الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في التسعير
وقد
تنازع العلماء في التسعير في مسألتين:
إحداهما: إذا كان للناس سعر غالب، فأراد بعضهم أن يبيع بأغلى من ذلك، فإنه يمنع من ذلك عند مالك
(1)
.
وهل يمنع من النقصان؟ على قولين لهم
(2)
.
واحتج مالك رحمه الله بما رواه في موطئه عن يونس بن سيف
(3)
عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا"
(4)
.
(1)
"عند مالك" ساقطة من "ب".
انظر: الموطأ (2/ 651)، البيان والتحصيل (9/ 313)، تنبيه الحكام (348)، الاستذكار (20/ 73)، المعونة (2/ 1035)، المنتقى (5/ 17)، الكافي (360)، المعيار المعرب (6/ 409).
(2)
انظر: المراجع السابقة.
(3)
كذا في المخطوطات "يونس بن سيف"، والصواب يونس بن يوسف كما في الموطأ (2/ 651) وهو يونس بن يوسف بن حماس بن عمرو الليثي المدني من عباد أهل المدينة، روى له مسلم والنسائي وابن ماجه، وثَّقه النسائي وابن حبان. انظر: الثقات (7/ 633 و 648)، وتهذيب الكمال (32/ 560)، تهذيب التهذيب (11/ 395)، والكاشف (3/ 306).
(4)
رواه مالك (2/ 651)، وعبد الرزاق (8/ 207)، والبيهقي (6/ 48)، وابن =
قال مالك
(1)
: لو أن رجلًا أراد فساد السوق فحط عن سعر الناس لرأيت أن يقال له: إما لحقت بسعر الناس، وإما رفعت، وأما أن يقول للناس كلهم يعني
(2)
: لا تبيعوا إلا بسعر كذا، فليس ذلك بالصواب، وذكر حديث عمر بن عبد العزيز في أهل الأيلة
(3)
، حين حط سعرهم لمنع البحر، فكتب:"خل بينهم وبين ذلك، فإنما السعر بيد الله".
قال ابن رشد في كتاب البيان
(4)
: "أما الجلابون فلا خلاف في أنه لا يسعر عليهم شيء مما جلبوه، وإنما يقال لمن شذ منهم، فباع بأغلى مما يبيع به العامة: إما أن تبيع بما تبيع به العامة، وإما أن ترفع من السوق، كما فعل عمر بن الخطاب بحاطب بن أبي بلتعة، إذ مر به وهو يبيع زبيبًا له في السوق فقال له: "إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا"
(5)
؛ لأنه كان يبيع بالدرهم الواحد أقل
(6)
مما كان يبيع به
= شبة في أخبار المدينة (1/ 398).
(1)
انظر: البيان والتحصيل (9/ 313).
(2)
"يعني" ساقطة من "أ".
(3)
في أكثر النسخ: "الأبلة"، وفي النسخة "د":"الأيلة" وهو الصواب. انظر: البيان والتحصيل (9/ 313)، وأيلة مدينة على ساحل بحر القلزم ممَّا يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأوَّل الشام. انظر: معجم البلدان (1/ 347). واسمها الآن إيلات بالقرب من العقبة.
(4)
البيان والتحصيل (9/ 313)، وانظر: التاج والإكليل (4/ 380)، الكافي (360)، القوانين (258)، المعيار المعرب (5/ 84).
(5)
تقدم تخريجه قريبًا.
(6)
في "ب" و"جـ" و"هـ" و"و": "أغلا". ولعلَّ الصواب: "أكثر"، وما أثبته موافقٌ لما في البيان والتحصيل (9/ 414).
أهل السوق.
وأمَّا أهل الحوانيت والأسواق، الَّذين يشترون من الجلابين وغيرهم جملة، ويبيعون ذلك على أيديهم مقطعًا، مثل اللحم والأدم والفواكه، فقيل: إنهم كالجلابين، لا يسعر لهم شيء من بياعاتهم، وإنَّما يقال لمن شذ منهم وخرج عن الجمهور: إمَّا أن تبيع كما يبيع النَّاس، وإمَّا أن ترفع من السوق، وهو قول مالك في هذه الرواية
(1)
.
