المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: المنافقون - أصول الدعوة

[عبد الكريم زيدان]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول: موضوع الدعوة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الإسلام

- ‌الفصل الثاني: أركان الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله

- ‌المبحث الثاني: الركن الثاني: شهادة أنَّ محمدًا رسول الله

- ‌المبحث الثالث: الركن الثالث: العمل الصالح

- ‌الفصل الثالث: خصائص الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الخصيصة الأولى: إنه من عند الله

- ‌المبحث الثاني: الخصيصة الثانية: الشمول

- ‌المبحث الثالث: الخصيصة الثالثة: العموم

- ‌المبحث الرابع: الخصيصة الرابعة: الجزاء في الإسلام

- ‌المبحث الخامس: الخصيصة الخامسة: المثالية والواقعية

- ‌المطلب الأول: المثالية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الواقعية في الإسلام

- ‌الفصل الرابع: أنظمة الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: نظام الأخلاق في الإسلام

- ‌المبحث الثاني: النظام الاجتماعي في الإسلام

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: أساس نظام المجتمع في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: خصائص النظام الإجتماعي في الإسلام

- ‌المبحث الثالث: نظام الإفتاء

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: المستفتي

- ‌المطلب الثاني: المفتي

- ‌المطلب الثالث: الإفتاء

- ‌المطلب الرابع: الفتوى

- ‌المبحث الرابع: نظام الحسبة

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: التعريف بالحسبة ومشروعيتها ومكانتها في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: المحتَسِب

- ‌المطلب الثالث: المحتَسَب عليه

- ‌المطلب الرابع: موضوع الحسبة

- ‌المطلب الخامس: الاحتساب

- ‌المبحث الخامس: نظام الحكم

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الخليفة

- ‌المطلب الثاني: الشورى

- ‌المطلب الثالث: الخضوع لسلطان الإسلام

- ‌المطلب الرابع: مقاصد الحكم في الإسلام

- ‌المبحث السادس: النظام الاقتصادي

- ‌مدخل

- ‌المطلب الأول: الفرع الأول: الأساس الفكري للنظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثاني: المبادئ العامّة في النظام الاقتصادي الإسلامي

- ‌المطلب الثالث: بيت المال موارده ومصارفه: الفرع الأول: موارد بيت المال

- ‌المبحث السابع: نظام الجهاد

- ‌المبحث الثامن: نظام الجريمة والعقوبة

- ‌الفصل الخامس: مقاصد الإسلام

- ‌الباب الثاني: الداعي

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: التعريف بالداعي

- ‌الفصل الثاني: عدة الداعي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الفهم الدقيق

- ‌المبحث الثاني: الإيمان العميق

- ‌المبحث الثالث: الاتصال الوثيق

- ‌الفصل الثالث: أخلاق الداعي

- ‌الباب الثالث: المدعو

- ‌مدخل

- ‌الفصل الثاني: أصناف المدعوين

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الملأ

- ‌المبحث الثاني: جمهور الناس

- ‌المبحث الثالث: المنافقون

- ‌المبحث الرابع: العصاة

- ‌الباب الرابع: أساليب الدعوة ووسائلها

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: مصادر أساليب الدعوة ووسائلها، ومدى الحاجة إليها

- ‌الفصل الثاني: أساليب الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الداء والدواء

- ‌المبحث الثاني: إزالة الشبهات

- ‌المبحث الثالث: الترغيب والترهيب

- ‌المبحث الرابع: التربية والتعليم

- ‌الفصل الثالث: وسائل الدعوة

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: الوسائل الخارجية للدعوة

- ‌المبحث الثاني: وسائل تبليغ الدعوة

- ‌الفهارس:

- ‌الفهرست:

- ‌فهرس الموضوعات:

الفصل: ‌المبحث الثالث: المنافقون

‌المبحث الثالث: المنافقون

تعريف المنافق:

612-

المنافق في الاصطلاح الشرعي: هو الذي يظهر غير ما يبطنه ويخفيه، فإن كان الذي يخفيه التكذيب بأصول الإيمان فهو المنافق الخالص، وحكمه في الآخرة حكم الكافر، وقد يزيد عليه في العذاب لخداعه المؤمنين بما يظهره لهم من الإسلام، قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} ، وإن كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله، وإنما هو شيء من المعصية لله، فهو الذي فيه شعبة أو أكثر من شعب النفاق، والذي نريد أن نتكلم عنه في هذا البحث هو المنافق الخالص الذي يخفي كفره وتكذيبه لله ولكتابه ولرسوله، ومع هذا فإنَّنَا سنذكر بعض صفات هؤلاء المنافقين ليتَّعِظَ ويعتبر المسلم، فقد يكون فيه من صفات المنافقين وهو لا يشعر؛ ولأنه من الجائز أن يجتمع مع الإسلام بعض شعب النفاق.

أين يوجد المنافق؟

613-

عندما تنتصر الدعوة إلى الله في المجتمع الكافر وتعلو كلمة الله، ويدخل الناس في دين الله أفواجًا، وتستأصل قوة الكفر، ويذهب سلطان الكافرين، وتكون القوة والمنعة للمسلمين، عند ذاك يمكن أن يوجد المنافقون الذين لم يؤمنوا مع المؤمنين، ولم يبقوا على كفرهم ظاهرين معروفين مع الكافرين، خوفًا من سطوة المسلمين، فيبطنوا الكفر ويظهروا الإسلام. وعلى هذا فالنفاق لا يوجد إذا كانت الغلبة والسطوة والسلطة للكفار؛ لأنه لا خوف في هذه الحالة من إظهار الكفر والتمرُّد على الإسلام،

ص: 396

ولهذا لم يكن أحد من المسلمين منافقًا في مكة قبل الهجرة إلى المدينة؛ لأنَّ المسلمين كانوا قلة مستضعفين لا حول لهم ولا قوة ولا سلطان، وإنما السلطان لكفار قريش، ولكن بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون إلى المدينة، وصار للمسلمين قوة وسلطان، وانتشر الإسلام في المدينة، ظهر النفاق والمنافقون.

أساس النفاق:

614-

وأساس النفاق الكفر والجبن، أمَّا الكفر فهو ما يبطنه المنافق، وأمَّا الجبن فهو الذي يجعل المنافق يظهر خلاف ما يبطنه من الكفر، ولهذا لا يكون المنافق إلّا جبانًا خوَّارًا ضعيف القلب، يحسن الكيد والمواربة والعمل في الظلام، وإذا لقي المؤمنين أظهر لهم نفسه كأنَّه مؤمن {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} ، فهم لجبنهم يقولون: إننا مؤمنون، وإذا خلوا إلى قرنائهم من المنافقين والكاذبين قالوا: نحن نستهزئ بالمؤمنين بقولنا لهم: إنَّنَا مؤمنون.

المنافق أسوأ من الكافر:

615-

والمنافق أضرّ وأسوأ من الكافر؛ لأنه ساواه في الكفر، وامتاز عليه بالخداع والتضليل وإمكان تسلله في صفوف المسلمين، فيكون إيذاؤه شديدًا، والحذر منه قليلًا، بخلاف الكافر الذي لا يحصل فيه الاشتباه، ولا يمكن أن يخدع المسلمين بحقيقته الظاهرة.

علامات النفاق:

616-

وإذا كان النفاق يقوم على الكفر الباطن، والأصل خفاء ما في القلوب، فإنَّ السبيل إلى معرفة المنافق هو ظهور علامات النفاق عليه، فإذا ظهرت هذه العلامات حذره المسلمون وتوقوا شره، سواء أكان من المنافقين الخالصين، أي: الذين يخفون تكذيب الله ورسوله، أو كان من الذين عندهم أصل التصديق بالله ورسوله، ولكن شاب تصديقه بعض معاني النفاق، واتَّصَف ببعض صفات المنافقين، فمن ظهرت عليه صفات المنافقين عومل معاملة المنافقين بقدر ما ظهر فيه من صفاتهم، سواء أكان عنده أصل الإيمان بالله ورسوله، أو لم يكن عنده الأصل.

