المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نوع يشترك فيه الخاص والعام - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌الطريق الثامن عشر: الحكم بالإقرار

- ‌ مذهب أبي حنيفة

- ‌ كمال فقه(4)الصحابة رضي الله عنهم

- ‌الطريق الحادي والعشرون: الحكم بالاستفاضة

- ‌الطريق الثاني والعشرون: الأخبار آحادًا

- ‌ لا يشترط في صحة الشهادة ذكر لفظة "أشهد

- ‌الطريق الثالث والعشرون: الحكم بالخط المجرد

- ‌شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت

- ‌ إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه، ولم يقرأه عليهما ولا عرفهما بما فيه

- ‌القول قول المرتهن مع يمينه، ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن

- ‌الطريق الرَّابع والعشرون: العلامات(1)الظاهرة

- ‌ دفع اللقطة إلى واصفها

- ‌ المتكاريين يختلفان في دفين في الدَّار

- ‌الطريق الخامس والعشرون: الحكم بالقرعة

- ‌الطريق السادس والعشرون: الحكم بالقافة

- ‌ قصة العرنيين

- ‌ الأمور المدركة بالحس نوعان:

- ‌نوع يشترك فيه الخاص والعام

- ‌مدار الولايات كلها على الصدق في الإخبار، والعدل في الإنشاء

- ‌من المنكرات(1): تلقي السلع قبل أن تجيء إلى السوق

- ‌ تلقي أسواق الحجيج الجلب من الطريق

- ‌ من اضطر إلى طعام غيره(2)أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل

- ‌ من اضطر إلى الاستدانة من الغير، فأبى أن يعطيه إلَّا بربا

- ‌لو اضطرَّ إلى طعامه وشرابه فحبسه عنه حتَّى ماتَ جوعًا وعطشًا

- ‌ القسم الأوَّل

- ‌ إذا اختلفت(1)الصنائع لم تصح الشركة على أحد الوجهين

- ‌ ظنَّ طائفةٌ من النَّاس(3)أنَّ هذه المشاركات من باب الإجارة

- ‌ التسعير في الأموال

- ‌ تنازع العلماء في التسعير في مسألتين:

- ‌لو احتاجَ إلى إجراء مائه في أرض غيره، من غير ضرر لصاحب(2)الأرض

- ‌المنافع التي يجب بذلها نوعان

- ‌ منها ما هو حق المال

- ‌ ومنها ما يجب لحاجة النَّاس

- ‌ بذل منافع البدن تجب عند الحاجة

- ‌ من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة وجب عليه أن يخلصه

- ‌ما احتاج إليه النَّاس حاجة عامة، فالحق فيه لله

- ‌ اذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير، وجب عليه بذله له(3)بثمن المثل

- ‌ المنكرات من الأعيان والصور يجوز إتلاف محلها تبعًا لها

- ‌ إتلاف المال - على وجه التعزير والعقوبة - ليس بمنسوخ

- ‌ لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها

- ‌ منع النِّساء من الخروج متزينات متجملات

- ‌ المرض المعدي كالجذام إذا استضر النَّاس بأهله

- ‌من طرق الأحكام: الحكم بالقرعة

- ‌ كيفية القرعة

- ‌ مواضع القرعة

- ‌ إذا أعتق عبدًا من عبيده، أو طلَّق امرأة من نسائه، لا يدري أيتهن هي

- ‌ إذا طلق إحدى نسائه، ومات قبل البيان

- ‌لوازم القولين تدل على صحة القول بالقرعة

- ‌لو طلَّق إحداهما لا بعينها، ثمَّ ماتت إحداهما

- ‌ إذا خرجت القرعة على امرأة، ثمَّ ذكر بعد ذلك أنَّ المطلقة غيرها

- ‌ رجل له مماليك عدة، فقال: أحدهم حر، ولم يبين

- ‌ رجل قال: أول غلام لي يطلع فهو حر، فطلع غلامان

- ‌فإن ولدت الأول ميتًا والثاني حيًّا

- ‌ مسألة الأوَّل والآخر، مبنية على أصلين:

- ‌ مسألة تعليق الحريَّة على مطلق الولادة

- ‌ القرعة(1)في الشراء والبيع

- ‌خاتمة التحقيق

- ‌فهرس المراجع

- ‌ التفسير وعلوم القرآن:

- ‌ السنة النبوية وعلومها:

- ‌ أصول الفقه:

- ‌ الفقه

- ‌ الفقه الحنفي:

- ‌ الفقه المالكي:

- ‌ الفقه الشافعي:

- ‌ الفقه الحنبلي:

- ‌الفقه الظاهري وبعض المجتهدين:

- ‌ كتب اللغة والتعريفات:

- ‌ الأعلام والتراجم والسير والتاريخ:

- ‌ كتب أخرى:

- ‌ كتب ابن القيم:

الفصل: ‌نوع يشترك فيه الخاص والعام

مدرك

(1)

بالحس، فإن حصل بالمشاهدة فلا حاجة إلى القائف، وإن لم يحصل لم يقبل قول القائف".

