الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتعلق بالحاكم -أي رئيس الدولة، وتبيِّن كيفية اختياره ومركزه القانوني وعلاقة الأمَّة به، والأغراض التي يهدف اليها الحكم، ونحو ذلك.
هل يوجد نظام حكم في الإسلام؟
333-
وقد يسأل البعض: هل يوجد في الإسلام نظام للحكم؟ والجواب: نعم؛ لأنَّ من خصائص الإسلام الشمول، فمن البديهي أن يرد فيه من القواعد والأحكام ما يكون نظامًا خاصًّا للحكم في الإسلام، فنحن نجد في القرآن الكريم الأمر بالشورى، ولزوم طاعة الحكام، والحكم بما أنزل الله، ونحو ذلك، وفي السنة النبوية تتكرَّر ألفاظ الأمير والإمام والبيعة، وطاعة الأمير في غير معصية الله، وفي اجتهادات الفقهاء القائمة على نصوص القرآن والسنة كثير من الأحكام والقواعد المهمّة المتعلقة بالحكم، وكل هذا وما سنذكره يدل على أنَّ للإسلام نظامه الخاص في الحكم.
مقومات نظام الحكم في الإسلام:
334-
وإذا كان في الإسلام نظام للحكم، فلا بُدَّ له من مقومات أو أسس وهي في نظرنا: وجود الخليفة، وقاعدة الشورى، والخضوع لسلطان الإسلام، ولا بُدَّ من الكلام عن كل واحد من هذه المقومات في مطلَب على حدة.
المطلب الأول: الخليفة
تعريف الخليفة:
335-
الخليفة اسم يقال لمن استخلفه غيره، ولمن خالف غيره في أمر من الأمور1، وفي الاصطلاح الشرعي يراد بالخليفة عند الإطلاق: مَنْ يتولى إمرة المسلمين، أي: رئاسة الدولة الإسلامية، ويسمَّى أيضًا بالإمام، فهو رئيس لدولة موصوفة بوصف الإسلام، أي: قائمة على أسسه ومصبوغة بصبغته، وتطبق أحكامه، والخليفة هو الحارس لبقاء صفتها هذه، كما سنبيِّن فيما بعد.
1 منهاج السنة النبوية لابن تيمية ج1 ص137.
وجوب نصب الخليفة:
336-
يقول الإمام ابن تيمية: "يجب أن يعرف أنَّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدِّين، لا قيام للدِّين إلّا بها"1، وهذا حق، فنصب الخليفة الذي يتولَّى الحكم وإدارة شئون الناس من فرائض الإسلام التي دَلَّ عليها القرآن والسنة والإجماع وطبيعة أحكام الشريعة الإسلامية.
أولًا: فمن الكتاب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، وأولو الأمر هم الأمراء، وأدخل بعضهم في مفهوم أولي الأمر العلماء أيضًا2.
ثانيًا: ومن السنة القولية، الحديث الشريف:"...... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية"، أي: بيعة للإمام، وهذا صريح في الدلالة على وجوب نصب الخليفة، وفي حديث آخر:"لتنقض عرى الإسلام عروة عروة، وأولها نقضًا الحكم، وآخرها الصلاة"، والمقصود بالحكم: الحكم على المنهج الإسلامي، ويدخل فيه بالضرورة وجود الخليفة الذي يقوم بهذا الحكم، ونقضه يعني التخلي عنه وعدم الالتزام به، وقد قرن بنقض الصلاة وهي واجبة فدلَّ على وجوبه.
ثالثًا: ومن السنة الفعلية، أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أقام أول دولة إسلامية في المدينة بعد أن مهَّد لها وهو في مكة، وصار هو صلى الله عليه وسلم أوّل رئيس لتلك الدولة الإسلامية التي قامت في المدينة، وما معاهدته عليه الصلاة والسلام مع يهود المدينة ثم مع غيرهم، إلّا من مظاهر السلطان الذي أخذ يباشره بصفته رئيسًا لدولة الإسلام، وقد أدرك الفقهاء اجتماع صفة الإمام -الرئاسة- مع صفة النبوة في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبيِّنُوا حكم ما يصدر عنه بهذه الصفة أو بتلك3.
