الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيا: إطلاق لفظ الإسلام أو الإيمان على غير المعنى الذي نفهمه نحن، بمعنى مسلم باعتبار البلدة والنشأة لا اعتقادا.
وهذا قد يفعله أركون أحيانا وعلي حرب.
وثالثا: من باب الجهل إما بالعلمانية أو بالإسلام أو كليهما.
فيتعامل مع الأمر تعاملا ساذجا بغير قصد.
وهذا حال كثير من العلمانيين البسطاء وبعض السياسيين والصحفيين الذين لا يفهمون من العلمانية غير فصل الدين عن الدولة.
الهدف من التاريخية
.
لا يخفي معظم العلمانيين أن هدفهم من التأكيد على تاريخية القرآن هو تجاوز المفاهيم والتشريعات والأحكام التي يدل عليها القرآن من جهة ومن جهة أخرى نزع القداسة عنه حتى يعامل كباقي النصوص نقدا ونقضا.
أو لنقل بعبارة أوضح: إنهم يريدون وضع القرآن في خانة الفلكلور أو كجزء من الحفريات التي يدرسها المختصون بعلم الآثار، لا أنه كتاب يقود ويسود ويحكم.
قال علي حرب مبينا مقصد أركون بتاريخية الفكر الإسلامي: فالتعامل مع الفكر الإسلامي بوصفه نتاجا تاريخيا معناه نزع هالة القداسة عن ذلك الفكر، أي: تمزيق الحجاب وهتك السر، هذا هو صلب القضية، كيف نقرأ التراث والقرآن تحديدا (1).
يقصد بتمزيق الحجاب وهتك السر، نزع صفة الألولهية عنه، وإحلال البشرية عليه.
وشرح هاشم صالح ذلك بقوله: أي: وضعها ضمن سياقها التاريخي،
(1) نقد النص (76).
وربطها بظروف قديمة مضت وانقضت ولم تعد هي ظروفنا. وبالتالي فهذه الآيات لم تعد ملزمة في العصر الحالي (1).
وقال: فالشيء ما إن تنكشف تاريخيته حتى يصبح من السهل تجاوزه (2).
وبيّن أن معنى أرخنة القرآن هو موضعته ضمن سياقه التاريخي ليبطل مفعوله بالنسبة لعصرنا، لأن الظروف اختلفت (3).
وقال أركون: عملي يقوم على إخضاع القرآن لمحك النقد التاريخي المقارن (4).
وبيّن علي حرب أن أركون يهدف إلى الكشف عن تاريخية القرآن الأكثر مادية ودنيوية وأكثر يومية وعادية، بل الأكثر شيوعا (5).
وزاد أن هدفه من قراءة القرآن ليس تقويم المعنى ولا إعادة الاعتبار إلى الظاهرة المعجزة التي يمثلها الوحي القرآني، وإنما هدفه تفكيك المعنى بالبحث عن أصوله وتبيان كيفية إنتاجه (6).
أي: بلغة واضحة بينة: يريد أركون بيان بشريته وأنه منتج بشري أرضي في ظل شروط تاريخية.
وليس هدف العلمانيين من إعادة القراءة هو فهم أكثر للنص أو رد الاعتبار له إن الهدف بكل بساطة هو التحرر من النص نفسه بغية تجاوزه، يقول نصر أبو زيد: ولا خلاص من تلك الوضعية إلا بتحرير العقل من سلطة النصوص الدينية
(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (350).
(2)
نفس المرجع (48).
(3)
نفس المرجع (354).
(4)
الثقافة الجديدة عدد 26 - 27/ 1983 نقلا عن الممنوع والممتنع (119).
(5)
الممنوع والممتنع (119).
(6)
نفس المرجع (120).
وإطلاقه حرا يتجادل مع الطبيعة والواقع الاجتماعي والإنساني، فينتج المعرفة التي يصل بها إلى مزيد من التحرر فيصقل أدواته ويطور آلياته (1).
فالهدف مرسوم وواضح، لكنهم أحيانا ومن باب التكتيك الهجومي يقولون إنهم يريدون من إعادة القراءة فهما أعمق للنص، وأكثر تعبيرا عن روح الشريعة، أو يقولون إنهم ليسوا ضد النص ولكن ضد فهم العلماء للنص.
وبيَّن نصر أبو زيد هدفه من التأكيد على تاريخية النص فقال: نزع قناع القداسة عن وجهه، وهو ما يؤدي في نهاية الشوط إلى طرح كل الأسئلة الممكنة بلا خوف ولا تردد ولا تواطئية تبريرية.
وزاد: إن ممارسة هذه الحرية في نقد التراث تعد شرطا ضروريا في مشروع النهضة سعيا لتغيير بنية العقل من حالة الإذعان والتقبل السلبي إلى حالة التساؤل وإنتاج المعرفة (2).
يعني التعامل مع القرآن كنص بشري لا يحظى بأي احترام أو تقديس، وعدم التعامل معه كنص له حرمة ما أو قداسة ما.
وليس المقصود بتاريخية النصوص أو البعد التاريخي للنصوص: أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وتغير الأحكام لتغير الظروف والملابسات كما أكد أبو زيد بنفسه (3).
ثم استطرد مبينا المراد بها بقوله: فإن البعد التاريخي الذي نتعرض له هنا يتعلق بتاريخية المفاهيم التي تطرحها النصوص من خلال منطوقها وذلك نتيجة طبيعية لتاريخية اللغة التي
(1) مقال: ثقافة التنمية وتنمية الثقافة. الإمام الشافعي لنصر أبي زيد (43).