جوابه أن يقال:‌

‌ الأمور المدركة بالحس نوعان:

‌نوع يشترك فيه الخاص والعام

، كالطول والقصر، والبياض والسواد، ونحو ذلك، فهذا لا يقبل فيه تفرد المخبر والشاهد بما لا يدركه النَّاس معه.

والثاني: ما لا يلزم فيه الاشتراك، كرؤية الهلال، ومعرفة الأوقات، وأخذ كل من الليل والنهار

(2)

في الزيادة والنقصان، ونحو ذلك ممَّا يختص بمعرفته أهل الخبرة، من تعديل القسمة، وكبر الحيوان وصغره، والخرص، ونحو ذلك، فهذا وأمثاله ممَّا مستنده

(3)

الحس ولا يجب الاشتراك فيه، فيقبل فيه قول الواحد والاثنين.

ومن هذا: التشابه والتماثل بين الآدميين، فإنَّ التشابه بين

(4)

الولد والوالد يظهر في صورة الطفل وشكله، وهيئة أعضائه، ظهورًا خفيًّا، يختص بمعرفته القائف دون غيره، ولهذا كانت العرب تعرف ذلك لبني

= جوابًا لقولهم: "لو أثر الشبه والقافة في نتاج الآدمي لأثر في نتاج الحيوان". وهنا ذكر المؤلِّف تعليلًا آخر لهم وليس جوابًا.

(1)

في "أ": "يدرك".

(2)

"والنَّهار" ساقطة من "د" و"هـ".

(3)

في "د" و"هـ": "يسنده".

(4)

"الآدميين فإنَّ التشابه بين" ساقطة من "هـ".

ص: 604

مدلج، وتقر لهم به، مع أنَّه لا يختص بهم

(1)

، ولا يشترط في القائف كونه منهم.

قال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عن القائف هل يقضى بقوله؟ قال: يقضى بقوله إذا علم، وأهل الحجاز يعرفون ذلك

(2)

.

وشرط بعض الشافعية كونه مدلجيًّا

(3)

، وهذا ضعيف جدًّا لا يلتفت إليه.

قال عبد الرحمن بن حاطب: "كُنت جالسًا عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجلان في غلام، كلاهما يدعي أنَّه ابنه، فقال عمر رضي الله عنه: ادعوا لي أخا بني المصطلق، فجاء فقال: انظر ابن أيهما تراه؟ فقال: قد اشتركا فيه"

(4)

وذكر بقية الخبر، وبنو المصطلق بطن من خزاعة لا نسب لهم في بني مدلج.

وكذلك إياس بن معاوية

(5)

كان غاية في القيافة وهو من مزينة، وشريح بن الحارث القاضي كان قائفًا، وهو من كندة، وقد قال أحمد: أهل الحجاز يعرفون ذلك، ولم يخصه ببني مدلج.

والمقصود: أنَّ أهل القيافة كأهل الخبرة وأهل الخرص والقاسمين

(1)

انظر: فتح الباري (12/ 57)، مغني المحتاج (4/ 489)، تحفة الأحوذي (6/ 273)، منهاج الطالبين (1/ 157).

(2)

تقدم.

(3)

انظر: المهذب (1/ 437).

(4)

تقدم تخريجه ص (580).

(5)

انظر: الشرح الكبير (16/ 354)، كشاف القناع (4/ 236).

ص: 605

وغيرهم، ممَّن اعتمادهم على الأمور المشاهدة المرئية لهم، ولهم فيها علامات يختصون بمعرفتها من التماثل والاختلاف والقدر والمساحة، وأبلغ من ذلك النَّاس يجتمعون لرؤية الهلال، فيراه من بينهم الواحد والاثنان، فيحكم بقوله أو قولهما دون بقية الجمع.

قولهم: "إنَّا ندرك التشابه بين الأجانب والاختلاف بين المشتركين في النسب".

قلنا

(1)

: نعم، لكن الظاهر الأكثر خلاف ذلك، وهو الَّذي أجرى الله سبحانه وتعالى به العادة، وجواز التخلف عن الدليل والعلامة الظاهرة في النَّادر لا يخرجه عن أن يكون دليلًا عند عدم معارضة ما يقاومه، ألا ترى أنَّ الفراش دليل على النسب والولادة، وأنَّه ابنه؟ ويجوز - بل يقع كثيرًا - تخلف دلالته، وتخليق الولد من غير ماء صاحب الفراش، ولا يبطل ذلك كون الفراش دليلًا، وكذلك أمارات الخرص والقسمة والتقويم وغيرها قد تتخلف عنها أحكامها ومدلولاتها، ولا يمنع ذلك اعتبارها، وكذلك شهادة الشاهدين وغيرهما، وكذلك دلالة الأقراء والقرء

(2)

الواحد على براءة الرحم، إنَّما هو دليل ظاهر مع جواز تخلف دلالته، ووقوع ذلك وأمثال ذلك كثير.