رابعًا: الإجماع، قال الفقهاء: نصب الخليفة واجب بالإجماع، فمن أقوالهم هذه، ما قاله الماوردي الشافعي، وأبو يعلى الحنبلي:"عقد الإمامة لمن يقوم به في الأمة واجب بالإجماع"4، ويفصِّل ابن خلدون فيقول في مقدمته: "إنَّ نصب الإمام
1 السياسة الشرعية لابن تيمية ص138.
2 أحكام القرآن للجصاص ج2 ص310، وتفسير القرطبي ج5 ص259.
3 الفروق للقرافي ج1 ص207، 208.
4 الأحكام السلطانية للماوردي ص3، الأحكام السلطانية لابن يعلى الحنبلي ص3.
واجب، فقد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين؛ لأنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه، وإلى تسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كلِّ عصر من الأعصار، واستقرَّ ذلك إجماعًا دالًّا على وجوب نصب الإمام1، وحكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإمامة، وقال:"لم يخالف في هذا إلّا فرقة من الخوارج هي النجدات، فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمام، إنما عليهم أن يتعاطوا الحب بينهم"، ثم قال ابن حزم:"وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد"، ثم أخذ يسرد الأدلة على إثبات وجوب الأمامة والرَّد على هذه الفرقة2.
والواقع أنَّ قول النجدات لا يعوَّل عليه، فإنَّ الأدلة تخالفه؛ لأنَّ الإسلام يوجب التأمير في أقلّ الاجتماعات، فكيف بأكثرها، جاء في الحديث:"لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلّا أمَّروا أحدهم"، وفي رواية في سنن أبي داود:"إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم"، ويقول الإمام ابن تيمية تعليقًا على هذين الحديثين:"فإذا كان قد أوجب في أقلِّ الجماعات وأقصر الاجتماعات أن يولَّى أحدهم، كان هذا تنبيهًا على وجوب ذلك فيما هو أكثر من ذلك"3.
خامسًا: إنَّ كثيرًا من أحكام الشريعة يحتاج تنفيذها إلى قوة وسلطان، مثل أحكام الجهاد، وإقامة الحدود والعقوبات، وإقامة العدل بين الناس، فلا بُدَّ من نصب الإمام حتى يمكن تنفيذ هذه الأحكام، وقد أشار إلى هذا المعنى ابن تيمية إذ يقول:"ولأنَّ الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحج والجُمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتمّ إلا بالقوة والإمارة"4.
من يملك حق انتخاب الخليفة:
337-
والأمّة هي التي تملك حق نصب الخليفة قيامًا منها بهذا الواجب الشرعيّ الذي خوطب به المسلمون، كما سنذكره، يدل على ذلك ما جاء في المغني:"من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته"5، ومعنى ذلك أنَّ الأمَّة
1 مقدمة ابن خلدون ص191.
2 الملل والنحل لابن حزم ج4 ص87.
3 فتاوى ابن تيمية ج28 ص65، ومثل هذا ورد في كتابه السياسة الشرعية ص129.
4 السياسة الشرعية لابن تيمية ص139.
5 المغني لابن قدامة الحنبلي ج8 ص17.
هي صاحبة الحق في اختيار من تراه أهلًا لمنصب الخلافة.
أساس حق الأمة في انتخاب الخليفة:
338-
وأساس حق الأمة في انتخاب الخليفة -على ما نرى- كونها هي المخاطبة في القرآن بتنفيذ أحكام الشرع وإعلاء كلمة الله في الأرض، وإقامة المجتمع الإسلامي الفاضل، فمن هذه النصوص القرآنية:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} ، {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} ، فهذه النصوص وأمثاله كثيرة تدل على مسئولية جماعة المسلمين عن تنفيذ أحكام الإسلام.
وما دامت الأمة مسئولة عن تنفيذ أحكام الإسلام ومطالبة به، فهي تملك -بداهةً- السلطة على هذا التنفيذ -بتمليك من الشارع؛ وحيث إنَّ جماعة المسلمين لا تستطيع أن تباشر سلطانها بصفتها الجماعية لتعذره في الواقع، فقد ظهرت النيابة في الحكم والسطان بأن تختار الأمة الخليفة لينوب عنها في مباشرة سلطاتها؛ لتنفيذ ما هي مكلفة بتنفيذها شرعًا؛ لأن إنابة الملك غيره في مباشرة ما يملكه أمر جائز كما هو معروف في نظرية النيابة في الفقه الإسلامي.