وممَّن روي عنه ذلك من السلف: عبد الله بن عمر
(2)
والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله
(3)
.
وقيل: إنَّهم في هذا بخلاف الجلابين، لا يتركون على البيع باختيارهم إذا أغلوا على النَّاس، ولم يقتنعوا
(4)
من الربح بما يشبه.
وعلى صاحب السوق الموكل بمصلحته أن يعرف ما يشترون به، فيجعل لهم من الربح ما يشبه، وينهاهم أن يزيدوا على ذلك، ويتفقد السوق أبدًا، فيمنعهم من الزيادة على الربح الَّذي جعل لهم، فمن
(1)
انظر: المنتقى (5/ 17)، الاستذكار (20/ 73).
(2)
انظر: المنتقى (5/ 18)، تكملة المجموع الثانية (13/ 34).
(3)
انظر: المنتقى (5/ 18)، المعيار المعرب (5/ 85)، تكملة المجموع الثانية (13/ 34).
"والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله" لم يذكرهما ابن رشد في المطبوع من البيان والتحصيل.
(4)
في "أ" و"هـ": "يقنعوا".
خالف أمره عاقبه وأخرجه من السوق.
وهذا قول مالك
(1)
في رواية أشهب
(2)
، وإليه ذهب ابن حبيب
(3)
، وقال به ابن المسيب ويحيى بن سعيد والليث وربيعة
(4)
.
ولا يجوز عند أحدٍ من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلَّا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم، من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ولا أن يقول لهم فيما قد اشتروه: لا تبيعوه إلَّا بكذا وكذا، ممَّا هو مثل الثمن أو أقل.
وإذا ضرب لهم الربح على قدر ما يشترون لم يتركهم أن يغلوا في الشراء، وإن لم يزيدوا في الربح على القدر الَّذي حدَّ لهم، فإنهم قد يتساهلون في الشراء إذا علموا أنَّ الربح لا يفوتهم
(5)
.
وأمَّا الشافعي
(6)
، فإنَّه عارض ذلك بما رواه عن الدراوردي
(7)
عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر رضي الله عنه: "أنَّه مر بحاطب بن أبي بلتعة بسوق المصلى، وبين يديه
(1)
ولا يزال الكلام لابن رشد - رحمه الله تعالى -.
(2)
انظر: المعيار المعرب (5/ 85).
(3)
انظر: المعيار المعرب (5/ 85).
(4)
انظر: الاستذكار (20/ 76)، تكملة المجموع الثانية (13/ 35).
(5)
انتهى كلام ابن رشد رحمه الله تعالى.
(6)
مختصر المزني (9/ 102)، وانظر: الاستذكار (20/ 75)، وسنن البيهقي (6/ 48)، الحاوي الكبير (5/ 409).
(7)
عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي.
غرارتان
(1)
فيهما زبيب، فسأله عن سعرهما؛ فقال له
(2)
: مدَّين لكل درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثت بعير من الطائف تحمل زبيبًا، وهم يغترون
(3)
بسعرك، فإمَّا أن ترفع في السعر، وإمَّا أن تدخل زبيبك البيت، فتبيعه
(4)
كيف شئت، فلمَّا رجع عمر حاسب نفسه، ثمَّ أتى حاطبًا في داره، فقال: إنَّ الَّذي قلت لك ليس عزمة مني، ولا قضاء، إنَّما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع"
(5)
.
قال الشافعي
(6)
: وهذا الحديث مستقصى
(7)
، وليس بخلاف لما رواه مالك
(8)
، ولكنَّه روى بعض الحديث، أو رواه عنه من رواه
(9)
،
(1)
في "ب": "غرابان".