(1)

انظر: زاد المعاد (5/ 421).

(2)

القرء بفتح القاف: الحيض أو الطهر وهو من الأضداد. انظر: المطلع (334).

ص: 606

قولهم: "إنَّ الاستلحاق موجب للحوق النسب، وقد اشتركا فيه، فيشتركان في موجبه".

قلنا: هذا صحيح، إذا لم يتميز أحدهما بأمرٍ خارج عن الدعوى، فأمَّا إذا تميز بأمرٍ آخر، كالفراش والشبه، كان اللحاق به، كما لو تميز بالبينة، بل الشبه نفسه بينة من أقوى البينات، فإنَّها اسمٌ لما يبين الحق ويظهره، وظهور الحق ها هنا بالشبه أقوى من ظهوره بشهادة من يجوز عليه الوهم والغلط والكذب، وأقوى بكثير من فراش يقطع بعدم اجتماع الزوجين فيه.

قولهم: "القائف إمَّا شاهد وإما حاكم

" إلخ.

قلنا: هذا فيه قولان لمن يقول بالقافة، هما روايتان عن أحمد

(1)

، ووجهان لأصحاب الشافعي

(2)

، مبنيان على أنَّ القائف هل هو حاكم أو شاهد؟ عند طائفة من أصحابنا وعند آخرين ليسا مبنيين على ذلك، بل الخلاف جار، سواء قلنا: القائف حاكم أو شاهد كما نعتبر حاكمين في جزاء الصيد

(3)

.

(1)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية (301)، الإنصاف (16/ 357).

(2)

انظر: الأم (6/ 345)، الإقناع للماوردي (1/ 204)، التهذيب (17/ 386 و 392).

وروايتان عن الإمام مالك رحمه الله تعالى. انظر: الاستذكار (22/ 186)، الفروق (1/ 8)، المنتقى (5/ 213).

(3)

انظر: القواعد والفوائد الأصولية (301)، الإنصاف (16/ 357)، بدائع الفوائد (1/ 6).

ص: 607

وكذلك إذا قبلنا قوله وحده: جاز ذلك، وإن جعلناه شاهدًا، كما نقبل قول القاسم والخارص والمقوم والطبيب ونحوهم وحده.

ومنهم من يبني الخلاف على كونه شاهدًا أو مخبرًا، فإن جعلناه مخبرًا اكتفي بخبره وحده، كالخبر عن الأمور الدينية، وإن جعلناه شاهدًا لم نكتف بشهادته وحده

(1)

، وهذا أيضًا ضعيف، فإنَّ الشاهد مخبر، والمخبر شاهد، وكل من شهد بشيء فقد أخبر به، والشريعة لم تفرق بين ذلك أصلًا، وإنَّما هذا على أصل من اشترط في قبول الشهادة لفظ "الشهادة" دون مجرد الإخبار، وقد تقدم بيان ضعف ذلك

(2)

، وأنَّه لا دليل عليه، بل الأدلة كثيرة - من الكتاب والسنة - تدلُّ على خلافه.

والقضايا التي رويت في القافة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده ليس في قضية واحدة منها أنَّهم قالوا للقائف: تلفظ بلفظة "أشهد أنَّه ابنه" ولا تلفظ بذلك القائف أصلًا، وإنَّما وقع الاعتماد على مجرد خبره، وهو شهادة منه، وهذا بيِّن لمن تأمله، ونصوص أحمد لا تشعر بهذا البناء الَّذي ذكروه بوجه، وإنَّما المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال،

(1)

انظر: الأم (6/ 345)، مغني المحتاج (4/ 389)، نهاية المحتاج (8/ 375)، المنتقى (5/ 533)، البيان والتحصيل (10/ 126)، المغني (8/ 376)، الفروع (5/ 533)، تفسير القرطبي (5/ 213)، الإنصاف (16/ 355).

(2)

ص (539).

ص: 608

ويتناقله

(1)

بعضهم عن بعض، ثمَّ يلزمهم من طرده لوازم لا يقول بها الأئمة، فمنهم من يطردها ويلتزم

(2)

القول بها، ويضيف ذلك إلى الأئمة، وهم لا يقولون به، فيروج بين النَّاس بجاه

(3)

الأئمة، ويفتى ويحكم به والإمام لم يقله قط، بل يكون قد نصَّ على خلافه.

ونحن نذكر نصوص الإمام أحمد في هذه المسألة:

قال جعفر بن محمد النسائي: سمعت أبا عبد الله يسأل عن الولد يدعيه الرجلان؟ قال: يُدعى له رجلان من القافة، فإن ألحقاه بأحدهما، فهو له

(4)

.