المركز القانوني للخليفة:
339-
وإذا كانت الأمة هي التي تتار رئيسها -الخليفة، فهو إذن وكيلها ونائب عنها، مركزه القانوني هو مركز النائب والوكيل عن الأمة، وقد أدرك الفقهاء هذا المعنى وصرَّحوا به، فمن أقوالهم في هذا الباب ما ذكره الفقيه الماوردي وهو يتكلّم عن موت الخليفة والوزير، وأثر ذلك في سلطة أمير البلد أو القطر، فقال ما نصه:"وإذا كان تقليد الأمر من قِبَل الخليفة لم ينعزل بموت الخليفة، وإن كان من قِبَل الوزير انعزل بموت الوزير؛ لأن تقليد الخليفة نيابة عن المسلمين، وتقليد الوزير نيابة عن نفسه"1.
1 الأحكام السلطانية للماوردي ص29.
كيف تختار الأمة الخليفة؟
340-
وإذا كانت الأمة هي التي تختار الخليفة، فكيف تمارس هذا الاختيار، هل تقوم به مباشرة، بأن يقوم جميع أفرادها بإظهار رأيهم بمن يرضونه لهذا المنصب، أم يقوم به طائفة منها نيابة عنها؟ الواقع أننا لا نجد نظامًا محدَّدًا لاختيار رئيس الدولة، وهذا يعني أنَّ الأمر متروك للأمة، فهي التي تختار طريقة اختيارها للإمام، وعلى هذا فيمكنها أن تباشر انتخاب الخليفة بالطريقة المباشرة؛ حيث يشترك جميع أفراد الأمة إلّا من استثني منهم بدليل شرعي، كالصغار والمجانين وغير المسلمين، ونجد سندًا لهذه الطريقة في الآية الكريمة:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} ، فظاهر هذا النَّص يدل على أنَّ المسلمين يتشاورون فيما يهمهم، ولا شكَّ أن اختيار الخليفة من أهمِّ ما يهمهم، ويؤيد ما استظهرناه ما جاء في تفسير هذه الآية الكريمة في تفسير الإمام الرازي، فقد جاء فيه:"إذا وقعت واقعة اجتمعوا وتشاروا، فأثنى الله عليهم، أي: لا ينفردون برأي، بل ما لم يجتمعوا عليه لا يعزمون عليه"1.
ويجوز للأمَّة أن تباشر حقها في انتخاب الخليفة بصورة غير مباشرة عن طريق النيابة، وهذه الطريقة نجد لها سندًا في السوابق التاريخية القديمة في عصر الخلفاء الراشدين، وهو خير العصور فهمًا للإسلام وتطبيقًا له، فقد تَمَّ انتخاب أولئك الخلفاء الكرام من قِبَل طائفة من المسلمين، هم الذين يسمِّيهم الفقهاء بأهل الحَلّ والعقد، وتبعهم المسلمون الموجودون في المدينة فبايعوا من اختاروه خليفة، ولم ينتخبهم جميع المسلمين، كما يبايعهم بعد انتخابهم جميع المسلمين في جميع المدن الإسلامية، ولم ينقل لها اعتراض على هذه الطريقة، لا من الخلفاء الراشدين، ولا من غيرهم، فدلَّ ذلك على إجماعهم على صحة هذه الطريقة في الانتخاب، ويؤيد هذه الطريقة من النَّظر أنَّ الأمَّة هي صاحبة الحق في انتخاب الخليفة كما قلنا، وصاحب الحق له أن يباشره بنفسه، كما له أن يباشره بواسطة نائبه، بأن يوكِّل من يقوم به نيابة عنه، وقد أقرَّ الفقهاء هذه الطريقة من الانتخاب وصرحوا بها، فمن أقوالهم: "وإذا تقرَّر أنَّ هذا المنصب -أي: منصب الخليفة- واجب بإجماع، فهو من فروض الكفاية، وراجع إلى
1 تفسير الرازي ج27 ص177.
اختيار أهل العقد والحل، فيتعيِّن عليهم نصبه، ويجب على الخلق طاعته"1.
أهل العقد والحل:
341-
وإذا كان انتخاب الخليفة من حق الأمة، ولها أن تباشر هذا الحق عن طريق أهل الحلِّ والعقد، فمن هم أهل الحل والعقد؟ وما علاقتهم بالأمة؟ وكيف ينالون هذه المنزلة؟
أما عن السؤال الأول: من هم أهل الحد والعقد؟ فإنَّ الفقهاء يذكرون أوصافًا عامة لهم، ويقولون: هي الشروط المعتبرة فيهم، وهي: الأول: العدالة الجامعة لشروطها.
