الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: نظام الإفتاء
مدخل
…
المبحث الثالث: نظام الإفتاء
تمهيد:
170-
المطلوب من المسلم أن تكون أفعاله ابتداءً وفق المناهج الإسلامية، وأن يتقبَّل حكم الشرع في نتائج أفعاله، وأن يتصرَّف على النحو المشروع في علاقتته مع الآخرين، فإذا جهل ذلك أو بعضه وجب عليه أن يعرفه؛ ليكون سلوكه وفق الحدود الشرعية، ومن سبل المعرفة قيام العلماء بتعليم الناس أمور الدين وتبليغهم أحكامه، أو قيام الجهال بسؤال العلماء عن أحكام الإسلام.
171-
أما قيام العلماء بواجب التعليم والتبليغ فهذا مما افترضه الإسلام على أهل العلم، فعليهم تعليم الناس ما يحتاجونه من أمور دينهم بالقدر الذي يأمر به الإسلام ويحتاجه الناس، ويزداد هذا الوجوب على العلماء ويتأكَّد كلما فشا الجهل في الناس واندرست معالم الشريعة وظهرت البدع، فإذا قصَّر العلماء في واجب التعليم والتبليغ أثموا وحُوسبوا على تقصيرهم حسابًا عسيرًا؛ لأنَّ تقصيرهم في هذا الواجب يعتبر من كتمان العلم الذي أؤتمنوا عليه وأمروا بنشره وتبليغه للناس، فإذا قام العلماء بواجب التبليغ وجب على الناس أن يقبلوا عليهم ويسمعوا منهم ويتعلموا ما يقولون ويعلموا بما يتعلمون، فإذا لم يفعلوا أثموا وحوسبوا لقيام الحجة عليهم بتبليغ العلماء لهم أحكام الدين.
172-
وبالرغم من تبليغ العلماء أحكام الدين ابتداءً، فقد يبقى البعض جاهلًا بأحكام الإسلام، وقد يقصِّر العلماء بواجب التبليغ، فيفشوا الجهل، ويكثر عدد
الجاهلين، وواجب الجاهل أن يتعلَّم أمور دينه التي تهمه، قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، ولا يرفع عن الجاهل مسئولية تعلُّم ما يلزمه من أمور الدين تقصير العلماء بواجب التعليم والتبليغ ابتداءً؛ إذ عليه أن يسأل أهل العلم عمَّا يجهله من أمور الدين، كما جاء في الآية الكريمة.
173-
وسؤال الجاهل أهل العلم، وجواب هؤلاء له، وما يتعلق بهذين الموقفين: موقف الجاهل وهو يسأل، وموقف العالم وهو يجيب، من وجوبٍ عليهما في السؤال والجواب أو ندب أو إباحة بلا وجوب في السؤال والجواب، وغير ذلك من الأمور، كل ذلك يكون ما يعرف في الشريعة الإسلامية بنظام الإفتاء.
الإفتاء في اللغة:
174-
جاء في لسان العرب لابن منظور: أفتاه في الأمر، أي: أبانه له، وأفتاه في المسألة يفتيه: إذا أجابه، والاسم الفتوى، واستفتيه فأفتاني إفتاءً، والفتوى اسم يوضع موضع الإفتاء، والفتيا والفتوى: ما أفتى به الفقيه.
ومما تقدَّم نعلم أنَّ الاستفتاء في اللغة يعني: السؤال عن أمر أو عن حكم مسألة، وهذا السائل يسمَّى المستفتي، والمسئول الذي يجب هو المفتي، وقيامه بالجواب هو الإفتاء، وما يجب به هو الفتوى، فالإفتاء يتضمَّن وجود المستفتي والمفتي والإفتاء نفسه والفتوى.
الإفتاء في الاصطلاح:
175-
والمعنى الاصطلاحي للإفتاء هو المعنى اللغوي لهذه الكلمة وما يتضمنه من وجود مستفتٍ ومفتٍ وإفتاء وفتوى، ولكن بقيدٍ واحد هو أنَّ المسألة التي وقع السؤال عن حكمها تعتبر من المسائل الشرعية، وأنَّ حكمها المراد معرفته هو حكم شرعي.
فالمستفتي أذن في نظام الإفتاء الذي نتكم عنه هو: السائل عن حكم الشرع في مسألة من المسائل، أي: من يسأل عن حكم مسألة شرعية، وإنَّ المفتي هو من يجيب عن هذا السؤال، وقيامه الجواب هو الإفتاء، ونص ما يجيب به وهو الفتوى.
منهج البحث:
176-
وبناءً على ما تقدَّم نقسِّم هذا المبحث إلى أربعة مطالب:
الأول: للكلام عن المستفتي.
الثاني: للكلام عن المفتي.
الثالث: للكلالم عن الإفتاء.
الرابع: للكلام عن الفتوى.