وقال محمد بن داود المصيصي: سئل أبو عبد الله عن جارية بين رجلين وقعا عليها؟ قال: إن ألحقوه بأحدهما فهو له، قيل له: إن قال أحد القافة: هو لهذا، وقال الآخر: هو لهذا؟ قال: لا يقبل قول واحد حتَّى يجتمع اثنان، فيكونا

(5)

كشاهدين

(6)

.

وقال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: إن قال أحد القافة هو لهذا، وقال الآخر: هو لهذا؟ قال: لا يقبل قول واحد حتَّى يجتمع اثنان، فيكونا

(1)

في "أ": "يتناوله".

(2)

وفي "أ" و"و": "ويلزم".

(3)

في "ب": "تجاه".

(4)

انظر: الإنصاف (16/ 356).

(5)

في "أ" و"د": "ليكونا".

(6)

انظر: الإنصاف (16/ 358)، الشرح الكبير (16/ 355).

ص: 609

كشاهدين

(1)

، وإذا شهد اثنان من القافة أنَّه لهذا فهو له

(2)

.

واحتجَّ من رجَّح هذا القول بأنَّه حكم بالشبه، فيعتبر فيه العدد، كالحكم بالمثل في جزاء الصيد.

قالوا: بل هو

(3)

أولى؛ لأنَّ درك المثلية في الصيد أظهر بكثيرٍ من دركها ها هنا؛ فإذا تابع القائف غيره سكنت النفس واطمأنت إلى قوله.

وقال أحمد - في رواية أبي طالب - في الولد يكون بين الرجلين: يُدعى القائف، فإذا قال: هو منهما فهو منهما

(4)

، انظر

(5)

إلى ما يقول القائف، وإن جعله لواحد فهو لواحد

(6)

.

وقال في رواية إسماعيل بن سعيد: وسئل عن القائف هل يقضى بقوله؟ فقال: يقضى بذلك إذا علم.

ومن حجة هذا القول - وهو اختيار القاضي

(7)

وصاحب

(8)

(1)

في "أ" و"ب" و"د": "شاهدين".

(2)

انظر: الإنصاف (16/ 358)، الشرح الكبير (16/ 355).

(3)

"هو" مثبتة من "جـ".

(4)

"فهو منهما" ساقطة من "د".

(5)

في "جـ": "نظرًا".

(6)

انظر: الإنصاف (16/ 355 - 356)، مسائل صالح (1/ 355).

(7)

أبي يعلى.

(8)

انظر: الشرح الكبير (16/ 356)، الإنصاف (16/ 356).

ص: 610

"المستوعب"

(1)

، والصحيح من مذهب الشافعي

(2)

، وقول أهل الظاهر

(3)

: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سرّ بقول مجزز المدلجي

(4)

وحده

(5)

، وصحَّ عن عمر رضي الله عنه أنَّه استقاف المصطلقي وحده، كما تقدم

(6)

، واستقاف ابن عباس ابن كلدة وحده، واستلحق بقوله

(7)

.

وقد نص أحمد

(8)

على أنه يكتفى بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه والقائف مثله، فتخرج له رواية ثالثة كذلك، والله

(1)

محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسن السامري، توفي سنة 616 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 121)، شذرات الذهب (7/ 126)، المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (429).

قال عنه ابن بدران "بكسر العين المهملة .. وهو كتاب مختصر الألفاظ كثير الفوائد والمعاني .. وبالجملة فهو كتاب أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه .. " ا. هـ. المدخل (429 - 430).

(2)

انظر: مغني المحتاج (4/ 389)، نهاية المحتاج (8/ 375)، التهذيب (8/ 347)، الحاوي الكبير (17/ 380).

(3)

انظر: المحلَّى (9/ 435).

(4)

"المدلجي" مثبتة من "جـ".

(5)

تقدم تخريجه.

(6)

ص (580).

(7)

تقدم تخريجه.

(8)

انظر: المحرر (2/ 324)، المغني (14/ 273)، شرح الزركشي (7/ 396)، المقنع لابن البنا (4/ 1319)، معونة أولي النهى (9/ 424)، غاية المنتهى (3/ 507)، الرعاية الصغرى (2/ 399)، شرح منتهى الإرادات (3/ 601)، كشف المخدرات (2/ 262)، دليل الطالب (286)، هداية الراغب (565)، منار السبيل (2/ 496).

ص: 611

أعلم، بل هذا أولى من الطبيب والبيطار؛ لأنهما أكثر وجودًا منه، فإذا اكتفي بالواحد منهما - مع عدم غيره - فالقائف أولى.

وأما قولكم: "إن داود وسليمان لم يحكما بالقافة في قصة الولد الذي ادعته المرأتان".

