الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رضي الله عنه -، وقيل له: تذهب إليه؟ فقال: إي والله
(1)
.
فصل
وأمَّا التسعير
(2)
فمنه ما هو ظلمٌ محرَّم، ومنه ما هو عدلٌ جائز
(3)
.
فإذا تضمن ظلم النَّاس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم ممَّا أباحه
(4)
الله لهم، فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين النَّاس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم ممَّا يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، فهو جائز، بل واجب.
فأمَّا
القسم الأوَّل
، فمثل ما روى أنس قال: غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، لو سعَّرت لنا؟ فقال:"إنَّ اللهَ القَابِضُ الرَّازِقُ، البَاسِطُ المُسَعِّرُ، وَإِنِّي لأرجو أن ألقى اللهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمةٍ ظَلمتُها إِيَّاهُ في دَمٍ وَلَا مَالٍ" رواه أبو داود والترمذي وصححه
(5)
.
(1)
المسائل التي حلف عليها الإمام أحمد (37) رقم (16).
(2)
التسعير: "تقدير السلطان أو نائبه للناس سعرًا، ويجبرهم على التبايع به". مطالب أولي النُّهى (3/ 62). وانظر: شرح منتهى الإرادات (2/ 26).
(3)
انظر: الحسبة (76)، تكملة المجموع الثانية (13/ 29).
(4)
في "جـ" و"و": "أباح".
(5)
رواه أحمد (3/ 156 و 286)، وأبو داود رقم (3451)، والترمذي رقم (1314)(2/ 582)، وابن ماجه رقم (2200)(3/ 548)، وأبو يعلى رقم (2861)(5/ 245)، وابن حبان (11/ 307) رقم (4935)، والدارمي (2/ 324)، والبيهقي (6/ 48)، وفي الأسماء والصفات (1/ 169)، والضياء =
فإذا كان النَّاسُ يبيعون سلعهم على الوجه المعروف من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر - إمَّا لقلَّة الشيء
(1)
، وإمَّا لكثرة الخلق - فهذا إلى الله، فإلزام النَّاس أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراهٌ بغير حق
(2)
.
وأمَّا الثاني، فمثل أن يمتنع أرباب السلع من بيعها، مع ضرورة النَّاس إليها إلَّا بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلَّا إلزامهم بقيمة المثل، فالتسعير ها هنا إلزام بالعدل الَّذي ألزمهم الله به
(3)
.
= في المختارة (5/ 27) رقم (1630)، وابن عبد البر في الاستذكار (20/ 79)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 197) من حديث أنس رضي الله عنه قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح" ا. هـ. وصححه ابن عبد البر في الاستذكار (20/ 78)، وقال الحافظان ابن كثير وابن حجر:"إسناده على شرط مسلم" ا. هـ. انظر: إرشاد الفقيه (2/ 33)، والتلخيص الحبير (3/ 31). وللحديث طرق أخرى.
(1)
انظر: البداية والنهاية سنة 81 هـ و 260 هـ و 308 هـ وما حدث فيها من غلاء الأسعار.
(2)
انظر: المبدع (4/ 47)، الفروع (4/ 37)، كشاف القناع (3/ 187)، مجموع الفتاوى (28/ 95)، روضة الطالبين (3/ 411)، النتف في الفتاوى (2/ 810)، التاج والإكليل (4/ 380)، الكافي لابن عبد البر (360)، الدراري المضية (2/ 302)، تحفة الأحوذي (4/ 452)، جواهر العقود (1/ 62)، التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 197).
(3)
انظر: الحسبة (67)، مجموع الفتاوى (28/ 95)، عارضة الأحوذي (6/ 54)، تكملة المجموع الثانية (13/ 29).
فصل
ومن أقبح الظلم إيجار الحانوت على الطريق أو في القرية بأجرةٍ معيَّنة على ألَّا يبيع أحد غيره، فهذا ظلمٌ حرام على المؤجر والمستأجر، وهو نوع من أخذ أموال النَّاس قهرًا وأكلها بالباطل، وفاعله قد تحجر واسعًا، فيخاف عليه أن يحجر الله عنه رحمته، كما حجر على النَّاس فضله ورزقه
(1)
.
فصل
ومن ذلك
(2)
: أن يلزم النَّاس ألَّا يبيع الطعام أو غيره
(3)
من الأصناف
(4)
إلَّا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلَّا لهم، ثمَّ يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منع وعوقب، فهذا من البغي في الأرضِ والفساد، والظلم الَّذي يحبس
(5)
به قطر السَّماء، وهؤلاء يجب التسعير عليهم، وألَّا يبيعوا إلَّا بقيمة المثل، ولا يشتروا إلَّا بقيمة المثل، بلا تردد في ذلك عند أحدٍ من العلماء
(6)
؛ لأنَّه إذا
(1)
انظر: الفروع (4/ 54).