والثاني: العلم الذي يتوصّل إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها.
والثالث: الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للأمة أصلح وبتدبير المصالح أقوم2، ويذهب بعض الفقهاء المحدثين إلى تحديدٍ أوضح في أوصاف أهل العقد والحل، فيقول صاحب تفسير المنار رشيد رضا -رحمه الله تعالى:"أولو الأمر جماعة أهل الحل والعقد، وهم الأمراء والحكماء والعلماء ورؤساء الجند وسائر الرؤساء والزعماء الذين يرجع إليهم الناس في الحاجات والمصالح العامة"3، فيفهم من هذا القول ومِمَّا ذكره الفقهاء أنَّ أهل العقد والحل هم المتبعون في الأمة الحائزون على ثقتها، ورضاها لما عرفوا به من التقوى والعدالة4 والإخلاص والاستقامة وحسن الرأي ومعرفة الأمور، والحرص على مصالح الأمة.
أما علاقة أهل العقد والحل بالأمَّة فهي علاقة النائب والوكيل، فهم يباشرون انتخاب رئيس الدولة -الخليفة- نيابةً عن الأمة، ومن ثَمَّ يعتبر انتخابهم ملزمًا للأمة.
أما كيف ينالون هذه المنزلة -منزلة أهل العقد والحل، فإنَّ المتبادر إلى الذهن أنَّ الأمة هي التي ترفعهم إلى هذه المنزلة باختيارهم لهم، ولكننا لا نجد في السوابق التاريخية القديمة ما يشير إلى أنَّ الأمة اجتمعت وانتخبت طائفة منها وأعطتها صفة
1 مقدمة ابن خلدون ص193، وانظر الماوردي ص4.
2 الأحكام السلطانية للماوردي ص4، وأبو يعلى الحنبلي ص3، 4.
3 تفسير المنار، ج5 ص181.
4 من شروط العدالة الإسلام، فيشترط أن يكون الشخص مسلمًا.
أهل الحل والعقد، ومع هذا فإنَّ خلوَّ السوابق التاريخية مما ذكرنا لا يدل على أنَّ من كانوا يسمُّون أهل العقد والحل ما كانوا يمثلون الأمة ولا يعتبرون وكلاء عنها؛ لأنَّ الوكالة -كما هو معروف- تنعقد صراحة أو ضمنًا، وقد كانت وكالة أهل العقد والحل عن الأمة في عصر الإسلام الأول -عصر الخلفاء الراشدين- وكالة ضمنية؛ لأنهم كانوا معروفين بتقواهم وسابقتهم في الإسلام ودرايتهم بالأمور وإخلاصهم في العمل، مع فضل الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدح الله لهم في قرآنه، وثناء رسوله العام والخاص إليهم، ومن ثَمَّ فقد كانوا حائزين على رضى الأمة وثقتها، فما كانت هناك حاجة لقيام الأمة بانتخابهم وتوكيلهم عنها صراحة، وحتى لو قامت بهذا الانتخاب لما فاز فيه إلّا أولئك الأخيار الذين عُرِفوا بأهل العقد والحل، ولما نازعهم أحد في هذه المنزلة، ومن ثَمَّ كان انتخابهم يعتبر انتخابًا من الأمة نفسها؛ لأنه تَمَّ بتوكيل ضمنيّ منها لهم للقيام بهذا الانتخاب.
معرفة أهل العقد والحل في الوقت الحاضر:
342-
وإذا أخذنا في الوقت الحاضر بالانتخاب غير المباشر لرئيس الدولة وفقًا للأحكام الشرعية، فلا مناص من قيام الأمة بانتخاب من يمثلونها وينوبون عنها في مباشرة هذا الانتخاب، ومن تنتخبهم الأمة لهذه المهمة يمكن أن يوصفوا بأنهم أهل العقد والحل؛ لمتابعة الأمة لهم ورضاها بنيابتهم، وعلى الدولة أن تضع النظام اللازم لإجراء هذا الانتخاب، وضمان سلامته من التزييف والتضليل، وأنْ تُعَيِّن في هذا النظام الشروط الواجب توافرها فيمن تنتخبهم الأمة لتكوين جماعة أهل العقد والحل، في ضوء ما ذكره الفقهاء من شروط فيهم. إنَّ مثل هذا الانتخاب على النحو الذي ذكرناه ضروري على ما نرى؛ لإيجاد أو معرفة أهل العقد والحل؛ ولاثبات نيابتهم عن الأمة بالتوكيل الصريح؛ لأنَّ التوكيل الضمني يتعذَّر حصوله في الوقت الحاضر لكثرة أفراد الأمة؛ ولأن إجازة مثل هذا التوكيل الضمني يفتح بابًا خطيرًا على الأمَّة، ويؤذن بفوضى وشرِّ مستطير؛ إذ يستطيع كل عاطل عن شروط أهل الحد والعقد أن يدَّعي لنفسه هذه المنزلة، وينصب نفسه ممثِّلًا عن الأمة ونائبًا عنها، بحجة أنها ترضى نيابته ضمنًا.