ص: 397

617-

وعلامات المنافق تعرف من كتاب الله وسنة رسوله، لا بما يتعارف عليه الناس، فقد يعتبرون بعض هذه العلامات من لوازم المجاملة، أو من حسن الآداب والأخلاق، وكل هذه التبريرات لصفات النفاق والمنافقين لا تغيِّر من الحقيقة شيئًا؛ لأنَّ العبرة بالمسمَّيَات لا بالأسماء، فإنَّ حقيقة الشيء التي تبقى هي هي وإن غيِّرَ الناس اسم هذا الشيء، فما هي علامات المنافق وصفاته؟

علامات المنافق وصفاته:

618-

أولًا: مرض القلب، قال تعالى:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} ، ومرض القلب نوعٌ من الفساد يصيب القلب فيختلَّ إدراك صاحبه وإرادته، حتى لا يرى الحق أو يراه على خلاف ما هو عليه، وتختل إرادته بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضارّ، ومريض القلب يؤذيه ما لا يؤذي صحيح القلب، فأدنى شيء يثير شهوته، قال تعالى:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} ، فالخضوع بالقول يثير شهوة صاحب القلب الفاسد المريض، بينما صاحب القلب الصحيح لو تعرَّضت له امرأة لم يلتفت إليها، وقصة يوسف عليه السلام معروفة، وكذلك الحال في الشبهات، فأدنى شبهة تثير الشكوك في صاحب القلب المريض، وأدنى فتنة تزلزل قدميه وترده على عقبيه، قال تعالى:{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..} ، والمنافق له النصيب الأكبر من مرض القلب إذا كان منافقًا خالصًا، وله نصيب غير قليل إذا كان عنده أصل الإيمان ولكنَّه متَّصِفٌ بصفات أهل النفاق.

619-

ثانيًا: الإفساد في الأرض، قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} ، فهم يفسدون ولا يشعرون أنهم مفسدون، بل ويحسبون أنفسهم من المصلحين، والفساد هو الكفر قولًا وعملًا، وعمل المعصية والأمر بها؛ لأنَّ من عصى الله في الأرض أو أمر بالمعصية فقد أفسد في الأرض؛ لأنَّ صلاح الأرض بالطاعة وفسادها بالمعصية، وفساد المنافقين كفرهم وشكّهم وتكذيبهم ومخادعتهم الله ورسوله والمؤمنين، وموالاتهم لأعداء الدِّين، ومحاربتهم لأولياء الله والدَّاعين إليه، إلى غير ذلك مما يتبيِّن من صفاتهم.

620-

ثالثًا: رميهم المؤمنين بالسَّفَه، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا

ص: 398

آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} ، والسفيه هو الجاهل، الضعيف الرأي، القليل المعرفة بمواضع المصالح والمضارّ1، ولكن الحقيقة كما أخبر الله تعالى أنَّهم هم السفهاء، فالسفاهة محصورة فيهم وبأمثالهم من الكفرة، ولكن من تمام جهلهم أنَّهم لا يعرفون ما فيهم من الضلالة والجهالة.

621-

رابعًا: اللدد في الخصومة والعزة بالإثم، قال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} 2، فالمنافق يأتي بالقول الجيد يتشدَّق به ويلوي لسانه به، ويظهر الإسلام، ويشهد الله والمؤمنين أنَّ الذي في قلبه موافق للسانه وهو ألدّ الخصام، أي: أعوج في خصامه، ووجه هذا العوج أنَّه يكذب ويزوّر عن الحق ويفتري ويفجر، كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"، وهو مع هذا يقصد الفساد في الأرض، فليس له هِمَّة إلّا في الفساد في الأرض وإهلاك ما ينفع الناس من حرثٍ ونسل، وإذا قيل له: اتق الله واترك ما أنت فيه من قول فاجر وسعي فاسد، وارجع إلى الحق، امتنع وأبى وأخذته الحميَّة والغضب بالأثم، أي: بسبب ما اشتمل عليه من الآثام.

