معاني الإسلام ويردَّ على افتراءات المبطلين، ويجاهد في جميع أحواله، في الرخاء والشدة، وفي حالة الضعف والقوة، وفي حالة الفقر والغنى، وبهذا قال المفسرون في قوله تعالى:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 1، والأمر بالجهاد وذكر فضائله وثوابه في الكتاب والسنة أكثر من أن يحصر، بل ولم يرد في ثواب الأعمال وفضلها -كما يقول ابن تيمية رحمه الله مثل ما ورد فيه، وتعليل ذلك أنَّ نفع الجهاد عامٌّ لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ويشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة، مثل: محبة الله، والإخلاص له، والصبر، والزهد، وأنَّ القائم به بينَ إحدى الحسنيين دائمًا، إمَّا النصر والظفر، وإمَّا الشهادة والجنة2.

1 سورة التوبة: الآية: 41.

2 مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج8 ص353.

ص: 277

‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة

تمهيد:

646-

في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أحكام كثيرة تبيِّن الأفعال والتروك المحرَّمة التي يعاقب مرتكبها، وهذه الأحكام وما ينبني عليها أو يتفرَّع منها تكوّن ما يمكن تسميته بنظام الجريمة والعقوبة في الإسلام، أو بالقانون الجنائي الإسلامي.

والقانون الجنائي الإسلامي في أصله قانون عالمي؛ لأنه جزء من الشريعة

ص: 277

الإسلامية، وهي بطبيعتها شريعة عالمية لا إقليمية، أراد مشرِّعها -وهو الله جل جلاله تطبيقها على كافَّة الناس في جميع بقاع الأرض، وهم مخاطبون بأحكامها، مطالبون بتنفيذها، ولكن لعدَمِ ولاية دار الإسلام على ما سوى إقليمها فقد تعذَّر تطبيقها في خارج إقليمها، أمَّا في داخل إقليم الإسلام فيجب التطبيق؛ لأنَّ الولاية فيها للمسلمين، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو يوسف:"ولأنَّ الشرائع هو العموم في حق الناس كافَّة، إلّا أنه تعذَّر تننفيذها في دار الحرب؛ لعدم الولاية، وأمكن في دار الإسلام، فلزم التنفيذ فيها"1، وعلى هذا فإنَّ أحكام القانون الجنائي الإسلامي تطبَّق على جميع الجرائم التي تقع في دار الإسلام، بغَضِّ النظر عن جنسية مرتكبها أو ديانته، وهذه هي القاعدة العامة، إلّا أنَّ في بعض جزئياتها اختلافًا قليلًا بين الفقهاء بالنسبة للذمِّيين والمستأمنين، واختلافًا أكثر بالنسبة للمستأمنين1، فمن ذلك أنَّ جمهور الفقهاء استثنوا الذميين والمستأمنين من عقوبة شرب الخمر باعتبار أنهم يعتقدون حلها، وعند الظاهرية تجب عليهم عقوبة شرب الخمر شأنهم في ذلك شأن المسلمين2، وبعد هذا التمهيد نتكلم عن الجريمة أولًا، ثم عن العقوبة ثانيًا، في فرعين متتاليين.

الفرع الأول: الجريمة

تعريف الجريمة:

465-

عرَّف فقهاء الشريعة الإسلامية الجرائم بأنَّها محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحَدٍّ أو تعزير3، ويفهم من هذا التعريف أنَّ الجريمة في الاصطلاح الفقهي يجب أن تتوفَّر فيها الأمور الآتية:

1 بدائع الصنائع للكاساني ج2 ص311.

2 الذميون من رعايا الدولة الإسلامية، يحملون جنسيتها على أساس عقد الذمة وإن كانوا غير مسلمين.

أما المستأمنون فهم غير مسلمين دخلوا دار الإسلام بأذنٍ منها؛ ليقيموا فيها مدةً ويغادروها.

2 الكاساني ج7 ص39، شرح الخرشي ج8 ص108، كشاف القناع ج4 ص55، مغني المحتاج ج4 ص187.

3 الماوردي ص211، أبو يعلى ص271.

ص: 278

أ- أن تكون من المحظورات الشرعية، أي: مِمَّا نهى عنه الشرع الإسلامي نهي تحريم لا نهي كراهة، بدليل وجوب العقاب على مرتكب هذه المحظورات، والعقاب لا يجب إلّا على ترك واجب أو فعل محرَّم، فيكون المقصود من المحظورات الشرعية: ترك واجب أو فعل محرَّم.

ب- أن يكون تحريم الفعل أو الترك من قِبَل الشريعة الإسلامية، فإن كان من غيرها فلا يعتبر المحظور جريمة.

جـ- أن يكون للمحظور عقوبة من قِبَل الشرع الإسلامي، سواء أكانت هذه العقوبة مقدَّرة وهي التي يسميها الفقهاء بـ"الحد"، أو كان تقديرها مفوضًا إلى رأي القاضي، وهي التي يسميها الفقهاء "التعزير"، فإذا خلا الفعل أو الترك من عقوبةٍ لم يكن جريمة.

أساس اعتبار الفعل والترك جريمة:

466-

وأساس اعتبار الفعل أو الترك جريمة هو ما فيه من ضرر محقَّق للفرد وللجماعة، فكان من رحمة الله تعالى بعباده أن بيِّنَ لهم ما يفعلون وما يتركون لحفظ مصالحهم وتحقيق الخير والسعادة لهم في دنياهم وآخرتهم، واستقراء نصوص الشريعة الإسلامية يدل دلالة قاطعة على أنَّ ما حرَّمه الإسلام من فعلٍ وتركٍ وعاقب عليه، يشتمل على أضرار محقَّقة بالفرد والمجتمع، وتظهر هذه الأضرار بالمساس بالدِّين أو بالعقل أو بالنفس أو بالعرض أو بالمال، وما يترتَّب على ذلك من فسادٍ وإخلال في المجتمع.

أنواع الجرائم:

467-

الجرائم على اختلاف أنواعها يجمعها جامع واحد، هو أنَّها محظورات شرعية معاقب عليها، وقد قسَّمَها الفقهاء إلى ثلاثة أنواعٍ بالنظر إلى نوع عقوبتها، وهي: جرائم الحدود، وجرائم القصاص والديات، وجرائم التعزير.

جرائم الحدود:

468-

وهذه الجرائم هي: الزنى، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة

ص: 279

-قطع الطريق، والرِّدَّة، والبغي على خلافٍ فيه1.

والحد في اللغة: المنع، وفي الشرع: عقوبة مقدَّرة وجبت حقًّا لله تعالى2.

وبعض الفقهاء يعرِّف الحدَّ بأنه العقوبة المقدَّرة شرعًا، ولا يقيِّدها بكونها حقًّا لله تعالى، فيسمَّى القصاص بهذا الاعتبار حدًّا أيضًا3.

جرائم القصاص والدِّيَّات:

469-

وهذه هي جرائم القتل، والجروح، وقطع الأطراف، ويسميها الفقهاء بالجنايات على النفس، أو ما دون النفس، وعقوبة هذه الجرائم القصاص إذا توافرت شروطه، أو الدية إذا كانت الجريمة غير عمدية، أو كانت عمدًا ولم تتوافر شروط القصاص الأخرى، وقد تجب الكفَّارة أيضًا في جرائم القتل. والقصاص معناه: أن يُفْعَل بالجاني مثل فِعْلِه بالمجني عليه، فيُقْتَل أو يُقطَع طرفه، وأما الدية: فهي المال الواجب في الجناية على النفس أو على ما دون النفس بشروطها المقرَّرة في الفقه الإسلامي، ولولي القتيل أن يعفو عن القصاص، كما له أن يعفو عن الدية؛ لأنها حقه.