(2)
انظر: الحسبة (68)، تكملة المجموع الثانية (13/ 30).
(3)
في "د": "ولا غيره".
(4)
"من الأصناف" ساقطة من "هـ".
(5)
في "د": "لا يحبس".
(6)
الحسبة (68).
منع
(1)
غيرهم أن
(2)
يبيع ذلك النوع أو يشتريه، فلو سوغ لهم أن يبيعوا بما شاءوا أو يشتروا بما شاءوا كان ذلك ظلمًا للنَّاس ظلمًا
(3)
للبائعين الَّذين يريدون بيع تلك السلع، وظلمًا للمشترين منهم.
فالتسعير في مثل هذا واجب بلا نزاع، وحقيقته إلزامهم بالعدلِ، ومنعهم من الظلم، وهذا كما أنَّه لا يجوز الإكراه على البيع بغير حقٍّ، فيجوز أو يجب الإكراهُ عليه بحق، مثل بيع المال لقضاء الدين الواجب، والنفقة الواجبة، ومثل البيع للمضطر إلى طعام أو لباس، ومثل الغراس والبناء في ملك الغير، فإنَّ لرب الأرضِ أن يأخذه بقيمة المثل
(4)
، ومثل الأخذ بالشفعة، فإنَّ للشفيع أن يتملك الشقص
(5)
بثمنه قهرًا، وكذلك السراية
(6)
في العتق، فإنَّها تخرج الشقص من ملك الشريك قهرًا، وتوجب على المعتق المعاوضة عليها قهرًا، وكل من وجب عليه شيءٌ من الطعام واللباس والرقيق والمركوب - لحجًّ
(7)
أو
(1)
هكذا في النسخ. ولعلَّ الصواب "لأنَّه منع" ليستقيم المعنى.
(2)
"أنَّ" مثبتة من "أ" و"جـ".
(3)
"ظلمًا" ساقطة من "أ".
(4)
انظر: الأموال لأبي عبيد (299) الأموال لابن زنجويه (2/ 639 و 643)، الخراج ليحيى بن آدم (95)، التفريع (2/ 282)، القواعد لابن رجب (149)، مجموع الفتاوى (29/ 124)، تهذيب السنن (5/ 64)، مختارات من الفتاوى للسعدي (360).
(5)
الشِّقْص بكسر السين: الطائفة من الشيء. التوقيف (343)، المطلع (278)، طلبة الطلبة (86)، النظم المستعذب (2/ 29).
(6)
السراية: التعدي. المطلع (360).
(7)
في "ب" و"جـ" و"د" و"هـ": "بحج".
كفارة أو نفقة - فمتى وجده بثمن المثل وجب عليه شراؤه، وأجبر على ذلك، ولم يكن له أن يمتنع حتَّى يبذل له مجانًا، أو بدون ثمن المثل.
فصل
ومن ها هنا: منع غير واحدٍ من العلماء - كأبي حنيفة وأصحابه
(1)
- القسامين
(2)
- الَّذين يقسمون العقار وغيره بالأجرة - أن يشتركوا، فإنَّهم إذا اشتركوا - والنَّاس يحتاجون إليهم - أغلوا عليهم الأجرة.
قلت: وكذلك ينبغي لوالي الحسبة أن يمنع مغسلي الموتى والحمالين لهم من الاشتراك، لما في ذلك من إغلاء الأجرة عليهم، وكذلك اشتراك كل طائفة يحتاج النَّاس إلى منافعهم، كالشهود والدلالين وغيرهم؛ على أنَّ في شركة الشهود مبطلًا آخر، فإنَّ عمل كل واحد منهم متميزٌ عن عمل الآخر، لا يمكن الاشتراك فيه
(3)
؛ فإنَّ الكتابة
(4)
متميزة، والتحمل متميز
(5)
، والأداء متميز، لا يقع في ذلك اشتراك ولا تعاون، فبأي وجهٍ يستحق أحدهما أجرة عمل صاحبه؟
(1)
انظر: المبسوط (16/ 103)، بدائع الصنائع (7/ 19)، بداية المبتدي (1/ 211)، حاشية ابن عابدين (6/ 273) مختصر القدوري (227)، البحر الرَّائق (8/ 169) الاختيار (2/ 74).
(2)
في "ب" و"د": "القاسمين".
القُسَّام بالضم والتشديد جمع قاسم. حاشية ابن عابدين (6/ 273)، الخرشي على خليل (6/ 189) وسيأتي حالًا تعريف ابن القيم لها.
(3)
"فيه" ساقطة من "د".
(4)
في "ب": "الكفاية".
(5)
"والتحمل متميز" ساقطة من "هـ".