ولاية العهد:
343-
قلنا: إنَّ الأمة هي التي تختار الخليفة عن طريق أهل الحل والعقد، وقد يعترض علينا بولاية العهد التي أقرها الفقهاء كطريق لتولي منصب الخلافة، فالماوردي وأبو يعلى الحنبلي يقولان:"والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما باختيار أهل العقد والحل، الثاني بعهد الإمام من قبله"1.
والجواب على هذا الاعتراض أنَّ اختيار الخليفة عن طريق عهد الإمام السابق قد وقع فعلًا في عصر الخلفاء الراشدين، فقد عهد أبو بكر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وعَهِد عمر إلى ستة يختارون من بينهم واحدًا للخلافة، وعلى هاتين السابقتين اعتمد الفقهاء في تجويزهم ولاية العهد، واعتبروا جواز هذا المسلك ثابتًا بالإجماع.
ولكن ما هو التكييف القانوني الشرعي لولاية العهد؟ وهل يصير المعهود إليه بالخلافة خليفة بهذا العهد فقط؟ وما الذي يسبق العهد؟ إنَّ الجواب على هذه الأسئلة ضرورية حتى يتبيِّن لنا مدى موافقة أو مناقضة ولاية العهد لحق الأمة في اختيار الخليفة، وهذا الجواب يظهر مما يأتي:
أولًا: جاء في كتاب الأحكام السلطانية للفقيه أبي يعلى الحنبلي ما يأتي:
أ- يجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده
…
؛ ولأنَّ عهده إلى غيره ليس بعقد للإمامة"2.
ب- لأنَّ الإمامة لا تنقعد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنما تنعقد بعهد المسملين
…
إنَّ إمامة المعهود إليه تنعقد بعد موته باختيار أهل الوقت"3.
فهذه الأقوال صريحة في دلالتها على أنَّ الإمامة لا تنعقد ولا تثبت بمجرَّد العهد، وإنما تثبت باختيار أهل الحل والعقد، ومعنى ذلك أنَّ التكييف القانوني للعهد أنَّه ترشيح للخلافة، وليس تعيينًا نهائيًّا لمن يتولاه، أمَّا قولهم: الإمامة تنعقد بالعهد، والانعقاد غير الترشيح، فجوابنا أنَّ استعمالهم كلمة "تنعقد" محمولة على الترشيح
1 الماوردي ص4، وأبو يعلى ص7.
2 أبو يعلى ص9.
3 أبو يعلى ص9.
لتتفق أقوالهم التي ذكرناها مع هذ الاستعمال، أو أنَّ هذا الاستعمال محمول على ما يئول إليه العهد، وهو انعقاد الإمامة للمرشَّح بناءً على رضى أهل الحل والعقد المتوقع نظرًا لمشاورتهم بأمر العهد كما هو الغالب.
