الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالد
(1)
قال: حدثنا أبو قلابة عن أبي زيد الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
فصل
ومن مواضع القرعة:
إذا أعتق عبدًا من عبيده، أو طلَّق امرأة من نسائه، لا يدري أيتهن هي
؟ فقال أحمد في رواية الميموني: إن مات قبل أن يقرع بينهنَّ يقوم وليه في هذا مقامه، يقرع بينهنَّ، فأيتهن وقعت عليها القرعة لزمته
(2)
.
وقال بكر
(3)
بن محمد عن أبيه
(4)
: سألت أبا عبد الله: عن رجل أعتق أحد غلاميه في صحته، ثمَّ مات المولى، ولم يدر الورثة أيهما أعتق، قال: يقرع بينهما
(5)
.
= المحدثين، وثقه العجلي وابن سعد. توفي سنة 217 هـ - رحمه الله تعالى -.
انظر: ثقات العجلي (18)، تهذيب الكمال (10/ 218)، سير أعلام النبلاء (10/ 219)
(1)
خالد الطحان، تقدمت ترجمته.
(2)
المغني (10/ 526) رؤوس المسائل الخلافية (4/ 219) قواعد ابن رجب (3/ 219).
(3)
في "أ": "أبو بكر".
(4)
محمد بن الحكم النسائي.
(5)
انظر: المقنع (19/ 105)، الشرح الكبير (19/ 105)، شرح منتهى الإرادات (2/ 590)، الكشاف (4/ 528)، الهداية (1/ 234)، المحرر (2/ 4)، الفروع (5/ 99)، شرح الزركشي (7/ 458)، المبدع (6/ 316)، الفتح الرباني (177).
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله قال في القرعة: إذا قال: أحد غلامي حر، ثمَّ مات قبل أن يُعلم يُقرع بينهما، فأيهما وقعت عليه القرعة عتق، كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الَّذي أعتق ستة أعبد له
(1)
.
وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين له: إحداكما طالق، أو لعبدين له: أحدكما حرٌّ، قال: قد اختلفوا فيه، قلت: ترى أن يقرع بينهما؟ قال: نعم، قلت: وتجيز القرعة في الطلاق؟ قال: نعم
(2)
.
وقال في رواية الميموني فيمن له أربع نسوة طلَّق واحدة منهنَّ، ولم يدر: يقرع بينهنَّ، كذلك في الأعبد، فإن أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة ثمَّ ذكر التي طلَّق رجعت هذه، ويقع الطلاق على التي ذكر، فإن تزوجت فذاك شيءٌ قد مرَّ، وإن كان الحاكم قد أقرع بينهنَّ لم ترجع إليه
(3)
.
وقال أبو الحارث
(4)
عن أحمد في رجلٍ له أربع نسوة طلَّق إحداهنَّ، ولم تكن له نية في
(5)
واحدةٍ بعينها: يقرع بينهنَّ فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي المطلقة، وكذلك إن قصد إلى واحدة بعينها ثمَّ نسيها
(6)
.
(1)
تقدم تخريجه ص (743).
(2)
انظر: الإنصاف (19/ 103)، الشرح الكبير (19/ 103)، شرح منتهى الإرادات (2/ 590)، كشاف القناع (4/ 528)، مطالب أولي النهى (4/ 716).
(3)
المغني (10/ 524)، قواعد ابن رجب (3/ 223)، إغاثة اللهفان (1/ 194).
(4)
في "ب" و"و": "أبو الخطاب".
(5)
"في" ساقطة من "د" و"و".
(6)
المغني (10/ 522)، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (2/ 75)، رؤوس =
قال: والقرعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
، وقد جاء بها القرآن
(2)
.
وقال أبو حنيفة
(3)
والشافعي
(4)
: لا يقرع بينهن، ولكن إذا كان الطلاق لواحدة لا بعينها ولا نواها فإنَّه يختار صرف الطلاق إلى أيتهنَّ شاء، وإن كان الطلاق لواحدة بعينها ونسيها فإنَّه يتوقف فيهما حتَّى يذكر، ولا يقرع، ولا يختار صرف الطلاق إلى واحدةٍ منهما.
وقال مالك
(5)
: يقع الطلاق على الجميع.
والقول بالقرعة مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال وكيع: سمعت عبد الله
(6)
قال
(7)
: سألت
= المسائل الخلافية (4/ 218)، قواعد ابن رجب (3/ 212)، إغاثة اللهفان (1/ 194)، الهداية (2/ 39)، المحرر (2/ 61)، شرح الزركشي (5/ 388)، الفتح الرباني (194).
(1)
تقدم ذكر الأحاديث ص (743).
(2)
تقدم ذكر الآيات ص (742).
(3)
انظر: المبسوط (6/ 122)، بدائع الصنائع (3/ 225)، شرح معاني الآثار (3/ 254)، حاشية ابن عابدين (3/ 308)، روضة القضاة (3/ 985).
(4)
انظر: الحاوي (10/ 281)، روضة الطالبين (6/ 95)، المنثور (3/ 179)، أسنى المطالب (3/ 297)، تحفة المحتاج (8/ 71)، الإبهاج (1/ 114).
(5)
انظر: المدونة (3/ 15)، الكافي (269)، المعونة (2/ 854)، تبصرة الحكام (2/ 64)، مواهب الجليل (4/ 87)، الخرشي على خليل (4/ 65)، منح الجليل (4/ 145)، التاج المذهب (2/ 153).
(6)
عبد الله بن حميد بن عبيد الأنصاري، وثَّقه ابن معين وابن حبان. انظر: الجرح والتعديل (5/ 37)، التاريخ الكبير (5/ 71)، تعجيل المنفعة (256).
(7)
"سمعت عبد الله قال" ساقطة من "و".
أبا جعفر
(1)
عن رجل له أربع نسوة، فطلَّق إحداهنَّ، لا يدري أيتهنَّ طلَّق؟ فقال: علي يقرع بينهنَّ
(2)
.
فالأقوال التي قيل بها في هذه المسألة لا تخرج عن أربعة، ثلاثة قيل بها، وواحد لا يعلم به قائل.
أحدها: أنَّه يعين في المبهمة، ويقف في حق المنسية عن الجميع
(3)
، فينفق عليهنَّ ويكسوهن، ويعتزلهنَّ إلى أن يفرق بينهما الموت أو يتذكر
(4)
، وهذا في غاية الحرج والإضرار به وبالزوجات، فينفيه قوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار
(5)
"، فأي حرج وضرر
(6)
وإضرار
(7)
أكثر
(8)
من ذلك؟
الثاني: أن يطلق عليه الجميع
(9)
، مع الجزم بأنه إنما طلق واحدة، لا الجميع، فإيقاع الطلاق بالجميع - مع القطع بأنه لم يطلق الجميع -
(1)
أبو جعفر الباقر.