وفي جرائم الجراح ونحوها يجوز للمجني عليه أن يعفو عن الجاني، وأما الكفَّارة: فهي عقوبة فيها معنى العبادة، وتكون بعتق رقبة مؤمنة أو بالصيام.

جرائم التعزير:

470-

التعزير لغة: التأديب، وشرعًا: تأديبٌ على معاصٍ لم تشرَّع فيها عقوبات مقدَّرة4، وجرائم التعزير هي المحظورات الشرعية التي ليس لها عقوبة مقدَّرة من الشرع الإسلامي، مثل: الخلوة بأجنبية، وأكل الربا، وخيانة الأمانة، ونحو ذلك5، والإمام أو نائبه هو الذي يقدِّر عقوبة التعزير، وهو في تقديره عقوبة

1 الكاساني في بدائعه، وابن عابدين في حاشيته لم يذكر البغي مع جرائم الحدود، "الكاساني ج7 ص33، وحاشية ابن عابدين ج3 ص193.

2 الهداية ج4 ص112، الكاساني ج2 ص56.

3 فتح القدير ج4 ص113، الماوردي ص213-215.

4 الماوردي ص227، تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي ج2 ص258.

6 السياسة الشرعية لابن تيمية ص119، 120، رد المحتار لابن عابدين ج3 ص251.

ص: 280

التعزير لا يصدر عن الهوى، وإنما يلاحظ جسامة الجريمة وظروفها ومقدار ضررها، وحال الجاني من كوْنه من ذوي المروءات، أو من ذوي السوابق والإجرام، وما يتمّ به انزجار الجاني وعدم عودته إلى مثل فعله في المستقبل1، ويجب التعزير على كل بالغ عاقلٍ إذا ارتكب شيئًا من جرائم التعزير، سواء كان ذكرًا أو أنثى، مسلمًا كان أو كافرًا، أمَّا الصبي العاقل فيعزَّر تأديبًا لا عقوبة2.

الفرع الثاني: العقوبة

تمهيد:

471-

قلنا: إن الجزاء في الشريعة الإسلامية أخروي ودنيوي3، وإنَّ الأصل في الجزاء في الشريعة هو جزاء الآخرة، ولكنَّ مقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع وتنظيم علاقات الأفراد على نحوٍ واضحٍ، وضمان حقوقهم، كلّ ذلك دعا إلى أن يكون مع الجزاء الأخروي جزاء دنيوي، وهذا الجزاء هو العقوبة التي توقعها الدولة على من يرتكب محرَّمًا أو يترك واجبًا، أي: يرتكب جريمة، وبهذا العقاب تنزجر النفوس التي لم ينفعها الوعظ والتذكير، والحقيقة أنَّ الشريعة الإسلامية تعنى بإصلاح الفرد إصلاحًا جذريًّا عن طريق تربيته على معاني العقيدة الإسلامية، ومنها: مراقبته لله وخوفه منه، وأداء ما افترضه عليه من ضروب العبادات، وهذا كله سيجعل نفسه مطاوعة لفعل الخير، كارهة لفعل الشر، بعيدةً عن ارتكاب الجرائم، وفي هذا كله أكبر زاجر للنفوس، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ الشريعة تهتم بطهارة المجتمع وإزالة مفاسده، ولهذا ألزمت أفراده بإزالة المنكر، ولا شكَّ أن المجتمع الطاهر العفيف سيساعد كثيرًا على منع الإجرام وقمع المجرمين، وسيقوّي جوانب الخير في النفوس، ويسد منافذ الشر التي تطلّ منها النفوس الضعيفة، وفي هذا ضمان أيضًا لتقوية النفوس وإعطائها مناعةً ضد الإجرام.

1 تبصرة الحكام ج2 ص264، السياسة الشرعية لابن تيمية ص120.

2 الدر المختار ورد المحتار ج3 ص260.

3 انظر الفقرة 102 من هذا الكتاب.

ص: 281

ولكن مع هذا كله فقد تسوّل للبعض نفوسهم ارتكاب الجرائم، فكان لا بُدَّ من عقوبةٍ عاجلة توقعها الدولة الإسلامية عليهم زجرًا لهم من العودة إليها، وردعًا للآخرين الذين قد تسوّل لهم أنفسهم ارتكاب الجريمة، وفي هذا استقرار للمجتمع وإشاعة للطمأنينة فيه، كما أنَّ في إنزال العقاب بالمجرمين مصلحة لهم كما سنبيِّن.

هذا وإنَّ العقاب الدنيوي للمجرِم لا يمنع العقاب الأخروي ما لم يقترن به التوبة النصوح، قال تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1، ومن تمام التوبة النصوح التحلُّل من حقِّ الغير إن كان إجرامه مسَّ هذا الحق، ويؤيد ما قلنا أيضًا الحديث الشريف:"إن السارق إذا تاب سبقته يده إلى الجنة، وإن لم يتب سبقته يده إلى النار" 2، فهذا السارق الذي قطعت يده تسبقه يده المقطوعة إلى الجنة إن تاب، وإلّا سبقته إلى النار.

تشريع العقاب من رحمة الله بعباده:

472-

وتشريع العقاب الدنيوي في الشريعة الإسلامية من مظاهر رحمة الله بعباده؛ لأنه يزجر الإنسان عن ارتكاب الجريمة، فيتخلَّص من الإثم، وإذا وقع في الجريمة فإنَّ العقوبة في حقِّه بمنزلة الكيِّ بالنسبة للمريض المحتاج إليه، وبمنزلة قطع العضو المتآكل، فإنَّ بهذا القطع وذلك الكي مصلحة له وإبقاء لحياته، وإيقافًا للمرض من السراية وإهلاك الجسم كله، كما أنَّ في هذا العقاب للمجرم مصلحة مؤكَّدة للمجتمع، كما أشرنا من قبل؛ لما يترتَّب عليه من اطمئنان الناس على حياتهم وأموالهم وإخافة للمجرمين، وهذه المصلحة العامة يهون معها الضرر الذي يصيب المجرم بسبب ما جنت يداه.

الحزم في إقامة العقوبات الشرعية:

473-

والعقوبات الشرعية واجبة التطبيق والتنفيد، لا يسع ولي الأمر التهاون

1 سورة المائدة، الآية:33.

2 مجموع فتاوى ابن تيمية ج28 ص299.

ص: 282

فيها أو تعطيلها؛ لأنَّها من شرع الله، وأنَّ تعطيلها يؤدي إلى سخط الله تعالى، كما يؤدي إلى فساد المجتمع واضطراب أحواله وسوء أوضاعه؛ لأن تعطيل حدود الله من المعاصي الكبيرة القبيحة، وظهور المعاصي من أسباب نقص الرزق، والخوف من العدو وضنك العيش، فإذا اقيمت الحدود الشرعية ظهرت طاعة الله ونقصت معصيته، وحصل الخير والنصر، فينبغي أن يكون ولاة الأمور أشدَّاء في إقامة حدود الله، لا تأخذهم رأفة في دِين الله، وأن يكون قصدهم من إقامتها رحمة الخلق بكفِّ الناس عن المنكرات، لا إشفاءً لغيظِ نفوسهم، ولا إرادة العلوِّ والفساد، فيكون أحدهم بمنزلة الوالد إذا أدَّب ولده، يؤدّبه رحمة به وإصلاحًا لحاله، مع أنَّه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى التأديب، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه.

