المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال - أصول الدعوة

[عبد الكريم زيدان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: موضوع الدعوة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الإسلام

- ‌الفصل الثاني: أركان الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: الركن الثاني: شهادة أنَّ محمدًا رسول الله

- ‌المبحث الثالث: الركن الثالث: العمل الصالح

- ‌الفصل الثالث: خصائص الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الخصيصة الأولى: إنه من عند الله

- ‌المبحث الثاني: الخصيصة الثانية: الشمول

- ‌المبحث الثالث: الخصيصة الثالثة: العموم

- ‌المبحث الرابع: الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام

- ‌المبحث الخامس: الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية

- ‌المطلب الأول: المثالية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الواقعية في الإسلام

- ‌الفصل الرابع: أنظمة الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: نظام الأخلاق في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: أساس نظام المجتمع في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: خصائص النظام الإجتماعي في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نظام الإفتاء

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: المستفتي

- ‌المطلب الثاني: المفتي

- ‌المطلب الثالث: الإفتاء

- ‌المطلب الرابع: الفتوى

- ‌المبحث الرابع: نظام الحسبة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: التعريف بالحسبة ومشروعيتها ومكانتها في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: المحتَسِب

- ‌المطلب الثالث: المحتَسَب عليه

- ‌المطلب الرابع: موضوع الحسبة

- ‌المطلب الخامس: الاحتساب

- ‌المبحث الخامس: نظام الحكم

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الخليفة

- ‌المطلب الثاني: الشورى

- ‌المطلب الثالث: الخضوع لسلطان الإسلام

- ‌المطلب الرابع: مقاصد الحكم في الإسلام

- ‌المبحث السادس: النظام الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الفرع الأول: الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثاني: المبادئ العامّة في النظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال

- ‌المبحث السابع: نظام الجهاد

- ‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة

- ‌الفصل الخامس: مقاصد الإسلام

- ‌الباب الثاني: الداعي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: التعريف بالداعي

- ‌الفصل الثاني: عدة الداعي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الفهم الدقيق

- ‌المبحث الثاني: الإيمان العميق

- ‌المبحث الثالث: الاتصال الوثيق

- ‌الفصل الثالث: أخلاق الداعي

- ‌الباب الثالث: المدعو

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثاني: أصناف المدعوين

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الملأ

- ‌المبحث الثاني: جمهور الناس

- ‌المبحث الثالث: المنافقون

- ‌المبحث الرابع: العصاة

- ‌الباب الرابع: أساليب الدعوة ووسائلها

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: مصادر أساليب الدعوة ووسائلها، ومدى الحاجة إليها

- ‌الفصل الثاني: أساليب الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الداء والدواء

- ‌المبحث الثاني: إزالة الشبهات

- ‌المبحث الثالث: الترغيب والترهيب

- ‌المبحث الرابع: التربية والتعليم

- ‌الفصل الثالث: وسائل الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الوسائل الخارجية للدعوة

- ‌المبحث الثاني: وسائل تبليغ الدعوة

- ‌الفهارس:

- ‌الفهرست:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال

‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال

تمهيد:

421-

من البديهي أنَّ الدولة تحتاج إلى نفقات كثيرة لسد حاجاتها المختلفة، وهذه النفقات تغطيها من مواردها المتعددة، وقد كانت الدولة الإسلامية في عهد

الرسول صلى الله عليه وسلم قليلة التكاليف، فلم يكن هناك موظفون لهم رواتب دائمة منظمة، وإنما كان يعطي من يقوم ببعض الأعمال أجرًا على عمله، مثل: جباة الزكاة، فإذا انتهت الجباية انتهى الأجر، وفي القتال كان يستنفر المسلمين ويأتون بأسلحتهم ودوابهم ويقاتلون، فإن غنموا شيئًا قسمه عليهم. وحصيلة الزكاة إذا وردت قسمها الرسول صلى الله عليه وسلم على المستحقين، وعلى هذا لم تكن الحاجة قائمة لتنظيم واردات الدولة ومصارفها على النحو الذي حدث فيما بعد، وجاء أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسار على النهج الأول، فلم يضبط الواردات ولا المصروفات؛ لعدم ظهور الحاجة إلى ذلك، ولأنَّ أمد خلافته كان قصيرًا، فلمَّا جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واتَّسعت رقعة البلاد الإسلامية بما فتحه الله على المسلمين من بلاد الروم والفرس، وزادت واردات الدولة من الغنائم والفيء والجزية، فكَّر عمر بن الخطاب في طريقة تضبط هذه المصاريف، مثل: رواتب الجند والعمال والولاة ونحو ذلك من وجوه الصَّرف على المصالح العامَّة وحاجات الدولة، وما كان يبقى من أموالٍ بعد الصرف يحفظ في بيت المال، وينفق في حينه.