(2)
انظر: المغني (10/ 522)، الكافي (3/ 223)، إغاثة اللهفان (1/ 194). وصحح الأثر ابن القيم في البدائع (3/ 265).
(3)
وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله كما تقدم قريبًا.
(4)
في "أ": "أو يذكرها".
(5)
في "ب" و"و": "إضرار". والحديث تقدم تخريجه.
(6)
"وضرر" ساقطة من "د".
(7)
"وإضرار" ساقطة من "أ" و"ب" و"جـ" و"هـ" و"و".
(8)
في "أ" و"هـ": "أكبر".
(9)
وهذا مذهب مالك رحمه الله تعالى كما تقدم قريبًا.
ترده أصول الشرع وأدلته.
الثالث: أنه لا يقع الطلاق بواحدة منهن
(1)
؛ لأن النكاح ثابت بيقين، وكل واحدة منهن مشكوك فيها: هل هي المطلقة أم لا؟ فلا تطلق بالشك، ولا يمكن إيقاع الطلاق بواحدة غير معينة، وليس البعض أولى بأن يوقع عليها الطلاق من البعض، والقرعة قد تخرج غير المطلقة
(2)
، فإنها كما يجوز أن تقع على المطلقة يجوز أن تقع على غيرها، فإذا أخطأت المطلقة وأصابت غيرها أفضى ذلك إلى تحريم من هي زوجة، وحل من هي أجنبية.
وإذا بطلت هذه الأقسام كلها تعين هذا التقرير، وهو بقاء النكاح في حق كل واحدة منهن حتى يتبين أنها المطلقة، وإذا كان النكاح باقيًا فيها فأحكامه مترتبة عليه، وأما أن يبقى النكاح ويحرم الوطء دائمًا فلا وجه له.
فهذا القول والقول بوقوع الطلاق على الجميع متقابلان، وأدلتهما تكاد أن تتكافأ، ولا احتياط في إيقاع الطلاق بالجميع؛ فإنه يتضمن تحريم الفرج على الزوج بالشك، وإباحته لغيره.
قال المقرعون
(3)
: قد جعل اللهُ سبحانه القرعة طريقًا إلى الحكم الشرعي في كتابه
(4)
، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر
(1)
وهذا الَّذي قال عنه المؤلِّف: لا يُعلم به قائل.
(2)
انظر: المغني (10/ 523).
(3)
وهذا هو القول الرَّابع: أن تخرج بالقرعة.
(4)
تقدم ذكر الآيات.
بها
(1)
، وحكم بها علي بن أبي طالب
(2)
في هذه المسألة بعينها، وكل قول غير القول بها فإنَّ أصول الشرع وقواعده ترده.
أمَّا وقوع الطلاق على الجميع مع العلم بأنَّه إنَّما أوقعه على واحدة، فتطليق لغير المطلقة، وهو نظير ما لو طلَّق طلقة واحدة فألزمناهُ بثلاث طلقات، فإنَّ هذا في عدد المطلقات كمسألتنا في عدد الطلاق، ولا يشبه ذلك ما لو طلَّق وشك هل طلق واحدة
(3)
أو ثلاثًا، حيث يجوز أن
(4)
يجعل ثلاثًا، فإنَّه يجوز أن يكون قد استوفى عدد الطلاق
(5)
، وفي مسألتنا: هو جازم بأنَّه لم يستوف عدد المطلقات
(6)
، بل كل واحدة منهنَّ قد شكَّ، هل طلقها أم لا؟ وغايته: أنَّه قد تيقن تحريمًا في واحدة لا بعينها، فكيف يحرم عليه غيرها؟
فإن قيل: قد اشتبهت المحللة بالمحرمة، فحرمتا معًا، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، وميتة بمذكاة
(7)
.
قيل: ها هنا معنا أصل يرجع إليه، وهو التحريم الأصلي، وقد وقع الشك في سبب الحل، فلا يرفع التحريم الأصلي بالشك، وفي
(1)
تقدم ذكر الأحاديث.
(2)
انظر: المغني (10/ 522)، الكافي (3/ 223).
(3)
"فألزمناه بثلاث" إلى قوله "وشك هل طلَّق واحدة" مثبت من "أ".
(4)
"يجوز أن" مثبت من "ب".
(5)
انظر: الإحكام لابن حزم (5/ 7).
(6)
في "ب": "عدد الطلاق"، وفي "و":"عدد الطلقات".
(7)
بدائع الفوائد (3/ 261).
مسألتنا قد ثبت الحل وزال التحريم الأصلي
(1)
بالنكاح، ثمَّ وقع في عين غير معينة، ومعنا أصل الحل المستصحب، فلا يمكن تعميم التحريم، ولا إلغاؤه بالكلية، ولم يبق طريق إلى تعيين محله إِلَّا بالقرعة، فتعينت طريقًا.
قالوا: وأيضًا؛ فإنَّ الطلاق قد وقع على واحدة منهنَّ معينة؛ لامتناع وقوعه في غير معين، فلم يملك المطلق صرفه إلى أيتهن شاء، لكن التعيين غير معلوم لنا، وهو معلوم عند الله، وليس لنا طريق إلى معرفته، فتعينت القرعة.
يوضحه: أنَّ التعيين من المطلق ليس إنشاءً للطلاق
(2)
في المعينة، فإنَّه لو كان إنشاءً لم يكن المتقدم طلاقًا، ولكان الجميع حلالًا له
(3)
، ولما أمر بأن ينشئ الطلاق ولا افتقر إلى لفظ يقع به، وإذا لم يكن إنشاءً فهو إخبار منه بأنَّ هذه المعينة هي التي أوقعت عليها الطلاق، وهذا خبر غير مطابق، بل هو خلاف الواقع.
وحاصله: أنَّ التعيين إمَّا أن يكون إنشاءً للطلاق، أو إخبارًا، ولا يصلح لواحد منهما
(4)
.
فإن قيل: بل هو إنشاء عندنا في المبهمة، وأمَّا في
(5)
المنسية فهو
(1)
"بالشك وفي مسألتنا قد ثبت الحل وزال التحريم الأصلي" مثبت من "أ".
(2)
في "أ": "الطلاق".
(3)
"له" ساقطة من "د".
(4)
انظر: بدائع الصنائع (3/ 225).
(5)
"في" ساقطة من "د" و"هـ".
واقع من حين طلق.
قيل: لا يصح جعله إنشاءً للطلاق؛ لأنَّ الطلاق إمَّا أن يكون قد وقع بإحداهنَّ أو لا، فإن لم يقع لم يلزمه أن ينشئه، وإن كان قد وقع
(1)
استحال إنشاؤه أيضًا؛ لأنَّهُ تحصيل للحاصل.
