الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: إزالة الشبهات
ماهية الشبهات:
657-
المقصود بالشبهة هنا: ما يثير الشكَّ والارتياب في صدق الداعي وأحقية ما يدعو إليه، فيمنع ذلك من رؤية الحق والاستجابة له، أو تأخير هذه الاستجابة، وغالبًا ترتبط الشبهة بعادة موروثة، أو مصلحة قائمة، أو رياسة دنيوية، أو حمية جاهلية، فتوثِّر الشبهة بسبب هذه الأمور في النفوس الضعيفة المتصلة بهذه الأشياء، وتتعلق بها وتحسبها حجة وبرهانًا تدفع به الحق، وتخاصم الدعاة إلى الله تعالى.
مصدر الشبهات:
658-
والغالب أنَّ "الملأ" هم الذين يثيرون الشبهات ويزينونها للناس، ويشيعونها فيما بينهم، ويكررونها على مسامعهم حتى تألفها نفوس البسطاء من عامَّة الناس، ويأخذون في ترديدها، ثم تصديقها، ثم تبنّيها واعتبارها كالحقائق الثابتة، وعند ذلك يندفعون إلى الدفاع ومخاصمة الحق وأهله من أجلها، والملأ منهم يضحكون ويسخرون، فقد حققوا ما يريدون.
لا خلاص من الشبهات ولا تبديل فيها:
659-
وليعلم الداعي أنَّ إثارة الشبهات في وجه الدعوة إلى الله أمر قديم مضت به سنة الله في العباد، وشنشنة قديمة متوارثة بين أهل الباطل، فلا يستغرب منها الداعي ولا يضيق بها، وهي في جوهرها لا تتغيِّر ولا تتبدل، وإنما يتغيِّر فيها الأسلوب والكيفية، قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم محمدًا: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ
لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} 1، والذي قيل للرسل الكرام هو الباطل الذي كان في حق الناس شبهات، وقال تعالى:{مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} 2، فالأقوام قبل قريش اتهموا الرسل الكرام بالسحر والجنون، وكذلك فعلت قريش؛ لتنفير الناس من الداعي إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن دعوته.
فإذا فقه الداعي هذه الحقيقة ووعاها جيدًا زال عنه العجب والحنق والغضب إذا اتُّهِمَ بالتهم الباطلة، أو أثيرت الشكوك والريب حول دعوته؛ لأنه ليس أحسن حالًا من رسل الله، ولا أفصح بيانًا منهم، ولا أكثر إخلاصًا منهم، ولا أكثر تأييدًا من الله تعالى منهم، ومع هذا كله أثار أهل الباطل ما أثاروه من الشبهات حولهم، مما قصه الله تعالى علينا في أخبارهم، ثم إنَّ الداعي بفقهه هذه الحقيقة يعلم مدى ما يبلغ الضلال بالإنسان؛ بحيث يجعله يخاصم رسل الله الذين يريدون شفاءه من الأمراض، وخلاصه من النيران، وإدخاله في الجنان، وأخيرًا فإنَّ فقه هذه الأمور لازمة لكل مسلم بلا استثناء؛ ليميز الخبيث من الطيب، وحتى لا يتأثَّر بهذه الشبهات فينساق وراءها، ويصير -من حيث لا يشعر- مع الأعداء، ضد الدعاة إلى الله تعالى.
أنواع الشبهات:
660-
والشبهات أنواع، منها ما يتعلق بالداعي، ومنها ما يتعلق بموضوع الدعوة، ومنها ما يتعلق بعموم المدعوين.
فالذي يتعلق بالداعي يتمثَّل بالطَّعْن في شخصه وسيرته وسلوكه وإلصاق التهم به، ورميه بالسَّفَه والجهالة والضلال والجنون والافتراء، إلى غير ذلك، مما يكون المقصود منه تنفير الناس منه وعدم الثقة به.