622-

خامسًا: موالاة الكافرين والتربُّص بالمؤمنين، قال تعالى:{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا، الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} 3. المنافق يوالي الكافرين، أي: ينصرهم

1 تفسير بن كثير ج1 ص50.

2 سورة البقرة، الآيات: 204-206.

3 سورة النساء، الآيات: 137، 138، 140.

ص: 399

ويودهم، ويقول إذا خلا بهم: إني معكم، فهو في الحقيقة منهم. ومن صفات المنافقين أنَّهم ينتظرون زوال دولة المسلمين وظهور الكفَّار عليهم وذهاب دينهم، فإن كان للمسلمين نصر وغلبة قال لهم المنافقون: ألم نكن معكم، وإن كان للكفرين غلبة على المسلمين قالوا لهم: ألم نساعدكم في الباطن. فالمنافقون يصانعون الكفار والمسلمين، وإن كان ودهم وميلهم مع الكفار، ولكن لا يريدون الظهور معهم علانية، ولا تحمل ما يتحملون من جهد في محاربة المسلمين.

623-

سادسًا: الخداع والرياء والتكاسُل عن أداء العبادات، قال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} 1، من صفات المنافقين الخداع، يخادعون الله ويخادعون الناس، أمَّا وجه مخادعتهم الله تعالى فهو اعتقادهم أن أمرهم كما راج بين الناس وجرت عليهم أحكام الإسلام في الظاهر، وخفت حقيقتهم على الناس، فكذلك يظنون يكون حكمهم عند الله يوم القيامة، فيروج أمرهم ويخفى عند الله كما راج وخفي على الناس، وهذا محض الجهل؛ لأنَّ الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. ومن صفاتهم: تثاقلهم عن العبادات، فهم إذا تذكَّروا الصلاة وقاموا إليها قاموا كسالى لا يحبونها ولا يريدونها، وإنما يفعلونها على وجه الرياء للناس، ولهذا فهم لا يذكرون الله إلّا قليلًا. جاء في الحديث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعًا، لا يذكر الله فيها إلّا قليلًا".

والمنافقون متحيِّرون، فلا هم مع المؤمنين ظاهرًا وباطنًا، ولا مع الكافرين.

624-

سابعًا: التحاكم إلى الطاغوت، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ

1 سورة النساء، الآية:142.

ص: 400

صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} 1. من صفات المنافقين: زعمهم أنَّهم يؤمنون بما أنزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما أنزل الله على رسُلِه من قبله، ومع هذا الزعم بألسنتهم، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو الباطل، وهو ما عدا الكتاب والسنة، وقد أمرهم الله تعالى بالبراءة منه، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالًا بعيدًا في دفعهم إلى التحاكم إلى ما عدا الكتاب والسنة، فكيف حالهم إذا أصابتهم مصيبة بسبب نفاقهم وتمرُّدهم على أوامر الله، ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله أنَّهم ما قصدوا بالتحاكم إلى الطاغوت إلّا الإحسان والتوفيق، إلّا الاصلاح والخير ومصانعة أهل الباطل. إن أولئك المنحرفين عن دين الله وعن شريعته يعلم الله ما في قلوبهم من المرض والنفاق، فأعرض عنهم، أي: لا تعنِّفهم على ما في قلوبهم، ولكن انههم عمَّا في قلوبهم من النفاق وانصحهم بكلام بليبغ رادعٍ لهم.