فإن قيل: فهذا يلزمكم أيضًا؛ لأنَّكم تقولون: إنَّ الطلاق يقع من حين الإقراع.
قيل: بل الطلاق عندنا في الموضعين واقع من حين الإيقاع.
قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب في رجلٍ له أربع نسوة، فطلَّق إحداهنَّ وتزوج أخرى، ومات، ولم يدر أي الأربع طلَّق: فلهذه الأخيرة ربع الثمن، ثمَّ يقرع بين الأربع، فأيتهن قَرَعت أخرجت، وورث البواقي
(2)
.
قال القاضي
(3)
: فقد حكم بصحة نكاح الخامسة قبل تعيين المطلقة. قال: وهذا يدلُّ على وقوع الطلاق من حين الإيقاع، ولو كان من حين
(4)
التعيين لم يصح نكاح الخامسة.
فإن قيل: فهذا بعينه يرد عليكم في التعيين بالقرعة، والجوابُ
(1)
"بإحداهنَّ أو لا، فإن لم يقع لم يلزمه أن ينشئه، وإن كان قد وقع" ساقطة من "ب".
(2)
المغني (9/ 207) و (10/ 528)، كشاف القناع (5/ 336).
(3)
أبو يعلى.
(4)
"حين" ساقطة من "ب".
حينئذٍ واحد.
قيل: الفرقُ بين التعيينين ظاهر، فإنَّ تعيين المكلف تابع لاختياره وإرادته، وتعيين القرعة إلى الله عز وجل، والعبد يفعل القرعة وهو ينتظر ما يعينه له القضاء والقدر، شاء أم أبى.
وهذا هو سرُّ المسألة وفقهها، فإنَّ التعيين إذا لم يكن لنا سبيل إليه بالشرع فوض إلى القضاء والقدرِ، وصار الحكم به شرعيًّا قدريًّا؛ شرعيًّا
(1)
في فعل القرعة، قدريًّا فيما تخرج به، وذلك إلى اللهِ، لا إلى المكلَّف
(2)
.
فلا أحسنَ من هذا ولا أبلغ في موافقة شرع الله وقدره.
وأيضًا؛ فإنَّه لو طلَّق واحدةً منهنَّ، ثمَّ أشكلت عليه، لم يكن له أن يعيِّن المطلقة باختياره، فهكذا إذا طلَّق واحدة لا بعينها.
فإن قيل: الفرقُ ظاهر، وهو أنَّ الطلاق ها هنا قد وقع على واحدةٍ بعينها، فإذا أشكلت لم يجز أن يعين من تلقاء نفسه؛ لأنَّهُ
(3)
لا يأمن أن يعين غير التي وقع عليها الطلاق، ويستديم نكاح التي طلقها، وليس كذلك في مسألتنا، فإنَّ الطلاقَ وقع على إحداهنَّ غير معينة، فليس في تعيينه إيقاع الطلاق على من لم يقع بها، وصرفه عمن وقع بها
(4)
.
(1)
"قدريًّا شرعيًّا" ساقطة من "ب".
(2)
انظر: الفروق (4/ 111)، بدائع الفوائد (3/ 263).
(3)
في "د": "فإنَّه".
(4)
بدائع الفوائد (3/ 262 و 266).
قيل: إحداهما محرمة عليه في المسيس
(1)
، ولا يدري عينها، فإذا لم يملك التعيين بلا سبب في إحدى الصورتين لم يملكه في الأخرى.
وهذا أيضًا سر المسألة وفقهها، فإنَّ التعيين بالقرعة تعيين بسبب قد نصبه الله تعالى ورسوله سببًا للتعيين عند عدم غيره، والتعيين بالاختيار تعيينٌ بلا سبب، إذ هذا فرض المسألة، حيث انتفت أسباب التعيين وعلاماته. ولا يخفى أنَّ التعيين بالسبب الَّذي نصبه الشرع له أولى من التعيين الَّذي لا سبب له.
فإن قيل: المنسية والمشتبهة يجوز أن تذكر وتعلم عينها بزوال الاشتباه؛ فلهذا لم يملك صرف الطلاق فيها إلى من أراد، بخلاف المبهمة فإنَّه لا يرجى ذلك فيها.
قيل: وكذلك المنسية والمشكلة إذا عدم أسباب العلم بتعيينها، فإنَّه يصير في إبقائها إضرارٌ به وبها، وإيقاف للأحكام، وجعل المرأة معلَّقة باقي عمرها، لا ذات زوج ولا مطلقة، وهذا لا عهد لنا به في الشريعة
(2)
.
فصل
وممَّا يدلُّ على صحة تعيين المطلقة بالقرعة حديث عمران بن حصين في عتق الأعبد الستة
(3)
، فإنَّ تصرفه في الجميع لما كان باطلًا
(1)
في "أ" و"ب": "المسألتين".
(2)
بدائع الفوائد (3/ 263).
(3)
تقدم تخريجه.
جعل كأنَّه أعتقَ ثلثًا منهم غير معين، فعينه النبي صلى الله عليه وسلم بالقرعة، والطلاق كالعتاق في هذا؛ لأنَّ كل واحدٍ منهما إزالة ملك مبني على التغليب والسراية، فإذا اشتبه المملوك في كل منهما بغيره لم يجعل التعيين إلى اختيار المالك.
فإن قيل: العتاق أصله الملك، فلما دخلت القرعة في أصله وهو الملك في حال القسمة
(1)
، وطرح القرعة على السهام، دخلت لتمييز الملك من الحرية، وليس كذلك الطلاق، لأنَّ أصله النكاح، والنكاح لا تدخله القرعة، فكذلك الطلاق
(2)
.
قيل: وَمَنْ سلَّم لكم
(3)
أنَّ القرعة لا تدخل في النكاح، بل الصحيح من الروايتين دخولها فيه، فيما إذا زوجها الوليان، ولم يعلم السابق منهما، فإنَّا نقرع بينهما، فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح، وأنَّه هو الأوَّل، هذا منصوص أحمد
(4)
في رواية ابن منصور وحنبل.
(1)
في "أ": "القيمة".
(2)
"لأنَّ أصله النكاح والنكاح لا تدخله القرعة فكذلك الطلاق" ساقطة من "ب".
(3)
"قيل: ومن سلم لكم" ساقطة من "و"، وفي "ب":"قيل: لا نسلم لكم".