والذي يتعلق بموضوع الدعوة يتمثَّل اتِّهَامُها بالابتداع والخروج على مألوفات الناس وتقاليدهم ونظامهم الموروث، مما يراد به تنفير الناس من الدعوة إلى الله وصدّهم عن سبيله.
1 سورة فصلت، الآية:42.
2 سورة الذرايات، الآيات: 52، 53.
والذي يتعلق بالمدعوين يتمثَّل بإظهار الحرص على مصالحهم وملتهم ودين آبائهم، والحفاظ على نعيمهم وحياتهم المطمئنة، مما يقصد منها إثارة حماس الناس ضد الدعاة إلى الله.
موقف الداعي من الشبهات:
661-
والداعي إزاء هذه الشبهات مضطر إلى تنفيذها وإظهار زيفها وبطلانها؛ لأنها موانع تمنع من رؤية الحق في حق ضعاف البصر والبصيرة، كما تمنع الإحساس بالداء، والحاجة إلى الدواء، وتكون الإزالة بالحجة والبرهان، ولكن بصراحة ووضح وحسن بيان، مع أدبٍ بالقول ورفقٍ في الخطاب، دون أن تستفز الداعي أكاذيب المفترين، فيحمله ذلك على الانتصار لنفسه والغضب لها، والنطق بما لا يجوز. نحن نعلم أنَّ هذا شيء ثقيل على نفس الداعي، ولكنه لا بُدَّ منه، ولا سبيل غيره، ويهون إن شاء الله بكمال التجرُّد إلى الله، واحتساب ما يلقاه من أذى عند الله. إنَّ مهمة الداعي إزاء الشبهات وإزالتها مهمة الطبيب العالم الناصح الشفيق، لا تسنفزه صيحات المرضى وكرههم رؤية الطبيب، بل ولا يمنعه شتمهم له وطعنهم به من الاستمرار على معالجتهم؛ لأنه يعلم أنَّ هذه الأمور منهم هي بعض أعراض أمراضهم، والطيب إنما يريد علاجهم لا الانتقام منهم.
والأسلوب الجيد في إزالة الشبهات يعرفه الداعي من قصص الأنبياء، وموقفهم من الشبهات التي أثارها المبطلون، وهذا ما نذكر شيئًا عنه في الفقرات التالية:
أمثلة على شبهات أهل الباطل والردِّ عليها:
662-
أولًا: الطعن بالدعاة
يحرص "الملأ" وأتباعهم على إبعاد الناس عن الدعاة إلى الله تعالى بالطعن في أشخاصهم وأمانتهم وعقولهم، وهذا ما فعله أسلافهم مع رسل الله تعالى، فقد اتهموهم بالسحر والجنون والضلال، قال تعالى:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ، وقال مشركوا العرب عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} ، وكان رسل الله يردُّون على هذا الافتراء ويزيلون ما يتولَّد
عنه من شبهات، بنفيه عن أنفسهم بأسلوب عالٍ رفيع واضح مع شفقة على أولئك المفترين، قال تعالى عن قوم نوح وما رموه به وأسلوب رده عليهم:{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 1.
ويلاحظ في رد نوح عليه السلام أنَّه خاطبهم بقوله: "يا قوم"، فهم قومه ولم يتبرأ من انتسابه إليهم، ومن شأن هذا الخطاب أن يساعد على إيقاف لجاجتهم بالباطل، ثم بَيِّنَ لهم أنَّه ليس به ضلالة كما يدَّعون، ومعنى ذلك أنهم يكذبون أو يجهلون، فعليهم أن يقلعوا عن كذبهم وجهلهم، ثم بَيِّنَ لهم حقيقة أمره، وهي أنه رسول الله، ومن شأن رسل الله الصدق فيما يقولون ويبلغون عن الله تعالى، ثم بَيِّنَ لهم أنَّه يريد تبليغهم رسالة الله، وينصح لهم، ويريد الخير لهم، وأنَّه على علمٍ من أمر الله لا يعلمونه، ومن حق الناصح أن يُطَاع ويسمع منه، ثم بَيِّنَ لهم أن لا داعي لعجبهم أن جاءتهم رسالة الله على لسان رجل منهم يعرفهم ويعرفونه، وينذرهم عاقبة ما هم فيه، ويدعوهم إلى تقوى ربهم وخالقهم، فعسى أن تصيبهم رحمة الله في الدنيا والآخرة.