الغرارة: الجوالق الكبير. فقه اللغة (285)، والجوالق هي الوعاء. مختار الصحاح (106).
(2)
عند البيهقي: "فسعر له".
(3)
في "أ" و"ب": "يعتبرون".
(4)
"فتبيعه" ساقطة من "هـ".
(5)
رواه الشافعي، مختصر المزني (9/ 102)، والبيهقي (6/ 48)، وسعيد بن منصور كما أفاده ابن قدامة في المغني (6/ 312). وانظر: كنز العمال (4/ 183).
(6)
مختصر المزني (9/ 102).
(7)
في "أ": "مستفيض".
(8)
يعني أثر حاطب الذي تقدم نصه أوَّل الفصل.
(9)
في مختصر المزني (9/ 102)، والحاوي (5/ 409)"أو رواه من روى عنه" وبه يستقيم المعنى.
وهذا أتى بأوَّل الحديث وآخره، وبه أقول؛ لأنَّ النَّاس مسلطون على أموالهم، ليس لأحدٍ أن يأخذها أو شيئًا منها بغير طيب أنفسهم إلَّا في المواضع التي يلزمهم الأخذ فيها
(1)
، وهذا ليس منها
(2)
.
وعلى قول مالك فقال أبو الوليد الباجي: الَّذي يؤمر به من حط عنه أن يلحق به هو السعر الذي عليه جمهور النَّاس، فإذا انفرد منهم الواحد والعدد اليسير بحط السعر أمروا باللحاق بسعر النَّاس، أو ترك البيع، فإن زاد في السعر واحد أو عدد يسير لم يؤمر الجمهور باللحاق بسعره؛ لأنَّ المراعى حال الجمهور
(3)
، وبه تقوم المبيعات.
وهل يقام من زاد في السوق - أي في قدر المبيع بالدراهم - كما يقام من نقص منه؟
قال ابن القصار المالكي
(4)
: اختلف أصحابنا في قول مالك: "ولكن من حط سعرًا"، فقال البغداديون
(5)
: أراد من باع خمسة بدرهم، والنَّاس يبيعون ثمانية.
(1)
"الأخذ فيها" مثبتة من "أ".
(2)
انتهى كلام الشافعي - رحمه الله تعالى -.
(3)
انتهى كلام الباجي. المنتقى (5/ 17)، وانظر: الاستذكار (20/ 73)، والكافي (360)، والتفريع (2/ 168)، المعيار (6/ 409).
(4)
علي بن عمر بن أحمد البغدادي أبو الحسن المعروف بابن القصار القاضي شيخ المالكية، توفي سنة 397 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: تاريخ بغداد (12/ 40)، الديباج المذهب (2/ 100)، سير أعلام النبلاء (17/ 108).
(5)
انظر: المعونة (2/ 1035).
وقال قوم من البصريين
(1)
: أراد من باع ثمانية، والنَّاس يبيعون خمسة، فيفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدَّى إلى الشغب والخصومة.
قال: وعندي أنَّ الأمرين جميعًا ممنوعان؛ لأنَّ من باع ثمانية - والنَّاس يبيعون خمسة - أفسد على أهل السوق بيعهم، وربما أدَّى إلى الشغب والخصومة، فمنع الجميع مصلحة.
قال أبو الوليد
(2)
: ولا خلاف أنَّ ذلك حكم أهل السوق.
وأمَّا الجالب ففي كتاب محمد
(3)
: لا يمنع الجالب أن يبيع في السوق دون بيع النَّاس، وقال ابن حبيب: ما عدا القمح والشعير بسعر النَّاس وإلَّا رفعوا، وأمَّا جالب القمح والشعير فيبيع كيف شاء، إلَّا أنَّ لهم في أنفسهم حكم أهل السوق، إن أرخص بعضهم
(4)
تركوا، وإن أرخص أكثرهم قيل لمن بقي: إمَّا أن تبيعوا كبيعهم، وإمَّا أن ترفعوا
(5)
.