ثانيًا: في سابقة عند أبي بكر إلى عمر، شاور أبو بكر أهل الحل والعقد في رغبته في العهد إلى عمر، فاظهروا رضاهم وموافقتهم، وهذا ثابت في التاريخ، وعلى هذا يكون عهد أبي بكر إلى عمر كأنَّه عهدٌ من أهل الحل والعقد بالإمامة إلى عمر بعد وفاة الخليفة، وعلى هذا التوجيه يمكن اعتبار عهد أبي بكر كاشفًا لإرادة أهل الحلّ والعقد، وكذلك في عهد عمر بن الخطاب إلى الستة لاختيار خليفة منهم، فقد آل أمر الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف، فقام باستشارة كبارة الصحابة وأهل الحل والعقد ثلاثة أيام بلياليهم، فرآهم يرضون بعثمان ابن عفان، فأعلن عند ذاك اختياره له، ومبايعته له، فبايعه المسلمون، فيكون اختيار عبد الرحمن بن عوف لعثمان كاشفًا عن اختيار أهل الحل والعقد، ولذلك بايعوه، ومع هذا فنحن نعتبر كلًّا من عهد أبي بكر إلى عمر، وعهد عمر إلى الستة ترشيحًا للخلافة، وإن سبقه تشاور مع أهل الحل والعقد وموافقتهم على المرشَّح؛ لأن موافقتهم هذه لا يترتَّب عليها تولي الخلافة فعلًا من قِبَل المرشح إلّا بعد وفاة الخليفة المعاهد، وإعلان الموافقة الصريحة منهم ببيعتهم للمرشح، فما لم يعلن أهل الحل والعقد اختيارهم الصريح وبيعتهم الصريحة منهم ببيعتهم للمرشح، لا يصير المعهود إليه -المرشح- خليفة، وقد نبَّه إلى هذا المعنى الفقيه المشهور ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فقال -وهو يتكلم عن الإمامة ويرد على أقوال من قال أنَّ الأمامة تنعقد ببيعة أربعة أو اثنين أو واحد: "فليست هذه أقوال أئمة السنة، بل الإمامة عندهم تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشرك الذي يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإنَّ المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إمامًا، وكذلك عمر لما عهد إليه أبو بكر إنَّما صار إمامًا لمَّا بايعوه وأطاعوه، ولو قدر أنهم لم ينفِّذوا عهد أبي بكر ولم يبايعوه لم يصر إمامًا، سواء كان ذلك جائزًا، أو غير جائز، فمن قال: إنه يصير إمامًا بموافقة واحد أو اثنين أو أربعة، وليسوا هم ذوي القدرة والشوكة فقد غلط، كما أنَّ من ظنَّ أن تخلف الواحد أو الاثنين أو العشرة يضر، فقد غلط.
وعثمان لم يصر إمامًا باختيار بعضهم -أي: الستة الذين اختارهم عمر، بل بمبايعة الناس له، وجميع المسملين بايعوا عثمان بن عفان لم يتخلف عن بيعته أحد"1.
وإذا كان تكييف ولاية العهد أنَّه ترشيح، وأنَّه يسبق بمشاورة أهل الحل والعقد، وظهور رضاهم عن المرشح، فإنه لا شك مسلك سديد وحميد لاختيار الخليفة، ولا يناقض حق الأمة في اختيار الخليفة، بل وقد يرجّح على طريقة انتخاب أهل الحل والعقد للخليفة دون عهد منه إلى أحد، لما في العهد من حسم لمادة الخلاف والنزاع، ولهذا رجح هذه الطريقة الإمام ابن حزم فقال: "وهذا -أي العهد- هو الوجه الذي نختاره ونكره غيره؛ لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله، ورفع ما يتخوّف من الاختلاف والشغب ممَّا يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى، ومن انتشار الأمر وحدوث الأطماع2.
شروط الخليفة:
344-
يشترط في الخليفة جملة شروط، كلها تلتقي في تحقيق كفايته للنهوض بأعباء هذا المنصب الخطير على الوجه المرضي لله تعالى، والمحقق لمصلحة الأمة، وهذه الشروط على ما ذكره الفقهاء هي:
أولًا: الإسلام: فيجب أن يكون مسلمًا؛ لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، أي: منكم أيها المسلمون، فهو من المسلمين، ولقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} ، والخلافة أعظم السبيل فلا تكون لغير مسلم، ولأنَّ حقيقة الخلافة كما سنبيِّن فيما بعد خلافة عن صاحب الشرع في حفظ الدين، فمن البديهي أن تودع هذه الأمانة بيد من يؤمن بهذا الدِّين، وأن لا تسند لمن يكفر به.
ثانيًا: أن يكون رجلًا؛ لقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} ، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، وهذا حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أئمة الحديث4، والواقع خير شاهد، فإن المرأة تعجز عن
1 منهاج السنة لابن تيمية ج1 ص140- 143.
2 الملل والنحل لابن حزم ج4 ص169.
3 تيسير الوصول ج2 ص36.
