الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط
…
إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية (1).
وفي صفحات لاحقة عند حديثه عن المجاز تعجب من الإيمان بحرفية الدلالات التي وردت في النصوص الدينية عن الله كالعرش والكرسي والملائكة، وما ورد عن الآخرة كالصراط والحوض وعذاب القبر وناكر ونكير، وما ورد عن المسيح الدجال وغير ذلك من أشراط الساعة. في حين هي لا تعدو في نظره مجازا وليس حقائق موجودة (2).
وبالجملة فالأمر كما قال حسن حنفي: إن النصوص الدينية التي تظن أنها -ستقول ذلك مجازا- هابطة من السماء، إنما هي في الحقيقة نابتة في الأرض (3).
الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص
.
تلك هي حصيلة افتراءات العلمانيين حول أصل الإسلام أو الإسلام المحمدي كما يعبر طيب تيزيني.
وكما قال نصر حامد أبو زيد: فالإسلام نفسه لم ينبثق من فراغ، بل له جذور (4).
وإن الكثير مما هو إسلامي أصله غير إسلامي، كما يرى عبد المجيد الشرفي (5).
وعند أركون «إن الإسلام جزء من التراث الإغريقي السامي وليس من أيّ
(1) النص والسلطة والحقيقة (135).
(2)
نفس المرجع (211).
(3)
مداخلة حسن حنفي حول كتاب القمني الأسطورة والتراث (282).
(4)
العلمانية مفاهيم ملتبسة (238) وقدر العلمانية في العالم العربي (52).
(5)
تحديث الفكر الإسلامي (30).
تراث معرفي آخر» (1).
وإن القرآن أعاد صياغة الميتافزيق التوراتي على حد تعبيره (2)، والقصص القرآني مأخوذ من التراث اليهودي والمسيحي (3).
إن القرآن كما الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانونا واضحا (4).
وذكر أركون أن القرآن استعار قصصه من غيره، ووظفها ضمن منظوره وغيَّر وجهتها وغائيتها لكي تتطابق مع وجهته هو (5).
هذا هو القرآن الكريم في نظر مؤرخ الفكر الإسلامي (!!): توظيف وتغيير وجهة قصص من غيره.
وزاد مؤكدا أن القرآن دمج في الدين الجديد بعض شعائر الدين العربي الجاهلي السابق عليه كشعيرة الحج مثلا، أو قانون العِرض والشرف، كما يأخذ العديد من التعاليم والوصايا والحكايات عن التوراة والإنجيل على الرغم من أنه يتهم أصحابهما بممارسة التحريف.
إذن هو قرآن ملفق حسب أركون.
والقيم المدعوة إسلامية ليست سوى قيم جاهلية تم توظيفها ودمجها في الدين الجديد.
(1) قضايا في نقد العقل الديني (269).
(2)
الفكر الإسلامي (77).
(3)
نحو نقد العقل الإسلامي (78).
(4)
تاريخية الفكر الإسلامي (2
(5)
نحو نقد العقل الإسلامي (149).
وحسب عزيز العظمة: «الواقع التاريخي أن الإسلام لم يولد جاهزا، بل الأصح أن أكثر عناصره تسربت إليه، وطوعت معاني القرآن، وعملت على تشكل الحديث بموجب الأوضاع السائدة في الشام والجزيرة والعراق وفارس وخراسان» (1).
أو كما قال سيد القمامة: فالمعلوم لكل باحث في الإسلام أنه قد استمد معظم شرائعه إن لم يكن كلها من شرائع العرب قبل الإسلام بعد أن هذب بعضها القليل جدا وشذبه (2).
أو كما قال هاشم صالح: إن القرآن متأثر أيضا بالإنجيل وليس فقط بالتوراة على عكس ما يظن البعض (3).
وقال محمود إسماعيل: بل إن الإسلام نفسه اعتمد الكثير من التقاليد والنظم الجاهلية في صياغة شريعته (4).
أو كما قال طيب تيزيني: بحيث يمكن القول بأن الإسلام أخذ الكثير من الأعراف العربية الوثنية والمسيحية والنصرانية واليهودية إلخ
…
التي كانت سائدة في المرحلة السابقة عليه (5).
وقال عن الموروث الإغريقي والهليني والفارسي والهندي والصيني وغيره: بل يمكن القول إن النص القرآني نفسه كان قد تأثر بذلك الموروث (6).
(1) التراث بين السلطان والتاريخ (140).
(2)
أهل الدين والديمقراطية (79).
(3)
الإسلام والانغلاق اللاهوتي (169).
(4)
العلمانية مفاهيم ملتبسة (96).
(5)
مقدمات أولية (226).
(6)
النص القرآني (80).