625-

ثامنًا: الإفساد بين المؤمنين، قال تعالى:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} 2، ويحرص المنافقون على إضعاف المسلمين وتفريق صفوفهم وإشغالهم فيما بينهم، وهذه الآية الكريمة تبيِّنُ هذه المعاني وغيرها، فقد يحزن المسلمون على عدم النظام بعض الناس إليهم، وعدم العمل معهم، ظنًّا منهم أنَّهم منهم وأنهم ينفعونهم إذا خرجوا معهم، ولكنَّ الله يعلم غير ذلك؛ يعلم أنهم لو خرجوا مع المسلمين لما زادوهم إلّا خبالًا، أي: فسادًا بالنَّميمة، وإيقاع الاختلاف بين المسلمين، وبثّ الأراجيف، ولأوضعوا خلال المسلمين، أي: لأسرعوا فيما بينهم بالنميمة والبغضاء والفتنة، وفي المسلمين سمَّاعون لأولئك المنافقين، أي: مطيعون لهم ومستجيبون لحديثهم وكلامهم يستنصحونهم أو يسألونهم لا يعلمون حالهم، فيؤدي ذلك إلى وقوع الشرِّ بين المؤمنين3.

1 سورة النساء، الآيتان: 59، 60.

2 سورة التوبة، الآية 74.

3 تفسير ابن كثير ج2 ص361.

ص: 401

626-

تاسعًا: الكذب والخوف وكره المسلمين، قال تعالى:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ، لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} 1، فمن صفات المنافقين الكذب والحلف عليه، جاء في الحديث:"آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان"، وفي رواية:"وإذا خاصم فجر"، وفي الآية الكريمة إخبار عن المنافقين أنَّهم يحلفون بالله أنَّهم من المسلمين، والحقيقة خلاف ذلك، ولكنَّهم قوم يفرقون، أي: يخافون، فالدافع لهم على الكذب أنَّهم يخافون أن ينكشف كفرهم، فيعاقبهم المسلمون، فهم من كرههم للمسلمين لا يودون مخالطتهم ولا رؤيتهم، ولهذا فهم في هَمٍّ وحزَن كلما رأوا الإسلام وأهله في عزٍّ ونصر؛ لأنَّ هذا يسوؤهم ويحزنهم، ولو رأوا ملجًأ، أي: حصنًا، أو مغارات أو مدَّخَلًا وهو النفق في الأرض، لأسرعوا في ذهابهم إليها ليغيبوا عنكم ولا يروكم.

627-

عاشرًا: يعيبون أهل الحق، ويرضون ويسخطون لحظوظ أنفسهم، قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} 2، ومن صفات المنافقين الطَّعن في أهل الحق وفي أعمالهم الحَقَّة العادلة؛ لأنَّ المنافقين لا يحبون الحق والعدل، ورضاهم وسخطهم لأنفسهم، فإن أعطوا شيئًا مما يريدون رضوا، وإن لم يعطوا سخطوا أو غضبوا، ورموا أهل الحق بالظلم والحَيْف، وهذا كان ديدنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما تخبرنا به هذه الآية الكريمة، فقد كان من المنافقين من يلمز، أي: يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويطعن عليه في قسم الصدقات، أي: الزكاة على المستحقين، فإذا أعطوا منها رضوا وسكتوا، وإن لم يعطوا منها غضبوا وسخطوا، وهذا شأن المنافقين في كل زمان، يرضون على الشخص إذا أعطاهم ما يأملون، ويسخطون عليه إذا لم يعطهم ما يأملون، وهم في رضاهم وسخطهم ينظرون إلى أنفسهم ولا ينظرون إلى الحق والعدل.

628-

حادي عشر: الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، قال تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ

1 سورة التوبة، الآيتان: 56، 57.

2 سورة التوبة، الآية 58.

ص: 402

الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 1، ومن صفات المنافقين أنَّهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف؛ لأن نفوسهم المريضة لم تعد ترغب في رؤية الخير يعمله الناس، فهم يحبون أن يشيع الشر والمنكر بين الناس، فهذا هو الذي تهواه نفوسهم، ويشفي حقدهم وغيظهم على أهل الحق، وحتى يتساووا مع الناس في فعل القبائح، ومع هذه الصفة الخبيثة لا ينفقون فيما يحبه الله، فهم بخلاء في الإنفاق وفي فعل الخير، وفي الأمر به والدلالة عليه.