فبيت المال إذن يشبه الخزانة العامة في الوقت الحاضر؛ حيث كل ما يعود للدولة من حقوق مالية يضاف إليها باعتباره حقًّا لها، وكل ما تحتاجه الدولة من نفقات وصرف تتحمَّله هذه الخزانة العامَّة، ويضاف إليها باعتباره حقًّا عليها.

422-

وموارد الدولة الإسلامية، أي: موارد بيت المال، هي الزكاة والخراج والجزية والعشور والفيء وخمس الغنائم وغير ذلك مما نذكره فيما يلي تباعًا.

أولًا: الزكاة 1

423-

الزكاة مأخوذة من النماء والزيادة، وهي في الشريعة: حق يجب في المال، وهي من فروض الإسلام وأركانه، قال تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاة} ، وفي الحديث الشريف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن وقال له: "أعلمهم أن الله فرض عليهم

1 المغني لابن قدامة ج2 ص572 وما بعدها.

ص: 257

صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم"، وأجمع المسلمون على وجوبها، واتفق الصحابة الكرام على قتال مانعيها، وعلى هذا فمن أنكر وجوبها كفر، ومن منعها معتقدًا وجوبها وقدِرَ الإمام على أخذها منه أخذها منه جبرًا، وعزَّره على امتناعه، وإن كان خارجًا عن قبضة الإمام قاتله كما فعل أبو بكر رضي الله عنه، وقال قوله المشهور: "لو منعوني عقالًا كانو يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليه".

424-

وهي تجب على كل مسلم ومسلمة، فإذا ملك نصابًا خاليًا من دَيْنٍ فعليه زكاته عند تمام الحول، سواء أكان كبيرًا أو صغيرًا، عاقلًا أو مجنونًا، ولا زكاة في ما لا يحول عليه الحول، وهذا في الماشية والذهب والفضة وقيم عروض التجارة، أمَّا في الزرع والثمار والمعدن فلا يشترط له الحول، وتجب الزكاة في الذمة بحلول الحول، حتى ولو تلف النصاب على كل حال، إلّا أن يكون الإمام قد طلبها فمنعها، ولا تسقط بالموت، قال الحنفية بالسقوط إلّا إذا أوصى بها، فتجب من الثلث، والدولة الإسلامية تجبي زكاة الأموال الظاهرة وهي الماشية والزروع وتقسمها على مستحقيها، أمَّا الأموال الباطنة كالذهب والفضة وعروض التجارة فإنَّ أصحابها يخرجون زكاتها إلّا إذا دفعوها إلى الإمام، فإنه يقسهما على المستحقين، ويبدو لي جواز قيام الإمام بجباية زكاة الأموال الباطنة ابتداءً، وتقسيمها على مستحقيها.

425-

أمَّا النصاب ومقدار الزكاة فيختلف باختلاف الأموال وأصنافها على النحو التالي1:

426-

أولًا: المواشي: وتشمل الإبل والبقر والغنم على التفصيل التالي:

أ- نصاب الإبل وزكاتها:

عدد الإبل مقدار زكاتها

5-

9 شاة جذعة من الضأن، أو ثنية من المعز، والجذع من الغنم ما له ستة أشهر، والثني منها ما استكمل سنة.

10-

14 شاتان.

1 المغني ج2 ص580 وما بعدها، أبو يعلى الحنبلي ص99 وما بعدها. المارودي ص109 وما بعدها.

ص: 258

15-

19 ثلاث شياه.

20-

24 أربع شياه.

25-

34 ابنة مخاض من الإبل، وهي ما استكملت سنة، فإن لم يجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر.

36-

45 ابنة لبون، وهي ما استكملت سنتين.

46-

60 حِقَّة، وهي ما استكملت ثلاث سنين، واستحقت الركوب وطرق الفحل.

61-

75 جذعة، وهي ما استكملت أربع سنين.

76-

90 بنتا لبون.

91-

120 حِقَّتان.

121-

139 ثلاث بنات لبون.

140-

149 حقتان وبنتا لبون.

150-

159 ثلاث حِقَاق.

160-

169 أربع بنات لبون.

170-

179 حقة وثلاثة بنات لبون.

180-

189 ثلاث حقاق وبنت لبون.

200 أربع حقاق أو خمس بنات لبون،

وعلى هذا القياس فما زاد، في كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، وذهب الحنفية والثوري والنخعي أنَّ الإبل إذا زادت على عشرين ومائة استؤنفت الفريضة، فيكون في كل خمس من الإبل شاة، إلى خمس وأربعين ومائة، فيكون فيها حقتان وبنت مخاض، إلى خمسين ومائة، وفيها ثلاث حقاق، ثم تستأنف الفريضة بعد ذلك، فيكون في كل خمس شاة.