(2)
النص والسلطة والحقيقة (48).
(3)
نقد الخطاب الديني (87).
صيغت بها النصوص (1).
ثم يزيد: ولا خلاف في أن تاريخية اللغة تتضمن اجتماعيتها الأمر الذي يؤكد أن للمفاهيم بعدها الاجتماعي الذي يؤدي إهداره إلى إهدار دلالات النصوص ذاتها (2).
وهدفه طبعا من كل هذه التعقيدات واضح جدا، وهو ما يؤكده لنا بقوله: وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص، بل، لكل قراءة- بالمعنى التاريخي الاجتماعي- جوهرها الذي تكشفه في النص (3).
بمعنى أن النص يصبح نصا مطاطا يتشكل فيه كل ما يريده القارئ.
فالشيوعي سيقرؤه قراءة ماركسية، والليبرالي كذلك، بل والمسيحي واليهودي. ليس هناك شيء ثابت في النصوص، وليس هناك ثوابت، الكل متحرك ومتغير كالحديد المنصهر، يمتد حسب الرغبة والطلب.
هذه هي أهداف تاريخية النصوص، أو بعبارة أوضح: نصوص القرآن والسنة كانت استجابة لبيئة بدوية صحراوية ذات خصائص معينة، ذات بعد تاريخي واجتماعي معين.
أما في عصرنا فلم تعد تلك الأحكام تناسب عصر الصواريخ وعلم الجينات والطاقة النووية. فلا بد من تجاوزها وإلغائها.
ولا يقتصر أبو زيد على النصوص التشريعية، بل يتعداها إلى العقائد والقصص القرآني، كما صرح بنفسه (4). بل اعتبر الجانب التشريعي شريحة رقيقة من
(1) نقد الخطاب الديني (87 - 88).
(2)
نفس المرجع (88).
(3)
نفس المرجع (88).
(4)
نفس المرجع (88).
النصوص (1).
أي: الشريحة الأغلظ التي ستطالها ترسانة أبي زيد النقدية ليتم تجاوزها وتحويلها إلى متحف التاريخ هي العقائد والغيبيات والقصص القرآني.
وهذا علماني آخر يقول: نحن نؤمن بتاريخية النصوص وبربطها بأسباب ورودها وبالفترة الزمنية التي ظهرت فيها وبالبيئة التي انبعثت منها وبالمجتمع الذي ولدت فيه، بل وبالظروف الجغرافية التي واكبتها وبالدرجة الحضارية للمخاطبين بها وبمداهم المعرفي وأفقهم الثقافي (2).
هكذا يقول الشيوعي الملتحي أو الشيخ الأحمر خليل عبد الكريم. وهو يقصد بالدرجة الحضارية والمدى المعرفي والأفق الثقافي أن جيل الصحابة الذين ظهر فيهم القرآن كان له مستوى حضاري وثقافي ومعرفي معين، يؤمن بالخرافة والأساطير والغيبيات بل والكهانة كما تقدم عن أبي زيد، وبالتالي يجب تجاوز مسألة الله والوحي والملائكة والجن والشياطين، بل والجنة والنار، لأن هذه المفاهيم تتناسب مع الفكر الميثي الأسطوري الذي كان غالبا في ذلك العصر. أما في عصر الطاقة الذرية والانترنيت فلا حاجة للحديث عن هذه المفاهيم لأنها لا تناسب الدرجة الحضارية لمجتمعنا.
بل حديثنا سيكون عن المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الشواذ والدعارة والتنمية والمنفعة.
أما القيم والأخلاق فضلا عن العقائد والأديان فلم تعد مناسبة لدرجة الوعي الحضاري لمجتمعنا.
(1) نفس المرجع (89).
(2)
الأسس الفكرية (108).
وطبعا يتسلح كل من أبي زيد وخليل عبد الكريم بالسلاح الماركسي العتيق فيما طارحاه من تاريخية.
فالأديان والأفكار والمعتقدات هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية.
فلما كانت البيئة صحراوية بدوية لها نمط إنتاج بدائي يعتمد على الرعي، جاء الدين الإسلامي بعقائده وتشريعاته انعكاسا لهذه الأوضاع.
ومع تغير وسائل الإنتاج من الزراعة إلى الصناعة ومن الإنتاج البدائي إلى الإنتاج اللآلي المتطور ومن المجتمع القبلي إلى المجتمع المدني الحديث، فلم يعد الدين ولا أحكامه مناسبة لهذه الأوضاع.
وهذه هي التاريخية.
وقد ضرب لنا الشيخ الأحمر مثالا لاعتماد التاريخية في نقض الأحكام الشرعية، باعتماد ما سماه: المغزى من الأحكام، واعتبره هو الجوهر واللب والعصارة (1).
فالحجاب مثلا في نظر الشيوعي الملتحي مفتى الماركسية شُرِع للفصل بين الحرائر والإماء لكي لا يتعرض لهن الفساق.
أما وقد تحررنا من الرق، فلم يعد لهذا الحجاب من معنى.
وزاد مؤكدا: فإذا انتهى هذا التمايز وأصبحت النسوان كلهن حرات، ليست بينهن عبدات غدا التمسك بالحجاب فهما مغلوطا للنصوص يتعين المسارعة إلى تصحيحه حرصا على النصوص ذاتها، لأن عافيتها لن تستمر إلا بمعرفة المغزى الذي جاءت به (2).
(1) الأسس الفكرية (110).
(2)
نفس المرجع (1