قال ابن حبيب: وهذا
(6)
في المكيل والموزون، مأكولًا كان أو
(1)
في الحسبة (91): "المصريين".
(2)
الباجي. المنتقى (5/ 17).
(3)
محمد بن سحنون بن سعيد بن حبيب التنوخي أبو عبد الله من كبار علماء المالكية، توفي سنة 255 هـ -رحمه الله تعالى-. انظر: ترتيب المدارك (3/ 104)، وشجرة النور (60).
(4)
"بعضهم" ساقطة من "ب".
(5)
المنتقى (5/ 18)، وانظر: التاج والإكليل (4/ 380).
(6)
"هذا" مثبتة من طبعة ابن قاسم رحمه الله، وأثبتها ليستقيم المعنى.
غيره، دون ما لا يكال
(1)
ولا يوزن؛ لأنَّه لا يمكن تسعيره؛ لعدم التماثل فيه.
قال أبو الوليد
(2)
: هذا إذا كان المكيل والموزون متساويين
(3)
، فإذا اختلفا
(4)
، لم يؤمر صاحب الجيد أن يبيعه بسعر الدون
(5)
.
فصل
وأمَّا المسألة الثانية - التي تنازعوا فيها من التسعير - فهي أن يحد لأهل السوق حدًّا لا يتجاوزونه، مع قيامهم بالواجب.
فهذا منع منه الجمهور
(6)
، حتَّى مالك نفسه في المشهور عنه
(7)
،
(1)
في "أ" و"ب": "دون ما يكال".
(2)
الباجي.
(3)
في "أ": "متساويا".
(4)
في "أ" و"و": "اختلفت".
(5)
المنتقى (5/ 18).
(6)
انظر: الهداية مع نصب الرَّاية (6/ 164)، بدائع الصنائع (5/ 129)، العناية (10/ 59)، فتح القدير (10/ 59)، المنتقى (5/ 17)، الاستذكار (20/ 73)، والكافي (360)، القوانين (258)، مختصر المزني (9/ 102)، حلية العلماء (4/ 316)، الحاوي الكبير (5/ 409)، سنن البيهقي (6/ 48)، أسنى المطالب (2/ 38)، المهذب "مع المجموع"(13/ 29)، شرح منتهى الإرادات (2/ 26)، كشاف القناع (3/ 187)، مطالب أولي النهى (3/ 62)، المغني (6/ 311)، الحسبة (88)، رؤوس المسائل الخلافية (2/ 757)، الفروع (4/ 51)، الإنصاف (11/ 197).
(7)
انظر: كتب المالكية في الحاشية السابقة.
ونقل المنع أيضًا عن ابن عمر
(1)
، وسالم
(2)
، والقاسم بن محمد
(3)
، وروى أشهب عن مالك في صاحب السوق يسعر على الجزارين لحم الضأن بكذا، ولحم الإبل بكذا، وإلَّا أخرجوا من السوق؛ قال: إذا سعر عليهم قدر ما يرى من شرائهم، فلا بأس به، ولكن أخاف أن
(4)
يقوموا من السوق.
واحتجَّ أصحاب هذا القول بأنَّ في هذا مصلحة للناس بالمنع من إغلاء السعر عليهم، ولا يجبر النَّاس على البيع، وإنَّما يمنعون من البيع بغير السعر الَّذي يحده ولي الأمر، على حسب ما يرى من المصلحة فيه للبائع والمشتري
(5)
.
وأمَّا الجمهور فاحتجوا بما رواه أبو داود
(6)
وغيره من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، سَعِّر لنا، فقال:"بل أَدْعُو اللهَ" ثمَّ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، سعِّر لنا، فقال: "بلْ اللهُ يَرْفَعُ
(1)
في "ب": "عمر".
وانظر: المنتقى (5/ 18) تكملة المجموع الثانية (13/ 36)، الحسبة (92).
(2)
انظر: المنتقى (5/ 18) تكملة المجموع الثانية (13/ 36)، الحسبة (92).