هذا ويشترط لزكاة الإبل مع تحقق النصاب ومرور الحول أن تكون سائمة، أي: ترعى الكلأ لنقل مئونتها، وعن مالك رحمه الله: السوم ليس بشرطٍ لزكاتها، فتجب الزكاة في المعلوفة والعاملة، هذا وليس فيما دون خمس من الإبل زكاة.

ص: 259

427-

ب- نصاب البقر والجاموس:

عددها زكاتها

30-

39 تبيع ذكر، وهو ما له سنة ودخل في الثانية، فإن أعطى تبيعة أنثى قبلت.

40-

59 مُسِنَّة أنثى، وهي التي لها سنتان، فإن لم تكن في البقرة مُسِنَّة قُبِلَ منه المسن الذكر.

60-

96 تبيعان.

70-

79 مسنة وتبيع.

80-

89 مسنتان.

90-

99 ثلاث أتبعة.

100-

109 مسنة وتبيعان.

110-

119 مسنتان وتبيع.

120 ثلاث مسنات أو أربعة أتباع.

ثم على هذا القياس فيما زاد في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة، هذا ويشترط في البقر والجاموس مع النصاب ومرور الحول السوم، وعن مالك: ليس هذا بشرط، فتجب الزكاة في المعلوفة والعاملة كقوله في الإبل، ويضم الجاموس إلى البقر عند عد النصاب، وليس فيما دون الثلاثين زكاة.

4285-

ج- الغنم، ويشمل الضأن والمعز، ونصابها وزكاتها كما يلي:

العدد الزكاة

40-

120 جذعة أو ثنية من المعز، إلّا أن تكون كلها صغارًا دون الجذاع والثنايا، فيؤخذ منها صغيرة دون الجذعة والثنية.

121-

200 شاتان.

201-

399 ثلاث شياه.

400 أربع شياه.

ما زاد على الـ400 في كل مائة شاة.

ص: 260

هذا وإنَّ المعز يضمّ إلى الشياه عند عدّ النصاب، ويشترط في زكاة الغنم السوم، أي: أن تكون سائمة.

429-

ثانيًا: زكاة الزورع والثمار

كل ما أخرج الله عز وجل من الأرض مما ييبس ويبقى، مما يكال ويبلغ خمسة أوسق فصاعدًا ففيه العشر إن كان سقيه من السماء أو سيحًا، وإن كان يسقى بآلة والدوالي والنواضح وما فيه الكلف فنصف العشر.

وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى: تجب الزكاة في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض، إلّا الحطب والقصب والحشيش؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"فيما سقت السماء العشر"، وهذا عام؛ ولأنَّ هذا يقصد بزراعته نماء الأرض، فأشبه الحب، وإنها تجب في القليل والكثير، ولا تقيِّد بالخمسة أوسق؛ ولأنه لا يعتبر لزكاة الزورع مرور الحول فلا يعتبر لها نصاب، واحتج القائلون بأنَّ الزكاة لا تجب فيما دون خمسة أوسق بالحديث الشريف:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، وهو حديث صحيح وهو خاصّ، فيجب تقديمه على الحديث الذي احتجوا به؛ لأنه عام، الخاص يخصِّص العام. أمَّا اشتراط الحول فلأنَّ الزرع يكمل نماؤه ياستحصاده لا ببقائه، واعتبر الحول في غير الزرع لأن مرور الحول مظنَّة لكمال النماء، والنصاب اعتبر ليبلغ المال حدًّا يحتمل أخذ الزكاة منه، وهذا المعنى يلاحظ في الزورع وغيرها.

430-

ثالثًا: زكاة الذهب والفضة: ويشترط في زكاتهما النصاب ومرور الحول، ونصاب الفضة مائتا درهم، وفيه خمسة دراهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، وفيه نصف مثقال، وإذا اتَّجر بالدراهم والدنانير زكَّاهها وربحها إذا حال عليها الحول وكانت نصابًا.

وليس في حلي المرأة زكاة إذا كان مما تلبسه عادة أو تعيره، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّ فيه زكاة.

431-

رابعًا: زكاة المعادن:

1 المغني ج2 ص696، والوسق يقدَّر بستين صاعًا، والصاع يقرب من كيلو ونصف؛ لأنه مقدَّر بأربع حفنات بيدي رجل.