فيقال: قد اختلف القائلون بالقافة: هل يعتبر في تداعي المرأتين كما يعتبر في تداعي الرجلين؟ وفي ذلك وجهان لأصحاب الشافعي

(1)

:

أحدهما: لا يعتبر ها هنا، وإن اعتبر في تداعي

(2)

الرجلين.

قالوا: والفرق بينهما أنا يمكننا التوصل إلى معرفة الأم يقينًا

(3)

، بخلاف الأب، فإنا لا سبيل لنا فيه إلى ذلك، فاحتجنا إلى القافة، وعلى هذا فلا إشكال.

والوجه الآخر - وهو الصحيح -: أن القافة تجري ها هنا كما تجري بين الرجلين، قال أحمد - في رواية ابن

(4)

الحكم

(5)

في يهودية ومسلمة ولدتا، فادعت اليهودية ولد المسلمة - قيل له: يكون في هذا

(1)

انظر: روضة الطالبين (4/ 507)، التهذيب (8/ 347)، الحاوي الكبير (17/ 396).

(2)

في "ب" و"د": "دعوى".

(3)

"يقينًا" مثبتة من "أ".

(4)

في "أ": "أبي".

(5)

محمد بن الحكم أبو بكر الأحول، توفي سنة 223 هـ - رحمه الله تعالى -.

انظر: طبقات الحنابلة (2/ 295).

ص: 612

القافة؟ قال: ما أحسنه

(1)

.

والأحاديث المتقدمة

(2)

التي دلت على أن الولد يأخذ الشبه من الأم تارة، ومن الأب تارة، تدل على صحة هذا القول.

فإن الحكم بالقافة إنما هو حكم

(3)

بالشبه، وقد تقدم في ذلك حديث عائشة، وأم سلمة

(4)

، وأنس بن مالك

(5)

، وثوبان

(6)

، وعبد الله بن سلام

(7)

، وكون الأم يمكن معرفتها يقينًا - بخلاف الأب - لا يدل على أن القافة لا تعتبر في حق المرأتين؛ لأنا إنما نستعملها عند عدم معرفة الأم، ولا يلزم من عدم استعمالها عند تيقن معرفة الأم عدم استعمالها عند الجهل بها، كما أنا إنما نستعملها في حق الرجلين عند عدم تيقن الفراش، لا عند تيقنه.

وأما كون داود وسليمان لم يعتبراها؛ فإما ألا يكون ذلك

(8)

شريعة لهما، وهو الظاهر، إذ لو كان ذلك شرعًا لدعيا القافة للولد.

وإما أن تكون القافة مشروعة في تلك الشريعة، لكن في حق

(1)

انظر: المغني (8/ 381)، الشرح الكبير (16/ 343).

(2)

من قول المؤلِّف "لمن يقول بالقافة هما روايتان عن أحمد ووجهان لأصحاب الشافعي مبنيان

" إلى قوله هنا "الأحاديث المتقدمة" ساقطة من "هـ".

(3)

في "أ": "إنَّما يتوهم بالشبه".

(4)

تقدم تخريجه ص (583). وحديث عائشة تقدم ص (584).

(5)

تقدم تخريجه ص (585).

(6)

تقدم تخريجه ص (584).

(7)

تقدم تخريجه ص (585).

(8)

في "و": "لأن كون".

ص: 613

الرجلين، كما هو أحد القولين في شريعتنا

(1)

، وحينئذٍ فلا كلام.

وإما أن تكون مشروعة مطلقًا، ولكن أشكل على نبي الله أمر الشبه بحيث لم يظهر له، وأن القائف لا يعلم الحال في كل صورة، بل قد يشتبه عليه كثيرًا.

وعلى كل تقدير، فلا حجة في القصة على إبطال حكم القافة في شريعتنا، والله أعلم.

بل قصة

(2)

داود وسليمان صريحة في إبطال إلحاق الولد بأُمَّين، فإنه لم يحكم به نبي من النبيين الكريمين - صلوات الله عليهما وسلامه - بل اتفقا على إلغاء هذا الحكم، فالذي دلت عليه قصتهما لا يقولون به، والذي يقولون به غير ما دلت عليه القصة.

فصل

وأما حديث زيد بن أرقم في قصة علي في الولد الذي ادعاه الثلاثة والإقراع بينهما، فهو حديث مضطرب جدًّا

(3)

، كما تقدم ذكره

(4)

.

(1)

انظر: روضة الطالبين (4/ 507)، الحاوي الكبير (17/ 396)، المغني (8/ 381)، الشرح الكبير (16/ 343)، المبسوط (17/ 71)، بدائع الصنائع (6/ 244)، البحر الرَّائق (4/ 244).

(2)

في "و": "قضية".