المساواة في إقامة العقوبات الشرعية وحرمة تعطيلها:

574-

والعقوبات الشرعية تُقَام على جميع من قامت فيهم أسبابها وشروطها، لا فرق بين شريف ووضيع، وقويّ وضعيف، فإنَّ المحاباة في إنزال العقوبات الشرعية سبب لهلاك الأمَّة، جاء في الحديث الشريف أنَّ امرأة من بني مخزوم سرقت، فأهمَّ قومُها أمرَهَا، فكلَّموا فيها أسامة بن زيد ليكَلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها، فلمَّا فعل ذلك غضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" 1، والواقع أنَّ المساواة بين الرعية في إقامة العقوبات خير رادعٍ للأقوياء الذين قد تسوّل لهم قوتهم الإجرام؛ لما يظنُّونَه من محاباة لهم بسبب قوتهم وعدم معاقبتهم؛ لأنهم إذا رأوا هذه المساوة الصارمة في العقاب خنسوا ولم تعد توسوس لهم أنفسهم بهذا الوسواس الباطل؛ لأن قوتهم -وقد رأوا حزم الدولة في معاقبتهم- لا تخلِّصُهم من العقاب؛ لأنَّ قوة الدولة أكبر من قوتهم، كما أنَّ الضعيف سيطمئنُّ؛ لأنَّ الدولة معه، فهو أقوى من أيّ فرد قوي، فلا يخشى اعتداءه.

ولمَّا كان المطلوب من ولي الأمر المسلم الحزم في إنزال العقاب والمساوة بين الرعية

1 تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول ج2 ص14.

ص: 283

فيه، فلا يجوز لأحد أن يشفع لمجرم لإسقاط العقاب عنه، جاء في الحديث الشريف:"من حالت شفاعته دون حَدٍّ من حدود الله فقد ضادَّ الله في أمره"، وهذه هي الشفاعة السيئة، وقد قال الله تعالى:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} 1، ولا شكَّ أنَّ من يشفع لإسقاط الحدِّ الشرعي عن المجرم يشفع شفاعة سيئة، وكما لا تجوز الشفاعة السيئة لإسقاط الحدود الشرعية، لا يجوز لولي الأمر أن يأخذ من المجرم مالًا لتعطيل الحدِّ الشرعي، سواء كان هذا المال لبيت المال أو لغيره؛ لأنه مال خبيث وسحت.

ابتناء العقوبات الشرعية على العدل والردع:

475-

وجميع العقوبات الشرعية بنيت على أساسين كبيرين: الأول: العدل، والثاني: الردع، ويظهر الأساس الأول -العدل- في أنَّ العقوبة بقدر الجريمة، قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 2، فليس فيها زيادة على ما يستحقه المجرم، وإن ظنَّ بعض الجهلاء هذه الزيادة كما سنبينه بعد قليل، ويظهر الأساس الثاني -الردع- في مقدار الألم الذي تُحْدِثُه العقوبة في المجرم، وما يسببه له من فقدان حريته، أو بعض أعضائه، ولا شكَّ أن فقد هذه الأشياء يؤلمه ويخيفه، فيمتنع من الإجرام بدافعٍ من حب الذات، والخوف من المؤذي المؤلم إذا ما سوَّلت له نفسه الإجرام، وزيِّنَ له الشيطان مخالفة حدود الإسلام.

أنواع العقوبة:

476-

العقوبات في الشريعة الإسلامية أربعة أنواع: الحدود، والقصاص، والدِّيَّات، والتعزير، وكنَّا قد أشرنا إليها من قبل عند كلامنا على تقسيم الجرائم، فلا بُدَّ من الكلام بإيجاز شديد عن كل عقوبة من هذه العقوبات؛ من حيث دليل مشروعيتها ومقدارها.

1 سورة النساء، الآية:85.

2 سورة الشورى، الآية:40.

ص: 284

أ- الحدود:

477-

وهي العقوبات المقدَّرَة لجرائم الحدود، وقد وجبت كما قال الفقهاء حقًّا لله تعالى؛ لأنَّ نفعها للعامَّة لا اختصاص لأحدٍ بها، وما كان نفعه عامًّا يعتبر من حقِّ الله، ولهذا نُسِبَ إلى ربِّ الناس جميعًا لعظيم خطره وشمول نفعه1؛ ولأنَّ هذه النسبة تشعر بلزوم العناية والاهتمام به وعدم التفريط فيه، ولهذا لا يجوز إسقاط هذه العقوبات "الحدود" بعد ثبوت جرائمها أمام القضاء، حتى ولو رضي المجني عليه بهذا الإسقاط؛ لتعلق حق الله بهذه العقوبات.

وجرائم الحدود التي ثبت فيها هذا النوع من العقوبات هي: الزنى، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة، والردة، والبغي.

478-

أولًا: عقوبة الزنا

وهو كلّ وطء وقع على غير نكاح، ولا شبهة نكاح، ولا ملك يمين2، وعقوبته الجلد أو الرجم، والتغريب.

أمَّا الجلد فالأصل فيه قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 3، وجاءت السنة النبوية مقرِّرةً الجلد، من ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بجلد رجل أقرَّ بزناه مائة جلدة، وكان بكرًا 4، ولا خلاف بين الفقهاء في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصَنًا.

أمَّا الرجم: فقد ثبت بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه الصحابة والمسلمون، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلّا الخوارج5، والرجم معناه: رجم الزاني بالحجارة، أو ما يقوم مقامها حتى الموت، ولا يجب الرجم إلّا على المحصن بإجماع العلماء، ومن شروط

1 التلويح على التوضيح ج2 ص151.

2 بداية المجتهد ج2 ص262.

3 سورة النور، الآية:2.

4 تيسير الوصول ج2 ص7.

5 بداية المجتهد ج2 ص363، والمغني ج8 ص157، المبسوط ج9 ص36.

ص: 285

الإحصان أن يكون الزاني قد وطئ وطأً كاملًا في نكاحٍ تام.

أمَّا التغريب فمعناه: نفي الزاني عن البلد الذي زنى فيه إلى بلد غيره، وقد اختلف العلماء في وجوبه مع الجلد، فعند الحنفية: لا تغريب مع الجلد إلّا إذا رأى الإمام المصلحة فيه، فيكون تعزيرًا لا حدًّا، وهذا مذهب الزيدية أيضًا، وعند الحنابلة والشافعية: لا بُدَّ من تغريب الزاني غير المحصن لمدَّة سنة مع جلده، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وقال مالك: يغرَّب الرجل ولا تغرَّب المرأة، وبه قال الإمام الأوزاعي1.

479-

واللواط يدخل في مفهوم الزنى عند الجمهور؛ كالمالكية والشافعية والحنابلة، وأبي يوسف ومحمد صاحبيْ أبي حنيفة، فيكون عقابه عقاب الزنى2.

ويقول الإمام ابن تيمية: "والصحيح الذي اتفقت عليه الصحابة أن يقتل الاثنان الأعلى والأسفل -أي: الفاعل والمفعول به، سواء كانا محصنين أو غير محصنين، فإنَّ أهل السنن رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" 3.