ص: 261

وهي من الأمول الظاهرة، وتجب الزكاة في جميع الخارج منها، سواء أكانت من المعادن الصلبة كالذهب والفضة والحديد، أو المائعة كالقير والنفط، أو كانت تشبه الحجر وتنكسر بالطرق كالجواهر، ويشترط لوجوب الزكاة فيها أن تبلغ نصابًا بعد السبك والتصفية، ومقدار النصاب عشرون مثقالًا من الذهب، ومائتا درهم من الفضة، أو قيمة هذا النصاب من غير الذهب والفضة، ولا يشترط مرور الحول لوجوب لزكاة، ومقدار الزكاة ربع العشر. وقال الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى: يجب الخمس في قليل المعدن وكثيره من غير اعتبار نصاب بناءً على أنه ركاز، والركاز فيه الخمس؛ ولأنه لا يعتبر له حول، فلم يعتبر له نصاب.

ولا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان، وعن الإمام أحمد بن حنبل أنَّ فيه الزكاة؛ لأنه خارج من معدن.

432-

خامسًا: الركاز

وهو كل مالٍ وجد مدفونًا من ضرب الجاهلية "قبل الإسلام" في أرض موات، أو طريق سابل يكون لواجده، وعليه الخمس؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وفي الركاز الخمس"، ويجب هذا الخمس على واجده سواء أكان مسلمًا أو ذميًّا، صغيرًا أو كبيرًا، عاقلًا أو مجنونًا؛ لعموم هذا الحديث الشريف، ويعرف أنه من ضرب الجاهلية إذا كان عليه علامة تدل على ذلك كصورة صنم أو اسم ملك لهم، أو تاريخ قديم قبل الإسلام، أمَّا إذا كان من ضرب الإسلام بدلالة ما عليه من آية قرآنية أو تاريخ هجري فهو لقطة، وتسري عليها أحكامها.

هذا وإنَّ الركاز إذا عثر عليها في أرض مملوكة فهو لمالك الأرض، لاحق فيه لواجده، وعلى مالكه الخمس.

433-

سادسًا: عروض التجارة

والعروض جمع عرض، وهو غير الأثمان من المال على اختلاف أنواعه من النبات والحيوان والعقار وسائر الأموال الأخرى التي يتَّجر بها صاحبها بقصد الربح، وتجب الزكاة في أموال التجارة إذا بلغت نصابًا بعد تقويمها بالذهب أو الفضة، ومضي عليها حول، ولا يلتفت إلى زيادة النصاب أو نقصانه خلال الحول ما دام النصاب حاصلًا في

ص: 262

أول الحول وآخره، والنماء أي: الربح تابع لأصل مال التجارة عند التقويم في نهاية الحَوْل.

ثانيًا: الجزية

434-

الجزية هي المال المقدَّر المأخوذ من الذميّ، فهي ضريبة على الرءوس، يلتزم غير المسلم بأدائها إلى الدولة الإسلامية؛ إذا ما دخل في الذمَّة، أي: صار ذميًّا.

وهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، فمن الكتاب قوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، وفي السنة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأجمع المسلمون على أخذ الجزية من غير المسلم1.

435-

ويشترط لوجوب الجزية العقل والبلوغ والذكورة، فلا تجب على الصبيان والنساء والمجانين، كما يشترط لوجوبها السلامة من الزمانة والعمى والشيخوخة، فلا تجب على زمِن ولا أعمى ولا شيخ كبير، ولا تجب على الراهب، وعند بعض الفقهاء تجب عليه مطلقًا، وعند آخرين تجب عليه إذا خالط الناس أو كان قادرًا على العمل.

436-

وتجب الجزية في آخر كل سنة، وتؤخذ في آخرها، وعند الحنفية تجب في أولها، وتؤخذ في آخرها، ومقدارها 12 درهمًا على الفقير المعتمل، و24 درهمًا على المتوسط، 48 درهمًا على الموسِر، وعند بعض الفقهاء أنَّها غير مقدَّرة، وإنما يقدِّرها الإمام حسب اجتهاده ورأيه.

437-

وتسقط الجزية بعد وجوبها إذا أسلم الذميّ أو عجزت الدولة الإسلامية عن حماية الذميين، ولهذا ردَّ أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الجزية إلى الذمِّيين في بعض مدن الشام، عندما عجز الجيش الإسلامي عن حمايتهم2، وفي صلح خالد بن الوليد مع صلوبا بن نسطونا صاحب قس الناطف في منطقة الحيرة:"فإن منعناكم فلنا الجزية، وإلا فلا حتى نمنعكم"3.

1 المغني ج8 ص496، والجصاص ج3 ص92، 93، اختلاف الفقهاء للطبري ص19.

2 الخراج لأبي يوسف ص139.

3 تاريخ الطبري ج4 ص16.

