الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الطريق الثاني والعشرون: الأخبار آحادًا
.
وهو أن يخبره عدلٌ يثق بخبره ويسكن إليه بأمر، فيغلب على ظنه صدقه فيه، أو يقطع به لقرينة احتفت
(1)
به، فيجعل ذلك مستندًا لحكمه، وهذا يصلح
(2)
للترجيح والاستظهار بلا ريب، ولكن هل يكفي وحده في الحكم؟ هذا موضع تفصيل.
فيقال: إمَّا أن يقترن بخبره ما يفيد معه اليقين أم لا، فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز
(3)
أن يحكم به، وينزل
(4)
منزلة الشهادة، بل هو شهادة محضة في أصح الأقوال، وهو قول الجمهور
(5)
، فإنَّه
لا يشترط في صحة الشهادة ذكر لفظة "أشهد
" بل متى قال الشاهد: رأيت كيت وكيت، أو سمعت، أو نحو ذلك، كانت شهادة منه، وليس في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موضع واحد يدلُّ على اشتراط لفظ "الشهادة"، ولا عن رجل واحد من الصحابة، ولا قياس، ولا استنباط
(1)
"احتفت" مثبتة من "أ".
(2)
"يصلح" ساقطة من "هـ".
(3)
"أم لا فإن اقترن بخبره ما يفيد معه اليقين جاز" ساقطة من "ب".
(4)
في "أ": "ونزل".
(5)
انظر: تبصرة الحكام (1/ 317)، حاشية الدسوقي (6/ 60)، مجموع الفتاوى (14/ 150)، النكت على المحرر (2/ 312)، كشاف القناع (6/ 179)، الأشباه والنظائر للسيوطي (275)، بدائع الفوائد (1/ 8)، المحلَّى (9/ 434).
يقتضيه، بل الأدلة المتضافرة من الكتاب والسنَّة وأقوال الصحابة ولغة العرب تنفي ذلك.
وهذا مذهب مالك
(1)
وأبي حنيفة
(2)
وظاهر كلام أحمد
(3)
وحكي ذلك عنه نصًّا
(4)
.
قال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150]، ومعلومٌ قطعًا أنَّه ليس المراد التلفظ بلفظة "أشهد"
(5)
في هذا، بل مجرَّد الإخبار بتحريمه.
وقال تعالى: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166]، ولا تتوقف صحة هذه الشهادة على أن
(6)
يقول - سبحانه
(1)
انظر: شرح حدود ابن عرفة (2/ 599)، تبصرة الحكام (1/ 317)، حاشية الدسوقي (6/ 60)، إدرار الشروق (4/ 57)"حاشية على الفروق".
(2)
مذهب الحنفية أنَّ ركن الشهادة قول الشاهد "أشهد". انظر: بدائع الصنائع (6/ 266)، فتح القدير (7/ 375)، البحر الرَّائق (7/ 93)، أدب القضاء للسروجي (332)، المبسوط (16/ 130)، تبيين الحقائق (4/ 218). أمَّا مشايخ العراق فلم يشترطوا لفظ الشهادة. انظر: معين الحكام (95)، فتح القدير (7/ 376)، الاختيار (2/ 140).
(3)
انظر: الفتاوى (14/ 170)، النكت على المحرر (2/ 312)، بدائع الفوائد (1/ 8)، التمهيد لأبي الخطاب (3/ 164)، مدارج السالكين (3/ 452)، الاختيارات (361)، الفروع (6/ 594)، كشاف القناع (6/ 447).
(4)
في "أ": "أيضًا"، وفي "ب":"أيضًا" ومصححة إلى "نصًّا".
انظر: السنة للخلال (2/ 356 و 362)، الفروع (6/ 594)، الإنصاف (30/ 100)، زاد المعاد (3/ 492)، مدارج السالكين (3/ 452).
(5)
في "و": "الشهادة".
(6)
وفي غير "و": "أنَّه".
وتعالى - "أشهد بكذا".
وقال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ} [الزخرف: 86] أي أخبر به، وتكلَّم به عن علم، والمراد به التوحيد.
ولا تفتقر صحة الإسلام إلى أن يقول الداخل فيه: "أشهد أن لا إله إلَّا الله" بل لو قال: "لا إله إلَّا الله محمد رسول الله" كان مسلمًا بالاتفاق، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أُمِرْت أن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أن لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ"
(1)
فَإِذَا تَكَلَّمُوا بقول: "لَا إِلهَ إِلَّا الله" حصلت لهم العصمة، وإن لم يأتوا بلفظ "أشهد".
وقال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 30، 31].
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الإِشْرَاكَ بِالله"
(2)
.