وأكد أن القرآن وإن نفى تعلم النبي صلى الله عليه وسلم من قوم أجانب فلم ينف الاتصال معهم، ليخلص من بعدها إلى ما يلي: كما أن تعبير (قوم آخرون) والذي يتبادر إلى الذهن أن الكفار لم يكونوا ليقولوا ما قالوه مما حكته الآية، لو لم يروا أو يعرفوا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم حلقة أو رفاق يجتمعون إليه ويجتمع إليهم، ويتحدثون في الأمور الدينية، وليس من المستبعد إن لم نقل من المرجح أن هذا كان قبل البعثة ثم امتد إلى ما بعدها .... إلى أن قال: ما أتى به محمد، ما هو إلا استنساخ لما قدم سابقوه ومعاصروه:{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الجاثية 29 (1).
وزاد مؤكدا أن الإسلام المحمدي تبنى الألفاظ والأفكار التي كانت في الجاهلية، ومثل لذلك بـ: القرآن والسورة والآية، والتيمم والفسق وتحريم الخمر وقطع يد السارق وتحريم القمار والحج والاغتسال والصلاة إلى القبلة (مكة والقدس) وصوم عاشورا والدعاء والإيمان بالله الواحد والختان وحف الشارب مع ترك اللحية، والإيمان بالشياطين والجان والإيمان باليوم الآخر والحساب
…
إلى آخر كلامه (2).
وزاد في مكان آخر: تقبيل الحجر الأسود والاهتمام به، والطواف حول الكعبة وصوم عاشوراء وذبح الأضاحي والعمرة (3).
إذا فالإسلام نسخة كربونية للجاهلية في نظر طيب تيزيني.
ليس هذا فقط، فقد ذكر أن الإسلام خرج من اليهودية والمسيحية (4).
(1) نفس المرجع (246).
(2)
مقدمات أولية (36).
(3)
نفس المرجع (154).
(4)
نفس المرجع (313).
ويتحاشى ذكر أية علاقة لهذا الدين بقوى غيبية أو بالله والوحي ونحو ذلك.
إنه حركة سياسية ذات منزع ديني، استوعبت الحركات الدينية المعاصرة لها والأفكار والمعتقدات السائدة في بيئتها، بل بتخطيط وتدبير وإشراف نصراني كما سيأتي عن طيب تيزيني وآخرين.
يريد العلمانيون من هذا كله إثبات تاريخية الإسلام، وكونه نبع من الأرض لا نزل من السماء، أي: هو بشري المنشأ والمصدر، ابن بيئته الحجازية، نشأ فيها وتأثر بأوضاعها وبمحيطها، بل هي ولدته، ومن رحمها خرج.
ونصل بعد كل هذا إلى متولي كبر هذه الفرية: إنه مفتي الماركسية الشيخ الأحمر خليل عبد الكريم، فقد ألف كتابا خاصا لبيان الاستنساخ الإسلامي للجاهلية وباقي الديانات، سماه: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية.
قال: إن الإسلام ورث الكثير من عرب الجزيرة واستعار العديد من الأنظمة التي كانت سائدة بينهم في شتى المجالات: الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية (= الحقوقية) والسياسية واللسانية.
وزاد: فالكثير من القراء قد يدهش عندما يعرف أن الإسلام قد أخذ من الجاهلية كثيرا من الشؤون الدينية أو التعبدية (1).
وذكر منها الحج والعمرة وتعظيم الكعبة وتقديس شهر رمضان وحرمة الأشهر الحرام وثلاثة حدود الزنا والزنا وشرب الخمر والقصاص والدية والقسامة والعاقلة (2).
وزاد: وتعظيم إبراهيم وإسماعيل والاجتماع العام يوم الجمعة (3). ثم قال: هذه بعض الشعائر الدينية أو التعبدية التي استعارها الإسلام من القبائل
(1) الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (14).
(2)
نفس المرجع.
(3)
نفس المصدر (23).
العربية (1).
وقال: .. يدل دلالة أكيدة على أن التقاليد العربية التي كانت سائدة في الفترة السابقة على البعثة المحمدية تركت آثارا واضحة لا على النصوص المقدسة فحسب، بل سلوكيات المسلمين من ذوي السابقة (2).
وذكر أن الإسلام ورث كذلك من ديانة الحنيفية: النفور من عبادة الأصنام، وتحريم ما ذبح عليها، وتحريم شرب الخمر وحد شاربها، وتحريم الزنا، وحد مرتكبيه، والاعتكاف في غار حراء، وقطع يد السارق، وتحريم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والنهي عن وأد البنات، والصوم، والاختتان، والغسل من الجنابة، والإيمان بالبعث والنشور، والحساب، والإيمان بالله وحده والدعوة إلى عبادته (2 - 25 - 26) ومنها صلاة الخوف وصلاة الكسوف والخوف (194)، والعتق والولاء (194).