(3)
انظر: المنتقى (5/ 18) تكملة المجموعة الثانية (13/ 36)، الحسبة (92).
(4)
في "جـ": "ولكن لا يأمرهم أن"، وفي "ب" و"د" و"هـ" و"و":"ولكن يقوموا من السوق".
(5)
المراجع السابقة.
(6)
في البيوع باب في التسعير رقم (3450)، وقد تقدم تخريجه مفصلًا.
وَيَخْفِضُ، وَإِنَّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ، وَلَيْسَتْ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ".
قالوا
(1)
: ولأن إجبار النَّاس على ذلك ظلمٌ لهم.
فصل
وأمَّا صفة ذلك عند من جوَّزه
(2)
، فقال ابن حبيب
(3)
: ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء، ويحضر غيرهم، استظهارًا على صدقهم، فيسألهم: كيفَ يشترون؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد، حتَّى يرضوا به، ولا يجبرهم
(4)
على التسعير، ولكن عن رضى.
قال أبو الوليد
(5)
: ووجه هذا: أن به يتوصل إلى معرفة مصالح البائعين والمشترين، ويجعل للباعة في ذلك من الربح ما يقوم بهم، ولا يكون فيه إجحافٌ بالنَّاس، وإذا سعَّر عليهم من غير رضا، بما لا ربح لهم فيه، أدَّى ذلك إلى فساد الأسعار، وإخفاء الأقوات، وإتلاف أموال النَّاس.
(1)
المنتقى (5/ 18)، الحسبة (92)، تكملة المجموع الثانية (13/ 36).
(2)
انظر: المنتقى (5/ 19)، الحسبة (93)، تكملة المجموع الثانية (13/ 37)، التاج والإكليل (6/ 254)، الاختيار لتعليل المختار (4/ 161)، تبيين الحقائق (6/ 28)، درر الحكام (1/ 322)، الفتاوى الهندية (3/ 214)، مجمع الأنهر (2/ 548)، غمز عيون البصائر (1/ 282).
(3)
انظر: المراجع السابقة.
(4)
في "أ": "ولا يجبرون".
(5)
الباجي. ذكره في المنتقى (5/ 19).
قال شيخنا
(1)
: فهذا الَّذي تنازعوا فيه، وأمَّا إذا امتنع النَّاسُ من بيع ما يجب عليهم بيعه فهنا يؤمرون بالواجب، ويعاقبون على تركه، وكذلك كل من وجبَ عليه أن يبيع بثمن المثل فامتنع.
ومن احتجَّ على منع التسعير مطلقًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ هُوَ المُسَعَّرُ القَابِضُ البَاسِط، وَإِنَّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ تعَالَى وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُني بمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ"
(2)
قيل له: هذه قضيةٌ معينة، ليست لفظًا عامًّا، وليس فيها أنَّ أحدًا امتنع من بيع ما النَّاس يحتاجون إليه، ومعلومٌ أنَّ
(3)
الشيء إذا قلَّ رغب النَّاسُ في المزايدة فيه، فإذا بذله صاحبه كما جرت به العادة، ولكنَّ النَّاس تزايدوا فيه فهنا لا يسعر عليهم.
وقد ثبتَ في "الصحيحين"
(4)
: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم منع من الزيادة على ثمن المثل في عتق الحصة من العبد المشترك، فقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عبْدٍ - وَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ
(5)
مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ - قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيْمَةَ عَدْلٍ، لا وَكْس
(6)
ولَا شَطَط"
(7)
، فأعطى شركاءه حصصهم،
(1)
الحسبة (93).
(2)
تقدم تخريجه ص (639).
(3)
"فيها أن أحدًا امتنع من بيع ما النَّاس يحتاجون إليه، ومعلوم أنَّ" ساقطة من "ب".
(4)
البخاري رقم (2522)(5/ 179)، ومسلم رقم (1501)(10/ 389) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
"من المال" ساقطة من "د" و"و".