وبمثل هذا الأسلوب الرفيع المؤثر رد هود عليه السلام على افتراءات وشبهات قومه، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ، قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ، أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} 2.
663-
ثانيًا: الإفساد في الأرض وطلب الرئاسة على الناس:
ومن شبهاتهم التي يثيرونها حول الداعي أنَّه يريد العلوَّ في الأرض والرياسة على
1 سورة الأعراف، الآيات: 60-63.
2 سورة الأعراف، الآيات: 65-96.
الناس، وتغيير عقائدهم وتقاليدهم الموروثة، وأنَّ ما جاء به بدعة مضرة ودعوة مفرقة ما سمعوا مثلها من قبل، وأنَّها تؤدي إلى الفساد في الأرض، فيجب أن يقاوم الداعي ودعوته، ويمنع من الاستمرار فيها، قال تعالى حكاية عن أقوام نوح وعاد وثمود وما قالوه لرسلهم، وما أجابتهم به رسلهم لتفنيد هذه الشبهات الباطلة:{قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} 1، وقال تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} 2، فالملأ أثاروا في الناس شبهة التقليد والحرص على دين الآباء، وأن رسل الله يريدون صرفهم عن ذلك، وقال تعالى عن قوم نوح:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} 3، فهم يزعمون أنَّ نوحًا عليه السلام يريد اكتساب المنزلة العالية فيهم، والرياسة عليهم، وإظهار الفضل لنفسه بدعوته هذه؛ لأنَّ أهل الباطل يقيسمون أهل الحق بموازينهم المعوجَّة، ويحسبون أنَّ غرض الدعاة إلى الله هو غرض أهل الباطل، من طلب العلوِّ في الأرض والتسلط على رقاب الناس، كما قال فرعون وملؤه لموسى:{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ} ، ثم احتجَّ قوم نوح بأنَّه بشر مثلهم، ولا يستحق -بزعمهم- أن يكون مبلغًا عن الله، وأنَّ الله تعالى لو أراد تبليغهم بشيء لأنزل عليهم ملائكة.
وشبهتهم هذه التي أثاروها مثل شبهة قريش، قال تعالى:{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} 4، أي: لول أنزل الله ملكًا لجعله بصورة رجل
1 سورة إبراهيم الآيات: 10، 11.
2 سورة سبأ، الآية:43.
3 سورة المؤمنون، الآيات: 23، 24.
4 سورة الأنعام، الآيات: 8، 9.
منهم حتى يبلغهم، وعند ذلك يثيرون نفس الشبهة.
وقد قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ، قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 1.
"فالملأ" أثاروا حفيظة فرعون على موسى عليه السلام بادِّعائهم أنَّ موسى يريد الفساد في الأرض، فلا يصح تركه يستمر في دعوته، والظاهر أيضًا أنهم أرادوا بما أثاروه من هذه الشبهة الباطلة التبرير للتنكيل بموسى ومن معه من المؤمنين، وليجدوا تأييدًا من أتباعهم الضالِّين، والظاهر أيضًا أنَّ هذا الادِّعاء من أهل الباطل وما عزم علي فرعون من تقتيل أتباع موسى قد بلغهم، فقال لهم موسى عليه السلام: استعينوا بالله واصبروا، وبيِّنَ لهم أنَّ العاقبة دائمًا تكون للمتقين، أمَّا جواب موسى لشبهات فرعون وطعونه في موسى، فقد بَيَّنَها الله تعالى في آيات أخرى، مثل قوله عن موسى:{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} 2.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} 3، فأهل الترف -الملأ- يثيرون في الناس شبهة التقليد ويغرونهم على ضرورة التمسك بدين آبائهم، وبالتالي ضرورة مقاومة الدعوة إلى الله، فيرُدُّ عليهم الرسل الكرام بردٍّ منطقيٍّ سليم:{أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} أي: إنَّ الحق هو الواجب الاتباع وإنْ كان مخالفًا لما كان عليه آباؤكم، والحق هو ما جئتكم به من ربكم، فانظروه وقارنوه مع ما عندكم يتبيِّن لكم صدق ما أقول، فينقطع أهل الباطل عن هذا الردِّ ويقولون: أنهم كافرون بالذي جاء به.