480-

ثانيًا: عقوبة القذف

القذف شرعًا الاتهام بالزنى، أي: نسبة الشخص إلى الزنى بشروط معينة، كأن يقال: يا زاني، أو يا زانية، وعقوبته الجلد ثمانون جلدة، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور4] ، والنصّ وإن ورد في المحصنات لكنَّ الحكم يثبت في المحصنين أيضًا، وعليه اجتمع الفقهاء4، ويشترط لوجوب عقوبة القذف شروط، منها: أن يكون القاذف بالغًا عاقلًا، وأن يكون المقذوف محصنًا، رجلًا كان أو امرأة، وشرائط الإحصان هي: العقل، والبلوغ، والحرية، والعفَّة عن الزنى، والإسلام، وهذا عند جمهور الفقهاء، وعند الظاهرية ليس الإسلام

1 شرح الكنز للزيلعي ج3 ص173، 174، والمبسوط ج9 ص44، 45، المغني ج8 ص167، 168، بداية المجتهد ج2 ص364، 365.

2 الكاساني ج7 ص34، الشرح الصغير للدردير ج2 ص390-393، كشاف القناع ج4.

3 مجموع فتاوى ابن تيمية ج28 ص337، 335.

4 تفسير القرطبي ج12 ص172.

ص: 286

شرطًا للإحصان، فمن قذف ذميِّة بالزنى وجب عليه الحدّ كما لو قذف مسلمة، وحجتهم قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} ، وهذا عموم يدخل فيه الكافرة والمسلمة1.

481-

وإذا قذف الزوج زوجته بالزنى، وعجز عن إثبات قذفه، وجب عليه اللعان، وإذا أثبت قذفه بالبينة وجب على زوجته حدّ الزنى، والأصل في اللعان قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} 2.

إذا نكل الزوج القاذف ولم يلاعن حُدَّ في قول الجمهور حدَّ القذف، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يُحَدّ ويحبسه الحاكم حتى يلاعن أو يذُبَّ نفسه فيحد حدَّ القذف، وإن نكلت الزوجة وجب الحدّ عليها في قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: تحبس حتى تلاعن، وعند الحنابلة: إذا نكلت الزوجة لم تحدّ، وفي حبسها حتى تلاعن أو تقرّ روايتان3.

482-

ثالثًا: عقوبة الخمر

وحد الشرب ثابت بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه ضرَبَ في شرب لخمر بالجريد والنِّعَال أربعين، وضرب أبو بكر رضي الله عنه أربعين، وضرب عمر في خلافته ثمانين. وكان علي رضي الله عنه يضرب مرَّة أربعين، ومرَّة ثمانين، فمن العلماء من يقول: يجب ضرب الثمانين، ومنهم من يقول: الواجب أربعون، والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة إذا أدمن الناس الخمر، أو كان الشارب ممن لا يرتَدِع بدونها، ونحو ذلك، فأمَّا مع قلة الشاربين وعدم اعتيادها من الشارب، فتكفي الأربعون3، والخمر التي حرمها الله ورسوله، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم

1 بداية المجتهد ج2 ص368، المغني ج8 ص216، الماوردي ص221، المحلَّى ج11 ص268.

2 سورة النور، الآيات: 6- 9.

3 بداية المجتهد ج2 ص99، الهداية وفتح القدير ج3 ص250، 251، أبو يعلى الحنبلي ص256.

4 مجموع فتاوى ابن تيمية ج28 ص336، 337.

ص: 287

بجلد شاربها، كل شراب مسكر من أيِّ أصل كان، سواء كان من الثمار أو الحبوب أو غيرها، وكذلك الحشيشة يُُجْلَد صاحبها كما يُجْلَد شارب الخمر؛ لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كل مسكر حرام"، وفي حديث آخر:"كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"، وفي رواية أخرى:"كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، وفي حديث آخر:"ما أسكر كثيره فقليله حرام"1.

وتحريم الخمر ثابت في القرآن كما هو ثابت بالسُّنَّة النبوية، قال تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 2.

483-

رابعًا: عقوبة السرقة

السرقة اعتداءٌ على مالِ الغير بأخذه خِفْيَة ظلمًا بشروط معينة، منها: أن يكون محرَّزًا، ولا تقل قيمته عن ربع دينار، وعقوبتها قطع اليد، قال تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 3، ومن صور الاعتداء على مال الغير التي لا تعتبر سرقة بالمعنى الاصطلاحي الفقهي، وبالتالي لا يجب فيها قطع اليد، وإنما يجب فيه التعزير، خيانة الأمانة؛ كجحد الوديعة العارية وغيرها من الأمانات، وغصب المال وانتهابه، وخطفه من يد صاحبه.

484-

خامسًا: عقوبة قطع الطريق

جريمة قطع الطريق أو الحرابة عند الفقهاء: الخروج على المارَّة لأخذ المال منهم مجاهرة بالقوة والقهر، مِمَّا يؤدي إلى امتناع الناس عن المرور وانقطاع الطريق، سواء ارتكب هذه الجريمة فرد أو جماعة، بسلاحٍ أو غيره، ويسمَّى مرتكب هذه الجريمة بالمحارب4.

1 المرجع السابق ص340- 342.

2 سورة المائدة، الآية:90.

3 سورة المائدة، الآية: 38، الكاساني ج7 ص91-92، شرح الخرشي ج8 ص104.

4 السياسة الشرعية لابن تيمية ص82، 83، المغني ج8 ص288، فتح القدير ج7 ص268 وما بعدها، بداية المجتهد ج2 ص380، الكاساني ج7 ص93، ومعنى يصلَّبوا: أي يربطوا على خشبة ليشتهر أمرهم ويعرفهم الناس، وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أي: تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، والمراد بالنفي هنا حبس الجاني في غير بلده.

ص: 288

والأصل عن عقوبتها قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} 1.

وعقوبة قاطع الطريق أن يُقْتَل أو يُصْلَب إذا قتل وأخذ المال. ويقتل بلا صلب إذا قتل ولم يأخذ مالًا، وتقطع يده ورجله من خلاف إذا أخذ المال ولم يقتل، وينفى من الأرض إذا أخاف السبيل فقط، فلم يقتل ولم يأخذ مالًا، وعند المالكية: يقتل قاطع الطريق وجوبًا إذا قتل المجني عليه، وإن لم يقتله ولكن أخذ ماله فقط فإنَّ الإمام مخيِّر فيه بين القتل والصلب والقطع من خلاف، وإذا أخاف السبيل فقط فالإمام مخَيِّر فيه بين القتل والصلب من خلافٍ والنفي2.

485-

سادسًا: عقوبة المرتد

المرتد لغة: الراجع مطلقًا، وشرعًا: الراجع عن دين الإسلام، والرِّدَّة تكون بالألفاظ أو الأفعال أو الاعتقادات، فتكون بالفظ بأن يتكلَّم المسلم بكلمة الكفر كسبِّ الله ورسوله، وبالأفعال بأن يأتي المسلم عملًا يدل على استخفافه بالدين الإسلامي كالصلاة بلا وضوء عمدًا على وجه الاستخفاف بالدِّين، وكإلقاء القرآن الكريم في قذر عمدًا، وبالاعتقادات بأن يعتقد المسلم أمورًا باطلة مناقضة لما عرف من الإسلام بالضرورة، مثل: إنكار وجود الله، أو يوم القيامة، أو الملائكة أو الجنِّ، أو يعتقد قدم العالم، أو كذب الرسول صلى الله عليه وسلم أو حلَّ الزنى، أو يعتقد أن القرآن ليس من عند الله، أو أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ليس خاتم الأنبياء والرسل ونحو ذلك، ويشترط لوقوع الردة أن يكون المرتدُّ عاقلًا مختارًا، فلا تعتبر ردة المجنون ولا الصبي الذي لا يعقل ولا السكران الذي زال عقله بالسكر ولا المكره إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان.