(4)
انظر: مسائل ابن منصور الكوسج (4/ 1489)، المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (2/ 95)، قواعد ابن رجب (3/ 210)، المغني (9/ 432)، المحرر (2/ 17)، الفروع (5/ 184)، تصحيح الفروع (5/ 185)، الشرح الكبير (20/ 219)، الإنصاف (20/ 219)، رؤوس المسائل الخلافية (4/ 71)، شرح الزركشي (5/ 107)، إغاثة اللهفان (1/ 195).
ونقل أبو الحارث ومهنا: لا يقرع في ذلك
(1)
.
وعلى هذا فلا يلزم إذا لم تدخل القرعة في الحكم
(2)
ألا تدخل في رفعه، فإنَّ حدَّ الزنا لا يثبت بشهادة النساء، ويسقط بشهادتهنَّ، وهو ما إذا شُهد عليها بالزنا، فذكرت أنَّها عذراء، وشهد بذلك النساء
(3)
.
وكذلك لو قال - وقد رأى طائرًا -: إن كان هذا غرابًا ففلانة طالق، وإن لم يكن غرابًا ففلانٌ حرٌّ، ولم يعلم ما هو؟ فإنَّه يقرع بين المرأة والعبد عندكم أيضًا، فيحكم بما خرجت به القرعة
(4)
.
فإن قلتم هنا
(5)
: لم تدخل القرعة في الطلاق بانفراده، بل دخلت
(1)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين (2/ 95)، قواعد ابن رجب (3/ 214)، المحرر (2/ 17)، شرح الزركشي (5/ 107)، رؤوس المسائل الخلافية (4/ 72)، الفروع (5/ 184).
(2)
"الحكم" ساقطة من "د".
(3)
انظر: المبسوط (9/ 73)، تبيين الحقائق (3/ 175)، الفتاوى الهندية (2/ 147)، الأم (7/ 46)، مختصر المزني مع الأم (9/ 276)، حاشيتي قليوبي وعميرة (4/ 183)، نهاية المحتاج (7/ 432)، المغني (12/ 374)، كشاف القناع (6/ 101)، شرح منتهى الإرادات (3/ 350)، مطالب أولي النهى (6/ 191).
(4)
انظر: الحاوي (10/ 275 - 277)، روضة الطالبين (6/ 92)، المنثور (3/ 63)، أسنى المطالب (3/ 301)، حاشيتي قليوبي وعميرة (3/ 343)، تحفة المحتاج (8/ 75)، المغني (14/ 518)، الفروع (5/ 460)، قواعد ابن رجب (3/ 222)، الاختيارات (260)، كشاف القناع (5/ 399)، شرح منتهى الإرادات (3/ 144)، الروض المربع مع حاشية العنقري (3/ 181)، النكت على المحرر (1/ 316).
(5)
انظر: الحاوي (10/ 277).
للتمييز بينه وبين العتق، والقرعة تدخل في العتق، بدليل حديث الأعبد الستة
(1)
.
قيل: إذا دخلت للتمييز بين الطلاق والعتاق دخلت للتمييز بين المطلقة وغيرها، وكل ما قدر
(2)
من المانع في أحد الموضعين فإنه يجري في الآخر سواء بسواء.
وأيضًا؛ فإذا كانت القرعة تخرج المعتق من غيره، فإخراجها للمطلقة أولى وأحرى، فإن إخراج منفعة البضع من ملكه أسهل من إخراج عين الرقبة، وإبقاء الرق في العين أبدًا أسهل من إبقاء بعض المنافع، وهي منفعة البضع، فإذا صلحت القرعة لذلك فهي لما دونه أقبل، وهذا في غاية الظهور
(3)
.
وأيضًا؛ فاشتباه المطلقة بغيرها لا يمنع استعمال القرعة.
دليله: مسألة الطائر، وقوله: إن كان غرابًا فنسائي طوالق، وإن لم يكن فعبيدي أحرار.
فإن قلتم: قد يستعمل الشيء في حكم، ولا يستعمل في آخر، كالشاهد واليمين، والرجل والمرأتين، يقبل في الأموال، دون الحدود والقصاص
(4)
.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
في "أ": "يقدر".
(3)
بدائع الفوائد (3/ 265).
(4)
سبق بيان ذلك مفصَّلًا.
يوضحه: أنه لو ادعى سرقة، وأقام شاهدًا وحلف معه، غرمناه المال، ولم نقطعه
(1)
، فكذا ها هنا: استعملنا القرعة في الرق والحرية، دون الطلاق؛ للحاجة.
قيل: الحاجة في إخراج المطلقة من غيرها كالحاجة في إخراج المعتق من غيره سواء، وإذا دخلت للتمييز بين الفرج المملوك بملك اليمين وغيره، صح دخولها للتمييز بين الفرج المملوك
(2)
بعقد النكاح وغيره، ولا فرق، ولا يشبه ذلك مسألة القطع والغرم في أنه يثبت أحدهما بما لا يثبت به الآخر؛ لأنهما يختلفان في الأحكام وفيما يثبت به كل واحد منهما، والعتق والطلاق يتفقان في الأحكام
(3)
، وهو أن كل واحد منهما مبني على التغليب والسراية، ويثبت بما يثبت به الآخر.
وأيضًا؛ فإن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز بينها إلا بالقرعة صح استعمالها فيها، كما قلتم في الشريكين إذا كان بينهما مال، فأراد قسمته، فإن الحاكم يجزئه ويقرع بينهما
(4)
، وكذلك إذا
(1)
انظر: الأم (6/ 214)، الروض المربع مع حاشية العنقري (3/ 432)، كشاف القناع (6/ 436)، روضة الطالبين (10/ 146)، مغني المحتاج (4/ 176).
(2)
"بملك اليمين وغيره صح دخولها للتمييز بين الفرج المملوك" ساقطة من "ب".
(3)
"وفيما يثبت به كل واحد منهما، والعتق والطلاق يتفقان في الأحكام" ساقطة من "د"
(4)
انظر: فتح الباري (5/ 347)، بدائع الصنائع (7/ 19)، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (6/ 279)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 399) و (2/ 582)، المبسوط (7/ 76).
أراد أن يسافر بإحدى نسائه
(1)
، وكذلك إذا أعتق عبيده الذين لا مال له سواهم في مرضه
(2)
، وكذلك إذا تساوى المدعيان في الحضور عند الحاكم
(3)
، وكذلك الأولياء في النكاح إذا تساووا في الدرجة
(4)
وتشاحوا في العقد: أقرع بينهم
(5)
، وكذلك إذا قتل جماعة في حالة واحدة، وتشاح الأولياء في المقتص: أقرع بينهم، فمن قرع قتل له، وأخذت الدية للباقين
(6)
.