1 سورة الأعراف، الآيات: 127، 128.
2 سورة الأعراف، الآيات: 104، 105.
3 سورة الزخرف، الآيات: 23، 24.
664-
ثالثًا: رميهم الدعاة بالاتصال المشبوه، وأنَّ دعوتهم من خرافات الماضيين:
ومن أساليب المبطلين في إثارة الشبهات حول الداعي، زعمهم أنَّه متصل بقوم معينين يساعدونه على التلفيق والقيام بهذه الدعوة، وأنَّ دعوته لا صلة لها بالدين ولا بالله، وإنما هي من خرافات الماضين، يريد بها الوصول إلى ما يريده بمن يعينه عليها.
قال ربنا تعالى عن قريش وما أثاروه من شبهات كاذبة حول دعوة الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} 1.
665-
رابعًا: الداعي رجل مغمور
ومن شبهاتهم أنَّ الداعي رجل مغمور، لا هو في العير ولا في النفير، وليس هو من المثقَّفين الكبار، ولا من الاغنياء المعروفين، ولا من ذوي المناصب والجاه في المجتمع، ويرتبون على ذلك أنَّهم أولى بكلِّ خير، وبكل دعوة إلى الإصلاح، فلو كان ما يدعو إليه الداعي صلاحًا وحقًّا لجاء بهذه الدعوة غيره من أشراف المجتمع، قال تعالى حكاية عن مشركي العرب فيما قالوه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ، أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} 1، فالله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته، فهو الحكيم العليم، وقال تعالى:{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ، وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} 3، فأهل
1 سورة الفرقان، الآيات: 4-6.
2 سورة الزخرف، الآيات: 31، 32.
3 سورة سبأ، الآية:38.
الباطل يحتجون بكثرة الأموال والأولاد والأنصار على أحقيتهم بكل دعوة إلى الإصلاح، وأنَّهم لهذا أهل للفوز من أي عذاب، فبَيِّنَ لهم القرآن العظيم أنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاء، ويضيقه لحكمة بالغة، وأنَّ الأموال والأولاد لا تقرِّب عند الله، وإنما الذي يقرِّب هو العمل الصالح.
666-
خامسًا: أتباع الداعي أناس مغمورون
ومن شبهاتهم حول الدعوة أنَّ أتباع الداعي إلى الله أناس مغمورون، فقراء جهال، أصحاب حرف خسيسة، قصار نظر ورأي، وأنَّ الدعاة وأتباعهم لا يستحقون إرشاد الناس إلى الخير، ولا قيادتهم إلى الهدى، ولهذا كله فإنَّ "الملأ" هم وحدهم المستحقون لقيادة الناس إلى الخير، ولا يمكن أن يكونوا أتباعًا للداعي إلى الله؛ لأنهم أهل نظر ورأي، خلاف أولئك الفقراء الذين اتبعوا الداعي بلا بينة وبرهان، قال تعالى عن قوم نوح:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} ، فيجيبهم نوح عليه السلام بما قصَّه الله علينا:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ، وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ، وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} ، يبيّن لهم نوح عليه السلام أنه على بينة من ربه، أي: على يقين وأمر واضح جلي ونبوة صادقة،
وإذا كان ذلك قد خفي عليكم ولم تهتدوا إليه، وبادرتم إلى التكذيب، فكيف نكرهكم على قبول الدعوة، والشأن في قبولها الاقتناع والقبول الاختياري؛ لأنَّ الإكراه في الدين ممنوع، وأمَّا بشأن أتباع نوح عليه السلام وكونهم من الفقراء والضعفاء، فيقول نوح عليه السلام: بأنه رسول الله يدعو الناس إلى عبادة الله وحده، لا فرق في دعوته
1 سورة هود، الآيات: 28-31.
بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، فكلهم أهلٌ لأن يدعوهم، ومطالب بأن يدعوهم، فمن استجاب منهم له قَبِلَه وصار من أتباعه، ولا يمكنه أبدًا أن يطردهم من مجلسه بحجة أنَّهم فقراء ضعفاء، وأن الأشراف يأنفون منهم من حضور مجلس يضمهم، كما لا يمكن أن يقول لهم: ليس لكم عند الله ثواب على أعمالكم، وقد آمنوا برسالة ربهم، فالله أعلم بما في نفوسهم.
والواقع أنَّ أهل الباطل -لا سيما الملأ منهم- يضيقون ذرعًا بالفقراء والضعفاء، ويأنفون أن يكونوا مثلهم أتباعًا للدعاة إلى الله، ولذلك فهم يطلبون إبعادهم من مجلسهم، وكذلك فعل أشراف قريش، طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطردهم من مجلسه، فأنزل الله جل جلاله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} ، فلا يجوز اتباع أصحاب الأهواء والغافلة قلوبهم عن ذكر الله فيما يقترحون ويطلبونه من باطل، ومنه إبعاد المؤمنين الصادقين لكونهم من الفقراء المستضعفين.
667-
هذه بعض شبهات أهل الباطل التي ذكرها الله تعالى في قصص الأنبياء، في القرآن العظيم، ويجمعها جامع واحد هو الطعن بالداعي والدعوة، وتحريض الدهماء والعامَّة على مخاصمة الدعوة؛ ليخلوا الجوَّ للملأ الكافر الضَّالِّ، فيبقوا على باطلهم وتسلطهم على رقاب الخلق.
ابتعاد الداعي عن الشبهات:
668-
وإذا كان أهل الباطل يثيرون الشبهات ويفترون الأكاذيب في وجه الدعوة وضد الداعي، فعلى الداعي أن يبتعد عن موضع الشبهات حتى لا يتلعق المبطلون بها، ويتخذونها تكأة لافترائهم. وقد دلَّ القرآن الكريم على ضرورة الابتعاد عمَّا قد يتشبث به أهل الباطل في إثارتهم الشبهات، ومن هذه الدلالات القرآنية:
أولًا: كان رسل الله جميع يقولون لأقوامهم: لا نريد منكم على دعوتنا مالًا ولا أجرًا؛ لأنَّ أجرنا على الله وحده، قال تعالى عن نوح عليه السلام:
1 سورة الكهف، الآية:28.
{وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} ، وقال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} 1، وجه الدلالة بهذه الآية والتي قبلها وغيرها مثلها، أنَّ الرسل الكرام لو طلبوا مالًا أو أجرًا على دعوتهم لتعلَّق أهل الباطل بذلك وجعلوه شبهة يثيرونها؛ ليصدوا الناس عن الدعوة والدعاة فيقولون: إنَّ هؤلاء طلاب مال....
ثانيًا: قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 2، وجه الدلالة أنَّ الله تعالى أبعد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عن تعلم الكتابة والقراءة دفعًا لما قد يتشبَّث به المبطلون، فيدَّعون أنَّ ما جاء به تعلمه من كتبٍ قديمة قرأها واستنسخها، بل يمكن القول أنَّ الداعي يترك بعض ما فيه فائدة لدفع ضرر الشبهة الباطلة؛ لأن تعلم القراءة والكتابة فيهما نفع، ولكن دفع ضرر الشبهة الباطلة أكثر نفعًا، فقُدِّم الدفع على هذا النفع.