1 سورة المائدة، الآية: 33، 34.

2 نفس مصادر رقم 279.

ص: 289

وليست الذكورة شرطًا لوقوع الردة، وكذا البلوغ عند الحنيفة خلافًا لغيرهم الذين يرون البلوغ شرطًا لها1.

وعقوبة المرتدّ القتل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدَّل دينه فاقتلوه"، وهذا الحكم يشمل المرتد والمرتدة عند الجمهور، وقال الحنفية: المرتدة لا تقتل وإنَّما تُحْبَس حتى تتوب. أما إمهال المرتد قبل قتله فقد قال الجمهور بوجوب إمهاله، ويعرض الإسلام عليه لعلَّه يرجع عن ردَّته، فإن أبى قُتِل، وقال الحنفية: الإمهال ليس واجبًا بل مستحبًّا2.

486-

سابعًا: عقوبة البغي

جريمة البغي هي خروج جماعة ذات قوة وشوكة على الإمام بتأويل سائغ يريدون خلعه بالقوة والعنف، ويسميهم الفقهاء: البغاة، والأصل في هذه الجريمة وعقوبتها قول الله جل جلاله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} 3.

وعقوبة البغاة قتالهم إذا أظهروا العصيان للإمام، وامتنعوا عن أداء ما عليهم من حقوق، وجاهروا بذلك، وتهيئوا للقتال، سواء نصبوا عليهم إمامًا ولم ينصبوا، ولا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم الإمام من يسألهم ويكشف لهم الصواب، ويدفع ما يحتجونه به، وينذرهم ويخوفهم نتيجة بغيهم، وهذا هو ما فعله سيدنا علي رضي الله عنه مع الخوارج، فقد أرسل إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يدعوعهم إلى الطاعة والرجوع إلى الجماعة، فإذا أبوا قاتلهم. هذا ويجوز قتالهم وإن لم يبدءوا بالقتال فعلًا، إذا ترجَّح للإمام أنهم يماطلون ويسوّفون ويريدون كسب الوقت وتجميع الأنصار استعدادًا للقتال، وقد يكون في هذه الحالة من الحزم معاجلتهم قبل أن يستفحل شرّهم وتقوى شوكتهم فيصعب القضاء عليهم، فإذا رجع البغاة إلى الطاعة ولزوم

1 بدائع الصنائع للكاساني ج7 ص134، ورد المحتاج ج3 ص392- 394، الفتاوى الهندية ج2 ص253، المغني ج8 ص123، شرح الخرشي في فقه المالكية ج8 ص62، شرح الأزهار في فقه الزيدية ج4 ص576.

2 الفتاوى الهندية ج2 ص257، المغني ج8 ص123-125.

3 سورة الحجرات، الآية 9.

ص: 290

الجماعة لم يجز قتالهم؛ لأنَّ المقصود حصل وهو رجوعهم إلى طاعة الإمام. هذا ولا شيء على من قاتلهم من إثم أو ضمان أو كفارة؛ لأنَّ الله تعالى أحلَّ قتالهم، وكذلك لا ضمان في إتلاف أموالهم، وكذلك ليس على أهل البغي ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس أو مال، وبهذا قال الحنابلة والحنفية والشافعي في أحد قوليه، والحجة لهذا القول: السوابق القديمة المحفوظة عن الصحابة الكرام، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، ولأن للبغاة سائغًا، وفي تضمينهم تنفير لهم عن الرجوع إلى الطَّاعة ولزوم الجماعة، فلا يجوز1.

ب- القصاص والديات

487-

والنَّوْع الثاني من أنواع العقوبة في الشريعة الإسلامية: القصاص والديات، وتجب هذه العقوبة في جرائم الاعتداء على النَّفس أو على ما دون النفس، أي: في جرائم القتل والجروح وقطع الأطراف والأعضاء، وقد تجب الكفَّارة أيضًا في جرائم القتل، ونتكلم عن هذه العقوبات بإيجازٍ فيما يلي:

القصاص في جريمة القتل: قتل الجاني، وهو حقٌّ لأولياء القتيل، وهم جميع الورثة من ذوي الأنساب والأسباب عند أكثر الفقهاء، والأصل في وجوب القصاص في النفس قوله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} 2 ولوجوب القصاص شروط، منها: أن يكون القتل عمدًا عدوانًا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمد قَوْد"، وأن يكون القتيل معصوم الدم، أي: غير مباح الدم، وأن يكون مكافئًا للقاتل، بمعنى: أنَّ القاتل لا يزيد عليه بحرية أو إسلام، وهذا الشرط عند جمهور الفقهاء خلافًا للحنفية3.

1 أبو يعلى الحنبلي ص38، 396 الماوردي ص55، 56 الكاساني ج7 ص113، 140 الهداية وفتح القدير ج4 ص411، المغني ج108-114، كشاف القنا ج4 جـ4 ص99، مغني المحتاج ج4 ص128، المهذب للشيرازي ج2 ص437، شرح الأزهار ج4 ص570، سورة البقرة، الآية:178.

3 المغني ج7 ص4643، وما بعدها، الكاساني ج7 ص323، وما بعدها، الماوردي ص222، وما بعدها، بداية المجتهد ج2 ص332، شرح الخرشي ج8 ص4، مغني المحتاج ج4 ص16، شرح فتج القدير ج8 ص254.

ص: 291

أمَّا القصاص في جرائم الاعتداء على ما دون النفس، فالأصل فيه قوله تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ} 1 وجاءت السنة النبوية أيضًا بوجوب القصاص فيما دون النفس، كما في قصة الربيعة بنت النضر التي كسرت ثنية جارية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتصاص منها.

وشروط القصاص فيما دون النفس هي شروط القصاص في النفس، مع وجوب توفُّر شرطين آخرين هما: أولًا: المماثلة بين محل الجريمة وبين ما يقابلها في الجاني المراد الاقتصاص منه في هذا المحل. الثاني: أن يكون المثل ممكن الاستيقاء1.

488-

الديِّة:

الدية في الشرع في باب القتل: اسم للمال الذي يدفع لأهل القتيل من قِبَل من يجب عليه هذا المال، ويختلف مقدارها باختلاف المال الذي تجب فيه، فهي عند الحنفية: إذا كان القتيل ذكرًا مسلمًا من الإبل مائة، ومن الذهب ألف دينار، ومن الفضة عشرة آلاف درهم، ومن الحلل مائتا حلة، كل ثوبان إزار ورداء، ومن البقر مائتا بقرة، ومن الغنم ألف شاة، ودية الأنثى على النصف من دية الذكر، ودية الجنين عشرة دية أمه.

وتجب الدية في القتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني، وهم العصبة النسبية، أي: أقارب القتيل الذكور من جهة الأب، وأضاف إليهم الحنابلة العصبة السببية المتأتية من ولاء العتاقة، وعند الحنفية: عاقلة الرجل أهل ديوانه من المقاتلة، فإن لم يكن فقبيلته.

وتدفع الدية أقساطًا في ثلاث سنوات، ويؤدِّي كل رجل من العاقلة من الدية المقدار الذي يطيقه، وتجب الدية أيضًا في القتل العمد إذا اختارها أولياء القتيل على رأي من يقول: إنهم يخيرون بين القصاص وبين الدية، وتكون في هذه الحالة في مال الجاني فقط3.