ص: 263

ثالثًا: الخراج

438-

الخراج ما ضُرِبَ على أراضي الكفار المغنومة عنوة، التي تركتب بيد أهلها1، فهي ضريبة مالية على الأراضي المفتوحة التي تركها المسلمون بيد أهلها يزرعونها ويستغلونها. وأوَّل من فعل ذلك الإمام الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ إذ فرض على أرض العراق الخراج وتركها بيد أصحابها، بعد مشاورةٍ منه للصحابة الكرام وموافقتهم على رأيه، والأرض التي تفرض عليها ضريبة الخراج تسمَّى بالأرض الخراجية.

439-

والخراج نوعان: خراج وظيفة، وهو ما يفرض على الأرض بالنسبة إلى مساحتها ونوع زراعتها، وخراج مقاسمة وهو أنَّ المفروض جزء من الخارج؛ كالخمس والسدس ونحو ذلك، والفرق بين النوعين أنَّ في خراج الوظيفة يكون الواجب شيئًا في الذمَّة يتعلق بالتمكن من الانتفاع بالأرض، ويؤخذ مرة واحدة في السنة، أمَّا في خراج المقاسمة فيكون الواجب متعلقًا بما يخرح من الأرض لا بالتمكين من زراعتها، حتى إذا عطل الأرض صاحبها مع التمكّن من الانتفاع بها لم يجب عليه شيء، كما أنَّ خراج المقاسمة يتكرَّر بتكرر الخارج من الأرض.

440-

والمنظور إليه عند تقرير الخراج طاقة الأرض حتى لا يكون الخراج مرهقًا لصاحبها، وقد نصَّ الفقهاء على بعض ما يسترشد به لمعرفة مدى طاقة الأرض لمقدار الخراج2، فمن ذلك: خصوبة الأرض، ونوع ما يزرع فيها، وأثمانه، وطريقة سقيها، وقربها أو بعدها عن المدن والأسواق.

441-

وإذا عجز صاحب الأرض عن استغلال أرضه فقد ذهب الحنفية أنَّ للإمام في هذه الحالة أن يعطيها لغيره مزراعة، أو أن يؤجرها، أو أن يزرعها بمال بيت المال، ويستوفي من جميع ذلك ضريبة الخراج، ويمسك الباقي لصاحب الأرض، وعن أبي يوسف -رحمه الله تعالى: يدفع للعاجز كفايته من بيت المال قرضًا ليعمل ويستغل أرضه، وعند الشافعية والحنابلة: ويؤمر صاحب الأرض بإيجارها أو رفع يده عنها، ولا

1 شرح الأزهار ج1 ص571.

2 الماوردي ص143، 144، أبو يعلى الحنبلي ص151.

ص: 264

تترك بيده خرابًا، وإن دفع خراجها لئلَّا تصير بالخراب أرضًا ميتة، فيتضرَّر بيت المال ويقل الإنتاج في الدولة الإسلامية، وفي هذا ضرر عام.

والواقع أنَّ الحلول التي ذكرها الفقهاء كلها سائغة، ولولي الأمر أن يختار منها ما يراه أصلح من غيره1.

رابعًا: العشور

443-

ضريبة تجارية يخضع لها الذميون والمستأمنون، فهي بالنسبة إلى الذمِّي تفرض على أمواله المعدَّة للتجارة، إذا انتقل من بلد إلى بلد داخل الدولة الإسلامية، ومقدارها نصف العشر. وهي بالنسبة للمستأمن -وهو غير المسلم إذا دخل إلى دار الإسلام بأمان- تفرض على ما يدخل به من مالٍ للتجارة إلى إقليم دار الإسلام، مقدارها عُشْر ما يدخل به من مالٍ، كقاعدة عامَّة، وإن كان من الجائز أن يقلَّ عن هذا المقدار أو يزيد تبعًا لقاعدة المعاملة بالمثل، بمعنى أنَّ دولة المستأمن إذا أخذت من تجار دار الإسلام إذا دخلوا أراضيها ضريبة أكثر من العشر أو أقلّ، فإن الدولة الإسلامية تعامل رعايا هذه الدولة بالمثل، فتستوفي من أموالهم التجارية نفس هذه الضريبة.

443-

ويشترط لوجوب هذه الضريبة في مال الذمي أن يبلغ نصاب الزكاة، وهذا ما قاله الحنفية والزيدية وبعض الحنابلة1، وقال الإمام مالك: النصاب ليس بشرطٍ لوجوب هذه الضريبة2، وتستوفى هذه الضريبة في السنة مرة واحدة من الذمي والمستأمن، إلّا إذا رجع المستأمن بماله إلى بلده، ثم عاد بنفس ماله إلى دار الإسلام، فإنه تؤخذ منه الضريبة مرَّة أخرى على نفس المال.