النهوض بمهام رئاسة الدولة وهي كثيرة وجسيمة، ولا نريد أن نكثر من ذكر الحجج والأدلة فيما ذكرناه من قول الله تعالى وقول رسوله تكفينا، وتكفي من يؤمن بالله واليوم الآخر وبالإسلام دينًا، ومن يجد في نفسه شيئًا من ذلك نقول له: أمامك دول العالم في الماضي والحاضر، فامسك قلمًا واحص عدد النساء اللاتي تولَّيْن رئاسة الدولة، وعدد الرجال الذين تولَّوا رئاسة الدولة، ثم قارن بين العددين، تر ضآلة نسبتهنَّ إلى نسبتهم في ولاية رئاسة الدولة، مما يدل على أنَّ الناس بتجربتهم يعرفون أنَّ رئاسة الدولة لا يصلح لها إلّا الرجال، وأنَّ من صار منهنَّ في منصب رئاسة الدولة إنما كان نادرًا ولظروف استثنائية.
ثالثًا: أن يكون جامعًا للعلم بالأحكام الشرعية؛ لأنه مكلف بتنفيذها، ولا يمكنه التنفيذ مع الجهل بها، والعلم قبل العمل، قال تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ، واشترط بعض الفقهاء الاجتهاد، ولم يكتفوا بمجرَّد العلم عن طريق التقليد.
رابعًا: وأن يكون عدلًا في دينه، لا يُعْرَف عنه فسق، متقيًا لله، ورعًا، عارفًا بأمور السياسة وشئون الحكم، جريئًا على إقامة حدود الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، شجاعًا ذا دراية بمصالح الأمة وسبل تحقيقها، مع حرص عليها وتقديمه لها1.
خامسًا: أن يكون من قريش؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"، وهذا حديث صحيح روي من غير وجه، واحتج به الفقهاء2، والحكمة من هذا الشرط كما يقول العلَّامة ابن خلدون: إنَّ مقصود الخلافة يحصل بالاجتماع ووحدة الكلمة وترك النزاع وانقياد الأمة لرئيسها، وهذ يحصل إذا كان الخليفة ممَّن تسكن النفوس إليهم، ويعترف لهم بالفضل والتقدم، وهذا الاعتراف وذاك السَّكن كان متحققًا فيمن يُولَّى من قريش؛ لأن قريش كانت ذات قوة وشوكة، وتعترف لها العرب بالتقدم والفضل والزعامة، ولم ينازعوها في ذلك، مما يجعل أمر اجتماع الكلمة وحصول الطاعة لهم أقرب احتمالًا وأسهل منالًا من غيرهم، ولذلك جاء الحديث بالتنويه بهم، وأن
1 الماوردي ص4، وأبو يعلى ص4، ومقدمة ابن خلدون ص193.
2 الملل والنحل لابن حزم والماوردي ص4، وأبو يعلى ص4.
الأئمة منهم؛ ليحصل الائتلاف ويسهل الانقياد ويتحقق مقصود الخلافة1، ثم يستنتج ابن خلدون فيقول:"فإذا ثبت أنَّ اشتراط القرشية إنَّما هو لدفع التنازع بما كان لهم من العصبية والغلب، وعلمنا أنَّ الشارع لا يخص الأحكام بجيل ولا عصر ولا أمة، علمنا أنَّ ذلك إنما هو من الكفاية، فرددناه إليها وطردنا العلة المشتملة على المقصود من القرشية وهي وجود العصبية، فاشترطنا في القائم بأمور المسلمين أن يكون من قوم أولي عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها؛ ليستتبعوا من سواهم، وتجتمع الكلمة على حسن الحماية"2 ومعنى ذلك: إنَّ مآل القرشية عنده أصبحت تعني الانتساب إلى جماعة قوية يعترف الناس لها بالقوة والشوكة والتقدم والفضل؛ ليحملهم ذلك على طاعة من يولَّى الخلافة منهم، فتهدأ تاثرتهم ويسهل حكمهم، وينقادوا إلى الحكم المرضي المطلوب.