1 سورة المائدة، الآية:45.

2 المغني ج7 ص702-707، تفسير القرطبي ج6 ص161 وما بعدها، الدر المختار ج5 ص485، الكاساني ج78 ص297.

3 الدر المختار ورد المحتار ج5 ص405-517، الكاساني ج7 ص251-257، المغني ج7 ص759 وما بعدها، بداية المجتهد ج2 ص345، المحلَّى لابن حزم ج11 ص58، مختصر المزني ج5 ص141، مغني المحتاج ج4 ص552، شرح الأزهار ج4 ص4698.

1 المغني ج7 ص651، وج8 96، 97، الدر المختار ج5 ص468.

ص: 292

489-

الكفَّارة:

وهي عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين عند عدم القدرة على العتق.

وتجب الكفَّارة في القتل الخطأ بلا خلاف بين العلماء، وتجب أيضًا في القتل شبه العمد عند كثير من الفقهاء كالحنفية والشافعية والحنابلة. أمَّا في القتل العمد فقد قال بوجوبها الشافعية والزيدية، ولم يقل بوجوبها الحنفية والظاهرية على المشهور في مذهبهم1.

جـ- التعزير:

490-

وثالث أنواع العقوبات التعزير، وقد عرفناه من قبل، وقلنا: إنه يجب في كل معصية -ترك واجب أو فعل محرَّم- لم يرد في الشرع تقدير لعقوبتها، مثل: تقبيل الصبي الأمرد، أو أكل ما لا يحل كالدم والميتة، أو قذف الناس بغير الزنى، أو السرقة من غير حرز، أو سرقة ما لا يبلغ نصاب حد السرقة، أو خيانة الأمانة كالوكلاء والشركاء إذا خانوا، أو الغش في المعاملة، أو التطفيف في المكيال والميزان، أو شهادة الزور، أو الرشوة، أو التعزِّي بعزاء الجاهلية، أو غير ذلك من أنواع المحرَّمات. فمرتكبها يعاقب تعزيرًا بقدر ما يراه ذوو الشأن، مثل: ولي الأمر أو القاضي على حسب كثرة هذه المحرمات في الناس أو قلتها، فإذا كانت المعصية كثيرة الوقوع في الناس زاد في العقوبة بخلاف ما إذا كانت قليلة، وعلى حسب حال الجاني، فإذا كان من ذوي السوابق والفجور زاد في عقوبته، بخلاف المقلّ من ذلك. وعلى حسب كِبَر الجرم وصغره، فيعاقب من يتعرَّض لنساء الناس وأولادهم، ويتكرَّر ذلك منه، بما لا يعاقب به من لم يتعرَّض إلا لامرأة واحدة أو لصبي واحد.

أنواع التعزير:

491-

التعزير يكون بكل ما فيه إيلام، من قول وفعل، وترك قول، وترك

1 المغني ج7 ص651، ج8 ص96-97، الدر المختار ج5 ص467-468، الكاساني ج7 ص251، المحلى ج10 ص514، البحر الزخار ج5 ص 222، متن المنهاج ومغني المحتاج ج4 ص107.

ص: 293

فعل، فقد يعزَّر الشخص بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له، وقد يعزَّر بهجره وترك السلام عليه حتى يتوب أو يقلع عن معصيته، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه {الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} ، وقد يعزَّر بعزله عن ولايته، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعزِّرون بذلك، وقد يكون التعزير بالنفي عن الوطن أو بالحبس، أو بالضرب، وقد يعزَّر بتسويد وجهه. وقد يكون بالعقوبات المالية كما دلَّت على ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أمر عليه الصلاة والسلام بكسر دنان الخمر وشق ظروفه، وأمره لهم يوم خيبر بإكفاء القدور التي طبخت فيها لحوم الحمر، وإتلاف هذا اللحم، ومثل هدمه لمسجد الضرار.

وكذلك فعل عمر وعليِّ رضي الله عنهما، فقد أمرا بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، مثل أخذ شطر مال مانع الزكاة، ومثل إراقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اللبن المشوب بالماء المعَدِّ للبيع، وأخيرًا قد يكون التعزير بالقتل مثل قتل الجاسوس المسلم إذا تجسَّس للعدو على المسلمين، وهذا مذهب الإمام مالك وبعض الحنابلة1.

أكثر التعزير:

492-

اختلف العلماء في أكثر التعزير على أقوال، الأوَّل: عشر أسواط، الثاني: دون أقلِّ الحدود، إما تسعة وثلاثون سوطًا، وإما تسعة وسبعون سوطًا، الثالث: إنَّه لا يقدر بذلك، ولكن إن كان التعزير فيما من جنسه مقدَّر لم يبلغ به ذلك المقدر، وإن زاد على حد جنس آخر مثل التعزير على سرقة دون النصاب لا يبلغ به قطع اليد، وأن ضرب السارق أكثر من حد القذف، والتعزير على فعل دون الزنى لا يبلغ حد الزنى، وإن جاز ضربه كثر من حد القذف، وهذا القول كما يقول ابن تيمية: أعدل الأقوال وعليه دلت سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم2.

493-

وهل يجوز التعزير بالقتل؟ ذهب الإمام مالك إلى الجواز، ووافقه عليه طائفة من أصحاب أحمد بن حنبل والشافعي على ذلك من حيث الجملة، وإن اختلفوا في بعض الجزئيات، فعندهم يجوز قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة، أمَّا

1 مجموع فتاوى ابن تيمية ج28 ص107، 108، 344، 345.

2 مجموع فتاوى ابن تيمية ج28 ص108.

ص: 294

قتل الجاسوس المسلم الذي أجازه مالك وبعض الحنابلة فقد منعه الشافعي. وأبو حنيفة -رحمه الله تعالى- يجوّز التعزير بالقتل في مواضع، منها: فيما تكرَّر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل، كما يقتل من تكرَّر منه اللواط أو اغتيال النفوس لأخذ المال.

ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بقتله جاز قتله، مثل المفرق لجماعة المسلمين، ويدل على هذا ما جاء في الحديث الشريف:"من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتلوه"، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمّن لم ينته عن شرب الخمر، فقال:"من لم ينته عنها فاقتلوه"، وهذا أيضًا يدل على جواز التعزير بالقتل1.

اعتراضات ودفعها:

494-

اعترض أو يعترض البعض على نظام الجريمة والعقوبة في الشريعة الإسلامية باعتراضات يظنها مقبولة، ويخلص منها إلى أنَّ العقوبات الشرعية لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر، أو لا يمكن تطبيق أكثر عقوبات الحدود على الأقل.

ويقوم هذا الاعتراض على أن عقوبات الحدود تتضمَّن إهدار آدمية الشخص بجلده في الزنى والقذف وشرب الخمر، والتدخل في الحرية الشخصية كما في الزنى وشرب الخمر، وقطع الأعضاء في عقوبة السرقة وقطع الطريق، والرجم في الزنى بالنسبة للمحصن، والتدخل في حرية العقيدة، وقتل المخالف كما في عقوبة الرِّدَّة، وإعطاء حق العقاب للفرد لا للمجتمع في عقوبة القصاص، وتحميل أقارب الجاني أو إشراكهم في دفع الدية خلافًا لمبدأ شخصية العقاب، وعدم مسئولية الإنسان عن جرم غيره.

والواقع أنَّ هذه الاعتراضات واهية، وما قامت عليه أوهى منها، وإن اغترَّ بها أصحابها وحسبوها حججًا وأدلة دامغة تبرر الاعتراضات بشيء من التوضيح والتفصيل.

