الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: المحتَسَب عليه
التعريف به وبشرطه:
293-
المحتسب عليه هو كل إنسان يباشر أيَّ فعل يجوز أو يجب فيه الاحتساب، ويسمَّى المحتَسَب عليه أو المحتَسَب معه.
ويشترط فيه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوع منه في حقه منكرًا، وإن لم يكن معصية يحاسب عليها ديانة، وعلى هذا لا يشترط فيه أن يكون بالغًا عاقلًا، فالمجنون إذا زنى وجب الاحتساب معه، وكذا الصبي مميزًا كان أو غير مميزٍ إذا شرب الخمر أو همَّ بشربه أنكر عليه المحتسب وحال بينه وبين شربها، وإن كان فعل هذا الصبي لا يعتبر معصية يحاسب عليها ديانة.
أنواع المحتَسَب عليهم:
294-
قلنا: إنَّ المحتَسَب عليه هو كلّ إنسان يباشر ما تجري فيه الحسبة، وعلى هذا يمكن أن يكون محتسبًا عليه أيّ فرد في المجتمع بلا استثناء، إذا ما صدر منه ما تجري فيه الحسبة، سواء كان إمامًا للمسلمين، أو واحدًا من عموم الناس، وعلى هذا تجري الحسبة على الأصناف الآتية التي قد يظنّ البعض عدم جريانها عليهم، أو يتهاونون في الاحتساب معهم، أو أنَّ الحسبة معهم تكون بشكل معين.
أولًا: الأقارب
295-
تجري الحسبة على الأقارب والأباعد على حد سواء؛ لأن الحسبة أمر بمعروف ونهي عن منكر، والكل أمام هذا الفرض سواء، ولكن الفقهاء -رحمهم الله تعالى- قالوا: احتساب الابن على والديه يكون ببيان الحكم الشرعي والموعظة الحسنة والتخويف من الله تعالى، ولا يتعدَّى ذلك إلى الوسائل الأخرى كالكلام الغليظ والضرب، رعايةً لحقِّ الأبوة والأمومة دون تفريط بواجب الاحتساب.
ثانيًا: غير المسلمين
296-
ويجري الاحتساب على غير المسلم المقيم في دار الإسلام ذميًّا كان أو
مستأمنًا؛ لأننا وإن أمرنا بتركهم وما يدينون إلّا أنَّ هذا الترك لهم لا يعني تركهم يخرقون نظام الإسلام ويتعاطون ما يناقضه علانية، وإنما يعني تركهم وما يعتقدون وما يباشرونه في بيوتهم ومعابدهم من صنوف العبادة، أمَّا إذا تظاهروا وأعلنوا ما يناقض الإسلام، كما لو سكروا في قارعة الطريق، أو خطبوا في الناس يعلنون شتمهم للإسلام وتكذيبهم لنبي الإسلام، فإنهم يمنعون من ذلك، وتجري الحسبة عليهم في ضوء ما يفعلون.
ثالثًا: الأمراء
297-
ويجري الاحتساب على السلطان ونوابه وسائر ذوي الإمرة والولاية، كما يجري على آحاد الناس، ولكن يجب أن يلاحظ المحتسب منزلة السلطان وفِقْهِ الاحتساب معه، ومن هنا قال الفقهاء: يكون الاحتساب عليه بتعريف الحكم الشرعي والوعظ لا بالقوة والقهر، وقد زخر تاريخنا الإسلامي بأخبار المحتسبين مع الخلفاء والأمراء دون أن يلحقهم أذى، بل كانوا يقابلون بالقبول والتقدير، وهكذا يكون شأن الحكام الصالحين.
رابعًا: القضاة
298-
وتجري الحسبة على القضاة، قال الفقهاء:"وينبغي للمحتسب أن يتردَّد على مجالس القضاة والحكام ويمنعهم من الجلوس في الجامع للحكم بين الناس، وأنه متى رأى المحتسب القاضي قد استشاط على رجل غضبًا أو شتمه أو احتدَّ عليه في كلامه ردعه عن ذلك، ووعظه وخوَّفه بالله عز وجل، فإنَّ القاضي لا يجوز أن يحكم وهو غضبان، ولا يقول هجرًا ولا يكون فظًّا غليظًا".
خامسًا: أصحاب المهن المختلفة
299-
ويجري الاحتساب على جميع المِهَن والحِرَف والصنائع المختلفة؛ لأنَّ للإسلام حكمه فيهم وفيما يباشرونه، فمن أحكام الإسلام في الصنائع التي يحتاجها الناس أنَّه يعتبرها من فروض الكفاية، فإذا امتنع أصحابها عنها ألزمهم المحتسب بالقيام بها، وحكم الإسلام فيما يباشرونه هو أداؤه على الوجه الصحيح السليم الخالي من الغشِّ والتدليس والإضرار، ومن ثَمَّ كانت واجبات المحتسب تمتد إلى مراقبتهم جميعًا؛ ليقرهم على أعمالهم إن كان على الوجه الشرعي، ويمنهم منها إن كانت مخالفة للشرع، ولهذا بيِّنَ العلماء -رحمهم الله تعالى- الضوابط والحدود الواجب مراعاتها في مباشرة المهن المختلفة، والتي يجب على المحتسب التأكد من مراعاتها من قِبَل أصحاب هذه المهن.