(6)
الوكس: بفتح الواو وسكون الكاف: النقص، فتح الباري (5/ 182)، النهاية (5/ 219)، المجموع المغيث (3/ 445).
(7)
الشطط: الجور. الفتح (5/ 182)، النهاية (2/ 475)، المجموع المغيث =
وعتق عليه العبد، فلم يمكن المالك أن يساوم المعتِق بالَّذي يريد، فإنَّه لما وجب عليه أن يُمَلَّك شريكه المعتِق نصيبه الَّذي لم يعتقه لتكميل الحرية في العبد قُدِّر عوضه بأن يُقوَّم جميع العبد قيمة عدل، ويعطيه قسطه من القيمة، فإنَّ حقَّ الشريك في نصف القيمة، لا في قيمة النصف عند الجمهور
(1)
.
وصار هذا الحديث أصلًا في أنَّ ما لا يمكن قسمة عينه، فإنَّه يباع ويقسم ثمنه، إذا طلبَ أحد الشركاء ذلك، ويجبر الممتنع على البيع، وحكى بعض المالكية ذلك إجماعًا
(2)
.
وصار أصلًا في أنَّ من وجبت عليه المعاوضة أجبر على أن يعاوض بثمن المثل، لا بما يريد من الثمن
(3)
، وأصلًا في جواز إخراج الشيء من ملك
(4)
صاحبه قهرًا بثمنه، للمصلحة الرَّاجحة، كما في الشفعة، وأصلًا في وجوب تكميل العتق بالسراية مهما أمكن.
والمقصود أنَّه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه
= (3/ 445).
(1)
انظر: الاستذكار (23/ 115)، المغني (14/ 351)، فتح الباري (5/ 182)، عمدة القاري (10/ 410)، شرح معاني الآثار (3/ 105)، وفي الحسبة (98):"كمالك وأبي حنيفة وأحمد".
(2)
تكملة المجموع الثانية (3/ 38)، وانظر: الكافي (449)، وذكر ابن عبد البر الخلاف في الاستذكار (23/ 115).
(3)
في جميع النسخ عدا "جـ": "لا بما يزيد عن الثمن".
(4)
"ملك" ساقطة من "و".
بعوض المثل، لمصلحة تكميل العتق، ولم يُمَكِّن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة، فكيف إذا كانت الحاجة بالنَّاس إلى التملك أعظم، وهم إليها أضر؟ مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره.
وهذا الَّذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من تقويم الجميع قيمة المثل هو حقيقة التسعير، وكذلك سلط
(1)
الشريك على انتزاع الشقص المشفوع من يد المشتري بثمنه الَّذي ابتاعه به لا بزيادة عليه، لأجل مصلحة التكميل لواحد، فكيف بما هو أعظم من ذلك؟ فإذا جوز له انتزاعه منه بالثمن الَّذي وقع عليه العقد، لا بما شاء المشتري من الثمن، لأجل هذه المصلحة الجزئية، فكيف إذا اضطر إلى ما عنده من طعام وشراب ولباس وآلة حرب؟ وكذلك إذا اضطر الحاج إلى ما عند النَّاس من آلات السفر وغيرها، فعلى ولي الأمر أن يجبرهم على ذلك بثمن المثل، لا بما يريدونه من الثمن، وحديث العتق أصلٌ في ذلك كله
(2)
.
فصل
فإذا قُدِّرَ أنَّ قومًا اضطروا إلى السكنى
(3)
في بيت إنسان، لا يجدون سواه، أو النزول في خان مملوك، أو استعارة ثياب يستدفئون بها، أو رحى للطحن، أو دلو لنزع الماء، أو قدر، أو فأس، أو غير ذلك،
(1)
في "و": "تسليط".
(2)
الحسبة (93 - 99) بتصرف. وتقدم تخريج حديث العتق ص (672).
(3)
في "أ": "السكن".