فإن قلتم: التراضي على القسمة من غير قرعة جائز، وكذلك بين النساء إذا أراد السفر، ولا
(7)
كذلك ها هنا؛ لأن التراضي على فسخ
(1)
انظر: المهذب (2/ 36)، الأم (5/ 60)، روضة الطالبين (7/ 362)، التاج والإكليل (4/ 15)، التمهيد (19/ 266)، بداية المجتهد (6/ 491)، شرح منتهى الإرادات (3/ 50)، كشاف القناع (5/ 199)، بدائع الصنائع (2/ 333)، المبسوط (15/ 7)، فتح القدير (3/ 435)، لسان الحكام (1/ 323).
(2)
"وكذلك إذا أعتق عبيده الَّذين لا مال له سواهم في مرضه" ساقطة من "أ".
تقدم ذكر دليله ص (743).
(3)
انظر: فتح الباري (5/ 347)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 582)، إعانة الطالبين (4/ 227).
(4)
في "ب" و"د" و"هـ": "القرابة"، وفي "و":"القرعة".
(5)
انظر: المبدع (8/ 290)، المحرر (2/ 17)، شرح منتهى الإرادات (2/ 644)، كشاف القناع (5/ 59)، السراج الوهاج (1/ 367)، فتح الوهاب (2/ 65)، مغني المحتاج (3/ 160)، منهاج الطالبين (1/ 97)، منهج الطلاب (1/ 80)، فتح الباري (5/ 347).
(6)
انظر: المبدع (8/ 290)، كشاف القناع (5/ 541)، إعانة الطالبين (4/ 120)، السراج الوهاج (1/ 532).
(7)
"لا" ساقطة من "ب" و"جـ" و"و".
النكاح ونقله من محل إلى محل لا يجوز.
قلنا: ليس
(1)
في القرعة في الطلاق نقل له عمن استحقه إلى غيره، بل هي كاشفة عمن توجه الطلاق إليها ووقع عليها.
فصل
(2)
قال المعينون بالاختيار: قد حصل التحريم في واحدة لا بعينها، فكان له تعيينها باختياره، كما لو أسلم الحربي وتحته خمس نسوة، أو أختان
(3)
اختار
(4)
.
قال أصحاب القرعة: هذا القياس مُبْطَل
(5)
، أولًا بالمنسية، فإن المحرمة منهن بعد النسيان غير معينة، وليس له تعيينها.
وهذا الجواب غير قوي؛ فإن التحريم ها هنا وقع في معينة، ثم أشكلت، بل الجواب الصحيح أن يقال: لا تطلق عليه الأخت والخامسة بمجرد الإسلام، بل إذا عين الممسكات أو المفارقات حصلت الفرقة من حين التعيين، ووجبت العدة من حينئذٍ.
وسر المسألة: أن الشارع خيره بين من يمسك ويفارق؛ نظرًا له، وتوسعة عليه، ولو أمره بالقرعة ها هنا فربما أخرجت القرعة عن نكاحه
(1)
في "جـ" و"د" و"هـ": "ليست".
(2)
"فصل" مثبتة من "أ".
(3)
"أو أختان" ساقطة من "جـ" و"د".
(4)
"اختار" مثبتة من "جـ" و"د".
(5)
في "ب" و"هـ" و"و": "يبطل"
من يحبها، وأبقت عليه من يبغضها، ودخوله في الإسلام يقتضي ترغيبه فيه، وتحبيبه إليه، فكان من محاسن الإسلام رد ذلك إلى اختياره وشهوته، بخلاف ما إذا طلق هو من تلقاء نفسه واحدة منهن
(1)
.
على أن القياس الذي احتجوا به فاسد أيضًا، فإنه ينكسر
(2)
بما إذا اختلطت زوجته بأجنبية، أو ميتة بمذكاة، فإنه ليس له تعيين المحرمة
(3)
.
فإن قيل: ولا إخراجها بالقرعة.
قلنا: نحن لم نستدل بدليل يرد علينا فيه هذا، بخلاف من استدل بمن ينكسر
(4)
عليه بذلك.
فإن قيل: التحريم ها هنا كان في معين ثم اشتبه.
قيل: لما اشتبه وزال دليل تعيينه صار كالمبهم، وهذا حجة مالك عليكم، حيث حرم الجميع، لإبهام المحرمة منهن
(5)
.
(1)
انظر: الفروع (5/ 251).
(2)
في "و": "ينعكس". الكسر: هو وجود الحكمة بلا حكم، انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 64)، الحدود للباجي (77)، مسلم الثبوت (2/ 281)، مختصر ابن الحاجب (3/ 47).
(3)
انظر: بدائع الفوائد (3/ 261).
(4)
في "و": "ينعكس".
(5)
في "أ" و"جـ": "فيهنَّ".
انظر: المدونة (3/ 15)، الكافي (269)، المعونة (2/ 854)، تبصرة =
قال أصحاب التعيين: التحريم ها هنا حكم تعلق بفرد لا بعينه من جملة، فكان المرجع في تعيينه إلى المكلف، كما لو باع قفيزًا من صبرة
(1)
.
قال أصحاب القرعة: الإبهام إنما يصح في البيع، حيث تتساوى الأجزاء، ويقوم كل جزء منها مقام الآخر في التعيين، فلا تفيد القرعة ها هنا قدرًا زائدًا على التعيين، وليس كذلك الطلاق، فإن محله لا تتساوى أفراده، ولا الغرض من هذا هو الغرض من هذا، فهو بمسألة المسافر
(2)
بإحدى الزوجات أشبه منه بمسألة القفيز من الصبرة المتساوية
(3)
، ألا ترى أن التهمة تلحق في التعيين ها هنا، وفي مسألة القسمة، وفي مسألة الطلاق، ولا تلحق
(4)
في التعيين في مسألة القفيز من الصبرة المتساوية؟ وهذا فقه المسألة: أن الموضع الذي تلحق
(5)
فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيًا لها وما لا تلحق فيه لا فائدة فيها.
على أن هذا القياس منتقض بما إذا أعتق عبدًا مبهمًا من عبيده، أو أراد السفر بإحدى نسائه.
= الحكام (2/ 64)، مواهب الجليل (4/ 87)، الخرشي على خليل (4/ 65)، منح الجليل (4/ 145)، التاج المذهب (2/ 153).
(1)
انظر: المبسوط (6/ 123)، بدائع الصنائع (3/ 143).
(2)
في "أ": "المسافرة".
(3)
"المتساوية" مثبتة من "أ".
(4)
"في التعيين ها هنا، وفي مسألة القسمة، وفي مسألة الطلاق، ولا تلحق" ساقطة من "أ".
(5)
في جميع النسخ عدا "أ": "تقع".
قال أصحاب التعيين: لما كان له تعيين المطلقة في الابتداء، كان له تعيينها في ثاني الحال باختياره
(1)
.