629-

ثاني عشر: الغدر وعدم الوفاء بالعهد، قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} 2، من صفات المنافقين الغدر والخيانة وعدم الوفاء بالعهد، حتى مع الله جل جلاله، بخلاف المؤمن، فإنَّ الكلمة تلزمه، فلا يغدر ولا يخون، ويفي بعهده مع الناس ومع الله تعالى، وهذه الآية الكريمة تبيِّن أنَّ من المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئِنْ أغناه من فضله ليصدقَنَّ من ماله، وليكونَنَّ من الصالحين، فما وفى بما قال، ولا صدق فيما ادَّعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقًا سكن وثبت في قلوبهم إلى يوم يلقون الله عز وجل يوم القيامة3.

630-

ثالث عشر: يعيبون المؤمنين ويسخرون منهم، ولا يرضيهم منهم شيء، قال تعالى:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} 4.

من صفات المنافقين عيبهم الدائم للمؤمنين، وطعنهم فيهم، ولا يرضيهم منهم شيء، فإن تصدَّق أحد المؤمنين بالمال الكثير قالوا عنه: هذا مراء، وان تصدَّق بالقليل لأنه لا يجد أكثر منه، قالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا، ومع عيبهم هذا يسخرون من المؤمنين ويستهزءون بهم، ويضحكون منهم.

1 سورة التوبة، الآية:67.

2 سورة التوبة، الآيات: 75، 77.

3 تفسير ابن كثير ج2 ص173، تفسير القرطبي ج8 ص210.

4 سورة التوبة، الآية:79.

ص: 403

631-

رابع عشر: تواصيهم بترك الجهاد، قال تعالى:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} 1.

من صفات المنافق عدم المعرفة وعدم الفقه، فهو يترك الإيمان بالله، ويفرح بقعوده عن الجهاد في سبيله، ويوصي غيره من المنافقين بعدم الجهاد لما فيه من المشقَّة كالحر، وينسى هذا المنافق أنَّ نار جهنم أشدُّ حرًّا من هذا، وأنَّ العاقل من يعمل ما ينجيه منها.

632-

خامس عشر: الإضرار بالمؤمنين وتستُّرهم بفعلٍ ظاهره مشروع، قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} 2، تشير الآية إلى بعض صنيع المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد بنوا مسجدًا ضرارًا لمسجد قباء، أي: ضررًا لأهل مسجد قباء وهم المؤمنون، وكفرًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله، أي: انتظارًا وترقبًا لمن حارب الله ورسوله من قبل بناء مسجد الضرار، وهذا هو مقصودهم من بناء المسجد، وإن حلفوا كاذبين أنَّهم إنَّمَا أرادوا ببنائه الحسنى، أي: الخير والرفق بالمسلمين؛ ليصلي فيه ذو العلة والحاجة، والله يشهد أنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه، وقد كان من خبر هذا المسجد أنَّ الله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمه ولا يصلي فيه، وأنَّ مسجد قباء الذي أُسِّسَ على التقوى وطلب رضاء الله هو الذي يستحق أن يصلِّيَ فيه المسلمون ويجتمعون فيه على الخير، "وهذا المسجد ما يزال يتخذ في صور شتَّى تلائم ارتقاء الوسائل الخبيثة التي يتخذها أعداء هذا الدين. تتخذ في صورة نشاط ظاهره للإسلام، وباطنه لسحق الإسلام أو تشويهه وتمويهه وتمييعه.

وتتخذ في صورة أوضاع ترفع لافتة الدِّين عليها لتختفي وراءها وهي ترمي هذا الدين، وتتخذ في صورة تشكيلات وتنظيمات وكتب وبحوث تتحدَّث عن الإسلام.........

1 سورة التوبة، الآية:81.

2 سورة التوبة، الآية: 107، 108.

ص: 404

ومن أجل مساجد الضِّرَار الكثيرة هذه يتحتَّم كشفها وإنزال اللافتات الخادعة عنها، وبيان حقيقتها للناس وما تخفيه وراءها. ولنا أسوة في كشف مسجد الضرار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

"1.

1 في ظلال القرآن ج11 ص35، 36.

ص: 405