(1)
البخاري رقم (25)(1/ 95)، ومسلم رقم (22)(1/ 325) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
رواه أحمد (4/ 321)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/ 550)، وفي المسند (2/ 254)، وأبو داود رقم (3599)، وابن ماجه رقم (2372)(4/ 47)، والطبراني في الكبير (4/ 209) رقم (4162)، والبيهقي في (10/ 207)، وفي الشعب (4861)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 53) رقم (48)، والعقيلي (3/ 434)، والطبري في تفسيره (9/ 144) من حديث خريم بن فاتك رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر:"إسناده مجهول" ا. هـ. =
وقال: "ألَا أُنْبِئُكُم بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ الشِّرْكُ بِاللهِ
(1)
، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتيِ حَرَّمَ اللهُ وَقَوْلُ الزُّوْرِ"
(2)
.
وفي لفظ: "ألا، وَشَهَادَةُ الزُّوْرِ"
(3)
فسمَّى قول الزور شهادة، وإن لم يكن معه لفظ "أشهد".
وقال ابن عباس رضي الله عنه: شهد عندي رجالٌ مرضيون - وأرضاهم عندي عمر - "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ"
(4)
.
= التلخيص الحبير (4/ 349)، وقال ابن الملقن:"رواه أبو داود وابن ماجه من رواية خريم بن فاتك الأسدي بإسنادٍ ضعيف" ا. هـ. خلاصة البدر المنير (2/ 431)، وقال ابن القطان:"لا يصح" ا. هـ. بيان الوهم (4/ 548). وانظر: تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (2/ 383).
ورواه أحمد (4/ 178)، والترمذي رقم (2300)، والطبري في تفسيره (6/ 144) من حديث أيمن بن خُريم. قال الترمذي:"ولا نعرف لأيمن بن خريم سماعًا من النَّبي صلى الله عليه وسلم" ا. هـ. وذكر ابن الملقن أنَّ في إسنادهِ مقالًا. خلاصة البدر المنير (2/ 431)، وضعفه الألباني. ضعيف الترمذي رقم (399).
وقال العقيلي: "هذا يروى عن خريم بن فاتك بإسنادٍ صالح من غير هذا الوجه" ا. هـ. الضعفاء الكبير (3/ 434).
(1)
"وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الشرك بالله" ساقطة من "ب".
(2)
رواه البخاري رقم (2654)(5/ 309)، ومسلم رقم (87)(1/ 441) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري رقم (2653)(5/ 309)، ومسلم رقم (87) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(4)
رواه البخاري رقم (581)(2/ 69).
ومعلوم أنَّ عمر لم يقل لابن عباس "أشهد عندك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك"، ولكن أخبر به، فسماه شهادة.
وقد تناظرَ الإمام أحمد وعلي بن المديني في العشرة
(1)
- رضوان الله عليهم - فقال علي: أقول: "هُمْ في الجنَّة، وَلَا أَشْهَدُ بِذلِكَ" بناءً على أنَّ الخبرَ في ذلك خبر آحاد، فلا يفيد العلم، والشهادة إنَّما تكون على العلم، فقال له الإمام أحمد:"متى قلت: هم في الجنَّة، فقد شهدت" حكاه القاضي أبو يعلى
(2)
، وذكره شيخنا
(3)
ابن تيمية رحمه الله.
فكل من أخبر بشيءٍ فقد شهد به، وإن لم يتلفظ بلفظ "أشهد"
(4)
.
ومن العجب: أنَّهم احتجوا على قبول الإقرار بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135]
(5)
.
(1)
وهم من ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "عشرة في الجنَّة، أبو بكر في الجنَّة، وعمر في الجنَّة، وعثمان في الجنَّة، وعلي في الجنَّة، وطلحة في الجنَّة، والزبير في الجنَّة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنَّة، وسعد في الجنَّة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنَّة" رواه أحمد (1/ 193)، وأبو يعلى (835)، والترمذي (3747). وصححه ابن حبان (7002) من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(2)
انظر: مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله (440)، السنة للخلال (2/ 362)، الفروع (6/ 594).
(3)
انظر: الاختيارات (361)، النكت على المحرر (2/ 313).
(4)
في "و": "الشهادة".
(5)
في "أ" و"د" و"هـ": ذكر آية المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ =
قالوا: هذا يدلُّ على قبول إقرار المرء على نفسه، ولم يقل أحدٌ: إنَّه لا يقبل
(1)
الإقرار حتَّى يقول المقر "أشهد على نفسي"، وقد سمَّاه الله تعالى شهادة.
قال شيخنا
(2)
- رحمه الله تعالى -: فاشتراط لفظ "الشهادة" لا أصلَ له في كتاب الله، ولا سنَّة رسوله، ولا قول أحدٍ من الصحابة، ولا يتوقف إطلاق لفظُ "الشهادة" لغة على ذلك، وبالله التوفيق.
وعلى هذا فليس الإخبار
(3)
طريقًا آخر غير طريق الشهادة
(4)
.
= شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا} [المائدة: 8].
(1)
"إقرار المرء على نفسه ولم يقل أحد إنَّه لا يقبل" ساقطة من "ب".
(2)
انظر: الاختيارات (362)، الإنصاف (30/ 100).
(3)
"الإخبار" ساقطة من "و".
(4)
"وعلى هذا فليس الإخبار طريقًا آخر غير طريق الشهادة" ساقطة من "ب".