الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
بعد الكتاب الأول من سلسلة بحوث في العلمانية: «العلمانية: المفهوم والمظاهر والأسباب» . الذي طبع في الرباط، ونشرته جريدة «السبيل» المغربية غشت 2011.
هذا هو الكتاب الثاني، الذي خصصته للحديث عن حقيقة نظرة العلمانيين للإسلام وموقفهم منه، بعيدا عن التمويه الإيديولوجي والتزييف الإعلامي الذي يمارسه الخطاب العلماني. وأبين فيه أن الموقف العلماني من الإسلام مضمر برؤية استشراقية دونية، فهو في نظرهم يقوم على أسس خرافية أسطورية لا عقلانية، وهو مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري نحو الفكر العقلاني الوضعي الذي يرى الأديان مجموعة من الأوهام التي صنعها البشر البدائيون لتبرير عجزهم أمام ظروف الطبيعة القاهرة، وأن الإسلام دين البداوة والخيمة والقبيلة (1). وبالتالي لم يعد صالحا لمجتمعات الطاقة النووية والخلايا الجذعية والانترنيت.
وتنطلق رؤيتهم تلك من أساس دهري، وهو أن الإسلام دين بشري أو لِنَقُل: محمدي، ويتغافلون عن كون صاحب الشرع هو من يعلم الطاقة النووية والخلايا الجذعية وغيرها. فالله شرع شرعا مع علمه بمتغيرات الأحوال والأزمان والأماكن، شرعا صالحا لحضارة الجمل وحضارة الانترنيت، وهو الذي خلق
(1) الحركات الإسلامية للربيعو (83).
الإنسان ويعرف ما يصلح له وما لا يصلح.
لكن الخطاب العلماني يقف على أرض إلحادية لا تؤمن بوجود إله ولا تعترف بدين، ويتظاهر بكونه لا مشكلة له مع الدين، وأنه يكفل حرية الاعتقاد للجميع.
وهدفنا في هذا الكتاب تعرية تلك الأقنعة وهتك تلك الأستار التي يتمترس خلفها الخطاب العلماني، وتفكيكها وطحنها وسحقها إلى الأبد.
وأغلب رموز العلمانيين يصرحون بعلمانية صارخة لادينية، كأركون وعادل ضاهر وعزيز العظمة وهاشم صالح وطيب تيزيني ونصر أبي زيد، ويرفضون التمسح بالدين بأي شكل من الأشكال، بل ينتقدون علمانيين آخرين يحاولون البحث عن جذور إسلامية للعلمانية أو الاحتجاج بالنصوص الدينية، ويعتبرون هذا تنازلا خطيرا وانبطاحا لا مبرر له. بينما يفضل آخرون الهجوم مرة والتراجع أخرى في انتظار تهيؤ الأجواء للهجوم النهائي، يمثل هذا الاتجاه حسن حنفي وخليل عبد الكريم والعشماوي وآخرون.
ولا خلاف بين الطائفتين إلا في التكتيك، وهل حان نقد الدين الإسلامي ونقضه وتجاوزه؟، أم أن الجو العام والخشية من ردود أفعال جماهيرية غاضبة ترجع على المشروع العلماني بالضعف؟ تحتم اعتبار المرحلة وظروفها وملابساتها في الحسبان.
وعموما يستحيل وجود علماني يؤمن إيمانا حقيقيا بالدين أو الغيب أو المقدسات إلا إذا لم يكن علمانيا حقيقيا أو يفهم العلمانية فهما ساذجا طفوليا.
لأن الدين يقوم على اعتبارات ميتافيزيقية وأصول غيبية، والعلمانية ما جاءت إلا لمحاربة الغيبيات باعتبارها مقومات خرافية أسطورية تنتمي إلى عصر
سيطرة الخرافة واللاعقل (1).
فالعلمانية = سيادة العقل وحده.
والدين يقوم على مقومات غيبية لا عقلانية حسب النظرة العلمانية نفسها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالعلمانية، لا تؤمن إلا بما دلت عليه التجربة والحواس.
والدين تدور قواعده على الله والرسل والجنة والنار والشياطين، وكلها مفاهيم خرافية أسطورية لا يثبتها العلم التجريبي الحديث، وبالتالي فهي غير علمية ولا تتمتع بأية مصداقية.
وعليه فالعلمانية والدين الإسلامي نقيضان لا يجتمعان.
وأما مسألة أن العلمانية تكفل حرية الاعتقاد، نعم هي تكفل حرية اعتقاد أيّ شيء كان دينا أم إلحادا أم وثنية أم عبدة شياطين.
فهي لم تعط للدين امتيازا ما، فهي ترى أن الإنسان حر في اعتقاد ما يشاء ولو كان خرافيا وتافها في نظرها وتقديرها.
ولذلك فتحوير المسألة من الموقف من الدين إلى الموقف من التدين محاولة للفت الأنظار فقط، بمعنى ما هو موقف العلمانية من الدين نفسه؟ وما هي نظرتها إلى الغيبيات والماورائيات؟ بغض النظر عن سماحها بالتدين.
فهي ترى أن هذه خرافات تافهة لا عقلانية، تنتمي إلى حيز الأوهام التي
(1) سمى زكي نجيب محمود كتابه «خرافة الميتافيزيقا» الذي عدله فيما بعد إلى «موقف من الميتافيزيقا» ، واعتبر أن كل ما لا يدخل تحت الحس فهو ميتافيزيقا مرفوضة (3)، وأن العبارات الميتافيزيقية أقوال فارغة من المدلول والمعنى (12). أي: هي أشياء خرافية لا حقيقة لها. ويعني بها كل الغيب: الله الملائكة الروح الجن الجنة النار
…
وهي لا تنفع السامع شيئا لأنها لا تدل على شيء (104).
ولهذا دعا إلى حذف الميتافيزيقا من دائرة المعارف الإنسانية (