والواقع أنَّ الحديث: "الأئمة من قريش" حديث صحيح لا مجال للطَّعن في سنده ولا في متنه، فيبقى تحديد المعنى المقصود منه، والذي فهمه الفقهاء من هذا الحديث: هو اشتراط النسب القرشي في الخليفة، وهذا المعنى هو ما يذكرونه ولا يذكرون غيره، إلّا ابن خلدون، وهو فقيه ومؤرّخ، ذكر التوجيه الذي نقلناه عنه، وما ذكره ابن خلدون في فهمه للحديث، وإن كان -في نظرنا- يحتمله الحديث إلّا أنه احتمال مرجوح، كذلك يمكن القول على وجه الاحتمال المرجوح أنَّ الحديث مسوق على سبيل الإخبار بما سيقع، لا على سبيل الأمر بما يقع، وفي ضوء هذا كله الذي يترجَّح عندي الآن: إنَّه إذا تساوى اثنان في شروط الخلافة، وكان أحدهما قرشيًّا وجب اختيار القرشي، وإن كان القرشي عاريًا من شروط الخلافة والآخر مستوفيًا لها، إلّا أنه غير قرشي، قدِّم المستوفي لها على القرشي؛ لأن مقاصد الخلافة لا تتحقق بالقرشي وهو عاطل وعار من شروطها، وإنما تتحقق بالآخر الكفء القدير؛ لأن الأصل العام في الولايات لزوم توافر القدرة والكفاءة، وقد وجدتا، وإن لم يوجد القرشي أصلًا
1 مقدمة ابن خلدون ص195.
2 مقدمة ابن خلدون ص198 ويلاحظ أنَّ العصبية التي يتكلم عنها ابن خلدون ليست هي العصبية الجاهلية، وإنما يعني بها ارتباط القوم بسبب النسب أو غيره، وهذا الارتباط يجعلهم متعاونين أولي قوة، لا يستطيع غيرهم منازعتهم في الأمر.
كانت الخلافة لمن تتوافر فيه بقية شروطها.
عزل الخليفة:
345-
الأمة هي التي تختار الخليفة، فلها حق عزله؛ لأن من يملك حق التعيين يملك حق العزل، ولكن استعمال هذا الحق يقتضي وجود المبرر الشرعي، وإلّا كان تعسفًا في استعمال الحق، واتباعًا للهوى، وهذان لا يجوزان في شرع الإسلام. والمبرِّر الشرعي لعزل الخليفة خروجه عن مقتضى وكالته عن الأمة خروجًا يبرر عزله، أو عجزه عن القيام بمهام الخلافة، وهذا ما صرَّح به الفقهاء، فالإمام ابن حزم يقول -وهو يتكلم عن الإمام- ما نصه: "
…
فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك، وأقيم عليه الحد والحق، فإن لم يؤمن أذاه إلَّا بخلعه خُلِعَ وولِّيَ غيره"1، ومن أقوال الفقهاء أيضًا: "وللأمة خلع الإمام وعزله بسبٍ يوجبه، مثل أن يوجد منه ما يوجب اختلال أحوال المسلمين وانتكاس أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته عنه؛ لانتظامها وإعلائها"2، ومن أمثلة العجز عن مهام الخلافة الموجب لزوالها عنه أو عزله واختيار غيره لمنصب الخلافة: جنونه المطبق، وعماه، وأسره بيد العدو على وجه لا يرجى خلاصه؛ لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، فيختارون غيره ليقوم بمصالح المسلمين3.
تنفيذ العزل:
346-
وإذا كانت الأمَّة تملك حق عزل الخليفة عند وجود السبب الشرعي الداعي لذلك، إلّا أنه يجب أن يعرف جيدًا بأنَّ مجرد وجود السبب الشرعي للعزل لا يعني بالضرورة لزوم تنفيذ العزل؛ لأنه عند التنفيذ يجب أن ينظر في إمكانه ونتائجه، فإذا كان تنفيذه ممكنًا ورؤي أنه لا تترتب على العزل نتائج مضرة بالأمَّة تربو على عدم عزله، وجب العزل في هذه الحالة، وإذا رؤي أنَّ التنفيد غير ممكن، أو ممكن بذاته، ولكن يترتَّب عليه نتائج مضرة بالأمَّة تزيد على أضرار بقائه وعدم عزله، وجب أن ترجَّح عدم التنفيذ؛ لأن من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن لا يكون العمل إزالة المنكر مستلزمًا أو مقتضيًا وقوع منكر أعظم منه4.
وعزل الخليفة من النهي عن المنكر، فيخضع لهذه القاعدة.
1 الملل والنحل لابن حزم ج4 ص102.
2 المواقف للأيجي وشرحه، نقلًا عن كتاب النظريات السياسية للأستاذ ضياء الدين الريس ص270.
3 أبو يعلى ص605.
4 فتاوى ابن تيمية ج28 ص129.