(3)

سيذكر المؤلِّف قريبًا من تكلَّم في الحديث. وممَّن قال باضطراب الحديث: أبو حاتم كما ذكره ابنه عنه في العلل (1/ 402)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 245)، وذكر ابن رجب - رحمه الله تعالى - أنَّه أفرد هذا الحديث في جزء. انظر: القواعد (3/ 236).

(4)

ص (594).

ص: 614

وقد قال علي بن سعيد

(1)

: سألت أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر، لا أدري ما هذا ولا أعرفه صحيحًا

(2)

.

وقال له إسحاق بن منصور: حديث زيد بن أرقم "أن ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد"؟ قال: حديث عمر في القافة أعجب إلي

(3)

.

وذكر البخاري في "تاريخه"

(4)

: أن عبد الله بن الخليل لا يتابع على هذا الحديث

(5)

.

وهذا يوافق قول أحمد: إنه حديث منكر.

ويدل عليه أيضًا

(6)

: ما رواه قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن علي رضي الله عنه "أن رجلين وقعا على امرأة في طهر واحد، فجاءت بولد، فدعا له علي

(7)

القافة، وجعله ابنهما جميعًا، يرثهما

(1)

هو علي بن سعيد بن جرير النسوي أبو الحسن، توفي سنة 257 هـ رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الحنابلة (2/ 126)، الثقات لابن حبان (8/ 474)، تهذيب الكمال (20/ 447).

(2)

انظر: المحرر في الحديث (382)، قواعد ابن رجب (3/ 2232)، إعلام الموقعين (2/ 82)، تهذيب السنن (3/ 177).

(3)

مسائل الكوسج (1/ 410). وانظر: زاد المعاد (5/ 430)، إعلام الموقعين (2/ 28)، تهذيب السنن (3/ 178)، قواعد ابن رجب (3/ 233).

(4)

التاريخ الكبير (5/ 79).

(5)

وانظر: الكامل (5/ 289)، سنن البيهقي (10/ 451)، الضعفاء الكبير للعقيلي (2/ 245)، ميزان الاعتدال (4/ 90).

(6)

انظر: تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (1/ 161).

(7)

"علي" ساقطة من "جـ" و"هـ" و"و".

ص: 615

ويرثانه"

(1)

، وهذا يدل على أن مذهب علي رضي الله عنه الأخذ بالقافة دون القرعة.

وأيضًا؛ فالمعهود من استعمال القرعة إنما هو إذا لم يكن هناك مرجح سواها، ومعلوم أن القافة مرجحة: إما شهادة، وإما حكمًا، وإما فتيا

(2)

؛ فلا يصار إلى القرعة مع وجودها.

وأيضًا؛ فنفاة القافة لا يأخذون بحديث علي في القرعة

(3)

، ولا بحديثه وحديث عمر في القافة

(4)

، فلا يقولون

(5)

بهذا ولا بهذا

(6)

.

فنقول: حديث علي رضي الله عنه: إما أن يكون ثابتًا أو لا يثبت، فإن لم يثبت فلا إشكال، وإن كان ثابتًا فهو واقعة عينٍ تحتمل وجوهًا:

أحدها: أن لا يكون قد وجد في ذلك المكان وفي ذلك الوقت قائف، أو يكون قد أشكل على القائف ولم يتبين له، أو يكون لعدم كون القيافة طريقًا شرعيًّا، وإذا احتملت القصة هذا وهذا وهذا لم يجزم

(1)

تقدم تخريجه ص (581).

(2)

"فتيا" ساقطة من "ب"، وفيها "وإمَّا ظنًّا".

(3)

المتقدم ص (594).

(4)

المتقدم ص (579).

(5)

"بحديث علي في القرعة ولا بحديثه وحديث عمر في القافة فلا يقولون" ساقطة من "و".

(6)

في "ب" و"د" و"هـ": "هذا ولا هذا".

ص: 616

بوقوع أحد الاحتمالات إلا بدليل، وقد تضمنت القصة أمرين مشكلين:

أحدهما

(1)

: ثبوت النسب بالقرعة.

والثاني: إلزام من خرجت له القرعة بثلثي الدية للآخرين.

فمن صحح الحديث ونفى الحِكَم والتعليل - كبعض أهل الظاهر - قال به ولم يلتفت إلى معنى ولا علة ولا حكمة، وقال: ليس هنا إلا التسليم والانقياد.

وأما من سلك طريق التعليل والحكمة، فقد يقول: إنه إذا تعذرت القافة أو أشكل الأمر عليها كان المصير إلى القرعة أولى من ضياع نسب الولد، وتركه هملًا

(2)

لا نسب له، وهو ينظر إلى ناكح أمه وواطئها، فالقرعة ها هنا أقرب الطرق إلى إثبات النسب، فإنها طريق شرعي، وقد سدت

(3)

الطرق سواها

(4)

، وإذا كانت صالحة لتعيين الأملاك المطلقة، وتعيين الرقيق من الحر، وتعيين الزوجة من الأجنبية، فكيف لا تصلح لتعيين صاحب النسب

(5)

من غيره؟.