وجب على صاحبه بذله بلا نزاع، لكن هل له أن يأخذ عليه أجرًا؟ فيه قولان للعلماء، وهما وجهان لأصحاب أحمد
(1)
.
ومن جوَّز له أخذ الأجرة حرم عليه أن يطلب زيادة على أجرة المثل.
قال شيخنا
(2)
رضي الله عنه: والصحيح أنَّه يجب عليه بذل ذلك مجانًا، كما دلَّ عليه الكتاب والسنَّة، قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [الماعون: 4 - 7] قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة: "هو إعارة القدر والدلو والفأس ونحوهم"
(3)
.
(1)
الحسبة (99)، الإنصاف (27/ 249)، إعلام الموقعين (3/ 16)، قواعد ابن رجب (2/ 390)، الاختيارات (159)، تحفة المحتاج (9/ 395)، فتوحات الوهاب (5/ 277)، المبدع (9/ 209)، دليل الطالب (1/ 320) مجموع الفتاوى (29/ 186)، روضة الطالبين (3/ 286)، المجموع (9/ 41).
(2)
الحسبة (99)، الاختيارات (159)، وانظر: الإنصاف (27/ 249)، قواعد ابن رجب (2/ 391).
(3)
رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه النسائي في الكبرى (6/ 522)، وأبو داود (1657)، والبيهقي (6/ 145)، وابن أبي شيبة (2/ 420)، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 207)، والشاشي في مسنده (2/ 60)، ولم يرد ذكر الفأس إلَّا في رواية الطبراني، قال الحافظ ابن حجر:"أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن مسعود وإسناده صحيح". فتح الباري (8/ 603)، أمَّا أثر ابن عباس رضي الله عنه فلم أجده باللفظ الَّذي ذكره المؤلَّف، بل رواه ابن جرير (12/ 710)، والبيهقي (9/ 145)، وابن أبي شيبة (2/ 420) بلفظ:"هو متاع البيت".
وفي "الصحيحين"
(1)
عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الخيل - قال: "هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجِلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذي هِيَ لَهُ أَجْر فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبيِل الله، وأَمَّا الَّذي هِي لَهُ ستر فرجل رَبَطَهَا تَغَنَّيا وَتَعَفُّفا، ولَمْ يَنْس حَقَّ الله فِي رِقَابِهَا، وَلَا ظُهُوْرِهَا".
وفي "الصحيحين"
(2)
عنه أيضًا: "مِنْ حَقَّ الإبِلِ إِعَارَةُ دَلْوهَا، وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا
(3)
".
وفي "الصحيح"
(4)
عنه: "أنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ
(5)
الفَحْلِ" أي عن أخذ الأجرة عليه، والنَّاسُ يحتاجون إليه، فأوجب بذله مجانًا، ومنع من أخذ الأجرة عليه
(6)
.
(1)
البخاري رقم (3646)(6/ 732)، ومسلم رقم (987)(7/ 69) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم رقم (988) من حديث جابر رضي الله عنه، ولم أجده في المطبوع من صحيح البخاري.
(3)
إطراق فحلها أي إعارته للضراب. النهاية (3/ 122).
(4)
في "أ": "الصحيحين". البخاري رقم (2284)(4/ 539) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه مسلم (1565)، من حديث جابر بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل" ا. هـ.
(5)
في "ب" و"هـ": "عسيب". العسب بفتح العين وإسكان السين ماء الفحل. النهاية (3/ 234)، المجموع المغيث (2/ 444).
(6)
انظر: فتح الباري (4/ 539)، شرح النووي لمسلم (10/ 489)، شرح الأبي لمسلم (5/ 442)، ومكمل الإكمال (5/ 442) مصنف ابن أبي شيبة (4/ 513)، بدائع الصنائع (4/ 175)، تبيين الحقائق (5/ 124)، الهداية مع نصب الرَّاية (5/ 920)، العناية (9/ 97)، أسنى المطالب (2/ 30)، الزواجر =