قال أصحاب القرعة: هذا قياس فاسد، فإنه في الابتداء لم يتعلق بالتعيين حق لغير المطلقة، وبعد الإيقاع قد تعلق به حقهن، فإن كل واحدة منهن قد تدعي أن الطلاق واقع عليها، لتملك به بضعها، أو واقع على غيرها لتستبقي به نفقتها وكسوتها، فلم يملك هو تعيينه للتهمة، بخلاف الابتداء.
قال المبطلون للقرعة: رأينا
(2)
القرعة قمارًا وميسرًا
(3)
، وقد حرمه الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة
(4)
، وهي من آخر القرآن نزولًا
(5)
، وإنما كانت مشروعة قبل ذلك
(6)
.
(1)
انظر: الأم (5/ 264).
(2)
"رأينا" ساقطة من "جـ" و"و".
(3)
انظر: تاريخ بغداد (7/ 64)، تاريخ دمشق (51/ 380)، مجموع الفتاوى (20/ 387)، سير أعلام النبلاء (10/ 200)، ميزان الاعتدال (2/ 35)، السنة للخلال (5/ 105)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 399)، المبسوط (7/ 76) و (15/ 7) و (17/ 42).
(4)
في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} [المائدة: 90].
(5)
كما رواه أحمد (6/ 188)، وأبو عبيد في النَّاسخ والمنسوخ (1/ 161)(301)، وابن النحاس في النَّاسخ والمنسوخ (2/ 232)، والبيهقي (7/ 278)، والحاكم (2/ 311) عن عائشة رضي الله عنها. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، كما صححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/ 483).
(6)
انظر: شرح معاني الآثار (4/ 381).
قال أصحاب القرعة
(1)
: قد شرع الله ورسوله القرعة، وأخبر بها عن أنبيائه ورسله، مقررًا لحكمها
(2)
، غير ذام لها، وفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده
(3)
، وقد صانهم الله سبحانه عن القمار بكل طريق، فلم يشرع لعباده القمار قط، ولا جاء به نبي أصلًا، فالقرعة شرعه ودينه، وسنة أنبيائه ورسله.
قال المانعون من القرعة: قد اشتبهت المحللة بالمحرمة على وجه لا تبيحه الضرورة، فلم يمكن له إخراجها بالقرعة، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية، أو ميتة بمذكاة
(4)
.
قال أصحاب القرعة: الفرق أن ها هنا نستصحب أصل التحريم، ولا نزيله بالشك، بخلاف مسألتنا، فإن التحريم الأصلي قد زال بالنكاح، وشككنا في وقوع التحريم الطارئ بأي واحدة منهن وقع، فلا يصح إلحاق إحدى
(5)
الصورتين بالأخرى.
قال المانعون: قد تُخْرِج القرعة غير المطلقة، فإنها ليس لها من العلم والتمييز ما تخرج به المطلقة بعينها
(6)
.
قال المقرعون: هذا - أولًا - اعتراض على السنة، فهو مردود.
(1)
انظر: الفروق (4/ 113).
(2)
في "د" و"و": "لها".
(3)
تقدم ذكر الآيات والأحاديث والآثار ص (742) وغيرها.
(4)
انظر: بدائع الفوائد (3/ 261).
(5)
في "أ": "أحد".
(6)
انظر: المغني (10/ 523).
وأيضًا؛ فإن التعيين بها أولى من التعيين بالاعتراض
(1)
والتشهي، أو جعل المرأة معلقة إلى الموت، أو إيقاع الطلاق بأربع لأجل إيقاعه بواحدة منهن.
وأيضًا؛ فإن القرعة مزيلة للتهمة.
وأيضًا؛ فإنها تفويض إلى الله ليعين بقضائه وقدره ما ليس لنا سبيل إلى تعيينه، والله أعلم.
فإن قيل: فما تقولون فيما نقله أبو طالب عن أحمد في رجل زوَّج ابنته رجلًا، وله بنات، فمات، ولم يدر أيتهنَّ هي؟ فقال: يقرع بينهنَّ. وهذا يدلُّ على أنَّه يقرع عند اختلاط أخته بأجنبية
(2)
.
قيل: قد جعل
(3)
القاضي أبو يعلى ذلك رواية عن الإمام أحمد، وقال: وظاهر هذا أنَّ الزوجة إذا اختلطت بأجانب أقرع بينهنَّ؛ لأنَّه أجاز القرعة بينها وبين أخواتها إذا اختلطت بهنَّ.
قلت: هذا وهم من القاضي، فإنَّ أحمد لم يقرع للحل، وإنَّما أقرعَ للميراث والعدة، ونحن نذكر نصوصه بألفاظها.
قال الخلال في "الجامع": باب في الرجل يكون له أربع بنات
(4)
،
(1)
في "أ""و": "بالأغراض".
(2)
انظر: المغني (9/ 434)، المبدع (7/ 78)، شرح منتهى الإرادات (2/ 645)، كشاف القناع (5/ 61)، مطالب أولي النهى (5/ 75).
(3)
وفي باقي النسخ عدا "أ": "قال".
(4)
في "ب": "نسوة".
فزوج إحداهن، فمات الأب ومات الزوج، ولا يدري أيتهنَّ هي الزوجة؟:
أخبرنا أبو النضر أنَّ أبا عبد الله قال: قال سعيد بن المسيب في رجل له أربع بنات، فزوج إحداهنَّ لا يدري أيتهنَّ هي: إنَّه يقرع بينهنَّ.
أخبرني زهير بن صالح
(1)
حدثنا أبي
(2)
حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا حماد بن سلمة عن قتادة: أنَّ رجلًا زوَّج ابنته من رجل، فمات الأب والزوج، ولا يدري الشهود أي بناته هي؟ فسألت سعيد بن المسيب، فقال: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة ورثت واعتدت
(3)
.
قال حماد
(4)
: وسألت حماد بن أبي سليمان، فقال: يرثن جميعًا ويعتددن جميعًا
(5)
.
قال صالح: قال أبي: قد ورث من ليس لها ميراث، وأوجب العدة على من ليس عليها عدة
(6)
، والَّذي يقرع في حال يكون قد أصاب،
(1)
زهير بن صالح بن أحمد بن حنبل، وثقه الدَّارقطني. توفي سنة 303 هـ وهو شاب - رحمه الله تعالى. انظر: طبقات الحنابلة (3/ 89)، المنتظم (13/ 163)، سؤالات السهمي للدَّارقطني (292)، تاريخ بغداد (8/ 488)، البداية والنهاية (14/ 798).
(2)
"حدثنا أبي" ساقطة من "ب" و"د".