والمعلوم أن طرق حفظ الأنساب أوسع من طرق حفظ الأموال،

(1)

انظر: زاد المعاد (5/ 430)، فتح القدير لابن الهمام (5/ 53).

(2)

في "أ": "مهملًا".

(3)

في "جـ" و"د" و"هـ" و"و": "استدت".

(4)

في "و": "إلَّا سواها".

(5)

في "د": "صاحب الفراش".

ص: 617

والشارع إلى ذلك أعظم تشوفًا

(1)

، فالقرعة شرعت لإخراج المستحق تازة، ولتعيينه تارة، وها هنا أحد المتداعيين هو أبوه حقيقة، فعملت القرعة في تعيينه، كما عملت في تعيين الزوجة

(2)

عند اشتباهها بالأجنبية، فالقرعة تخرج المستحق شرعًا، كما تخرجه قدرًا.

وقد تقدم في تقرير صحتها واعتبارها ما فيه شفاء، فلا استبعاد في الإلحاق بها عند تعينها طريقًا، بل خلاف ذلك هو المستبعد.

الأمر الثاني: إلزام من خرجت له القرعة بثلثي الدية لصاحبيه، وهذا أيضًا له وجه

(3)

، فإن وطء كل واحد من الآخرين كان صالحًا لحصول الولد له، ويحتمل أن يكون الولد له في نفس الأمر، فلما خرجت القرعة لأحدهم أبطلت ما كان كل من الواطئين يرجوه

(4)

من حصول الولد له، فقد بذر كل منهم بذرًا يرجو أن يكون الزرع له، فقد

(1)

انظر: زاد المعاد (5/ 431).

(2)

في "د" و"هـ" و"و": "أمه".

(3)

وقال ابن القيم رحمه الله: "وسألت عنه شيخنا فقال: له وجه ولم يزد"، وقال عقبه:"ولكن قد رواه الحميدي في مسنده بلفظ آخر يدفع الإشكال جملة قال: "وأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه" وهذا لأنَّ الولد لما لحق به صارت أم ولد وله فيها ثلثها فغرمه قيمة ثلثيها الَّلذين أفسدهما على الشريكين بالاستيلاء، فلعلَّ هذا هو المحفوظ، وذِكْر ثلثي دية الولد وهم أو يكون عبَّر عن قيمة الجارية بالدِّية لأنَّها هي التي يودى بها فلا يكون بينهما تناقض، والله أعلم" ا. هـ، تهذيب السنن (3/ 178)، وانظر: زاد المعاد (5/ 431)، إعلام الموقعين (2/ 29)، مسند الحميدي (802).

(4)

"يرجوه" مثبتة من "أ".

ص: 618

اشتركوا في البذر، فإذا فاز أحدهم بالزرع كان من العدل أن يضمن لصاحبيه ثلثي القيمة، والدية قيمة الولد شرعًا، فلزمه ضمان ثلثيها لصاحبيه، إذ الثلثان عوض ثلثي الولد الذي استبد به دونهما، مع اشتراكهما في سبب حصوله.

وهذا أصح من كثير من الأحكام التي يثبتونها بآرائهم وأقيستهم، والمعنى فيه أظهر.

وقد اعتبر الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك في ولد المغرور، حيث حكموا بحريته، وألزموا الواطئ فداءه بمثله لما فوت رقه على سيد الأمة

(1)

، هذا مع أنه لم يوجد من سيدها هناك وطء يكون منه ولد، بل الزوج وحده هو الواطئ، ولكن لما كان الولد تابعًا لأمه في الرق كان بصدد أن يكون رقيقًا لسيدها، فلما فاته ذلك - بانعقاد الولد حرا من أمته - ألزموا الواطئ بأن يغرم له نظيره، ولم يلزموه بالدية؛ لأنه إنما فوت عليه رقيقًا، ولم يفوت عليه حرًّا، وفي قصة علي

(2)

رضي الله عنه كان الذي فوته الواطئ القارع حرًّا، فلزمه حصة صاحبيه من الدية ولو كان واحدًا لزمه نصف الدية.

فهذا أحسن وجوه الحديث، فإن كان صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 366)، عن عمر وعثمان رضي الله عنهما كما رواه أيضًا (4/ 320) عن علي رضي الله عنه. وانظر: المدونة (2/ 211)، ونصب الراية (4/ 110)، الدراية (2/ 179)، زاد المعاد (5/ 431)، إعلام الموقعين (2/ 29).

(2)

المتقدم ذكرها ص (594).

ص: 619

فالقول الصحيح هو القول بموجبه، ولا قول سواه، وبالله التوفيق.

فصل

هذا كلَّه في الحكم بين النَّاس في الدعاوى

(1)

.