1 كتابنا: أحكام الذميين والمستأمنين ص167.

2 شرح السير الكبير للسرخسي ج6 ص284، وشرح الأزهار ج1 ص577، والمغني ج8 ص519.

3 الأموال لأبي عبيد ص535-536.

ص: 265

خامسًا: الغنائم

444-

والغنيمة كما يقول الإمام ابن تيمية: هي المال المأخوذ من الكفَّار بالقتال، وسماها الله تعالى أنفالًا؛ لأنها زيادة في أموال المسلمين1.

والغنمية أربعة أصناف: أسرى وسبي وأرضون، وأموال منقولة، أمَّا الأسرى فهم الرجال المقاتِلون من الكفار إذا ظفر بهم المسلمون وأسروهم، والإمام مخيَّر فيهم -إذا قاموا على كفرهم- في فعل الأصلح حسب اجتهاده، إمَّا القتل وإمَّا الاسترقاق وإمّا الفداء بمالٍ أو أسرى، أو المنّ بغير فداء1، ولكن إذا أسلم الأسير سقط القتل عنه، وكان الإمام على خياره فيه بين الرق والمَنّ والفداء2.

445-

وأمَّا السبي فهم النساء والأطفال، وهؤلاء لا يجوز قتلهم، ويكون سببًا مسترقًّا، يقسمون مع الغنائم "الأموال المنقولة"، فإن فادى الإمام بالسبي على مالٍ جاز، ويكون مال فدائهم مغنومًا مكانهم، وإن أراد الإمام إن يفادي بهم عن أسرى المسلمين في أيدي العدو جاز بذلك، وعوّض الغانمين عنهم من سهم المصالح، وأن أراد المَنّ عليهم لزم استطابة نفوس الغانمين عنهم، إمَّا بالعفو عن حقوقهم فيهم، وإمَّا بمال يعوِّضُهم عنهم4.

446-

وأمَّا الأرضون، فخلاصة القول فيها على ما ذكره الإمام أبو عبيد في كتابه "الأموال"، والماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية5": إنَّ الأرض التي يستولي عليها المسلمون ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم، وتكون أرضًا عشرية، أي: يستوفي من زرعها الزكاة المقررة.

1 السياسة الشرعية لابن تيمية ص30.

2 أبو يعلى ص125.

3 الماوردي ص126.

4 الماوردي ص126-127.

5 الأموال لأبي عبيد، الماوردي ص132-133.

ص: 266

القسم الثاني: أرض فتحت صلحًا على خراجٍ معلوم، فهي على ما صالحوا عليه، ولا يلزمهم أكثر منه، وهي على نوعين: أحدهم: يصالحهم الإمام على أنَّ ملك الأرض للمسلمين، فتصير بهذا الصلح وقفًا من دار الإسلام، ويكون الخارج أجرة لا يسقط عنهم بإسلامهم.

والنوع الثاني: أن يصالحهم الإمام على أنَّ الأرض لهم، على أن يؤدوا خراجًا معلومًا، ويجوز لهم التصرف بها بالبيع ونحوه، بخلاف النوع الأول.

القسم الثالث:

أرض فتحها المسلمون بالحرب واستولوا عليها عنوة، فهذه اختلف فيها الفقهاء، تقسَّم على الغانمين المسلمين بعد إخراج خمسها إلى من ذكرهم الله تعالى، إلّا إذا رغب الغانمون بتركها لبيت المال، فتوقف على مصالح المسلمين، وقال الإمام مالك -رحمه الله تعالى: تصير وقفًا على المسلمين، ولا يجوز قسمتها بين الغانمين، وقال أبو حنيفة -رحمه الله تعالى: الإمام فيها بالخيار بين قسمتها بين الغانمين، فتصير أرضًا عشرية، أو يعيدها إلى أيدي المشركين أصحابها الأصليين بخراجٍ يضربه عليها، فتكون أرض خراج، ويكون المشركون بها أهل ذمَّة، أو يوقفها على كافّة المسلمين، وتصير هذه الأرض من إقليم دار الإسلام، سواء سكنها المسلمون أو أعيد إليها المشركون لملك المسلمين لها، ولا يجوز التنازل عنها للمشركين، ورجَّح الإمام أبو عبيد أنَّ الخيار للإمام في الأرض المفتوحة عنوة، فله أن يقسمها على الغانمين بعد إخراج الخمس منه، كما له أن يجعلها موقوفة على المسلمين عامَّة، ورأي الحنفية يتضمَّن هذ الذي رجَّحه أبو عبيد، وعلى هذا نميل إلى رأي الحنفية.