(3)
انظر: مسائل صالح (2/ 150). ورواه ابن أبي شيبة مختصرًا (4/ 180).
(4)
ابن أبي سلمة.
(5)
"ويعتددن جميعًا" ساقطة من "أ".
مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 150).
(6)
"على من ليس عليها عدة" ساقطة من "ب".
وفي حال يكون قد أخطأ، وذاك لا شكَّ أنَّه قد ورث من ليس لها ميراث
(1)
.
قال الخلال: أخبرنا يحيى بن جعفر
(2)
، قال: قال عبد الوهاب
(3)
: سألت سعيدًا
(4)
عن رجل زوج إحدى بناته - وسمَّاها - ومات الأب والزوج، ولا يدري أيتهنَّ هي؟ فحدثنا عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب أنَّهما قالا: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة فلها الصداق، ولها الميراث، وعليها العدة
(5)
.
أخبرني محمد بن علي حدثنا الأثرم حدثنا عارم
(6)
حدثنا حماد بن
(1)
مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 106).
(2)
يحيى بن جعفر بن الزبرقان البغدادي، وثَّقه الدَّارقطني. توفي سنة 275 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: ميزان الاعتدال (7/ 166 و 191)، لسان الميزان (6/ 343)، الجرح والتعديل (9/ 134).
(3)
عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبو نصر البصري الإمام العابد، وثَّقه ابن معين والدَّارقطني. توفي سنة 204 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (6/ 72)، سير أعلام النبلاء (9/ 451)، تاريخ بغداد (11/ 22)، ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثَّق (128).
(4)
سعيد بن أبي عروبة مهران البصري أبو النضر الإمام الحافظ. توفي سنة 156 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (4/ 65)، تهذيب الكمال (11/ 5)، سير أعلام النبلاء (6/ 413).
(5)
رواه الخلال كما ذكر المؤلَّف وابن أبي شيبة مختصرًا (4/ 180).
(6)
عارم بن محمد بن الفضل السدوسي أبو النعمان البصري، وثَّقه أبو حاتم والدَّارقطني. توفي سنة 224 هـ - رحمه الله تعالى -. انظر: الجرح والتعديل (8/ 58)، تهذيب الكمال (26/ 287)، سير أعلام النبلاء (10/ 265).
سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنَّه قال في رجل زوج إحدى بناته رجلًا
(1)
، فمات ومات الزوج، ولم تدر البينة أيتهنَّ هي؟ قال: يقرع بينهنَّ، فإذا قرعت واحدة ورثت واعتدت
(2)
.
وحدثنا أبو بكر
(3)
حدثنا عبد الوهاب
(4)
عن سعيد
(5)
عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن قالا: يقرع بينهن
(6)
.
قال الخلال: وأخبرني عبد الله بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال عمي في رجل له بنات، زوج إحداهنَّ من زوج، ثم إنَّ الأب مات ولم يعلم أيتهنَّ زوج؟ قال أبو عبد الله: يقرع بينهن، فأيتهن أصابتها القرعة فهي امرأته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه أيضًا التي تقع عليها القرعة
(7)
.
قال حنبل: وحدثني أبو عبد الله حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد ابن سلمة عن قتادة: أنَّ رجلًا زوَّج ابنته من رجل، فمات الزوج، ومات الأب، ولم يدر الشهود أي بناته هي؟ فسألت سعيد بن المسيب
(1)
"رجلًا" ساقطة من "د".
(2)
رواه الخلال كما ذكر المؤلَّف كما رواه ابن أبي شيبة مختصرًا (4/ 180).
(3)
ابن أبي شيبة.
(4)
ابن عطاء.
(5)
ابن أبي عروبة.
(6)
رواه ابن أبي شيبة (4/ 180) رقم (19060).
(7)
"قال الخلال: وأخبرني عبد الله بن حنبل" إلى قوله "تقع عليها القرعة" مثبت في "أ".
- رحمه الله فقال: يقرع بينهنَّ، وأيتهنَّ أصابت القرعة ورثت واعتدت
(1)
.
قال حماد بن سلمة: فسألت حماد بن أبي سليمان عن ذلك، فقال: يرثن ويعتددن جميعًا
(2)
.
قال حنبل: فسألت أبا عبد الله عن ذلك؟ فقال: يقرع بينهنَّ على قول سعيد بن المسيب
(3)
.
وقال حنبل: قال عفان: حدثنا همام، قال: سُئِلَ قتادة عن رجل خطب إلى رجل ابنة له، وله بنات فأنكحه، ومات الخاطب، ولم يدر الأب أيتهنَّ خطب؟ فقال سعيد: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة، فلها الصداق والميراث، وعليها العدة
(4)
.
قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: أذهب إلى هذا.
وكذلك رواية أبي طالب التي ذكرها القاضي
(5)
.
(1)
من قوله "قال الخلال وأخبرني عبد الله بن حنبل" إلى "ورثت واعتدت" ساقطة من "و".
رواه الخلال كما ذكره المؤلِّف. كما رواه مختصرًا ابن أبي شيبة (4/ 180).
(2)
مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 105).
(3)
من قوله "يقرع بينهنَّ وأيتهنَّ أصابت" إلى قوله "على قول سعيد بن المسيب" ساقطة من "د".
(4)
رواه الخلال في الجامع كما ذكره ابن القيم، ورواه مختصرًا ابن أبي شيبة (4/ 180).
(5)
في "و": "القابسي".
قال الخلال: أخبرني أحمد بن محمد بن مطر أنَّ أبا طالب حدثهم: أنَّه سأل أبا عبد الله عن رجل زوج ابنته رجلًا، وله بنات، فماتا، ولم تدر البينة أيتهنَّ هي؟ قال: يقرع بينهنَّ، فإذا قرعت واحدة ورثت، قلت: حماد
(1)
يقول: يرثن جميعًا، قال: يقرع بينهم، وقال: القرعة أبين، إذا أقرع فأعطى واحدة لعلها أن تكون صاحبته ولا يدري، هو في شك، فإذا أعطاهنَّ فقد علم أنَّه أعطى من ليس له حق
(2)
.
فنصوص أحمد وما نقله عن سعيد والحسن إنَّما فيه القرعة بينهنَّ في الميراث، وهي قرعة على مال، وليس فيه القرعة عند اختلاط الزوجة بغيرها.
لكن في رواية حنبل ما يدلُّ على جريان القرعة في الحياة وبعد الموت، فإنَّه قال: يقرع بينهنَّ، فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي امرأته، وإن مات الزوج فهي التي ترثه أيضًا
(3)
، فهذه أصرح من رواية أبي طالب.