وأما الحكم بينهم فيما لا يتوقف على الدعوى فهو المسمَّى بالحسبة

(2)

، والمتولي له: والي الحسبة، وقد جرت العادة بإفراد هذا النوع بولاية خاصة، كما أفردت ولاية المظالم بولاية خاصَّة، والمتولي لها يسمى والي المظالم، وولاية المال قبضًا وصرفًا بولاية خاصة، والمتولي لذلك يسمى وزيرًا، وناظر البلد، والمتولي لإحصاء المال ووجوهه وضبطه تسمَّى ولايته: ولاية استيفاء، والمتولي لاستخراجه وتحصيله ممن هو عليه تسمى ولايته: ولاية السر، والمتولي لفصل الخصومات، وإثبات الحقوق، والحكم في الفروج

(3)

والأنكحة والطلاق والنفقات، وصحة العقود وبطلانها هو المخصوص باسم الحاكم والقاضي، وإن كان هذا الاسم يتناول كل حاكم بين اثنين وقاض بينهما، فيدخل أصحاب هذه الولايات جميعهم تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ

(1)

في "أ": "الدعوى".

(2)

الحسبة بكسر الحاء وهي شرعًا: أمر بالمعروف إذا ظهر تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله. انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (315)، الأحكام السلطانية لأبي يعلى (284)، ونصاب الاحتساب (82).

(3)

في "أ": "التزوج".

ص: 620

بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] وتحت قوله تعالى: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)} [المائدة: 44]، وقوله:{فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] وقوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] وتحت قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] وقوله صلى الله عليه وسلم: "القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ"

(1)

، وقوله:"مَنْ وَلِيَ القَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ"

(2)

، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المُقْسِطون عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُوْرٍ عَنْ يَمين الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذين يَعْدِلُوْنَ فِي حُكْمِهِم وَأَهْلِيهِمْ

(1)

رواه أبو داود رقم (3573) والترمذي رقم (1322)(3/ 5)، والنسائي في الكبرى رقم (5922)(3/ 461)، وابن ماجه رقم (2315)(4/ 10)، والحاكم (4/ 90)، والبيهقي (10/ 199)، والطبراني في معجم الأوسط (4/ 377)، رقم (3641) و (7/ 388) رقم (6753) وفي المعجم الكبير (2/ 20) رقم (1154) و (1156) من حديث بريدة رضي الله عنه. قال الحاكم:"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وله شاهد بإسناد صحيح على شرط مسلم" ا. هـ. وقال الذهبي: "ابن بكير الغنوي منكر الحديث". قال: "وله شاهد صحيح" ا. هـ. تلخيص المستدرك (4/ 90)، وقال ابن عبد الهادي:"إسناده جيد" انظر: المحرر في الحديث رقم (1189) وكذلك قال ابن كثير. الإرشاد (391) وحسنه الحافظ ابن حجر في هداية الرواة (3/ 478).

(2)

رواه ابن أبي شيبة (4/ 543)، وأحمد (2/ 230 و 365)، وأبو داود رقم (3571)، والترمذي رقم (1325)، والنسائي في الكبرى (5923)، وابن ماجه رقم (2308)(4/ 5)، والدَّارقطني (4/ 204)، والحاكم (4/ 91)، والبيهقي (10/ 164)، وفي المعرفة (14/ 221)، وابن حبان في الثقات (6/ 286) و (7/ 204)، وأبو يعلى (10/ 261) و (11/ 491)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 9) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي:"حسنٌ غريب"، =

ص: 621

وَمَا وَلُوا"

(1)

.

والمقصود: أنَّ الحكم بين النَّاس في النوع الَّذي لا يتوقف على الدعوى هو المعروف بولاية الحسبة.

وقاعدته وأصله: هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الَّذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، ووصف به هذه الأمة، وفضّلها لأجله على سائر الأمم التي أخرجت للنَّاس

(2)

، وهذا واجبٌ على كلِّ مسلم قادر، وهو فرض كفاية، ويصير فرض عين على القادر الَّذي لم يقم به غيره من ذوي الولاية والسلطان

(3)

، فعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإنَّ مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على القادر ما لا يجب على العاجز، قال تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"

(4)

.

= وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ ابن حجر في هداية الرواة (3/ 477)، وانظر: العلل لابن المديني (157)، كما حسَّنهُ البغوي في شرح السنَّة (10/ 92)، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (2/ 169).

(1)

رواه مسلم رقم (1827)(12/ 453) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(2)

في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].

(3)

انظر: الأحكام السلطانية للماوردي (315)، والأحكام السلطانية لأبي يعلى (284)، معالم القربة (22)، الفروق (4/ 257).

(4)

رواه البخاري رقم (7288)(13/ 264)، ومسلم رقم (1337)(9/ 108) =

ص: 622