ثالثًا: قال تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 3، وجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغ بالوحي إلّا بعد بلوغه الأربعين من عمره المبارك؛ ليكون ذلك أدفع للشبهة وأدحض لقول أهل الباطل، فقد لبث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المدة الطويلة وخبروه وعرفوا سيرته الطيبة وأخلاقه القويمة وأمانته وصدقه، فلا يعقل أن يكذِب على الله بعد هذا العمر الطويل فيدعي الرسالة، وإذا كان الأمر كذلك وإن صدقه ظاهر، فادّعاء الكفرة أنه ساحر أو مجنون أو كاذب ادعاء باطل وشبهة مدحوضة.
ويمكن هنا أن نقول ما قلناه من أنَّ دفع الشبهة مقدَّم على جلب بعض النفع، ذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مضى أكثر عمره حتى بلغ بالرسالة، ولا شكَّ أن بعثه قبل الأربيعن كان يمكن أن يكون فيها مزيد في الدعوة إلى الله، ولكن شاءت حكمة الله ألَّا يجعل بعثته إلّا بعد بلوغه الأربعين من عمره المبارك الميمون، وإن فات بعض النفع والخير لتأخُّر بعثته؛ ليدفع الشبهة ويدحض ادعاءات أهل الباطل كما هو واضح من سياق
1 سورة سبأ، الآية:50.
2 سورة العنكبوت، الآية:48.
3 سورة يونس: الآية: 16.
الآية الكريمة. وهكذا يجب على الداعي الفقيه أن يترك بعض ما فيه فائدة ونفع ليدفع شبهات أهل البطل وما يترتَّب عليه من ضرر، وسبب ذلك كله أنَّ الشبهة إذا أثيرت بين الناس وشاعت فلا بُدَّ أن تترك أثرًا في النفوس، لا سيما الضعيفة والجاهلة والمتربصة، ويصعب عند ذاك مكافحتها والقضاء عليها إلّا بجهد كبير، فكل ما يمنع حدوث الشبهات أو إعطاءها ما تستنتد إليه مطلوب من الداعي ملاحظته واعتباره وأخذه، وإنْ فوِّت عليه بعض الفوائد؛ لأن القاعدة تقول:"درء المفاسد أولى من جلب المنافع"، ويدفع أعظم الضررين بتحمُّل أقلهما.
رأبعا: وقد قال تعالى عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} ، فمنع الله تعالى رسوله من تعلُّم الشعر وإنشائه حتى لا يكون ذلك وسيلة بيد أهل الباطل يبنون عليها شبهاتهم الباطلة.
669-
والواقع أنَّ الدعاة إلى الله محتاجون أكثر من غيرهم إلى الابتعاد عن كثير من المباح، الذي قد يتشبَّث به أهل الباطل ويجعلونه مثارًا لشبهاتهم وللصد عن سبيل الله، ولكن يجب التنبه لما يجب توقيه دفعًا للشبهة، وما يجب مباشرته؛ لأنه من الدعوة، وإنْ ظنَّ أنه من الشبهة، وهذا موضع دقيق يكثر فيه الخطأ، ويحتاج إلى تفصيل، يكفينا منه هنا أن نقول: يسع الداعي أن يترك ما يخص نفسه وحظوظه المباحة دفعًا هنا للشبهة، وقد يجب أن يندب هذا الترك، ولا يسع الداعي أن يترك ما يخص صميم الدعوة، أو ما يتصل بها اتصالًا مباشرًا، أو يتعلق بنهجها وأسلوبها، فلا يجوز مثلًا ترك دعوة الأمير والدخول عليه لهذا الغرض بحُجَّة دفع شبهة تقوُّل الناس أنه من بطانة الأمير أو أنه يداهن الأمير.