447-

أما الأموال المنقولة فهي الغنائم المألوفة، ولا تقسم إلّا بعد انجلاء الحرب وتحقق ظفر المسلمين، ويجوز بعد جمعها قسمتها في دار الحرب، كما يجوز تأخير قسمتها بعد الرجوع إلى دار الإسلام بحسب ما يراه الأمير من المصلحة، فإذا أرادوا قسمتها بدأ بأسلاب القتلى، فأعطى كل قاتل سلب قتيله، والسلب ما كان عى المقتول من لباس، وما كان معه من سلاح يقاتل به، وما كان تحته من فرس يقاتل عليه، ثم يبدأ بعد إعطاء السلب لمسحقيه بإخراج الخمس من جميع الغنيمة، ويوزَّع إلى مستحقيه على ما سنذكره في باب مصارف بيت المال، ثم يرضخ بعد إخراج الخمس لأهل الرضخ، وهم من لا سهم له مِمَّن يكون مع الجيش الإسلامي؛ كالنساء والصبيان

ص: 267

وأهل الذمة، فيرضخ لهم من الغنيمة بحسب ما قدَّموه من عون للمقاتلين، ولا يبلغ برضخ أحدهم سهم فارس ولا راجل، وبعد إخراج الخمس والرضخ يقسم الباقي من الغنيمة على المقاتلين، للراجل منهم سهم واحد، وللفارس ثلاث أسهم، ويجوز لأمير الجيش أن يزيد في سهام بعض المقاتلين إذا ظهرت منهم زيادة نكاية بالعدو، أو قاموا بأعمالٍ سهَّلت نصر المسلمين، وهذه الزيادة المعطاة لهؤلاء يجوز أن تكون من الخمس، كما يجوز أن تكون من أربعة الأخماس الباقية من الغنيمة.

سادسًا: الفيء

448-

الفيء هو كل مال أخذه المسلمون من الكفار بغير قتال وأدخل الفقهاء في مفهومه الجزية والخراج والعشور، والمال لذي يصالح عليه العدو، وما يتركه المشركون بعد هربهم أو جلائهم، وسمِّي فيئًا لأنَّ الله تعالى أفاءه على المسلمين، أي: ردَّه عليهم من الكفار؛ لأنَّ الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وخلق المال للاستعانة به على عبادته، فالكافر لكفره أباح الله تعالى لعباده المؤمنين الذين يعبدونه نفس هذا الكافر وماله؛ لأنه لم يستعمل ماله في عبادة الله1، والأصل في الفيء قول الله تعالى في سورة الحشرة:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، فالفيء هو المال الواصل للمسلمين من المشركين بلا قتال.

سابعًا: الموارد الأخرى:

449-

ومن موارد بيت المال الأموالُ التي ليس لها مالك معين، مثل من مات من المسلمين وليس له وراث معين، وكالغصوب والعواري والودائع التي تعذر معرفة أصحابها، واللقطة التي لم يظهر صاحبها في بعض الحالات2.

ومن موارد بيت المال ما يكون للدولة من أراضي تستغلها أو تؤجرها، فتكون الغلة أو الأجرة لبيت المال، ومن ذلك ما اصطفاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، باستطابه نفوس الغانمين- من أرض السواد في العراق، التي كانت لكسرى وأهل بيته

1 السياسة الشرعية لابن تيمية ص36.

2 انظر بحثنا في أحكام اللقطة.

ص: 268

وما هرب عنه أربابه أو هلكوا، والإمام مخيَّر بين استغلالها رأسًا لمصلحة بيت المال، كما له أن يؤجرها لمصلحة بيت المال، وقد فعل بالأول عمر بن الخطاب، وبالتالي عثمان بن عفان -رضي الله عنهما1.

ومن موارد بيت المال ما يفرضه الإمام في أموال الأغنياء عند الضرورة؛ لصرفه على شئون الدولة والرعية الضرورية عند عدم وجود مال في بيت المال، مثل: نفقات الجند وسد حاجات المحتاجين.

الفرع الثاني: مصارف بيت المال

450-

أولًا: الزكاة

وتصرف لمن سماهم الله تعالى في كتابه في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ، والفقراء والمساكين هم المحتاجون، والعاملين عليها هم جباة الزكاة، والمؤلَّفة قلوبهم نوعان: كافر ترجى بعطيته منفعة كإسلامه، أو دفع مضرته، ومسلم يرجى حسن إسلامه، أو إسلام نظيره2، وفي الرقاب يدخل فيه إعانة الأرِقَّاء الذين يكاتبون أسيادهم على مالٍ يؤدونه إليهم حتى يعتقوا، وافتداء الأسرى وعتق الرقاب، والغارمين هم الذين عليهم ديون في أمور مباحة ولا يجدون وفاءها، فيعطون وفاء ديونهم، أمَّا لو استدانوها في معصية الله فلا يعطون حتى يتوبوا3، وفي سبيل الله وهم الغزاة، فيعطون ما يغزون به، أو تمام ما يغزون به من خيلٍ وسلاح ونفقة وأجرة، وابن السبيل هو الغريب في البلد وليس عنده نفقة سفره، ولا ما يوصله إلى بلده، ويجوز صرف الزكاة في أحد الأصناف الثمانية مع وجودهم، ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا

1 الماوردي ص185، 186.