495-

قولهم: إنَّ الجلد فيه إهدار لآدمية الشخص مردود؛ لأن الجاني هو

1 المرجع السابق ص345-347.

ص: 295

الذي أهان نفسه ولم يكرمها، وعرَّضها للإهدار ولم يصنها، فإنَّ الزاني الذي أباح لنفسه أن يلغ في إناء غيره لم يعد ينفعه وعظ وتوبيخ، وإنما يحتاج إلى تذكير بالسوط وتحسيسه بالألم الجسدي لا المعنوي، وأمَّا رجمه إن كان محصنًا فلأنه لم يعد صالحًا للعيش في المجتمع الإسلامي الطاهر؛ لأنه ولغ في إناء الغير وعنده إناء يكفيه. وأمَّا الجلد في القذف فإنه السبيل لتبرئة المتهمة بالزنى، ورفع الشكوك عنها؛ إذ لا سبيل إلى ذلك إلّا بإظهار كذب القاذف بمعاقبته، وسِرُّ المسألة أنَّ الإسلام يُعنَى بنظافة المجتمع وطهارته وسلامة الأعراض والأخلاق، فإذا كانت هذه الأمور مطلوبة فوسائلها مطلوبة، وهذا ما يقرره الإسلام، وإذا كانت هذه الأمور: من العفَّة وسلامة العرض والخلق وطهارة المجتمع غير مرغوبة فوسائلها غير مرغوبة، وهذا ما يقرره ضمنًا المعترضون على العقوبات الشرعية، فالخلاف إذن في المحافظة على هذه الأغراض، الإسلام يقول: لا بُدَّ من المحافظة عليها، ومن ثَمَّ أوجب التشدد على من يريد تلويث المجتمع وتفويت هذه الأغراض المهمة الشريفة عليه.

496-

أمَّا ادعاؤهم بأن هذه العقوبات تتضمَّن التدخل في الحرية الشخصية كما في الزنى وشرب الخمر فمردود؛ لأنَّ الحرية الشخصية لا يجوز أن تؤدِّي الإضرار بالمجتمع، فالحرية الشخصية تقف حيث تكون أداة ضرر وهدم في المجتمع، ولا يمكن لمنصف أن يقول: إنَّ زنى الزاني نفع للمجتمع، فأضراره أوضح من أن نتكلم عنها في هذا المقام. أمَّا بالنسبة لشرب الخمر، فإنَّ عقل الإنسان جوهرة ثمنية لا يجوز تعطيلها اختيارًا، فيكفي الإنسان تعطيل عقله اضطرارًا في النوم، فضلًا عمَّا في شرب الخمر من تسهيل سبل الإجرام للسكران، كما هو واضح ومعروف، والدولة مسئولة عن منع الإجرام في إقليمها وسد سبله.

497-

أما ادعاؤهم بقسوة بعض العقوبات لما فيها من بتر وقطع بعض الأعضاء، فإنهم قد فاتهم مدى ترويع السارق وقاطع الطريق للآمنين، كان عليهم أن يتصوروا فعل السارق وهو يسير في جنح الظلام على رءوس أقدامه، فينقب الجدار ويكسر القفل، ويدخل على الآمنين في بيوتهم من نساء وأطفال ورجال، وبيده السلاح يزهق روح من يقاومه، فيأخذ المتاع من البيت ويخرج، وربما يستيقظ أهل الدار فيحصل القتل أو الفزع والهلع، فهم لو تصوروا فظاعة جرم السارق لما أسِفوا على قطع يده

ص: 296

الآثمة الخبيثة، ومثل هذا يقال عن قطاع الطرق الذين يتربصون بالمارَّة ويهاجمونهم ويسلبونهم أموالهم وأرواحهم. ثم يقال: إن العقوبة يجب أن يكون فيها قدر كافٍ من الرَّدع والزجر، ولا شكَّ أن قطع يد السارق أو المحارب فيه هذا المقدار، أمَّا غيرهما من العقوبات الوضعية كالحبس والغرامات فلا تملك هذا القدر من الردع، ودليل ذلك الواقع، فإن جرائم السرقة بازدياد ولم تقللها عقوبة الحبس، بل إنَّ السجن صار نزلًا لأصحاب السوابق يتردَّدون إليه ويعتبرونه مأوى أمينًا لهم، بل ومحلًّا للقائهم وتبادل خبراتهم في عالم السرقة والإجرام.

498-

أمَّا قولهم: إنَّ عقوبة الردة بقتل المرتدِّ تدخل في حرية العقيدة ومصادرة لها، وإكراه للإنسان على اعتقاد ما لا يريد، فهذا القول مأخذه الجهل في طبيعة هذه العقوبة، ومعنى الردة، ومعنى الإكراه على تبديل الدِّين، فالردَّة كما قلنا: الرجوع عن الإسلام، أي أنَّ مسلمًا يرجع عن إسلامه، فنحن إذن إزاء مسلم ارتكب جرمًا معينًا يسمَّى "الردة"، ولسنا أمام رجل يهودي أو نصراني نكرِهُه على تبديل عقيدته، ومبدأ لا إكراه في الدِّين مقرَّر في الشريعة الإسلامية، وفي نص القرآن الكريم، ولا يجوز المساس به، بدليلٍ واضحٍ أنَّ الإسلام شرع الجزية، والجزية إقرار لغير المسلم على دينه، فلو كان هناك إكراه على تبديل عقيدة غير المسلم وتحويله بالجبر عن عقيدته لما شرعت الجزية.

أمَّا سبب عقوبة المرتد وجعلها القتل فيرجع إلى أمرين خطيرتين: الأول: إنَّ المسلم بردته أخل بالتزامه؛ لأن المسلم بإسلامه يكون قد التزم أحكام الإسلام وعقيدته، فإذا ارتدَّ كان ذلك منه إخلالًا خطيرًا في أصل التزامه، ومَنْ يخل بالتزامه عمدًا يعاقب، وقد تبلغ عقوبته الإعدام، ألا يرى أنَّ من تعاقد مع الدولة لتوريد الطعام لإفراد الجيش ثم أخلَّ بالتزامه عمدًا في حالة احتياج الجيش للأرزاق أنَّ جزاءه قد يصل إلى الإعدام؟ الثاني: إنَّ المرتد مع إخلاله بالتزامه يقوم بجريمة أخرى هي الاستهزاء بدين الدولة والاستخفاف بعقيدة سكانها المسلمين، وتجريء لغيره من المنافقين ليظهروا نفاقهم، وتشكيك لضعاف العقيدة في عقيدتهم، وهذه كلها جرائم خطيرة يستحق معها المرتد استئصال روحه، وتخليص الناس من شره، وإنما قلنا: إنَّ المرتدَّ من يرتكب هذه الأمور؛ لأنه لا يعرف ارتداده إلّا بالتصريح، وإلَّا لو أخفى ردَّته لما عرف. ومع

ص: 297

هذا فقد قلنا: إنه يمهل ثلاثة أيام لإعطائه فرصة للرجوع عن ردته، وهذا الإمهال واجب عند كثير من الفقهاء، فهل يمكن بعد هذا أن يقال: عقوبة الرِّدَّة قاسية، أو أنَّ فيها إكراهًا على تبديل العقيدة، أو أنَّ فيها تدخلًا في حرية العقيدة؟