ولكن أكثر الروايات عن أحمد إنَّما هي في القرعة على الميراث، كما ذكر
(4)
من ألفاظه، على أنَّه لا يمتنع أن يقال بالقرعة في هذه
(1)
ابن أبي سليمان.
(2)
"حق" مثبتة من طبعة ابن قاسم.
انظر: مسائل الإمام أحمد رواية صالح (2/ 105 و 106).
(3)
انظر: المغني (9/ 434)، المبدع (7/ 78)، شرح منتهى الإرادات (2/ 645)، كشاف القناع (5/ 61)، مطالب أولي النهى (5/ 75).
(4)
في "أ": "ذكرت".
المسألة على ظاهر
(1)
رواية حنبل، فإنَّ أكثرَ ما فيه تعيين الزوجة بالقرعة، والتمييز بينها وبين من ليست بزوجة، وهذا حقيقة الإقراع في مسألة المطلقة، فإنَّ القرعة تميز الزوجة من غيرها، وكذلك لو زوجها الوليان من رجلين، وجهل السابق منهما، فإنَّه يقرع
(2)
على أصح الروايتين
(3)
، وذلك لتمييز الزوج من غيره، فما الفرق بين تمييز الزوج بالقرعة وتمييز الزوجة بها؟ فالإقراع ها هنا ليس ببعيد من الأصول.
ويدل عليه: أنَّا نوجب عليها العدة بهذه القرعة، والعدة من أحكام النكاح، ولا سيما فالعدة الواجبة ها هنا عدة من غير مدخول بها، فهي من نكاح محض، كذلك الميراث، فإنَّه لولا ثبوت النكاح لما ورثت.
وقول أحمد في رواية حنبل: "يقرع بينهنَّ فأيتهنَّ أصابتها القرعة فهي امرأته"، صريح في ثبوت الزوجية بالقرعة، ثمَّ قال:"وإن مات الزوج فهي التي ترثه"، وهذا صريحٌ في أنَّه يقرع بينهنَّ في حال حياة الزوج والزوجة، وإن مات بعد القرعة ورثته بحكم النكاح، ولا إشكال في ذلك بحمد الله، فإذا أقرعنا
(4)
بينهنَّ فأصابت القرعة إحداهنَّ كان
(1)
"ظاهر" ساقطة من "ب".
(2)
في "أ": "فإنَّا نقرع".
(3)
انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (2/ 95)، المغني (9/ 432)، المحرر (2/ 17)، رؤوس المسائل الخلافية (4/ 71)، قواعد ابن رجب (3/ 210)، الفروع (5/ 184)، تصحيح الفروع (5/ 185)، الشرح الكبير (20/ 219)، الإنصاف (20/ 219)، شرح الزركشي (5/ 107)، إغاثة اللهفان (1/ 195).
(4)
في "و": "فإذا أقرع".
رضا الزوج بها ورضا وليها ورضاها تصحيحًا للنكاح.
ولا يقال: يجوز أن تكون القرعة أصابت غيرها
(1)
، فيكون جامعًا بين الأختين؛ لأنَّ المجهول كالمعدوم، ولأنا نأمره
(2)
أن يطلق غير التي أصابتها القرعة، فيقول: ومن عداك من هؤلاء فهي طالق احتياطًا، فهذا خير من توريث الجميع وحرمان الجميع؛ وأن يوقف الأمر فيهنَّ أبدًا حتَّى يتبين الحال وينكشف، وقد لا يتبين إلى يوم القيامة.
وبالجملة؛ فالقرعة طريقٌ شرعي، شرعه الله ورسوله للتمييز عند الاشتباه، فسلوكه أولى من غيره من الطرق.
وقد قال أبو حنيفة
(3)
: إذا طلَّق امرأةً من نسائه لا بعينها، فإنَّه لا يحال بينه وبينهنَّ، وله أن يطأ أيتهنَّ شاء، فإذا وطئ انصرف الطلاق إلى الأخرى
(4)
، واختاره ابن أبي هريرة من الشافعية
(5)
، فجعلوا الوطء تعيينًا.
(1)
انظر: المغني (10/ 523).
(2)
في "هـ": "ولا نأمره".
(3)
انظر: روضة القضاة (3/ 985)، المبسوط (3/ 32)، حاشية ابن عابدين (3/ 308 و 418)، فتح القدير (4/ 159)، البحر الرَّائق (4/ 270)، بدائع الصنائع (3/ 228).
(4)
"وله أن يطأ أيتهنَّ شاء فإذا وطئ انصرف الطلاق إلى الأخرى" ساقطة من "و".
(5)
وممن نسبه لابن أبي هريرة: الأسيوطي في جواهر العقود (2/ 107)، أمَّا الماوردي والنووي رحمهما الله تعالى فقد ذكرا أنَّ قول ابن أبي هريرة أنَّه لا يصح تعيينه بالوطء. الحاوي (10/ 281)، روضة الطالبين (6/ 96 - 97).
ومعلومٌ أنَّ التعيين بالقرعة أولى من التعيين بالوطء، فإنَّ القرعة تخرج من قدَّر الله إخراجه بها، ولا يتهم بها، والوطء تابعٌ لإرادته وشهوته، ويجوز أن يشتهي غير من كان في نفسه إرادة طلاقها، فهو متهم في التعيين، فالتعيين بالطريق الشرعي أولى من التعيين بالتشهي والإرادة.
وممَّا يوضحه أنَّ أبا حنيفة قد قال فيما إذا أعتق إحدى أمتيه ثم وطئ إحداهما: أنَّ الوطء لا يعين المعتقة من غيرها
(1)
.
قال أصحابه
(2)
: الفرق بينهما أنَّ الطلاق يوجب التحريم، وذلك ينفي النكاح، فلما وطئ إحداهما دلَّ على أنَّه مختار أن تكون زوجته، فإنَّه لا يطأ من ليست زوجته، وأمَّا العتق فإنَّه وإن أوجب تحريم الوطء فإنه إذا وطئ إحداهما تعين التحريم في الأخرى، وتحريم الوطء
(3)
لا ينافي ملك اليمين، كأخته من الرضاع.
فقال المنازعون لهم: الطلاق لا يوجب التحريم عندكم، فإنَّ الرجعة مباحة، وإنَّما الموجب للتحريم انقضاء العدة واستيفاء العدد،
(1)
انظر: المبسوط (7/ 98)، بدائع الصنائع (4/ 104)، فتح القدير (4/ 501)، تبيين الحقائق (3/ 87).
(2)
"أصحابه" ساقطة من "د".
وانظر: بدائع الصنائع (4/ 104)، تبيين الحقائق (3/ 87).
(3)
"فإنَّه إذا وطئ إحداهما تعين التحريم في الأخرى وتحريم الوطء" مثبت من "أ".