2 السياسية الشرعية لابن تيمية ص34، 48.

3 المرجع السابق ص34.

ص: 269

إلى ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب.

451-

ثانيا: زكاة المعادن وخمس الركاز

ومصرف زكاة المعادن وخمس الركاز مصرف الزكاة المعتادة، أي: مصرف زكاة الماشية والزروع والثمار والذهب والفضة وعروض التجارة.

452-

ثالثًا: الغنيمة

الواجب في الغنمية لبيت المال خمسها، ويقسَّم هذا الخمس على من ذكرهم الله تعالى في سورة الأنفال، قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سورة الأنفال: 41] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف سهم الله وسهمه في مصالح الإسلام، وأربعة أخماس الخمس في أهلها المستحقين لها مقدمًا للأهم فالأهم، والأحوج فالأحوج، دون أن يقسم بينهم أربعة أخماس الخمس السوية1.

453-

رابعًا: الفيء

ويقسم على ما ذكرهم الله تعالى في سورة الحشر، قال تعالى:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الحشر: 7-10] .

1 زاد المعاد لابن القيم ج3 ص222.

ص: 270

وقال الفقيه الماوردي: يؤخذ خمس الفيء ويقسَّم على خمسة أسهم متساوية: سهم منها كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، ينفق منه على نفسه وأزواجه ومصالحه ومصالح المسلمين، وقد صار هذا السهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم مصروفًا في مصالح المسلمين؛ كأرزاق الجيش وإعداد السلاح وبناء الحصون والقناطر وإعطاء رواتب القضاة والموظفين، وما جرى هذا المجرى من وجوه المصالح العامة، والسهم الثاني: سهم ذوي القربى، وهم بنوا هاشم وبنو عبد المطلب بن عبد مناف، والسهم الثالث: لليتامى من ذوي الحاجات، واليتم موت الأب مع الصِّغَر، والسهم الرابع: للمساكين، وهم الذين لا يجدون ما يكفيهم، والسهم الخامس: لبني السبيل، وهم المسافرون الذين لا يجدون ما ينفقون، وأما أربعة أخماس الفيء ففيه قولان أحدهما: إنه للجيش خاصة، والثاني: إنه مصروف في المصالح العامَّة، ومنها: أرزاق الجيش وما يلزمه1.

والواقع أنَّ الآية الكريمة كما يقول الفقيه المشهور ابن القيم: إنما أفاء الله على رسوله بجملتها لمن ذكر في هذه الآيات، ولم يخص منه خمس بالمذكورين، بل عمَّم وأطلق واستوعب، فيصرف الفيء على المذكورين كلهم، أمَّا ذكر اليتامى والمساكين ونحوهم فإنما يفيد العناية بهم، وضرورة إدخالهم في جملة المستحقين للفيء وإن كانوا يستحقون أيضًا من خمس الغنيمة، ولا يفيد حصر الاستحقاق بهم، وعلى هذا فالفيء يستحقه هؤلاء المذكورون والمهاجرون والأنصار الذين جاءوا من بعدهم من المسلمين الذين يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان.. إلخ، ولا يدخل معهم من يلعنهم ويتبرأ منهم، وعلى هذا فيصرف الفيء في جميع مصالح المسلمين، ومنها: الإنفاق على ذوي الحاجات، ودفع الأرزاق للجند والعلماء والقضاة وسائر موظفي الدولة، كما يعطى منه إلى عموم المسلمين، وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين في سيرتهم وهديهم، ولذلك قال عمر رضي الله عنه:"وليس أحد أحق بهذا المال من أحد، إنما هو الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل وحاجته".

فجعلهم عمر رضي الله عنه أربعة أقسام، الأول: ذوي السوابق الذين بسابقتهم، أي: بإسلامهم حصل المال، والثاني: من يغني عن المسلمين في جلب المنافع لهم، كولاة الأمور والعلماء الذين يجلبون لهم منافع الدنيا والآخرة، والثالث: من يبلي بلاء حسنًا في دفع

1 الماوردي ص122، 123.

ص: 271