وأما تقاليد العرب القديمة، فقال الشيخ الأحمر مفتي الماركسية: يمكننا أن نؤكد ونحن على ثقة شديدة بأن الإسلام ورث من العرب الشيء الوفير، بل البالغ الوفرة في المناحي كافة التعبدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية .... الخ (3).
فأما الشعائر الاجتماعية فمنها الرقى والتعاويذ (29)، والعناية بالإبل والأنعام (32)، وتعدد الزوجات (34)، والتفرقة بين العرب والعجم (43) والتمييز بين العرب والأعراب (46)، والنظرة إلى الزراعة وأهلها (49) والجزية (50)، وأكل العشور أي: الزكاة (53)، والاستجارة والجوار (56)، وحرمة
(1) نفس المصدر.
(2)
نفس المصدر (39).
(3)
نفس المرجع (16).
النسب (59) والاسترقاق (64) وأن الإسلام تأثر بتقاليد العرب وأنه ورث منهم هذا التقليد أو العرف (65).
وأما الشعائر الجزائية: فالعاقلة (69) والقسامة (72).
وأما الشعائر الحربية: خمس الغنائم (77) والسلب (79) والخمس (80).
وأما الشعائر السياسية: الخلافة (83)، ولهذا لم يعين النبي صلى الله عليه وسلم خليفة لأنه متبع للتقاليد العربية القديمة، والشورى (94)، نسخها الإسلام ونقلها بنفس الصورة والملامح، وقال: هل بعد ذلك شك في أن الشورى هي ميراث من القبائل العربية السابقة على الإسلام (98).
بل زاد وأكد أن الجاهلية المسودة للأنظمة الإسلامية (1).
وما عليك إذا أردت أن تفهم عبارة في المبيضة (أي: الإسلام) إلا أن ترجع للمسودة (2).
وكرر هذه التهم في كتابه الآخر الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية، فذكر أن الإسلام ورث مجموعة من الطقوس والشعائر من الجاهلية، مثل الحج والعمرة، وتقبيل الحجر الأسود، وصلاة الاستسقاء (185).
وبيّن أن صلاة الاستسقاء تعلمها النبي صلى الله عليه وسلم من جده عبد المطلب لما أقامت قريش طقوسا تشبه صلاة الاستسقاء، وهو غلام (182 - 183).
وطبعا لا يهم العلمانيين هذه القصة صحيحة أم لا، لأن المهم هو تأديتها للغرض، وإذا ما احتججت بأحاديث البخاري ومسلم والمجمع على صحتها قالوا آحاد وربما شككوا فيها جملة وتفصيلا.
وزاد كذلك أن صلاة الكسوف والخسوف طقوس وشعائر ورثها النبي من عصره، قال: إذا راقبنا أثر كسوف
(1) نفس المرجع (14).
(2)
نفس المرجع (15).
الشمس وخسوف القمر على محمد صاحب الشريعة (1) وما يلم به أو يعتريه خلالهما، وما كان يقوم به من طقوس وشعائر لانجلائهما يتوثق لدينا أنه ابن مجتمعه الذي تربى فيه وعاش في تلافيفه أربعين عاما قبل البعثة واثني عشر بعدها (186).
يريد أن يقول لنا: إن الإسلام ليس إلا نسخة معدلة من الجاهلية.
فلماذا كل هذا الضجيج والشغب أيها المسلمون؟ ها هو أبو جهل القرن العشرين التقدمي قد بين لنا أننا نسخة كربونية لأبي جهل القرن السابع.
ولا بأس أن نجيب هنا ولو باختصار شديد عن هذه الشبهة التافهة: كان دين إبراهيم عليه السلام الذي هو الإسلام نفسه عقيدة وشريعة مع اختلافات بين شرائع الأنبياء، لكنها متفقة في أصول العقيدة والأخلاق الفاضلة وكثير من العبادات والفضائل. كانت موجودة في الجزيرة العربية.
وكانت تنتشر اليهودية والمسيحية فيها وفي أطرافها، والتي تشترك مع الإسلام في عدة أمور.
تركت هذه الأديان آثارا واضحة على سكان الجزيرة، وبقيت كثير من دين إبراهيم باقيا حتى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كالحج والعمرة وتعظيم الكعبة والأضحية والختان وغيرها كثير.
ولهذا كان يقال لمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة: صابئ، أي: صبأ وعاد لدين إبراهيم.
ودين إبراهيم وكافة الأنبياء هو الإسلام كما قرر القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران67.
وبالتالي فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أرسله بتجديد الدين الذي كانت بعض بقاياه
(1) تنبه!!.