499-

وأمَّا قولهم: إنَّ العقوبة في جريمة القتل، وهي القصاص، اعتبرات حقًّا لأولياء القتيل لا للمجتمع، مع أن القتل يهم المجتمع، ويعتَبَر اعتداءً عليه، فيكون العقاب حقه لا حق أولياء القتيل، فهذا القول هزيل وسطحي، فأولًا: إنَّ للمجتمع حقه في هذه العقوبة، ولهذا إذا عفا أولياء القتيل عن القاتل جاز للقاضي أن يحكم عليه بعقوبة تعزيرية بالسجن أو بالضرب أو بهما، وفي هذا يقول ابن فرحون المالكي:"إذا عفي عن القاتل العمد على الدية فإنَّ على القاتل الدية، ويستحب له الكفَّارة، ويضرب مائة ويحبس سنة"1؛ لأنَّ حق أولياء القتيل في القصاص هو الغالب، أي: أغلب من حق المجتمع فيه، ومن ثَمَّ كان لهم العفو عنه، كما كان لهم طلبه، وإذا طلبوه لم يسع القاضي أن يعفو عنه، بل ولا لرئيس الدولة أن يعفو عن القاتل ما دام أولياء القتيل طلبوا القصاص؛ لأن القصاص من حقهم أو الغالب فيه حقهم، فلا يمكن لأحد أن يتصرَّف فيه بغير رضاهم، أمَّا في القوانين الوضعية فالنظرة تختلف؛ لأنَّ هذه القوانين تجعل عقوبة القاتل من حق المجتمع لا من حق أهل القتيل، وبالتالي فلا يترتب على عفوهم عنه إسقاط العقوبة، كما أن للمجتمع ممثلًا برئيس الدولة أو غيره أن يعفو عن القاتل، أو يبدِّل عقوبة الإعدام بغيرها. والنظرة الفاحصة في جريمة القتل العمد تبيِّن أن ضرر هذه الجريمة يقع أولًا وبصورة مباشرة على المجني عليه وأهله، فهم الذي اكتووا بنار هذه الجريمة ولحقهم الأذى والضرر المباشر بفقدهم عزيزهم، وأن ضررهم هذا والمهم وأذاهم أشد وأكثر بكثير من تضرر المجتمع وأذاه وألمه، فمن الطبيعي والعدل أن يكون حقهم في القصاص من الجاني أغلب من حق المجتمع، ثم إنَّ في تمكينهم من القصاص حسمًا للجريمة وإطفاءً لنار الغضب وطلب الثأر في نفوسهم، وفي الحليولة بينهم وبين ذلك إبقاءً لجذور الجريمة، فقد يندفع أهل القتيل لقتل الجاني بعد حبسه، كما يحدث هذا كثيرًا، ويقال أيضًا:

1 تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي ج2 ص259.

ص: 298

إن في القصاص من القاتل وإعطاء حق القصاص لأهل القتيل ردعًا مؤثِّرًا وزجرًا كافيًا لمن تسوّل له نفسه إزهاق روح البريء؛ لأنَّ الإنسان يحبُّ ذاته ويحرص عليها، ويخاف من فواتها، فينزجر عمَّا يؤدي إلى ذلك إذا ما علم أنَّ القصاص من حق أولياء القتيل، وأنه لا يمكن للقاضي ولا رئيس الدولة العفو عنه إذا ما طلب أهل القتيل القصاص منه، ولهذا كله رأينا أن جرائم القتل قليلة يوم كان نظام القصاص الشرعي هو المطبَّق السائد في البلاد الإسلامية، وأن جرائم القتل ازدادت ولا تزال في ازدياد عندما نُحِّيَت عقوبة القصاص الشرعية، فكيف بعد هذا يمكن لمنصفٍ أن يعترض على عقوبة القصاص الشرعية، والنظر السديد يؤيِّدها، والواقع يشهد بصحتها وبكفايتها للزجر والردع، وأثرها في حفظ حياة الناس، وصدق الله العظيم إذ يقول:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} 1.

ولا بُدَّ هنا من الإشار إلى أنَّ هذا الحجاج والمناقشة إنما يساقان على سبيل التنزيل وإسكات المعترض بنفس اعتراضه، وإلّا فإنَّ المؤمن بالله وباليوم الآخر وبدين الإسلام لا يجوز له الاعتراض على شرع الله؛ لأن الاعتراض عليه نوع من الارتداد عن دين الإسلام، وأنَّ من شرط الإيمان: الحكم بما شرعه الله وارضى به، قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} 2.

500-

وأمَّا اعتراضهم في الدية وأنَّها تحميل لغير الجاني، وأنَّ هذا يناقض مبدأ قصر المسئولية على من قام فيه سببها، فالجواب أنَّ مبدأ قصر المسئولية على من قام فيه سببها، المستفاد من قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} 3 مبدأ قائم في الشريعة غير منسوخ ولا معطّل، وليس في تشريع الدية مناقضة له أصلًا؛ لأن إيجاب الدية على العاقلة في القتل الخطأ، إنما كان بناء على التعاون والمواساة؛ لأنَّ المخطئ من حقه أن يعان، وأنَّ أَوْلى من يعينه أهله وأقرباؤه من عصبته الذين يرثونه بعد موته، فمن باب الغنم بالغرم وجب عليهم مواساته، والاشتراك معه في الدية، وفي

1 سورة البقرة، الآية:179.

2 سورة النساء، الآية:65.

3 سورة فاطر، الآية:18.

ص: 299

هذا الاشتراك تسهيل على أهل المجني عليه الظفر بالدية؛ لأن مبلغها كبير، وإمكان أدائها من الجاني ضعيف، في حين أنَّ تحميل العاقلة به سيجعل ما يصيب الواحد منهم مبلغًا يسيرًا يسهل عليه أداؤه، فيسهل على أهل القتيل الظفر به كما قلنا، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى تعليلٍ آخر في وجوب الدية على العاقلة، خلاصته: إنَّ عصبة القاتل خطأ كان عليهم أن يراقبوه ويوجهوه لئلَّا يقع في الرعونة والطيش فيقتل غيره خطأ، فإذا لم يفعلوا ذلك كان خطأ منهم وتقصيرًا في واجبهم في مراقبة بعضهم بعضًا فيتحمَّلون جزاء تقصيرهم بتحميلهم الدية مع الجاني.

الخلاصة:

501-

والخلاصة: إنَّ نظام الجزية والعقوبة نظام عادل قام على أسس متينة وإحاطة تامَّة بما يصلح له أمر الناس، وبمراعاة غرائز الناس، مما يؤدي إلى قمع أو تقليل الإجرام فيهم، مع عدالة تامَّة في تقدير العقوبة وجعلها بقدر الجريمة، وفي تطبيق العقوبة على الجميع. وقد رأينا تهافت اعتراضات المعترضين على الحدود والقصاص والديات، أمَّا التعزير فاعتراضهم عليه قليل جدًّا، بل إنَّ نظام التعزير مما انفردت به الشريعة الإسلامية، وهو إحدث ما ينادي في الوقت الحاضر علماء القانون الجنائي. وإذا علمنا أنَّ نطاق العقوبات التعزيرية أوسع بكثير من نطاق الحدود والقصاص، علمنا مدى متانة القانون الجنائي الإسلامي وامتيازه على ما سواه من القوانين الوضعية، ووفائه بحاجات الناس، وقيامه بتوفير الأمن من الاطمئنان لهم، مما يجاريه في ذلك، ولا يقاربه فيه أيّ قانون وضعي، وهذا من بعض دلائل تنزيل شرعة الإسلام من الله جل جلاله.

ص: 300